شبكة النبأ: أصبحت الدراما
التليفزيونية صناعة ضخمة لا تقل عن السينما، فمن عام إلى آخر تشهد
الدراما التليفزيونية المصرية تطورا كبيرا في الإنتاج والتصوير والنصوص
واستقطاب النجوم وقنوات العرض، حتى أصبحت صناعة ضخمة ، ومثلما استقطبت
الدراما التليفزيونية العام الماضي نجوم السينما مثل أحمد عز ومحمد رجب
وهانى رمزى، استقطبت هذا العام بعض نجوم الغناء مثل محمد فؤاد ومصطفى
قمر، لتصبح هي المحطة التي يمر منها وإليها جميع النجوم فى كل المجالات
.
و يوجد فرق كبير بين دراما رمضان ٢٠٠٩ ودراما رمضان ٢٠١٠ رغم أن
الفارق الزمني بين الموسمين عام واحد فقط، ففي حين أنتجت الدراما العام
الماضي ٣٨ مسلسلا، ارتفع العدد هذا العام ليصل إلى ٥٠، ورغم ارتفاع هذا
العدد فإن هناك ضخامة فى الإنتاج حيث اقتربت ميزانية إنتاج المسلسلات
هذا العام من المليار جنيه خاصة مع مشاركة الانتاج الخليجي المشترك وهو
أضخم إنتاج تشهده الدراما.
فقد رصدت شركات الإنتاج ميزانيات ضخمة لإنتاج بعض مسلسلاتها فمثلا
تعدى إنتاج مسلسلات «الجماعة» و«شيخ العرب همام» و«سقوط الخلافة» أكثر
من أربعين مليون جنيه لكل منها بزيادة حوالى ١٥ مليون جنيه عن العام
الماضي، حيث كان أعلى مسلسلات ٢٠٠٩ إنتاجا هما مسلسلا: «الرحايا»
و«أفراح إبليس» حيث تكلف كل منهما حوالى ٢٥ مليون جنيه.
الاختلاف بين دراما ٢٠٠٩ و٢٠١٠ لم يكن فى الشكل فقط بل فى المضمون
أيضا، فنصوص هذا العام تتسم بجرأة أكبر من العام الماضى، ففى حين شهدت
الدراما العام الماضى نوعا من الجرأة فى السياسة الخارجية والتى تمثلت
فى مسلسلي: «متخافوش» و«البوابة الثانية»، فهذا العام امتدت جرأة
المسلسلات إلى تناول السياسة الخارجية والداخلية التى ترصد كل ما يدور
فى مصر وعلاقتها بدول العالم، مثل مسلسلات «الجماعة» و«سقوط الخلافة»
و«بره الدنيا» و«بفعل فاعل»، كذلك التطرق لقضايا اجتماعية شائكة مثل
العنوسة فى مسلسل «عايزه أتجوز» و«نعم مازلت آنسة» وتعدد الأزواج فى «زهرة
وأزواجها الخمسة».
ويشهد هذا العام تناقصاً شديداً فى عدد مسلسلات الست كوم مقارنة
بالعام الماضي، ففى حين تم إنتاج ١٠ مسلسلات ست كوم فى دراما ٢٠٠٩ يعرض
هذا العام ٥ فقط من هذه النوعية منها مسلسل ست كوم واحد فقط جديد هو «جوز
ماما» والأربعة الآخرون أجزاء جديدة من مسلسلات العام الماضى وهى: «راجل
وست ستات» و«بيت العيلة» و«شريف ونص» و«حرمت يا بابا». ويرجع هذا
التراجع فى مسلسلات الست كوم إلى أنها لم تحقق العام الماضى النجاح
الذى حققته فى سنوات سابقة بسبب سيطرة المسلسلات الكوميدية الطويلة
التى حصدت النجاح الأكبر مثل «كريمة كريمة» و«ونيس وأحفاده» و«عصابة
بابا وماما» و«عبودة ماركة مسجلة».
وفى مقابل قلة مسلسلات الست كوم، هناك زيادة ملحوظة فى المسلسلات
الكوميدية هذا العام، التى قدمها نجوم الكوميديا فى السينما مثل أحمد
مكى فى «الكبير قوى» وأحمد عيد فى «أزمة سكر» وأحمد آدم فى «الفوريجى»
وهند صبري التى تقدم كوميديا لأول مرة فى «عايزه أتجوز»، بالإضافة إلى
المسلسلات الكوميدية التى يقدمها نجوم الدراما التليفزيونية مثل أشرف
عبد الباقى فى «مش ألف ليلة وليلة» ومى كساب فى «العتبة الحمرا» وسامح
حسين فى «اللص والكتاب» وسميرة أحمد فى «ماما فى القسم».
المسلسلات التاريخية التى غابت عن الدراما المصرية طوال السنوات
الماضية تشهد هذا العام تواجدا ملحوظا حيث يُعرض هذا العام مسلسلا: «سقوط
الخلافة» و«كليوباترا»، ورصدت لهما ميزانيات كبيرة لتنافس بها الدراما
السورية، وقد تم تصويرهما بالكامل فى سوريا وتمت الاستعانة فيها بخبرات
فنيين سوريين، وذلك فى الوقت الذى يستمر فيه غياب المسلسلات الدينية.
تجاهل التليفزيون المصرى العام الماضي للمسلسلات التى أنتجتها «صوت
القاهرة» و«مدينة الإنتاج الإعلامي» جعل تلك الجهتين تقللان من
إنتاجهما هذا العام، فالمدينة أنتجت هذا العام ٨ مسلسلات فقط منها «٤
إنتاج مباشر» والباقى مشترك مع شركات أخرى، رغم أنها أنتجت العام
الماضي ١٣ مسلسلا، أما شركة «صوت القاهرة» فأنتجت هذا العام ٨ مسلسلات
منها «٣ إنتاج مشترك» فى حين أنتجت العام الماضي ١٢مسلسلا.
أما نصيب التليفزيون المصرى من هذه المسلسلات فلم يتعد ٣ مسلسلات،
واحد من «صوت القاهرة» واثنان فقط من المدينة. الغريب أن الشركتين لم
تنجحا في تسويق مسلسلاتهما على الفضائيات الخاصة، فى الوقت الذي أنتج
فيه التليفزيون المصري وشارك فى إنتاج ١٣ مسلسلا ليعرض معظمها فى شهر
رمضان والباقي على مدار العام.
أجور النجوم ارتفعت هذا العام عن العام الماضي، فهي تشهد زيادة
مستمرة من عام إلى آخر، فقد حصل الفخرانى على ٨ ملايين جنيه عن مسلسل «شيخ
العرب همام» بزيادة مليون جنيه عن العام الماضي، وحصلت يسرا على ٧
ملايين جنيه عن مسلسل «بالشمع الأحمر» بزيادة مليون جنيه عن العام
الماضي، فيما حصلت إلهام شاهين على ٦ ملايين جنيه عن مسلسل «امرأة فى
ورطة» بزيادة نصف مليون عن العام الماضي، وحصل نور الشريف على ٧ ملايين
جنيه بزيادة مليوني جنيه عن العام الماضي، والزيادة لم تقتصر على
النجوم فقط بل امتدت إلى ممثلي الصفين الثاني والثالث.
وباختلاف كبير عن العام الماضي، تشهد دراما ٢٠١٠ زيادة قنوات العرض
المتخصصة فى الدراما التليفزيونية، فرمضان هذا العام يشهد بث ٤ قنوات
فضائية جديدة هي: «نايل دراما ٢» التابعة للتليفزيون المصري و«ميلودى
دراما» و«كايرو دراما» و«مودرن روايات»، وتسببت زيادة قنوات العرض في
زيادة رواج المسلسلات حيث فتحت سوقا جديدة عوضت عدم شراء القنوات
الخليجية للمسلسلات المصرية، ورغم هذه الزيادة فإن أسعار المسلسلات لم
تنخفض بل ارتفعت عن العام الماضي.
فقد اشترت قناة الحياة مسلسل "شيخ العرب همام" حصرا بـ ٣٥ مليون
جنيه، واشترت "بيت الباشا" بـ ١٥مليوناً، واشترى التليفزيون المصرى
مسلسل «الجماعة» كعرض متزامن بـ ٢١ مليون جنيه، واشترى "بالشمع الأحمر"
لعرضه حصريا بـ ٢٠ مليوناً، وتم بيع كل من "الكبير قوى" و"القطة
العاميا" بـ ١٠ ملايين جنيه لكل منهما، و"ريش نعام" و"منتهى العشق" بـ
٨ ملايين لكل منهما.
حتى قبل حلول هذا الشهر الفضيل أخذت الفضائيات العربية بالإعلان عن
برامجها ومسلسلاتها الدرامية لهذا الشهر قبل ايام طويلة من حلوله..
وكالعادة تتنوع توجهات وآراء المختصين في الحقل الإعلامي وغيره من
الحقول بهذا الكم الكبير من النتاج التلفزيوني المرصود للشهر الكريم ..
اجمع أكاديميون إعلاميون وأخصائيون في علم النفس على أن ظاهرة تكدس
البرامج والمسلسلات والمسابقات والفوازير في شهر رمضان المبارك عائدة
إلى اعتباره "موسما تجاريا" تنتظره شركات الإنتاج الفني والدعاية
والإعلان والقنوات الفضائية التلفزيونية بشكل محموم لاستقطاب اكبر نسبة
ممكنة من المشاهدين.
وعن هذه الظاهرة قال أستاذ الإعلام التلفزيوني والصحافة في جامعة
الكويت الدكتور أحمد الشريف أن التلفزيون "أخطر وسيلة إعلامية حيث
تخترق المنازل دون رقيب أو حسيب إلى درجة أن بعض علماء النفس أطلقوا
عليه اسم المربي أو المعلم الالكتروني الذي حل محل الأم والأب والأسرة
والتعلم منه لناحية السلوك والقيم لا يقتصر فقط على الأطفال أو
المراهقين بل امتد تأثيره إلى الكبار وطال توجهاتهم وأفكارهم وحتى
مفاهيمهم".
من جانبه قال أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة الكويت الدكتور مناور
الراجحي أن ظاهرة تكدس البرامج الإعلامية ليست بأمر جديد وما يحدث من
تركيز مكثف خلال شهر رمضان على إنتاج إعداد هائلة من المسلسلات
والبرامج يقابله ندرة في بقية شهور السنة التي تعيش فيها القنوات على
عملية إعادة بثها مرارا وتكرارا.
وأوضح الراجحي أن القنوات الفضائية تعتمد على نسب ومعدلات إقبال
جمهور المشاهدين على برامجها وموادها الإعلامية لتحقيق أعلى زيادة في
عدد المشاهدين والمتابعين وهو ما يمكن حصره من خلال الشريط المتحرك من
جهة والاتصال المباشر عبر المشاركة في البرامج سواء برامج الفوازير أو
المسابقات أم البرامج الدينية أو حتى عبر المداخلات . وبين انه كلما
كان المسلسلات أو البرامج المقدمة تجمع كبار النجوم والممثلين
المعروفين ونصوصها قوية ومكتوبة جيدا كلما اعتبرت القناة انها "تضمن
النجاح عبر الإعلانات والمشاهدين".
من جهته قال استشاري العلاج النفسي الدكتور مروان المطوع ان الهدف
الأول من التنافس الإعلامي بين المحطات الفضائية في الشهر الكريم هو "تجاري
بحت "بغية الحصول على اكبر قدر من الإعلانات التجارية ألا أن هذا
التنافس لابد وان له أثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية على
المشاهد. وأوضح الدكتور المطوع أن من "يدمن" على مشاهدة البرامج في هذا
الشهر لساعات طويلة إنما يستنزف وقته وجهده وعقله ويجهد عينيه ويتفاعل
بشكل لافت أثناء المشاهدة بدلا من التفرغ لمعاني شهر الصوم والتواصل
الاجتماعي.
وحذر من تأثير بعض الأعمال الدرامية "الهابطة التي تستخدم لغة رديئة
على حساب محتوى وجودة العمل والتي بدورها تساهم في خلق حالة من الجمود
الفكري والعقلي لدى المشاهد وخصوصا الأطفال بسبب الكم الهائل من
الشتائم والصراخ والضرب ومفاهيم الخيانة التي تحتويها هذه الأعمال".
لأهل الفن آراؤهم أيضا
قال أسامة أنور عكاشة في حديث له قبل وفاته : "لقد كان شهر رمضان
فيما مضى موسما للاستمتاع بمشاهدة التليفزيون, لكنه اليوم أصبح موسما
للفرجة والتجارة, فقد وقعت الدراما في قبضة سوق الإعلام الذي فرض
قوانينه الجديدة التي أثرت على القيمة الفنية للعمل. لقد أصبح الهدف
الرئيسي هو خدمة الإعلانات, فهذا النجم الذي يجلب إعلانات أكثر هو
هدف المنتج, فيذهب المنتج إلى النجم ويفتح أمامه مغارة على بابا
ليغترف منها ما يراه مناسبا له, فالنجم بالنسبة للمنتج هو السبيل إلى
جلب الإعلانات التي ستحقق له الأرباح, فأصبح أجر النجم يبتلع ثلاثة
أرباع ميزانية العمل, والباقي يوزع علي عناصر العمل الأخرى, بالرغم
من أن النص والإخراج هما أهم عناصر أي عمل تليفزيوني, لقد أفرز هذا
النوع من المنافسة أشياء غريبة عن الدراما التي كنا نعرفها, فالجميع
يلهث للحاق بالمائدة الرمضانية بدون النظر إلى المضمون أو القيمة التي
يقدمها العمل, المنتج يجري وراء النجم والجميع يجري وراء الإعلانات,
فظهر نوع جديد من "الكتبة الترزية" الذين يفصلون العمل على مقاس النجم,
فيظل الكاتب منهم تحت رحمة النجم ليملي عليه ما يراه مناسبا, ويمط في
الكتابة حتى يملأ الثلاثين حلقة.
في رأيي هذه مهزلة بكل المقاييس عانينا منها منذ سنوات وحتى الآن,
الأعمال كثيرة جدا لكن لا يوجد محتوي, في نفس الوقت بدأت دول أخري
كسوريا مثلا تعمل على الباترون المصري القديم الذي يهتم في المقام
الأول بالورق, والإخراج, ولا يكون الأساس فيه هو اسم النجم, لقد
انتقل هوس الستار سيستم أو نظام النجم من السينما إلي التليفزيون,
فالنجم الذي يجلب الإعلانات في التليفزيون أصبح يوازي نجم الشباك في
السينما, الهدف ببساطة هو الإيرادات.
لقد أصبح لدى المتفرج تخمة من الفرجة, فهو يجلس بعد الإفطار يقلب
في القنوات وهو يتثاءب, يشاهد الأعمال غير مبال بالمضمون أو بالقيمة
الفنية للعمل.
ويرى عكاشة أن الدراما المصرية لن تستقيم إلا بصدمة تغير الموازين
وتعيدنا منتجين لأعمال لها قيمة, أعمال تستحق الإنتاج وتستحق أن يجلس
أمامها المشاهد, ويرجع النص هو نجم الدراما مرة أخري.
ويضيف عكاشة: "أنه مع الأسف أصبحت الفضائيات ترفض الأعمال المصرية
وتراجعت مسلسلاتنا أمام المسلسلات السورية التي مازالت تهتم بالموضوع
والقيمة والمضمون, ولم يصبها هوس الستار سيستم بعد, ويؤكد أن
أولويات العمل الدرامي معروفة والمسلسل الذي يعي تلك الأولويات وتكتمل
فيه العناصر الأساسية سيفرض نفسه بدون الحاجة إلى نجم, لكن للأسف مثل
هذه الأعمال عندما تنتج تعرض في أوقات سيئة ليس فيها نسبة مشاهدة عالية".
والحل من وجهة نظره بسيط ويكمن في ضم أجهزة الإنتاج في الإذاعة
والتليفزيون من قطاع الإنتاج وصوت القاهرة في كيان واحد ويكون لديهم
جهاز تسويق مثل شركة مصر للإعلانات, يجب أن يتحرر الإنتاج من قبضة
شركات الإنتاج الخاصة التي تشارك في الإنتاج كمنتج منفذ فتفرض شروطها
التي هي في الأصل شروط المعلن.
أما محفوظ عبد الرحمن فيرى أن طريقة عرض المسلسلات الدرامية في
رمضان كارثة تزداد سوءا في كل عام, وهي سبب أساسي من أسباب الانهيار
الذي نلحظه منذ فترة, ويضيف أنه لا يتجاهل الأزمة المالية التي توشك
أن تعصف ببعض المنتجين ولكنه يشفق على الإبداع في الدراما التليفزيونية
الذي يصاب في مقتل نتيجة تضاعف أعداد الأعمال بالنسبة لعدد الكتاب,
الأمر الذي نتج عنه وجود الكتبة الذين هم في حقيقة الأمر ليسوا كتابا,
وهؤلاء عادة يطردون الكتاب الحقيقيين حسب نظرية العملة الرديئة تطرد
العملة الجيدة من السوق والإخراج يسهم في ذلك أيضا نتيجة ضغوط الوقت
واستبداد النجوم.
وبالطبع ـ نتيجة ما حدث ـ يركز الجميع ليعرضوا أعمالهم في شهر رمضان
الذي تصل نسبة المشاهدة فيه لأعلى معدلاتها في العام, وهنا يكمن
البريق الذي يقنع المعلن أن يدفع للمنتج الذي يسعى لتحقيق الربح.
بالتالي تضيع القيمة ولا يصل أحد إلى ما في العمل من إبداع, وهذا
بالطبع يحرم المشاهد من رؤية العمل الجيد.
والحل كما يراه واضح, فكما صنع البعض موسم رمضان بقصد أو بغير قصد,
من الممكن ابتكار مواسم جديدة, مثلا فصل الصيف الذي من الممكن أن
يكون موسما للأعمال الاجتماعية الخفيفة, شهر أكتوبر من الممكن أن
يكون موسما للأعمال القومية والوطنية والأعياد من الممكن أن تكون موسما
للمسلسلات أيضا.
المهم أن يستيقظ الجميع من نومهم, حتى لا نترك مفاتيح الدراما
المصرية بيد المعلن الذي يتحكم في المنتج الذي أصبح يسعى أولا وراء
الكسب المادي غير مبال بمضمون العمل.
وترى الأديبة فتحية العسال أن شكل الدراما الرمضانية قد تحول كثيرا
عما كان عليه, ففي الماضي كانت المسلسلات قليلة ومميزة ولا يزال
الكثير منها نتذكره حتى الآن, لان العمل كان يخرج للجمهور وهو مكتمل
العناصر مهما أخذ المسلسل من وقت في الإعداد, جميع العاملين بالمسلسل
كان هدفهم الأساسي هو أن يستمتع المشاهد بعمل جيد, أما الآن مع ظهور
العديد من القنوات الفضائية أصبحت المسلسلات تجارة وليست فنا خالصا,
القنوات باتت تحتاج باستمرار إلي مادة مكتوبة لا تقل عن ثلاثين حلقة.
إن إنتاج المسلسلات الرمضانية أصبح موضوعا استهلاكيا بحتا في
الأعوام الأخيرة, فعملية الإنتاج الآن تعتمد بالدرجة الأولي علي نسبة
المشاهدة, الكل يحاول اللحاق بالسباق الرمضاني للمسلسلات, فهذا
العام سيعرض علي الشاشات حوالي65 مسلسلا في رمضان.
إن السباق الاستهلاكي يقتل العمل الجيد, فمن الصعب جدا على
المشاهد متابعة هذا الكم من المسلسلات والحكم عليها بشكل جيد في شهر
واحد, بالتالي نجد الكثير من الأعمال الجيدة التي لا تأخذ حقها داخل
السباق الرمضاني ولا يعاد إذاعتها بعد ذلك.
من جانب آخر ذكر عدد آخر من الباحثين أمورا أخرى لها علاقة بالجانب
المعنوي والروحي لهذا الشهر الفضيل فترى د. سهير عبد المنعم الأستاذ
بالمركز القومي للبحوث: "إن التضخم كظاهرة اجتماعية مرتبطة بشهر
رمضان هو ميراث عن الأجداد, لأننا شعب يحتفل بكل مناسباته, الدينية
والاجتماعية, وفي هذا تعويض عن المرارة التي يعيشها الشعب, وهي
ضرورة تفرضها حياة الحرمان من كل شيء, وهذا هو ما يميزنا عن غيرنا من
الشعوب. فنجد لكل مناسبة طعاما خاصا ومظاهر احتفال تميزها عن غيرها
من المناسبات, وإن كان البعض يرى أن في هذا خروجا عن الدين أحيانا,
فقد تكونت في مصر عادات احتفالية مبالغ فيها بالعديد من المناسبات
ومنها المناسبات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوي والأعياد وذلك
تماشيا مع طبيعة الشعب المصري.
وانعكست المبالغة في الاحتفال بشهر رمضان على كل شيء: الطعام
والشراب والسهر والزيارات وامتدت أيضا في عصرنا هذا للمبالغة في
الدراما, والأجواء الرمضانية في مصر انتقلت إلى الدول العربية
والأوروبية مثل الخيم الرمضانية وأجواء الحسين والسيدة زينب بفضل
الجاليات المصرية التي تعيش هناك, وأقول أنه ليس في ذلك ضرر بل من
المستحب أن يشعر الناس بالفرق بين هذا الشهر الكريم وباقي شهور السنة,
والقاعدة العامة أن الناس تتنسم وجود مناسبة للفرح والتغيير للابتعاد
عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها طوال العام".
ويضيف د. رشاد عبد اللطيف نائب رئيس جامعة حلوان وأستاذ تنظيم
المجتمع: "شهر رمضان شهر كريم, وهذا الكرم امتد إلى الدراما
التليفزيونية التي تعرض فيه بحيث لا يتيح للمشاهدين التقاط أنفاسهم
فيصابون بالتخمة الثقافية, وهذه الدراما أحيانا تكون جيدة وذات قيمة
اجتماعية, وأحيانا أخرى تكون لمجرد العرض فقط والاستهلاك, ولذلك
يرى أنه على الأجهزة الإعلامية خاصة في هذا الشهر الكريم مراعاة
التنسيق في عرض هذه الأعمال الدرامية, وأن تذاع في أوقات يستطيع
المشاهد متابعتها, والأهم هو انتقاء الأعمال التي تعرض في هذا
الشهر, بحيث تعطي الفرصة لملء الفراغات في الشهور الأخرى, وأن يركز
على الأعمال الهادفة بحيث لا تتعارض مع فضائل الشهر الكريم,
والابتعاد عن نمط البرامج الترفيهية التي سادت أخيرا, والتي تعتمد
على الاستخفاف والاستهزاء بالضيف.
وتشرح أ. د عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث
الاجتماعية والجنائية الظاهرة قائلة: "الإعلام يوجه في رمضان توجهات
خاصة, لأن هذا الشهر الكريم ذو طبيعة خاصة, سواء دينية أو اجتماعية
أو فردية, فالفرد في رمضان ينظم حياته ووقته بشكل مختلف, فعادة تقل
ساعات العمل وأيضا تقل القدرة على الخروج من المنزل ومعظم الوقت يقضيه
في بيته بشكل أو بآخر.
في الماضي كان التوجه الإعلامي في رمضان يعطي الأولوية للثقافة
الدينية سواء برامج أو دراما, والجزء الأقل ترفيهي اجتماعي أي دراما
اجتماعية ترفيهية وأشكال رمضانية مثل الفوازير.
والآن بعد انتشار الفضائيات أصبح هناك نوع من المنافسة الإعلامية
على ما يعرض من دراما أو برامج تعتمد على الجاذبية, وتهتم بالدراما
الاجتماعية والترفيهية على حساب الثقافة الدينية لدرجة أن عدد الأعمال
الدرامية أصبح أكبر بكثير من عدد الأيام الرمضانية أو المحطات
الفضائية. وبالتالي أصبح للمشاهد فرصة للاختيار, ولكن المشكلة أن
هذه الدراما بدأت تتجه اتجاها تجاريا والمشكلة الأكبر أنها أصبحت تأخذ
الشكل السلبي للثقافة بمعنى التركيز على العلاقات الأسرية السيئة
والجرائم تحت بند الواقع المر والبرامج أيضا أصبحت غير هادفة, بل
تعتمد على الإساءة والإسفاف والاستهزاء بالإنسان. وبالنسبة للبرامج
الدينية, نتيجة لكثرة الفضائيات أصبحت تستعين ببعض الذين يعطون فتاوى
ونصائح دينية فيها تناقض, وأصبحت غير مقنعة, وبها معلومات دينية
مغلوطة. |