تركيا ونظرية المؤامرة... ادعاءات حكومية لأطراف غير مرئية

 

شبكة النبأ: إن التطورات الأخيرة هي مثال يوضح ذلك حيث تُظهر دور الخطاب الحكومي في نشر مثل هذه النظريات، فضلاً عن المشاعر المعادية للغرب.

في الآونة الأخيرة، شهدت تركيا ارتفاعاً في الهجمات الإرهابية التي يقوم بها «حزب العمال الكردستاني» أسفرت عن مصرع ما يزيد عن 50 شخصاً في أقل من شهرين. وقد قلل هذا العنف بشكل متزايد من مكانة «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، مما دفع هذا «الحزب» إلى تغيير تركيزه على القضية ولوم إسرائيل وأطراف فاعلة سرية -- وليس «حزب العمال الكردستاني» -- بالوقوف وراء هذه الهجمات.

فعلى سبيل المثال، يشير «حزب العدالة والتنمية» الآن إلى «حزب العمال الكردستاني» على أنه "مقاول من الباطن" ("تاسيرون") مما يوحي بأن إسرائيل وأطراف فاعلة غير مرئية -- وليس «حزب العمال الكردستاني» نفسه -- هي المسؤولة عن الهجمات الإرهابية. بحسب موقع واشنطن لسياسية الشرق الادنى.

وفي الوقت نفسه، بدأ أيضاً «حزب العدالة والتنمية» بوصف وسائل الإعلام المحلية والدولية التي انتقدت سياسته الخارجية بأنها بمثابة [أجهزة] أخرى تقوم بأعمال "مقاولة من الباطن"، ودمى تحركها تلك القوى نفسها التي "تقف وراء «حزب العمال الكردستاني»". وتلقي هاتان المؤامرتان الجديدتان بجذورهما الآن في تركيا، وإليكم تفسير ذلك:

حالما وقعت حادثة 'أسطول غزة' في 31 أيار/مايو المنصرم، بدأ مسؤولو «حزب العدالة والتنمية» بالتلميح بأن إسرائيل كانت وراء هجمات «حزب العمال الكردستاني» التي قتلت -- قبل وقوع الحادثة بساعات -- سبعة جنود أتراك في هجوم صاروخي على قاعدة بحرية في ميناء مدينة "الإسكندرونة" على البحر المتوسط.

وفي خطابه يوم وقوع الحادثتين أدان نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» حسين سيليك إسرائيل، لكنه ربط أيضاً بين إسرائيل وهجمات «حزب العمال الكردستاني» حيث قال: "في نفس اليوم [الذي وقعت فيه حادثة الأسطول] كان هناك هجوم على وحدة عسكرية في 'الإسكندرونة'. نحن أيضاً ندين هذا العمل الإرهابي ولا نعتقد أنه من قبيل المصادفة أن هذين الهجومين قد وقعا في الوقت نفسه".

وفي 9 حزيران/يونيو، صوتت حكومة «حزب العدالة والتنمية» بـ "رفض" العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد المشروع النووي الإيراني. وقد استحث هذا التطور وابلاً من الإنتقادات للسياسة الخارجية لـ «الحزب» في الداخل وعلى المستوى الدولي أيضاً. وفي [تغير] استراتيجي حول [مسؤولية الجهة الفاعلة] قام زعيم «حزب العدالة والتنمية» رجب طيب أردوغان بتحويل اللوم عن طريق ربط هذه الإنتقادات بـ "المقاولين من الباطن".

في "المنتدى العربي التركي" الذي عقد في اسطنبول في 10 حزيران/يونيو، قال أردوغان إن "كلمة 'إعلام' مرتبطة بإسرائيل والإدارة الإسرائيلية حول العالم، ولديهم القدرة على التلاعب كما يحلو لهم، بكل ما يتعلق الأمر بهذا الموضوع". وفي اليوم التالي وبخ أردوغان ثانية وسائل الإعلام لدورها كمتآمرة، حيث قال في مدينة "طرابزون": "تكرر وسائل الإعلام الدولية، المدعومة من قبل إسرائيل، نفس تلك الإدعاءات [حول انفصال تركيا عن الغرب]. فهي تتلقى تعليماتها من نفس المصدر".

وفي 11 حزيران/يونيو، تحدث أردوغان عن السياسة الخارجية التركية فقال: "وحتى على الرغم من أننا نسعى بكل جهد لرفع مستوى التعاون، ثمة يد آثمة تتورط على الفور في هذا الموضوع.

وقد تمكنوا حتى الآن من تصميم سياسات العالم والسياسة الخارجية بهذه الدعاية السوداء وبهذه العناوين العدوانية، إِحصل [فقط] على تلك الصحف المنشورة في إسرائيل وضعها على الطاولة، ثم ضع قبالتها تلك الصحف المشهورة المعينة في تركيا، وصدقني لن تجد فرقاً بين الإثنين باستثناء اللغة. إن سبب ذلك هو أن هؤلاء هم مقاولون من الباطن [حسب قوله]".

وفي 15 حزيران/يونيو، وبينما كان يتحدث في اجتماع برلماني لـ «حزب العدالة والتنمية»، خاطب أردوغان مرة ثانية "المقاولين من الباطن" [الذين يعملون من] تركيا قائلاً: "ينبغي أن لا نخضع لتلك الدعاية السوداء، ولا لوسائل الإعلام الدولية والمحلية، ينبغي أن لا نتوانى عن قول الحقيقة في وجه الحملات المبتذلة [التي يقوم بها] المقاولون من الباطن داخل تركيا، فهم بالطبع قد عبؤوا تلك المنظمات الصحفية التي يقدمون لها الدعم، أو لتلك التي تدعم إسرائيل، كما يفعلون دائماً.

وهناك من يؤيدون ذلك في تركيا أيضاً، ويؤسفني جداً أن أبلغكم بأن الدعاية السوداء ضد تركيا -- التي بودر بها ويتم الحفاظ عليها ودعمها حالياً من قبل وسائل الإعلام الدولية التي تؤيدها إسرائيل -- تُدعم بصورة علنية من قبل بعض المنظمات الصحفية المعروفة في تركيا، نحن نعرف بشكل جيد للغاية المعنى الحقيقي بين السطور في تلك العناوين، وكذلك الدافع وراءها".

وفي الوقت الذي استمرت فيه هجمات «حزب العمال الكردستاني»، استمر أردوغان في تغيير مسار اللوم. ففي 20 حزيران/يونيو، قتل جندي تركي وأصيب آخر بجراح خلال كمين نصبه «حزب العمال الكردستاني» في محافظة "إيلازيج" جنوب شرق تركيا.

وفي خطاب ألقاه أردوغان في مدينة "فان" في اليوم نفسه، علق رئيس الوزراء التركي على ارتفاع وتيرة العنف من جانب «حزب العمال الكردستاني» قائلاً: "نحن نعرف لمن يعمل «حزب العمال الكردستاني» كمقاول من الباطن".

وقد انضم قادة آخرون من «حزب العدالة والتنمية» إلى أردوغان في دعم نظرية مؤامرة "المقاولين من الباطن". ففي 19 حزيران/يونيو، وخلال مؤتمر صحفي عُقد في اختتام زيارة وفد «حزب العدالة والتنمية» إلى الولايات المتحدة، سئل نائب الرئيس عمر سيليك عما إذا كانت الإنتقادات الحالية تستهدف تركيا أم «حزب العدالة والتنمية» فأجاب: "إسرائيل تحاول تصوير الأحداث الحالية على أنها تنبع من رئيس الوزراء أردوغان. نحن نعلم ماذا تعني هذه المساعي. فالذين يعرفون التاريخ التركي سيدركون أن هذه الدعاية هي ببساطة محاولة لإثارة انقلاب أو غايات غير ديمقراطية أخرى".

وبالمثل، وفي أثناء تحدثه في اجتماع دار بلدية عقده «حزب العدالة والتنمية» في ديار بكر في 20 حزيران/يونيو، كان رد فعل نائب رئيس [«الحزب»] عبد القادر أكسو على هجوم «حزب العمال الكردستاني» في اليوم السابق في بلدة "سيمدينلي" بقوله: "يقوم «حزب العمال الكردستاني» بإسناد أعمال مقاولة من الباطن لكيانات متعددة -- هنا وهناك".

تُظهر هذه الأحداث الأخيرة في تركيا كيف [تؤدي] خطابات الحكومة إلى نشر نظريات المؤامرة التي تهيج مشاعر معادية للغرب. وحالما تقوم السلطات بنشر مثل هذه النظريات فإنها تصبح جزءاً من التفكير السائد مما يجعل من الصعب معالجتها. بحسب موقع واشنطن لسياسية الشرق الادنى.

إن الدرس [المستفاد] هو بسيط: نشر نظريات المؤامرة مشابه للسماح للمارد بالخروج من القمقم؛ وحالما تعمل السلطات على تعزيز مثل هذه النظريات، سيكون فعلاً قد فات الأوان.

ومنذ وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة في تركيا عام 2002، ثارت تكهنات عديدة حول الوجهة التي تتخذها أنقرة.

وبالنسبة لمعظم المراقبين أشارت السنوات الأولى بأن تركيا كانت تتجه نحو الغرب حيث سعى «حزب العدالة والتنمية» بقوة إلى الحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي، وقام بإصلاحات ليبرالية ديمقراطية وأخرى خاصة بالسوق الحرة كما تتطلبها تلك العضوية. وقد تغير مؤخراً الإتفاق الجماعي في الرأي [بين الدول الأوروبية] بنسبة 180 درجة. ففي الوقت الذي أوضحت فيه أوروبا مقاومتها للترحيب بعضوية دولة ذات أغلبية مسلمة، يبدو أن تركيا تضع نفسها كصانع قرار سياسي في المنطقة بين جاراتها من الدول الإسلامية، وتجلى ذلك أكثر ما تجلى بشكل كبير عندما صوتت أنقرة ضد [قرار] الأمم المتحدة بفرض عقوبات على إيران.

بيد، إن رؤيتنا مختلفة بعض الشئ: فتركيا تتجه نحو نموذج أوروبي لكنها ليست عصرية ولا ليبرالية. إنها النموذج الشرق أوروبي من فترة الأربعينات من القرن الماضي عندما استولت الأحزاب الشيوعية على السلطة في انتخابات ديمقراطية، [لتقوم] فقط بتخريب الديمقراطية، وحجب دولها وراء الستار الحديدي. ففي أعقاب فوز الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي في انتخابات عام 1946، قام ذلك الحزب بسرعة بتقويض إحدى أكثر الأنظمة الديمقراطية تقدماً في أوروبا الشرقية. وبحلول عام 1948 كان الشيوعيون قد أسكتوا جميع المعارضة بمختلف الوسائل، بما في ذلك ما اشتهر بالرمي المشين لأحد السياسيين المعتدلين البارزين في براغ من النافذة. وفي غضون عامين انضمت تشيكوسلوفاكيا إلى الكتلة الشيوعية. غير أن صعود حزب غير ليبرالي من شأنه أن يُحدث تغييراً جذرياً في سياسة بلاده الخارجية إيذاناً بسلوك «حزب العدالة والتنمية» الذي ظهر بعد ذلك بعقود عدة. وهذا لا يعني مساواة الشيوعية والإسلاموية، ولكن كلا الحركتين متجذرتان في أيديولوجية غير ليبرالية تنظر إلى الديمقراطية كوسيلة لغاية وتعتنق الصبغة المانوية السياسية المتمثلة بعقلية: نحن ضدهم.

لقد كانت هناك إشارات في الخطاب الحشوي لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي يعادي الولايات المتحدة ويحرم النساء من الوظائف العليا، فضلاً عن الإعتقالات وعمليات إطلاق النار على المنافسين السياسيين.

لكن تم تجاهل معظم هذه المؤشرات لأن «حزب العدالة والتنمية» كان قد عزز من تواصله مع الإتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، وقوى علاقاته العملية مع الولايات المتحدة حتى أثناء توجيهه انتقادات عنيفة للغرب. لكن خلال ثماني سنوات من حكم «حزب العدالة والتنمية» جسد خطاب «الحزب» رأي الأغلبية إلى حد كبير. كما أن أكثر من 90% من الأتراك يقرؤون ويكتبون باللغة التركية فقط، ويعتمدون على مصادر الإعلام التركية التي هي الآن متخوفة من «حزب العدالة والتنمية» أو خاضعة تماماً لسيطرته. وفي ظل حكم هذا «الحزب» أصبح التنصت على مكالمات الخصوم السياسيين أمراً شائعاً إلى درجة أن المطاعم [بدأت] تعرض الآن حفظ الهواتف المحمولة لكي يستطيع المواطنون إيداع هواتفهم قبل الجلوس لتناول العشاء لمنع التنصت لمكالماتهم.

وقد دل الخطاب المبكر المعادي للغرب [الذي عبر عنه] «حزب العدالة والتنمية» عن قيام أهداف خفية لسياسته الخارجية التي تظهر الآن للعيان. فبعد إضعاف نظام الضوابط والتوازنات الديمقراطي -- عن طريق فرض غرامات ضريبية على أجهزة الإعلام والتنصت على مكالمات المعارضين لخنق أي انشقاق [محتمل] -- يشعر «حزب العدالة والتنمية» بأنه مرتاحاً بما فيه الكفاية [بتمركزه] في السلطة، ليجعل سياسته الخارجية مضاهية لخطابه.

وسيستمر «الحزب» في اتباع اتجهاهات بعيداً عن الغرب حتى لو بقي ظاهرياً في حلف شمال الأطلسي. كما سيستمر في الدفاع عن القادة الإسلاميين -- بدءاً من عمر البشير في السودان إلى محمود أحمدي نجاد في إيران -- ضد مطالب المجتمع الدولي. وعلى المستوى المحلي سيستمر «حزب العدالة والتنمية» في سحق كل من الإعلام الحر، والمساواة بين الجنسين، وصيانة الديمقراطية [كعدم الحفاظ على] قضاء مستقل.

بيد، ما يزال الأمل قائماً. فحسب الساعة السياسية التشيكوسلوفاكية بعد الحرب العالمية الثانية، تكون تركيا الآن في عام 1947. ولم يحظ بعد هذا «الحزب» المستبد بالسيطرة الكاملة. ولا تزال تركيا [دولة] ديمقراطية متعددة الأحزاب.

فإذا نظرنا إلى نتائج الإنتخابات الأخيرة نرى أن ثلثاً واحد فقط من الناخبين كان قد أيد «حزب العدالة والتنمية»، في حين لم يكن لدى «الحزب الشعبي الجمهوري» العلماني أي رد في السابق على التنظيم الشعبي لـ «حزب العدالة والتنمية» أو المبادئ المعادية للغرب التي يعتنقها رئيس وزراء «الحزب» رجب طيب أردوغان على المستوى الشعبي؛ إلا أن لدى «الحزب الشعبي الجمهوري» الآن قائد فعلي يتمثل في كمال كيليكداروجلو وهو ديمقراطي اجتماعي ذو كاريزما. بيد، يمكن أن يمنع الضغط الدولي بعض طموحات «حزب العدالة والتنمية» وخاصة لو علا صوت الولايات المتحدة وغيرها. والحمد لله ليست هناك دبابات سوفيتية تتربص لانتهاز الفرصة لقمع إرادة الشعب التركي.

وما يزال معظم الأتراك الليبراليين يرفضون الإعتراف بفشلهم السياسي، وما يزال المرء يسمعهم يشيرون -- بصورة غير طبيعية -- بأن القادة الأوروبيين والأمريكيين هم من وضعوا «حزب العدالة والتنمية» في السلطة. يتوجب على غير الإسلاميين العودة إلى السياسات التي تحابي القاعدة الشعبية لكي يكسبوا أرضية في انتخابات عام 2011.

وفي غضون ذلك، يتعين على الغرب الوقوف إلى جانب الديمقراطية، عن طريق ضمان قيام انتخابات حرة وعادلة، والحفاظ على مناخ سياسي متساوٍ. فإما أن يتحد الليبراليون الآن وإما أن تعود عقارب الساعة إلى عام 1948.

.....................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/آب/2010 - 28/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م