طلاب الابتعاث إلى أمريكا والتطلع للبناء

محمد حسن الساده

ليس غريبا أن تجد بعضا منا نحن الطلبة المبتعثين للدراسة في الجامعات الأمريكية يجاهر بالحب لأمريكا! والمجاهرة بالحب إليها عند الواعين منا ليس لأنهم من الدارسين في جامعاتها، وليس أيضا لأنها الدولة الأفضل أو إنها المثالية كما يعتقد البعض مع الأسف الشديد.

وإنما لأنها تسمح للجميع بمختلف أديانهم وجنسياتهم وألوانهم وثقافاتهم ولغاتهم بالمشاركة في مجتمعها وإعطاء هؤلاء الحرية في التعبير عن الرأي وممارسته والتألق في فضاء العلم والعمل، والأهم من هذا انها تعطي الحريات الدينية فنحن نرى امامنا ان الولايات المتحدة الأمريكية بلدا تتعدد فيه الافكار والشخصيات والديانات والجنسيات ايضا وهي الأكثر تنوعا في العالم من نواحي كثيرة فنرى مآذن المساجد الإسلامية تعلو في أراضيها, والمعابد اليهودية, والمعابد البوذية, والمعابد الهندوسية, والكنائس المسيحية كلها في مكان واحد بالقرب من بعضهم البعض يجمعهم الإحترام المتبادل وهذا مصداق لحديث امير المؤمنين (ع): ﴿الْنَّاس صِنْفَان امَّا اخ لَك فِي الْدِّيْن او نَظِيْر لَك فِي الْخَلْق﴾.

بينما لا نجد ذلك وللأسف الشديد في مجتمعاتنا فبالرغم من قلة التنوع المذهبي في مجتمعنا وانحصار الانتماء الديني إلى دين الإسلام الخالد إلا أن البعض منا ابتعد كثيرا عن الروح التي وصى بها النبي صلى الله عليه وآله والتزم جانب العصبية والمغالبة ولا أدري هل يعي أن ذلك لا يخدم المجتمع في تألقه ونجاحه وتقدمه وإنما تدفعه عكس التيار أو أنه لا يعي ذلك.

ولعل هذه الروح تدفعنا نحن الطلاب المبتعثين للانفتاح على الثقافات المختلفة وعلى مكتسبات الحضارة ولكن على قاعدة التمسك بالدين الذي ننتمي إليه فأنا أعتز وأفتخر كثيرا عندما أعرف عن نفسي في أمريكا بأني مسلم وأنتمي إلى الطائفة الشيعية التي تحمل أفضل الثقافات وهي ثقافة محمد وآل محمد فهذا هو وسامي وتاجي بلا شك ولا ريب.

وربما نصاب بالصدمة حينما نجد أوطاننا بعيدة كل البعد عن تطبيق المنهج المحمدي! ولست أبالغ حين أقول أنني لمست بنفسي صحة تلك المقولة المشهورة (هنا بلد إسلام بلا مسلمين, وهناك مسلمين بلا إسلام ) وقد وجدت أنا شخصيا - وربما يشاطرني الرأي ذاته كثير من الطلبة المبتعثين - في الولايات المتحدة الأمريكية مالم أجده في أي مكان آخر فبالإضافة إلى ما ذكرت سابقا من توافر الحريات المشتركة للجميع على حد سواء، فإنك تجد الفرص متوافرة للجميع أيضا بغض النظر عن مذاهبهم ودياناتهم وأجناسهم، والحال بالنسبة للحقوق والواجبات كذلك يتساوى فيها الجميع، بل ربما يندر أن تلحظ فوق السطح مايسمى بـالواسطة أو الرشوة وغيرها من الأمور، ولكن ويا للأسف نجد العكس تماما هنا بل ربما نراه مستفحلا بيننا. أليس هذا منهي عنه في شرعنا! لأنه إفساد في الأرض وظلم للآخرين.

 وهناك نجد التعدد والتنوع ثقافة وسلوك تتحرك بين الناس وتسير معهم، وقد رأيت في أحد المواقع الالكترونية كلاما جميلا جداً للشاعرة الأمريكية " مايو أنجلو" تقول ( علينا جميعا أن نعرف أن التنوع يؤدي إلى نسيج غني, وعلينا أن نفهم أن جميع خيوط هذا النسيج هي متساوية القيمة بغض النظر عن لونها وهي متساوية من حيث القيمة أيضا بغض النظر عن تركيبتها).

هذا هو المجتمع الأمريكي حيث حول التعدد المذاهبي والديني إلى مصدر إثراء وقوة استفاد منها لبناء صرح الحضارة بينما نحن يرفض كلا منا الآخر ولا يقبل به لا لشيء إلا لأنه مختلف معه في المذهب!

دروس تعلمتها في الغربة

من أهم الدروس التي تعلمتها في الغربة:

علينا أن ننمي أفكارنا ونظراتنا الى مستوى اكبر مما نحن فيه من خلال التعلم والمعرفة خصوصا من خلال الوسائل الحديثة ولعلي لو لم أغترب لطلب العلم لكنت كما أنا لم يتغير في شيء!! فهناك في الغربة تجد عالما يشعرك بإنسانيتك ويدفعك للتفوق والتميز والعمل الجاد المخطط له.

حث ديننا الحنيف على ضرورة البر بالوالدين ولعل من أدنى مستويات البر بهما استشعار سهرهما وتعبهما علينا والعمل على تخفيف ذلك التعب، ونحن الشباب ربما لا نعي لذلك ولكن الغربة نبهتنا له فأنا على سبيل المثال – وكثير مثلي - كنت ادخل البيت وأرى امي تنظف وتطهو وتغسل وتقوم بالاعمال المنزلية لوحدها من غير مساعده في معظم الأوقات، وعندما نأتي إلى البيت نرى المائدة جاهزة لنا بكل حب وود. ولكني حين سافرت أحسست بذلك التعب والمعاناة للأم الحنون فتعلمت من ذلك قيمة الأم التي تتعب لنرتاح وقيمة الإعتماد على النفس. والآن حيث عدت لأقضي معها الإجازة الأولى بعد غربتي لسنة ونصف بنفس الإسم ولكن بشخصية مختلفة تماما! فمساعدتها في الشؤون المنزلية هو بنظري يدل على الإحترام والتقدير وروح العمل بشكل جماعي تحت سقف الحب والإيمان. وعندما تشترك العائلة كلها في شؤون المنزل تكون العائلة مثالية.

لا يستغني أي منا عن الأصدقاء ولكن كيف أميز وأعرف أصدقائي من غيرهم؟ وأيهما أهم العائلة أم الأصحاب؟ فالغربة تظهر الصديق الجيد من غيره وهي تدفع بالإنسان للتوازن فينظر الإنسان إلى أن العائلة والأصدقاء مكلمين لبعضهم البعض وإن كان الصديق يعوض بآخر فإن العائلة لا يعوضها شيء.

يفتقر مجتمعنا في معظمه إلى القراءة وبالأخص طلاب المدراس سواء كانوا في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية فلا نرى أي تشجيع او تحفيز من قبل المدرسين والمدرسات! ومن خلال مشوراي من الإبتدائية إلى الثانويه لم يمر علي ولا لمرة واحدة من يشجع على قراءة كتاب ثم مناقشة الكتاب وهذا يؤسفني جداً! مع أننا نمتلك تراثا عظيما وهو تراث وثفاقة مدرسة آل المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكن لا نعرف من هذا التراث إلا القليل القليل القليل.

أين دور معلمين الأجيال؟ أين دور الخطباء والمثقفين ؟ أين دور المساجد والحسينيات؟ أين دور النوادي الثقافية؟ وفي المقابل فإن عمرنا يمضي والسنوات تنقصه والبعض منا لا يزال يعيش بعيدا عن العلوم والمعارف الاسلامية والحضارية فهل نستفيق من سباتنا أم ماذا؟

كنت مشاركا في حوار بعنوان( الولايات المتحدة الأمريكية حرية وحضارة) والكل في الحوار يهدف إلى التعرف على الحضارات والثقافات والديانات المتعددة في مراكزها ومدارسها وجامعاتها ففاجئني في المؤتمر شاب امريكي قام يتحدث عن خطة عمله المستقبلية ورسالته ورؤيته وقال أن هدفه أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ففوجئ الطالب بأسئلة عديدة من قبل الحاضرين فأجاب قائلا سأدرس 4 سنوات بكالريوس وسنتين ماجستير و3 سنوات دكتوراه وستبقى 21 سنة سأجعلها للتخطيط والوصول الى الهدف الذي اريده! هذا مثال عن واحد يمتلك رؤية ورسالة وهدف ولديه خطة توصله إلى تحقيق أهدافه، والسؤال أين نحن من كل ذلك ويا ترى من المسئول؟ هل الآباء والأمهات؟ أم المدرسة والقادة؟

ختاما نحن معاشر الشباب نتطلع إلى علماء وخطباء وأصحاب ثقافة وفكر يعملوا على سد حاجاتنا الفكرية والثقافية والروحية والعلمية حتى نتمكن جميعا من بناء مجتمع يحمل ثقافة أهل البيت ويعمل على إعادة بناء الحضارة الإسلامية.

moh_359@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/آب/2010 - 24/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م