لماذا المحكمة المتخصصة بقضايا النشر والإعلام؟

القاضي سالم روضان الموسوي

إن القوانين العقابية النافذة لازالت قائمة والعمل بها ملزم للقضاء العراقي وتمثل أفكار للأنظمة الشمولية التي صدرت في ظلها، لذلك بعض إحكامها لا تنسجم مع العراق الجديد وفضاء الحرية في التعبير عن الرأي أو في حق المواطن في الحصول على المعلومة وشكلت عائق كبير في وجه العمل الإعلامي عندما يتصدى لمحاربة الفساد وكشف المفسدين فاستغل البعض هذه القوانين ولجأ إلى اقامة الشكاوى إمام محاكم التحقيق، حيث إن أبواب القضاء مفتوحة لكل مواطن ولا يجوز ان ترفض أي شكوى من أي مواطن ويتم النظر فيها بموجب القوانين النافذة.

 وبما ان السلطات التحقيقية في تنفيذ قرارات المحاكم هي أجهزة الشرطة وعدم وجود وعي حقيقي تجاه عمل الصحفي من بعض المنتسبين في أجهزة الشرطة أدى إلى حصول العديد من الإشكالات تجاه الصحفيين والإعلاميين لان رجل التحقيق يتعامل مع الجميع على إنهم متهمون مثله مثل المتهم بجرائم السرقة والقتل، وايمانا من مجلس القضاء الأعلى بحرية التعبير ومبدأ الشفافية وثقته العالية بدور الإعلام في كشف الحقيقة والمساهمة في نشر الثقافة وعمله الجاد في رفع المستوى الفكري للمواطن العراقي لاحظ هذا المعوق، وسعى كثيرا لمعالجته إلا إن القوانين والتشريعات النافذة كانت المعوق الأكبر لأنها واجبة التطبيق ولا يستطيع القاضي أن يتجاهلها وإلا عد ممتنع عن إحقاق الحق ويتعرض إلى المساءلة القانونية.

 لذلك ومن هذا المسعى حاول مجلس القضاء الأعلى التخفيف عن كاهل الإعلامي الذي يتعرض إلى مثل هذه الشكاوى فخصص محكمة تحقيق في بغداد تكون هي المختصة حصرا في نظر أي شكوى تقدم ضد أي إعلامي، او يقوم الإعلامي بتقديم شكوى تتعلق بقضايا النشر والإعلام وليس بقضايا جنائية ناجمة عن تصرفاته الشخصية خارج عمله الصحفي، وتطبق ذات القوانين التي تطبق في المحاكم الأخرى وهي محكمة عادية، إلا إنها تختص في قضايا النشر والإعلام فقط، لان البعض يستغل القانون ويقيم الشكاوى في مناطق مختلفة من العراق ويضع الإعلامي في دوامة التنقل بين هذه المناطق وحصلت عدة شكاوى ضد إعلاميين أو مؤسسات إعلامية في مناطق متباينة من العراق وهم يقيمون أو يعملون في بغداد.

 كما إن هذه المحكمة سوف تقوم بدور التحقيق مع المشكو منه (الإعلامي) في مقرها من قبل القاضي أو المحقق القضائي تحت إشراف القاضي من اجل أن تحترم خصوصية العمل الإعلامي وان لا يعامل من قبل أجهزة الشرطة بما لا يليق بمكانته الاجتماعية والإعلامية، وإنها سوف تدار من قبل قاضي من الصنف المتقدم الذي يملك دراية واسعة بالعمل الإعلامي ويفهم طبيعة العمل الصحفي ويستطيع أن يميز بين ما هو كيدي وغير كيدي وما يعد نقدا مباح للإعلامي حق ممارسته وبين ما يشكل فعلا يعاقب عليه القانون، كما ستنظر هذه المحكمة بطلبات الصحفيين الذين يتعرضون إلى الاعتداء من قبل المسؤولين أو أي شخص كان من جراء عملهم الإعلامي، بالإضافة إلى تامين الحماية القانونية لهم بتوكيل محام للدفاع عنهم في حال تعذر على الإعلامي أن يحضر معه محامي.

وتختص هذه المحكمة فقط بالتحقيق في الادعاءات التي تتعلق بآراء أو أفكار وأخبار نشرت في وسائل الأعلام ولا تتعلق بالأشخاص، أي إن الإعلامي حينما يرتكب جرما عاديا مثل المشاجرة أو يتسبب بحادث دهس فانه يخضع لوسائل التحقيق أمام أجهزة الشرطة مثله مثل أي مواطن آخر،ومن أهم الآثار التي رتبها تشكيل المحكمة المذكورة ما يلي :ـ

1. لا يجوز تحريك أي شكوى على أي صحفي او إعلامي بقضية تتعلق بجرائم النشر إلا أمام هذه المحكمة حصرا.

2. تحال جميع القضايا التي لازالت قيد التحقيق الى هذا المحكمة ومن جميع مناطق العراق.

3. لا يجوز إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن قضايا النشر إلا من خلال هذه المحكمة حصرا.

4. انعدام الاختصاص المكاني الجزائي والمدني اذ تعطلت كل المواد القانونية المنظمة له بموجب قوانين أصول المحاكمات او المرافعات المدنية لأنها أصبحت المحكمة المختصة الوحيد في العراق بنظر هذه الدعاوى او القضايا الجزائية.

5. تنحصر جهة الطعن بقرارات المحكمة بصفتها محكمة تحقيق أمام محكمة الجنايات في الرصافة وأمام محكمة الاستئناف في بغداد الرصافة في الجانب المدني.

6. تنظر المحكمة الجانب الجزائي بصفتها محكمة تحقيق بوجود كادر تحقيق من المحققين القضائيين وتطبق ذات الإجراءات والمعايير التي تعمل بها أي محكمة تحقيق أخرى.

7. تنظر المحكمة في الجانب المدني بصفتها محكمة بداءة في دعاوى المطالبة بالتعويض عن قضايا النشر والإعلام

8. لا تنظر المحكمة إلى صفة الصحفي بل إلى موضوع الشكوى بمعنى إن القضايا المتعلقة بالنشر المشار إليها في المواد(81 ـ 84 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

9. تنظر المحكمة في الشكاوى المتعلقة بقضايا النشر سواء كان المشتكي مواطن، موظف، مسؤول في الدولة، صحفي أو إعلامي.

 لذلك فان هذه المحكمة ستمثل حصانة للإعلامي في ممارسة عمله بكل حرية وتحميه من الضغوط التي قد يتعرض لها من جراء عمله، ولحين أن يتمكن مجلس النواب من تشريع القوانين التي تحمي الإعلامي وتحصن العمل الصحفي فان هذه الخطوة من مجلس القضاء الأعلى تشكل دعما حقيقيا للعمل الإعلامي وحماية لحرية التعبير نتمنى أن تحذوا المؤسسات الأخرى حذوه في دعم الإعلام الحر والمستقل ليس تمييزا للإعلامي وإنما لتعلق عمله بحق دستوري للمواطن ممثلا بحقه في الحصول على المعلومة وحقه في حرية التعبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آب/2010 - 1/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م