الحكومة ورمضان... على مائدة الأمريكان

شبكة النبأ: في خطابه في 2 آب/أغسطس أكد الرئيس الأمريكي أوباما أنه بغض النظر عن وضع تشكيل الحكومة في العراق، لا يزال الجيش الأمريكي ملتزماً بانسحاب جميع قواته المقاتلة بحلول نهاية هذا الشهر. وفي غضون ذلك، ما تزال العراق تكافح من أجل تشكيل حكومة بعد الخمول الطويل في أعقاب انتخابات آذار/مارس، وبدء صوم المسلمين في شهر رمضان في 11 آب/أغسطس، عندما يتباطأ إيقاع الكثير من الحياة السياسية والتجارية لتصل تقريباً إلى توقف تام.

وإذا لم تتشكل حكومة عراقية بسرعة بعد نهاية شهر رمضان في منتصف أيلول/سبتمبر، قد يزداد المشهد السياسي العراقي سوءاً، بما في ذلك تزايد خطورة العنف. لقد مثل شهر رمضان دائماً نقطة فاصلة في العقول العراقية والأمريكية، حيث ربما يتم خلاله تشكيل حكومة جديدة في النهاية.

ومن المرجح أن يثير الفشل في إحراز تقدم خلال شهر رمضان فزعاً خفيفاً على الأقل بين السياسيين والجماهير. والسؤال هو كيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟

رمضان وتشكيل الحكومة

إن عملية تشكيل الحكومة العراقية عالقة في مرحلتها المبكرة. ففي 14 حزيران/يونيو، افتتحت الجلسة الأولى للبرلمان الجديد لكنها لم تسفر عن انتخاب رئيس للبرلمان ونواب دائمين. وعلاوة على ذلك، لم يُنتخب رئيس جديد للبلاد في غضون شهر واحد من أول اجتماع للبرلمان (أي بحلول 14 تموز/يوليو) مما يعني حدوث انتهاك لمطلب دستوري. وحالما يتم انتخاب رئيس للبلاد من قبل البرلمان في نهاية المطاف، يتوجب عليه خلال الخمس عشرة يوماً التالية دعوة زعيم أكبر كتلة سياسية عراقية (ربما أكبر تكتل من القوائم بعد الإنتخابات) لتشكيل وإقرار مجلس الوزراء الجديد بأغلبية برلمانية خلال ثلاثين يوماً أو أقل.

ومن أجل تشكيل حكومة في خطوة واحدة، يبدو أن القوائم العراقية السياسية مستعدة للإنحراف عن الجدول الزمني الدستوري. وباستخدام هذا النموذج سيتم مسبقاً الإتفاق على جميع المناصب الحكومية قبل التصويت على الثقة (أي مناصب رئيس مجلس النواب والنواب، ورئيس الجمهورية ونواب رئيس الجمهورية إذا اتخذ قرار بتعيينهم، ورئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء، ومجلس الوزراء).

وربما أيضاً يتم الإتفاق خطياَ على جوانب معينة من سياسة الحكومة المستقبلية قبل التوصل إلى صفقة، بما في ذلك تقسيم جديد للصلاحيات تقلل من النفوذ الذي يتمتع به رئيس الوزراء على السياسة الأمنية. وبالمثل، فإنه ربما يتم التوصل إلى اتفاق خطي لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي (والتي تعالج تراث "التعريب" في أجزاء من شمال العراق). وإذا لم يتم تطبيق هذه الإجراءات كتشريع، ربما يجري الإعداد لتصويت مبكر بعدم الثقة برئيس وزراء جديد. لكن لو يتم التوصل لمثل هذه الصفقة ربما تصطف المعالم المختلفة في عملية تشكيل الحكومة بصورة سريعة في نظام مرتب يشبه التسلسل في لعبة الدومينو. هكذا تقول النظرية.

إن شهر رمضان الذي يبدأ في 11 آب/أغسطس، ربما يقدم مهلة سياسية لالتقاط الأنفاس من أجل إبرام اتفاقية مثل تلك التي تم تلخيصها آنفاً. وبعد بدء الشهر المقدس سوف يشتد على الأرجح النشاط الحالي للمفاوضات المستمرة بين القوائم السياسية. فبادئ ذي بدء، ربما يكون عدد أكبر من السياسيين موجودين في العراق وليس في الخارج خلال شهر رمضان أكثر من أي شهر عادي. ثانياً، كما ذُكر، يتباطأ النشاط الحكومي والتجاري خلال شهر رمضان مع تركز الأعراف الإجتماعية على الإفطار الذي غالباً ما يدعى إليه الضيوف. فما نوع الصفقة التي يمكن أن تظهر من الإجتماعات على موائد الإفطار؟

فصل السلطات

لكي تتبلور صفقة رمضانية، يجب تحول المأزق الراهن بطرق معينة، حيث يتعلق التغير الرئيسي اللازم بقدر السلطة التي سترفق [لمنصب] رئيس الوزراء العراقي المقبل. ويمكن القول إن هذا العامل هو أهم من المعارضة الشخصية لإعادة انتخاب رئيس الوزراء نوري المالكي أو تعيين أي مرشح آخر.

فإذا استمر دور رئيس الوزراء يشمل سلطات أمنية كبيرة، سوف تستمر الحساسية تجاه هويته في التصاعد بصورة كبيرة وربما تعيق تشكيل حكومة جديدة. ومن ناحية أخرى، لو يتم تقليص دوره ويتم التوصل إلى فصل أوضح للسلطات، فإن مسألة تعيين رئيس الوزراء ربما تتم إزالتها كعقبة كأداء.

إن الطرق المرجحة لتقليل دور رئيس الوزراء في الشؤون الأمنية، ربما تشمل إزالة امتيازات من نوع التحكم العملياتي المباشر لقيادة مكافحة الإرهاب ولوحدات الجيش العراقي من خلال "مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة".

بالإضافة إلى ذلك، ربما يتم إنشاء مجلس للأمن القومي لخلق نظام لصنع قرار أمني وطني تدفعه لجنة بدلاً من فرد واحد، وربما تستغل المحافظات والهيئة التشريعية المدى الكامل لسلطاتهم القانونية للتأثير على التعيينات في الشرطة والجيش.

وفي ظل مثل هذا الإجراء، قد يكون دور رئيس الوزراء إما أقل جاذبية للمالكي (مما يحدو به إلى السعي للحصول على فرص أخرى) أو على العكس، يجعل المالكي مرشحاً أكثر قبولاً للآخرين بسبب السلطات المحدودة لمنصبه.

ولو سارت الأحداث على النحو المقترح، ستتحسن على الأرجح احتمالات قيام ائتلاف أكبر للشيعة مكوناً من «الإئتلاف الوطني العراقي» و «ائتلاف دولة القانون» برئاسة المالكي.

وهناك بديل محتمل يتمثل (أو إضافة محتملة تتمثل) بقيام فصل أكبر للسلطات بالنسبة للحكومة العراقية. وتحديداً، ربما يظهر وفاقاً سياسياً جديداً بين «الإئتلاف الوطني العراقي» والأحزاب الكردية و«الحركة الوطنية العراقية» برئاسة إياد علاوي (والمعروفة باسم "عراقية"). وفي هذا السيناريو سيتم إخراج المالكي و «ائتلاف دولة القانون» من المعادلة كعبء على تكوين الحكومة، مع إعادة تقديم قائمته لاحقاً في العملية كدخيلة أقل حظاً في الحصول على امتيازات. وعلى الرغم أن مثل هذا المزيج سيظل أقل احتمالاً من قيام ائتلاف شيعي أكبر، إلا إن مجرد احتمال تشكيل حكومة تقودها الـ "عراقية" ربما يجعل المالكي و«ائتلاف دولة القانون» أكثر استعداداً لتقبل فصلٍ أوضح للسلطات.

تغذية الضغط

حالما يتم وإلى حد ما حل القضايا المتعلقة بشخصية وسلطة رئيس الوزراء، سيتمثل التحدي القادم بضخ إحساس إلى داخل عملية المفاوضات والمساومات البطيئة تاريخياً، حول وجود حاجة ملحة [لتوزيع] المناصب الحكومية الأخرى.

وبطبيعة الحال، فقد تم بالفعل خلال الأشهر الأخيرة من الجمود، إنجاز بعض هذا العمل وراء الكواليس، حيث فكرت القوائم الفردية في الحقائب الوزارية التي ربما تروق لها أكثر. ومع ذلك، فعند النظر إلى العدد الهائل من المتغيرات، ربما لا تزال العملية طويلة. [فعلى سبيل المثال،] في أوائل عام 2006، كانت المساومات حول توزيع وزارات قد استمرت على مدى أربعة أشهر؛ واليوم فإن قيام عملية [مشابهة] تستغرق هذه الفترة الطويلة سيكون مزعجاً إلى درجة كبيرة، وستستمر هكذا عملية إلى أوائل عام 2011. ومن خلال القيام بعمل تنسيقي، سيتطلب من القوى [الفاعلة] خارج القوائم السياسية أن تغذي وتحافظ على الشعور بالإلحاح [فيما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة].

وعلى الرغم أنه في كثير من الأحيان لا يتم اعتبار ضغط الرأي العام المتصاعد محفزاً حقيقياً، إلا أن بإمكانه أن يساعد على حث السياسيين العراقيين على القيام بعمل ما. ففي خريف عام 2009، أدت تفجيرات ضخمة في بغداد إلى دفع البرلمان على مساءلة كبار القادة العراقيين بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي، نتيجة المخاوف الشعبية من الوضع الأمني. وفي الآونة الأخيرة، وقعت احتجاجات خطيرة في البصرة والناصرية بشأن فشل الحكومة في توفير الكهرباء وخدمات أخرى أثناء موجة من الطقس الحار. وعلى الرغم من أنه قد تم تدبير (أو استغلال) كلا الإستجابتين من قبل القوائم السياسية، إلا أنهما تُظهران أيضاً بأنهما قد رددتا صدى مشاعر شعبية خالصة.

ومع تزايد الإدراك الحسي بانعدام الأمن في العراق فإن حدوث تفجيرات رئيسية قليلة أو حتى قيام عملية أمنية قمعية في حي مجاور ربما تكون كافية لخلق إحساس بأن الجمود السياسي المستمر يخاطر بإحداث أزمة أمنية حقيقية.

ولو انتهى رمضان بعلامات قليلة تظهر عن حدوث تقدم، ربما تصبح الحساسية الشعبية العراقية عن وجود حالة من الفوضى المتصورة، أكثر حدة. وتحت ظروف معينة، يمكن أن يقوم آية الله العظمى علي السيستاني بإيصال مثل هذه المخاوف إلى أعضاء النخبة السياسية.

دلالات للسياسة الأمريكية

إن تشكيل حكومة عراقية جديدة يصب بقوة في المصلحة الاستراتجية الأمريكية. ولكن ما الذي بوسع الولايات المتحدة أن تفعله للإسراع في العملية بعيداً عن الوعكة المستمرة التي وقعت فيها منذ شهور؟ لو اختار العراقيون فصلاً أكبر للسلطات والرقابة العسكرية المدنية بوصفهما الحل الموحد للمأزق الذي يشكله [منصب] رئيس الوزراء، بإمكان واشنطن اتخاذ ترتيبات لإيجاد دعم من قبل الولايات المتحدة وحكومات أجنبية أخرى على حد سواء، فضلاً عن منظمات غير حكومية. وربما تواصل الولايات المتحدة أيضاً إعادة طمأنة المالكي وعلاوي والقادة الأكراد بأن أياً من يتم اختياره لإدارة الحكومة سوف يتلقى اتصالاً واهتماماً مساوياً وكبيراً من السفارة الأمريكية في بغداد وكذلك من البيت الأبيض. وبوصفهم أصدقاء محل ثقة في العملية الشاقة والناجحة لتثبيت الإستقرار في العراق، ربما يكون هؤلاء النشطاء السياسيين حساسين بوجه خاص لمستوى الإهتمام السياسي الذي يتلقونه من الولايات المتحدة في هذه اللحظة، وخاصة مع بدء السفير الأمريكي الجديد جيمس جيفري مهام عمله.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آب/2010 - 3/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م