العمالة الوافدة في دبي... أحلام خطفتها رياح الأزمة

شبكة النبأ: كل الأحلام كانت ممكنه في الخليج قبل عامين فإمارة دبي، بدولة الإمارات العربية، التي تضم أعلى ناطحة سحاب بالعالم، وأفخم الفنادق والمرافق، جذبت مئات الآلاف من الراغبين بالعيش بترف، قبل أن تتفجر فقاعة الديون بشركات الإمارة ومن فيها.

فتحت شمس لا ترحم يقلب عمال من جنوب آسيا الارز في قدور ضخمة فهو طعامهم الوحيد في رقعة قاحلة من الصحراء على بعد 80 كيلومترا من امارة دبي المتألقة التي بناها العمال المهاجرون على مدى عقود.

وبعد أن هجرهم المستخدمون الذين تركوا الامارات العربية المتحدة بعد تعثر اقتصاد دبي فان العمال لا يستطيعون تحمل تكلفة البقاء ولا الرحيل. فهم لم يحصلوا على رواتبهم لشهور واحتجزت جوازات سفرهم منذ فترة طويلة جدا.

ويمثل هؤلاء العمال والاف مثلهم تقطعت بهم السبل في دبي وامارة الشارقة المجاورة الاضرار البشرية للازمة الاقتصادية العالمية التي شلت فورة البناء في دبي. بعد ان اختاروا الغربة والابتعاد عن عائلاتهم على أمل الحصول على لقمة العيش وتوفير المال الكافي لسد حاجات عائلاتهم في الوطن.

ضحايا الازمة

حيث قال موهان وهو عامل تركت الشركة التي كان يعمل بها وهي شركة لجلب العمالة الامارات قبل شهرين "نحن عالقون هنا بينما تواجه أسرنا في الهند مستقبلا مظلما بلا مال. لا أملك فلسا واحدا."

وتحولت الامارات خلال نصف قرن من دولة خليجية صغيرة كانت تعد مركزا للصيد والتجارة على ساحل صحراوي الى عاصمة للتجارة والسياحة بالمنطقة بالاستعانة بالعمالة الاجنبية رخيصة التكلفة.

لكن الان مع تقليص حجم الشركات او اغلاقها تماما يهجر بعض المستخدمين البلاد تاركين معسكرات العمل ممتلئة بالعمال الذين تقطعت بهم السبل ولا يعرفون الى أين يذهبون.

وتم قطع الغاز والكهرباء عن معسكر العمل الذي يقيم به موهان في الشارقة ويعيش به 350 فنيا وسائقا ولم يعد لدى المقيمين به تكييف للهواء وهو أساسي في دولة صحراوية تصل فيها درجات الحرارة في فصل الصيف الى 47 درجة مئوية.

وتقول سحر شيخ وهي مغتربة باكستانية ميسورة الحال تقوم بجهود خيرية لتوفير الطعام والدواء للعمال ان الحكايات من نوعية ما حدث في معسكر الشارقة باتت شائعة.

وأضافت "يتلقون وعودا بالحصول على أجورهم ويطلب منهم الاستمرار في العمل لكن الادارة تفر ويتوقف العمل ولا يحصلون على رواتبهم أبدا." بحسب رويترز.

وواجهت الامارات انتقادات من جماعات مدافعة عن حقوق الانسان تقول ان الشركات تفلت من العقاب لانها تستخف بالقوانين التي تضمن حصول العمال على أجورهم في المواعيد المحددة والا تحتجز أوراقهم. ويقول اخرون ان مهمة الحكومة شاقة بسبب السرعة التي رحلت بها بعض الشركات.

وتقول ابتسام الكتبي وهي محللة اماراتية ان الحكومة تبذل أقصى ما في وسعها وان من الصعب وقف هذا الاستغلال للعمال.

وأضافت أن الامارات الان تطلب من الشركات تحويل المدفوعات آليا من خلال البنوك لضمان حصول العمال على أجورهم.

ويقول العمال في معسكر الشارقة انهم لم يحصلوا على رواتبهم الشهرية ويحصل كل منهم على نحو 800 درهم (217 دولارا) منذ ما بين ستة أشهر وعام وان أسرهم تتضور جوعا. وفي مكتب مستخدمهم يدق الهاتف مرارا وتكرارا لكن ما من مجيب.

وينتظر الرجال الذين تقطعت بهم السبل في الشارقة بمعسكرات من مبان متداعية تشبه بعضها البعض مثل الشغالات في خلية النحل. وتنضح مياه الصرف الصحي بين المباني وتنشر رائحتها الخانقة الغثيان والحمى بين الرجال.

لكن مرت أشهر فيما ينتظر موهان وزملاؤه في الشارقة المساعدة من وزارة العمل والسفارة الهندية وقد أعيدت جوازات سفرهم اليهم وتلقوا وعودا بالرجوع الى بلادهم.

وتتفقد شيخ معسكر الشارقة الذي تناثرت فيه القمامة وتنصت فيما يتجمع العمال حولها للتنفيس عن غضبهم ويحبس البعض دموعهم.

ويقول رجل بين الجمع "ليس لدينا سوى الجلوس والنوم ولدينا الكثير من الوقت للقلق. لا نريد سوى العودة الى الهند."

وعلى مدى الاعوام الاربعة الماضية دأبت شيخ (33 عاما) على زيارة عشرات المعسكرات حاملة معها تبرعات من الاغذية والمنتجات الصحية. لكنها تقول انها في العام المنصرم بدأت لاول مرة تقابل عمالا معوزين وتقطعت بهم السبل تماما.

وقالت "في ظل المناخ الاقتصادي الحالي فان الكثير من الشركات تفعل هذا. أن المعسكر المجاور في نفس الوضع وهذا شائع." وتابعت قائلة "انه الى جواره مباشرة. لسنا بحاجة الى البحث عنهم."

وفي عام 2008 توقفت الطفرة التي شهدتها دبي لمدة ستة أعوام والتي شهدت بناء أطول مبنى في العالم وجزر على شكل نخيل اثر الازمة المالية العالمية. وألغيت مشاريع للبناء بملايين الدولارات أو تم تأجيلها.

واكتوى هؤلاء العمال الذين لم يحصلوا على رواتبهم بنار الاقتصاد المتداعي بسبب الديون الضخمة المتراكمة عليهم نتيجة قروض أخذوها ليدفعوا لشركات التوظيف حتى توفر لهم فرص العمل في دبي.

وقالت شيخ "لهذا نرى حالات انتحار" مشيرة الى زيادة كبيرة في معدل الانتحار منذ العام الماضي. وأضافت "يظنون أنهم اذا انتحروا سيترك مقرضوهم أسرهم في بلادهم وشأنها لكنهم لا يفعلون هذا فهم يستمرون في ملاحقتهم."

ويحصل الكثير من العمال الذين يتلقون وعودا برواتب غير واقعية على قروض تتراوح بين الفين وأربعة الاف دولار حتى يدفعوا لوكالات التوظيف الاموال اللازمة لتوفر لهم وظائف في الامارات على الرغم من أن القانون هنا يحظر هذا.

وفي وقت الازدهار كان العمال يسددون القروض بسرعة من خلال العمل لساعات اضافية. الان توقفت الرافعات وأجهزة الحفر عن العمل ويقول الرجال الذين لا يحصلون حتى على رواتبهم الاساسية ان أسرهم تعاني.

وقال موهان "أسرتي جائعة... لي ابنان يحاولان الحصول على شهادة والان ماذا سيحدث.. لا توجد أموال ليدرسا."

وأنحت شيخ باللائمة على الشركات في معاناة العمال وقالت "انه خطأها 100 بالمئة... كانت ستطيع دفع تكلفة اعادة الرجال الى بلادهم بنزاهة. بدلا من هذا تركتهم هذه الشركات هنا يلاقون مصيرهم وفر أصحابها الى أماكن بعيدة يقودون فيها سياراتهم ( البي.ام.دبليو)."

لكن سامر مسقطي من منظمة هيومان رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الانسان قال ان الامارات مسؤولة عن عدم تطبيق قوانينها وأضاف "من الواضح أن الدولة فشلت اذا كان ذلك يحدث على هذا النطاق الواسع."

والمدهش أن العمال الذين تقطعت بهم السبل ويرغبون بشدة في الرحيل يتطلعون بنفس القدر الى العودة للامارات. وقال موهان "سنعود جميعا ماذا بوسعنا أن نفعل غير ذلك.. ليس لدينا خيار. لا يوجد عمل اخر."

ابعاد اللبنانيين

في سياق متصل طالبت جماعة حقوقية مقرها الولايات المتحدة، الحكومة الإماراتية بالسماح لمئات الفلسطينيين واللبنانيين المبعدين من البلاد، باستئناف قرارات الإبعاد والطعن فيها.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش،" في رسالة بعثتها إلى وزارة الداخلية في الإمارات العربية المتحدة إن مئات اللبنانيين والفلسطينيين، أكثرهم من غزة، تم إبعادهم من البلاد العام الماضي دون تفسير. ورفض مسؤول أمني إماراتي التعليق على تقرير المنظمة الحقوقية.

وقالت المنظمة إن الإمارات قامت بترحيل ما لا يقل عن 120 عائلة لبنانية، جميعهم من الطائفة الشيعية، منذ يونيو/حزيران العام الماضي دون التقيد بالإجراءات القانونية، كما طردت السلطات الإماراتية أيضا عشرات الفلسطينيين، معظمهم من قطاع غزة، بعد إلغاء تصاريح عملهم.

وقالت سارة لياه ويتسون مديرة شؤون الشرق الأوسط في المنظمة "مضى عام منذ بدأت الإمارات بترحيل المئات من اللبنانيين وسكان غزة، والحكومة لم تقدم أي مبرر كاف.. وعدد كبير من العائلات التي تم إبعادها يعيش في الإمارات منذ عقود."

وجاء الإبعاد بعد توتر وقع بعد الحرب الإسرائيلية في ديسمبر/ كانون الأول 2009 على غزة حيث يعيش نحو 1.5 مليون نسمة تحت الحصار منذ سيطرت حركة حماس الإسلامية على الحكم في القطاع.

وقال مواطنون لبنانيون تم ترحيلهم في مقابلات أجرتها معهم "هيومن رايتس ووتش،" إن تحقيقا جرى معهم بشأن انتماءاتهم السياسية بما في ذلك التحقيق في علاقات مزعومة بينهم وبين حزب الله.

ونقلت المنظمة عن أستاذة جامعية لبناني كان تعمل في جامعة الشارقة قولها إن "مسؤولي الهجرة استدعوها لمقابلة يوم 10 يونيو/حزيران 2009، بعد ثلاثة أيام من الانتخابات البرلمانية اللبنانية، وخلال الاستجواب لمدة أربع ساعات، اتهمها ضابط هناك بالانتماء إلى خلية نائمة لحزب الله."

وقالت الأستاذة الجامعية للمنظمة الحقوقية "المحقق سخر من (معتقداتي الشيعية) والممارسات الدينية بطريقة قاسية جدا، كانت مؤلمة ومهينة ذلك لأنني لم أكن أستطيع الرد أو الدفاع عن نفسي."

وبموجب القانون الدولي، يحق للحكومات تنظيم وجود الأجانب داخل حدودها، ومع ذلك، فإن عملية الترحيل تخضع لقيود معينة، وقد صادقت دولة الإمارات في عام 1974 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تلزم الحكومات بالتقيد بترحيل الأجانب وفقا للقانون وإعطاء المبعدين الفرصة لاستئناف أمر ترحيلهم.

ديون البنوك

الى ذلك باتت ما قصة البريطاني نيكولاس وارنر إلا واحدة حدث تتناقله وسائل الاعلام يعكس اثر الازمة بشكل مؤثرا، فقد حصل على مبالغ كبيرة كديون شخصية وبطاقات ائتمان قبل أن يفقد وظيفته العام الماضي ليجد نفسه مضطراً للنوم في الشارع دون جواز سفره الموجود لدى الشرطة بانتظار دفع ديونه، منضماً إلى مئات العالقين في هذه الدوامة بعيدة عن أوطانهم.

ويقول ورنر إنه بدأ أول الأمر بالنوم في سيارته، من ثم باشر النوم في الحديقة لعدم توفر المال لديه لشراء الوقود وتشغيل المحرك وجهاز التبريد.

وبجسب ورنر، فإن "بنك الإمارات دبي الوطني،" اتهمه بأخذ قرض والفرار خارج البلد كما حصل مع الآلاف من الأجانب الذين فقدوا وظائفهم في الإمارات في ذروة الأزمة المالية العالمية.

ولكن ورنر يشدد على أنه سافر في عطلة ومن ثم عاد إلى دبي لتعتقله الشرطة فور وصوله، بسبب بلاغ من المصرف، وتضع يدها على جواز سفره. بحسب السي ان ان.

وجرى الإفراج عن ورنر في وقت لاحق، لكن القضية أدت إلى خسارته وظيفة في منصب مستشار استراتيجي لدى شركة للعلاجات البديلة لعدم رغبة رب عمله في تحمل تبعات ديونه.

من جانبه، رد "بنك الإمارات دبي الوطني" على قضية ورنر ببيان قال فيه: "لدى السيد نيكولاس ورنر العديد من القروض والالتزامات المالية مع المصرف، وقد عجز عن سداد عدة دفعات، وقد سعى المصرف إلى القيام بعدة محاولات لحل القضية بشكل ودي."

وأضاف البيان: "السيد ورنر للأسف لم يعلم المصرف بوضعه المالي الصعب، كما غادر البلاد في وقت لاحق دون أن يخطر المصرف بشكل مسبق أو يقدم اقتراحاً مقبولاً للتسوية، ولذلك لم يكن لدى المصرف من خيارات سوى اللجوء إلى الوسائل القانونية المطبقة وتسليم القضية للسلطات المختصة."

وختم البنك بالتأكيد على انه "يتعاطف مع الزبائن الذين وجدوا أنفسهم في وضع يعجزون معه عن سداد ديونهم، وهو يقوم بكل الجهود الممكنة لمساعدتهم على معالجة هذه القضية بشكل مقبول من الجميع،" مؤكداً أن كل ما يقوم به حالياً يتوافق مع التعهدات المصرفية التي وقع عليها ورنر.

ولكن البريطاني العالق في حدائق دبي يرد بالقول: "قضيتي مستمرة منذ سبعة أشهر.. وكان بوسعهم تسليم الجواز لأي شركة لتوظفني."

ولكون ورنر بريطانيا، أتصل بسفارة بلاده التي اكتفت بعرض 100 درهم ( حوالي 27 دولارا) لشراء أساسيات، وابلغته أنها لا تستطيع مساعدته ودعته إلى تحمل مسؤولية قروضه.

وبالطبع ، هذه ليست مشكلة فردية يعاني منها ورنر، بل تعدت مئات الآلاف من مختلف الجنسيا في الإمارة، مع أختلاف أسباب الديون، فمنهم من صرفها على الترف والرفاهية، ومنهم من ارسلها لعائلته لشراء منزل أو العلاج او سداد ديون في بلادهم.

ويقول ورنر: "هناك المئات من الباكستانيين والهنود والفلبينيين لديهم نفس المشكلة، وتعرفت على شخص غربي لديه نفس الوضع ومشكلته أكبر."

وعن النوم في العراء بصيف دبي الملتهب، قال ورنر ساخراً، "الأمر ليس بالسوء الذي يتصوره البعض، في الليل هناك بعض النسيم.. وعموماً ليس عندي خيار آخر.. الحرارة في الخارج تصل إلى 51 درجة تقريباً، وأحاول خلال النهار تجنب الوقوف في الشمس.

قد يكون ورنر من بين القلة المحظوظة التي وجدت طريقها إلى الإعلام لعرض مشاكلها .. لكن هناك من تغربوا بعد أن باعت عائلاتهم الغالي والنفيس لتشتري لهم تذكرة سفر إلى أرض الأحلام.. ليجدوا أنفسهم وسط المأساة يسعون لجمع ثمن تذكرة العودة حتى إلى الفقر.

لعبة الكريكيت

من جهة اخرى باتت حياة مئات آلاف العمال في دبي شاقة، ومليئة بساعات العمل المتعبة وتحت أشعة الشمس الحارقة، ومع ذلك يسعون لإيجاد منفذ يكاد أن يكون الوحيد للخروج من أجواء الإرهاق إلى اللعب، وعندها تتصدر لعبة الكريكت اهتماماتهم.

في يوم الراحة، يسعى العمال لإيجاد باحة خالية ليلعبوا الكريكيت، فهي التسلية الوحيدة التي يستطيعون تأمينها.

وغني عن القول أن غالبية العمال يعيشون في غرف صغيرة مشتركة مع عشرة أشخاص أو أكثر، وبمستوى معيشي سيء.

رجل الأعمال الهندي، ريكس براكاش، وبعض زملائه بادروا إلى تأسيس منظمة غير حكومية  باسم "سمارت لايف"  تعمل على جمع العمال من جميع الخلفيات، الهندية، البيضاء وغيرهما، وتشجعهم على تشكيل فرق  كريكيت للمنافسة لينالوا في النهاية جائزة نقدية ودورات حاسوب تدريبية مجانية. يقول براكاش: "نحن نبحث عن طريقة تجمع بين العمال الفقراء والموظفين من ذوي الدخل المرتفع."

وتمارس منظمة "سمارت لايف" نشاطات أخرى، فهي تحفز كل رجال أعمال، أن يدعوا عاملا كل أسبوع، ليمضي معه بعض الوقت و من ثم يكتشف مهاراته ويساعده على  تطويرها. بحسب السي ان ان.

تقول سوبالا كشمي بالا، من سمارت لايف: "هنالك الكثير من العمال اللذين اضطروا لترك مدارسهم، فنحن نحاول تعويضهم و هنالك أيضا بعض الخريجين، الذين نحاول إيجاد فرص عمل تناسبهم أكثر." وهكذا تكون الرياضة المظلة التي تجمع من تحتها جميع الأجناس والأعراق بدون أي تفرقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آب/2010 - 23/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م