شبكة النبأ: عادت الطيور تغني على
ضفاف الأنهر الصغيرة في اهوار العراق، وانبعثت الحياة فيها. فقبل أكثر
من عقد، في عهد صدام حسين، حبست المياه عن اهوار العراق عقاباً لسكانها
على مشاركتهم في التمرد على النظام، غداة فشل اجتياح الكويت.
ويومها أمر صدام بتطويق المنطقة بجدار يمتد 4 آلاف كلم ويرتفع فوق 7
أمتار عن الأراضي المنبسطة. فانكمشت مساحة الأراضي المائية الى أقل من
10 في المئة من مساحتها الأصلية، بحسب تقرير بيئي صادر عن الأمم
المتحدة في 2001.
وجفت مياه أهوار بلاد ما بين النهرين، وهي أرض حدائق بابل في الكتب
السماوية. وعملية التدمير البيئي الصدامية جففت دلتا النهر، وحولته شبه
صحراء. وهجرت الحشرات والطيور وهجر البشر الأهوار.
عودة الحياة
فقد عاد أهالي المنطقة اليها، بعد نزوح قسري. والطيور حطت في
الأهوار، وهي في رحلتها من وسط أفريقيا الى شمال أوروبا وآسيا. وفي
الماضي، امتدت الأهوار على مساحة عشرات آلاف الكيلومترات المربعة من
الأراضي «المبتلة»، حيث ينفصل نهرا دجلة والفرات.
وكانت الأهوار موئل أكثر من 80 نوعاً من الطيور، وموطن مئات الآلاف
من العرب الذين درجوا على زراعة الأرز والبلح، وتربية الجواميس المائية
والصيد. وكان عرب الأهوار يشيدون منازلهم من القصب، ويصنعون الزوارق.
وبعد اطاحة نظام صدام، في 2003، بدأ الأهالي الذين لم يغادروا
أراضيهم تحطيم الجدار بواسطة المعاول والمجرفات. بحسب صحيفة غارديان
البريطانية.
وبحـسب عزام علـواش، وهو من أبناء المنطقة الذين رجعوا من الولايات
المتحدة، نجح الأهالي في تحطيم نـحو 98 في المئة من السدود. فالأرض «هي
مصدر رزقـهـم وعيـشهم. وفي وسعهم الصيد فيها وتأمين غذائهم، وبيع
الأسماك وحصاد القصب»، على قول علواش، وهو مهنـدس مدني أنشأ جمعية «ناتشور
ايراك» (طبيعة العراق).
ونظّم تدريب مساعديه المساهمين في المشـروع. ويقول أن طريق الوصول
الى الأهوار لا تخلو من المخاطر. «فنحن نـستعين بـحراس مسلحين بأسلحة
كلاشنيكوف لحمـايتـنا. وأخـطر جزء من الطريق هو بين بغداد والأهوار».
والمياه عادت الى نحو نصف أراضي اأهوار، على حالها الأولى.
ولكن الجفاف في العام الماضي خلف أثراً سـلبـياً في الـمنطقة.
وصـاغت جمعية «طبيعة العراق» خططاً لمواجهة شح المياه الناجم عن تـشييد
تركيا سدوداً في أراضيها. وتسعى الجمعية في شق قنوات ري من الأنهـار،
وتـشـييد سد لحفظ مياه الثلوج، وجمع المياه الذائبة كأنها «فيضان آلي»
في الربيع، على ما كان يحصل قبل الجفاف.
خطر الانقراض
الى ذلك حذر مسؤولون حكوميون في محافظة ذي قار من تأثير جفاف
الأهوار على مصير مئات الآلاف من الطيور المهاجرة ومن بينها أكثر من
عشرة أنواع مهددة بالانقراض والتي تصل المنطقة سنويا بحثا عن الدفء
لتمضية فصل الشتاء.
وقال مدير بيئة ذي قار المهندس راجي نعمة منشد “بعد عودة المياه
للاهوار بعد2003 سجلنا رجوع 80 نوعا في اهوار ذي قارمع وجود استثناءات
مثل غياب طير البلشون العملاق الذي شوهد في أماكن بعيدة ولم نتأكد من
وجوده لحد الآن إلا أن الأوضاع الحالية تنذر بالخطر”.
وتوقع منشد “حدوث هلاكات هائلة بالطيورالمهاجرة ومن بينها طيور
مسجلة كانواع معرضة للانقراض والقادمة من اماكن بعيدة مثل سيبريا
ومناطق الاتحاد السوفيتي السابق وشمالي اوربا بحثا عن مناطق يمكنها أن
توفر لها جوا دافئا خلال فصل الشتاء”.
وأوضح منشد أن “التغيرات البيئية التي تسود العديد من مناطق العالم
أفرزت نوعا من عدم الاستقرار في البيئة الأصلية للكثير من الطيور مما
سيغير من طبيعة سلوكها”.
وبين أن “دراسة عالمية أعدتها مؤسسة بيردلايف إنترناشيونال التي
تعنى بأحوال الطيور حول العالم ومقرها لندن مؤخرا، أكدت أن تغير المناخ
يزيد إلى حد كبير من حجم المخاطر التي تواجهها الطيور في أرجاء العالم
المختلفة ويهدد بانقراضها وأن حالات الجفاف التي تتعرض لها بعض المناطق
على المدى البعيد وظروف الطقس القاسية جدا تفرض المزيد من الضغط على
المواطن الرئيسية للطيور في العالم ومن أبرزها أهوار العراق بالنسبة
للهجرة الشتوية لأن النصف الجنوبي للكرة الأرضية لا يحوي مسطحات مائية
عذبة كثيرة وهذا بالتأكيد يؤثر على هجرتها”. بحسب اصوات العراق.
وأضاف أن “دائرة البيئة تقوم سنويا بإجراء مسحين لطيور الأهوار
احدهما صيفي والآخر شتوي وكانت بالفترة السابقة للجفاف تكتظ بأنواع
مختلفة من الطيور وبما يتجاوز مائة الف طير في مناطق الرصد الدولية
التي حددتها المنظمات الدولية المهتمة بالطيور وعددها بالاهوار30 منطقة
بحيث سجلنا في موقع رصد واحد بهور الحمار بداية الموسم الشتوي في 2008
أكثر من 4000 طير من نوع البجعة البيضاء وهو رقم كبير”.
ولفت إلى أن “من بين الطيور المهاجرة للأهوار العراقية هنالك 12
نوعا مسجلة ضمن الطيور المعرضة للانقراض مثل البط رخامي الذنب وصقر
الاسماك الباليزي والصقر ابيض الذنب والصقر الامبريالي المعروف بالصقر
العراقي وطائر الزقزاق الشامي والبجع العراقي والقزم وهو طائر يعيش في
الاهوار ثم يهاجر شتاء إلى الانهار والإوزة الغراء او الوز ابيض الجبهة
وهو نوع يشبه طائر القزم ولكن يكون اكبر بقليل وهو مهدد بالانقراض
واكثر شهرة من طائر القزم والبط ابيض الرأس وطائر الكروان مستدق الرأس”.
فيما قال مدير المستشفى البيطري في المحافظة خليل أمين الغالبي “من
المفترض أن يبدأ توافد الطيور بداية شهر تشرين الاول لأن لهذه الطيور
رحلتين من جنوب شرق آسيا مرورا بالعراق إلى شمال آسيا وأوربا وتركيا
وروسيا في رحلة الصيف وباتجاه معاكس”.
وأضاف الغالبي “كما أن العراق يمثل محطة مهمة لطيور سيبريا الباحثة
عن الأجواء الدافئة وهو مايوفره لها شتاء العراق لأن للطيور مراكز
حساسة للضوء تتواجد في الغدة الصنوبرية وعندما تكون الإضاءة عالية تبدأ
الطيور بالبحث عن أماكن اقل إضاءة، كما أنها تتحسس من البرد الذي يمكن
أن يهلكها”.
وبين أن “معظم الأنواع من الطيور التي تتواجد بالاهوار هي ليست
أنواع مستوطنة وإنما هي من الطيور المهاجرة التي تتخذ من الأهوار
استراحة خلال رحلتها الطويلة وبالتأكيد سيكون الجفاف عاملا مؤثرا على
جميع الأصناف المهاجرة وحتى بأماكن بعيدة من الكرة الأرضية لأن الأهوار
تمثل تجمعا دوليا وهي ليست مستقبلة أنواعا محددة”.
من جهته، قال عضو منظمة طبيعة العراق المهندس جاسم الاسدي إن “قلة
المسطحات المائية المتوفرة في منطقة الشرق الأوسط وسيادة أجواء الجفاف
على المنطقة خلال الأعوام السابقة وكذلك الصيد الجائر الذي تتعرض له
الطيور في أماكن اخرى من العالم سيجعل موسم الهجرة إلى الأهوار كثيفا”.
وبين الاسدي أن هذه الطيور “ستواجه واقعا صعبا نتيجة تحول مساحات
شاسعة من الأهوار إلى صحارى مقفرة وفي مواسم الغمرالسابقة كانت البركة
البغدادية وسط الاهوار لوحدها تستوعب حوالي 400 الف طير مهاجر والآن
هذه البركة جفت بأكملها وليس فيها اية بقعة مغمورة”.
وأوضح أنه “لا توجد بالاهوار الآن مناطق صالحة لاستقبال الطيور لأن
المياه فيها انحسرت على الجداول والأنهر العميقة بعد أن تناقصت نسبة
الغمر الكلي بالاهوار إلى اقل من 10%، وطبيعة الطيور وخصوصا الكبيرة
منها تحتاج إلى مسطحات وأماكن مائية مفتوحة كما أن الجفاف قضى على
النباتات الطبيعية التي كانت تمثل المصدر الأساسي لغذائها”.
إلى ذلك، قال الطبيب البيطري حسين محسن إن “أسراب الطيور القليلة
الواصلة للاهوار خلال الفترة الماضية تعرضت إلى موجات يمكن تمثيلها
بالإبادة نتيجة لتحول معظم صيادي الأسماك العاملين بالمنطقة إلى الطيور
للحصول على مصادر رزق لعوائلهم ولانحسار الطيور الواصلة وخصوصا من البط
في أماكن ضيقة ومحددة وسط الهور مما يجعل مهمة صيدها أسهل”.
وتعتبر أهوار جنوب العراق من أوسع مناطق الأهوار وأقدم مأوى طبيعي
في العالم ولها دور بيئي كبير في إيواء الطيور المستوطنة والمهاجرة
والمحافظة على أنواعها، وتقدر مساحتها مع ما يتخللها من مدن وأراض
زراعية أو صحراوية بحدود خمسة عشر إلى عشرين ألف كيلو متر منها اكثر من
مليون دونم في محافظة ذي قار.
وكان عدد سكانها 500 ألف نسمة لكنها تقلصت إلى حوالي عشر حجمها
السابق في عهد النظام السابق بعد أن جرى تحويل مجاري الأنهار عنها
وأقيمت السدود لتقسيمها ما تسبب بهجرة معظم سكانها.
وفي عام 2001 قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بتنبيه المجتمع
الدولي بشأن تدمير الأهوار عندما قام بنشر صور الأقمار الاصطناعية التي
توضح فقدان 90% من مساحة تلك المناطق الأهوار.
وأشار الخبراء حينها إلى أن الأهوار قد تختفي نهائياً من العراق في
غضون 3 – 5 سنوات ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الشأن، فتزايدت
نسبة الغمر لتصل إلى 20% من المساحة الأصلية في نهاية 2003، ورافق ذلك
استعادة حوالي 30% من النظام الطبيعي، بينما قدرت وكالة الفضاء
الأمريكية ناسا أن المساحة التي كانت مغمورة بالمياه التي تقدر بنسبة
7% تزايدت في 2007 إلى 30% - 40%. قبل أن تتناقص مساحة الغمر فيها إلى
10%من جديد نتيجة الجفاف الذي أصاب المنطقة العام الحالي بحسب منظمة
طبيعة العراق.
وتقع مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار على بعد 380 كم جنوب بغداد.
مساحات متقلصة
من جهة اخرى تباين المزارعون وصائدو الأسماك في أهوار العراق
الجنوبية في الرزق خلال العقدين الماضيين ولكن آفاق كسب العيش تبدو
الآن قاتمة بصورة متزايدة.
ففي عام 1993 قام ناصر شامخي داوود وهو صياد سمك يبلغ من العمر الآن
63 عاماً بهجر المنطقة بعدما قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين
بتحويل المياه بعيدا عن المنطقة لإخراج المتمردين الشيعة الذي قاموا
بانتفاضه ضد نظام حكمه بعد حرب الخليج عام 1991.
وبعد رحيل صدام حسين عن السلطة عام 2003 بدأت شبكة السدود والجسور
والقنوات التي استخدمت في تحويل المياه في التلاشي وعادت الحياة إلى
الأهوار مرة أخرى وعاد داوود إلى المنطقة. ولكنه يستعد الآن للرحيل مرة
أخرى بسبب الجفاف المنهك الذي حول الأهوار إلى مساحات واسعة من الأراضي
المتشققة.
قال داوود وهو أب لستة أبناء "لقد اختفت المياه مرة أخرى ولا يوجد
صيد أسماك وقد ماتت ماشيتنا"، مضيفا "مع هذا الوضع لا يمكننا أن نوفر
الغذاء لعائلاتنا ويتعين علينا إيجاد مكان آخر ومصدر آخر للرزق". بحسب
شبكة ايرين الانسانية.
وأهوار العراق التي كانت خصبة في يوم من الأيام يغذيها نهري دجلة
والفرات كانت منتشرة في ثلاث محافظات جنوبية هي الناصرية وميسان
والبصرة وتواجدت لأكثر من 5 آلاف عام.
كما تتميز تلك الأهوار بالكثير من الأكواخ المتناثرة المصنوعة من
البوص والبردي ولطالما تباهت المنطقة بأعداد الجاموس ومئات الأنواع من
الأسماك والطيور المهاجرة.
لقد اختفت المياه مرة أخرى ولا يوجد صيد أسماك وقد ماتت ماشيتنا...
مع هذا الوضع لا يمكننا أن نوفر الغذاء لعائلاتنا ويتعين علينا إيجاد
مكان آخر ومصدر آخر للرزق
وقال عباس الصعيدي مستشار وزير الدولة العراقي للأهوار أنه في عام
1973 كانت الأهوار تغطي منطقة مساحتها 8,350 كم مربع. وبحلول عام 2003
تضاءلت مساحتها بنسبة 90 بالمائة نتيجة لبناء السدود في أعالي الأنهار
في العراق وتركيا وإيران خلال فترة السبعينات والثمانينات وتفاقم
انحسارها بسبب عمليات التجفيف التي قام بها صدام حسين في بداية
التسعينيات.
وقال الصعيدي أن العديد من الناس قد أُجبروا على مغادرة المدن
المجاورة ولكنهم عادوا بعد عام 2003 عندما بدأت تظهر بوادر انتعاش في
المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد سكان الأهوار حاليا يقف
عند حوالي 1.2 مليون نسمة منهم نصف مليون يعيشون في المناطق الريفية.
أضاف الصعيدي أنه بحول عام 2006-2007 تم استعادة حوالي 75 بالمائة
من الأهوار إلى الوضع الذي كانت عليه في السبعينات بينما ترك الباقي
منها للاستخدام الزراعي والتنقيب عن النفط. ومع ذلك فإن 10-12 بالمائة
فقط من مساحة الأهوار الحالية تغطيها المياه نتيجة لانخفاض منسوب
المياه في نهري دجلة والفرات وهطول الأمطار بمعدل أقل من المتوسط.
وقال الصعيدي "هذا أمر مخيف. ببساطة الوضع يتدهور ومأساوي. المناطق
التي كانت مغطاة بالمياه في السابق أصبحت الآن جافة والقوارب عاطلة
والسكان يعانون ويغادرون إلى المدن مرة أخرى". ورغم أنه لم يعط أرقاماً
محددة إلا أنه قدر عدد الأسر التي نزحت مؤخرا بالمئات.
من جهته أشار كاظم الحمود المدير العام لمركز إحياء الأهوار في
وزارة الموارد المائية إلى أربعة تحديات تواجه الأهوار وهي الجفاف
وغياب اتفاقيات تقاسم المياه مع الدول المجاورة والنوعية المتردية
للمياه من النهرين نتيجة الملوثات الصناعية وتسرب المياه المالحة من
الخليج.
وقال الحمود "لقد هبطت الأهوار إلى نفس المستوى المنخفض الذي كانت
عليها أثناء حقبة نظام صدام حسين. ونأمل ألا تصل تلك الرسالة إلى آذان
صماء وأن يكون لها صدى في الدول المجاورة والمنظمات الدولية التي
تتعامل مع الأراضي الرطبة. فنحن الآن نمر بموقف عصيب جداً.
وأضاف الحمود أنه من أجل معالجة الموقف كانت وزارته تعمل على مشروع
بتكلفة 120 مليون دولار أمريكي لدعم تدفق المياه إلى المنطقة عن طريق
بناء السدود على مداخل الأهوار. وسوف يستخدم كل سد تكنولوجيا الأقمار
الصناعية لمتابعة مستويات ونوعية المياه كل 15 دقيقة بهدف الحفاظ على
المياه المتدفقة في الأهوار لفترات أطول. ولكن هذا النظام لن يكتمل قبل
عام 2011.
وانتقد الحمود عودة السكان "المتسرعة وغير المخطط لها" إلى الأهوار
بعد عام 2003، قائلا أنه كان يجب أن يكون هناك برامج لمساعدة الناس على
تنويع مصادر دخلهم.
صناعة الزوارق
من جهة اخرى ذكر عدد من المختصين والمهتمين بصناعة الزوارق في
محافظة ميسان، ان جفاف الاهوار في المحافظة ألقى بظلاله على صناعة
الزوارق الخشبية واندثارها في المحافظة، نتيجة لشحة المياه الواصلة من
نهر دجلة بالإضافة الى قيام الجانب الايراني بإقامة سدود على نهر
الكرخة المغذي لهور العظيم.
وقال مدير مركز نبع الاهوار في العمارة جاسب المرسومي إن “جفاف
الاهوار في محافظة ميسان ألقى بظلاله على صناعة الزوارق الخشبية
واندثارها والتي كانت تشكل أهمية بالغة في حياة ابناء الاهوار لأنها
واسطتهم الوحيدة في التنقل من مكان الى مكان آخر” .
وأوضح ان“ السبب الرئيسي في اندثار هذه الصناعة المتوارثة منذ مئات
السنين هو جفاف الاهوار بعد تعمد الجانب الايراني في إقامة سدود على
نهر الكرخة المغذي لهور العظيم وحصول جفاف بنسبة 50% لهور الحويزة فضلا
عن حصول شحة في مياه دجلة التي تغذي نهري المشرح والكحلاء ”. بحسب
اصوات العراق.
وأضاف أن “ اندثار هذه الصناعة ألقى بظلاله ايضا على مهنة الصيد
التي يمارسها أهالي الاهوار كصيد الأسماك والطيور والتي أخذت هي الأخرى
بالاندثار تدريجيا بعد ان كانت اهوار العظيم المكان الرئيسي لصيد أنواع
الأسماك والطيور وبيعها لجميع محافظات العراق”.
ومن جهته، قال الباحث العماري عبد الجبار الجويبراوي ان “محافظة
ميسان كانت تعد الورشة الكبيرة والمعمل الدائم لصناعة الزوارق في
العراق وخاصة في اهوار العمارة والمدن التي تقع عند ضفاف تلك الاهوار
كالمجر الكبير والميمونة والمشرح ”.
وذكر الجويبراوي ان “ شحة المياه الواصلة الى الاهوار من نهر دجلة
وإقامة سد بطول ثمانية كيلو مترات على نهر الكرخة على الأنهار المغذية
للاهوار من الجانب الايراني أدت الى اندثار هذه الصناعة الشعبية التي
كانت مصدر رزق لأهالي الاهوار من خلال صناعتها او استخدامها في عملية
التنقل والصيد” .
وأوضح الجويبراوي بان“ صناعة الزوارق مهنة متوارثة منذ مئات
السنين وقد اشتهر بها الصابئة المندائيين بحكم سكنهم على ضفاف الأنهار
الرئيسية في المحافظة ولحاجة سكنة الاهوار لوسيلة للنقل وممارسة الصيد”
. ونوه الى ان “ هناك أنواعا للزوارق الخشبية ومنها( البركش) وهو زورق
كبير لنقل الحبوب والأثاث و ( بريكش) وهو اقل حجم من سابقه ، ويستعمل
في الأنهار الصغيرة ، و(الطرادة) وهي زورق خفيف وتحمل مابين ثلاثة الى
خمسة أشخاص ،والماطور وهو زورق اصغر من الطرادة ويستعمل للتنقل في
المناطق القريبة ، و(المويطير)وهو زورق صغير جدا يستعمل لصيد الطيور
ويتسع لشخص واحد ويطلق عليه أيضا (المخيط) ”.
ولفت الى ان“هناك أساطير شعبية تروى عن الزوارق في بعض مناطق
الاهوار ومنها في مرتفع (أبو ذهب) الذي يقع الى الشرق من قضاء الكحلاء،
والذي له قدسية في نفوس ابناء القرى المجاورة، ويعتقدون ان زورقا من
الذهب يظهر كل ليلة جمعة يضيء هذا المرتفع، كما يدعي آخرون أنهم شاهدوا
هذا الزورق مرات عدة”.
وحول امهر صناع الزوارق سابقا في المحافظة قال الجويبراوي ان “هذه
الصناعة تخصصت بها طائفة الصابئة المندائيين وخاصة في ناحية السلام
ومنهم ( حنيظل وأولاده) والذين انتقلوا من المناطق الريفية الى مراكز
المدن كما ان بعضهم فضل السفر الى خارج العراق بعد اندثار هذه المهنة”.
والصابئة المندائيون من سكان ميسان القدماء، وتركز وجودهم في مناطق
الكحلاء والقلعة والسلام والمشرح قرب الأنهار لارتباط أهم طقوسهم
الدينية بمياه الأنهار، ولذلك اشتهروا بصناعة الزوارق بحكم وجودهم قرب
الأنهار وتشير كتبهم الدينية إلى أن مدينة الطيب الموجودة شمال مدينة
العمارة هي عاصمتهم الدينية.
وتقع مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان، على بعد 390 كم إلى الجنوب
من العاصمة بغداد .
محاولات الإنعاش
في سياق متصل باشرت وزاةر الزراعة، بإطلاق ثلاثة ملايين إصبعية من
اسماك الكارب في مياه بحيرة الحبانية وهور الدلمج واهوار محافظة ميسان،
وذلك لتنمية الثروة السمكية في العراق.
ونقل بيان لوزارة الزراعة عن مدير عام الهيئة العامة للثروة السمكية
د.مصدق دلفي قوله ان الهيئة “باشرت بإطلاق ثلاثة ملايين من اصبعيات
الأسماك في مياه المسطحات الداخلية والاهوار”.
وأوضح دلفي ان الإصبعيات “التي تم إطلاقها في مياه بحيرة الحبانية
وهور الدلمج واهوار محافظة ميسان من نوع الكارب” مبينا ان العملية
“ستستمر خلال الأيام القادمة حتى تكمل الهيئة الخطة الموضوعة لهذا
العام”.
وبحسب البيان فأن الإطلاق “يأتي في إطار الخطة التي وضعتها وزارة
الزراعة لتطوير وتنمية الثروة السمكية في العراق”.
ويعاني العراق اليوم من تراجع بحجم الثروة السمكية نتيجة لعدم توفر
المياه العذبة الكافية وجفاف الأهوار بسبب قيام تركيا وسوريا وايران
بخزن المياه وتقليص حصص العراق المائية، اضافة الى التجاوزات التي تحصل
خلال فترة تكاثر الاسماك وهجرتها من قبل الصيادين رغم توجيهات وزارة
الزراعة بالتوقف عن الصيد خلال فترة التكاثر التي تمتد من شهر شباط
ولغاية شهر ايار. بحسب اصوات العراق.
وكان معاون المدير العام لهيئة الثروة السمكية طلال أحمد رشيد ذكر
في وقت سابق ان الهيئة أطلقت اكثر من 14 مليون اصبعية في كافة المسطحات
المائية من الجنوب الى الوسط والى بحيرة الحبانية والثرثار، مبيناً ان
اتصالات تجري مع وزارة الداخلية لتشكيل جهاز متخصص في متابعة المسطحات
المائية والثروة السمكية حسب قانون 48 لسنة 1976 المتعلق بالصيد
واستغلال الاحياء المائية.
محكمة الأهوار
على صعيد متصل أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكما
بالاعدام شنقا حتى الموت على عضو مجلس قيادة الثورة المنحل مزبان خضر
هادي، بتهمة تجفيف الاهوار، كما حكمت على عبد الغني عبد الغفور بالسجن
مدى الحياة، وعلى وزير الدفاع السابق سلطان هاشم احمد بالسجن 15 سنة،
وعلى عزيز صالح حسن النومان عضو قيادة البعث بالسجن سبع سنوات.
وحكمت المحكمة ايضا ببراءة وطبان ابراهيم الحسن وزير الداخلية
الاسبق، والاخ غير الشقيق لصدام لعدم ثبوت الادلة ضده، كما اوقفت
الاجراءات بحق علي حسن المجيد بسبب تنفيذ حكم الاعدام بحقه. |