المخابرات الأمريكية... إعادة تقويم أم تصفية حسابات

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو إن اعرق جهاز استخباراتي في العالم حسب ما يقال فقد تلك الصورة بشكل تدريجي بعد سلسلة الإخفاقات الأمنية التي أضرت بسمعته وأكثرت من المنتقدين لأدائه.

فيما شكلت التسريبات الأخيرة لبعض الوثائق الاستخبارية الأخيرة جدلا متسعا في الأوساط الأميركية حول أهداف تلك التسريبات والجهات التي ساعدت على ذلك، التي تزامنت مع حملة إعلامية ضد جهاز الأمن القومي، مثيرة في الوقت نفسه تساؤلات مشروعة حول الغاية من ذلك، وهل تقف وراء الأمر دوافع مهنية بحته، أم تصفية حسابات لا أكثر، والتساؤل الأهم ما هي التداعيات المستقبلة لما يحدث.

الفقاعة الإستخباراتية

فقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريرا مفصلا، تحققت من تفاصيله على مدى عامين كاملين، لتكشف طفرة نمو أجهزة الاستخبارات الأمريكية ضمن الولايات المتحدة عقب هجمات سبتمبر عام 2001.

عالم خفي متنامي من العمليات الاستخباراتية المعقدة تجعل من إدارة ذلك العالم السري عصية على الفهم والسيطرة وفقا للصحيفة.

ويقول معدو التقرير إن العالم السري الذي بنته الولايات المتحدة بحجة مكافحة الإرهاب وردا على هجمات سبتمبر، تضخم بحيث أصبح هائلا ولا يدرك أحد كلفته الحقيقية وعدد الآلاف الذين يعملون فيه بسرية تامة وتداخل عمله مع وكالات أمنية أخرى.

وتشير الصحيفة إلى أن تحقيقاتها المطولة توصلت إلى نتائج مفادها أن نظام ولايات متحدة أخرى مواز وسري تأسس بعيدا عن الأعين ولا يخضع لأي مساءلة شاملة، وذلك بعد نمو وإنفاق غير مسبوقين لتأسيس هذا النظام استخباراتي الأمني لضمان سلامة الولايات المتحدة. ولكن بسبب ضخامته أيضا أصبح من المستحيل الجزم بفعاليته.

ومن النتائج التي توصل إليها التحقيق إحصائيات ملفتة، فمثلا وصل عدد المؤسسات الحكومية إلى 1271، من المؤسسات التي تعمل ببرامج مكافحة الإرهاب والأمن الوطني والاستخبارات في 10 آلاف موقع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وتعمل من خلال هذه أيضا حوالي 1931 شركة خاصة.

ووصل عدد الأشخاص الحاملين لتصاريح أمنية من مرتبة تصاريح الدخول لمستوى سري للغاية، إلى حوالي مليون شخص.

بلغت مساحة الأبنية التي شيدت للعمل الاستخباراتي منذ سنة 2001، حوالي 17 مليون قدم مربع (ثلاثة أضعاف مساحة البنتاغون).

أسرار القادة العرب

فيما يسود الوجوم والقلق أوساط الدبلوماسية الأمريكية في الولايات المتحدة وسفاراتها في مختلف دول العالم، عقب الكشف عن تسرب اتصالاتهم من قبل محلل استخبارات اعتقل مؤخرا في الكويت بتهم تسريب معلومات سرية لموقع كشف الفساد ويكي ليكس وفقا لموقع وايرد.

فقد أثارت ادعاءات  برادلي ماننغ، بتسريب ما يقارب 260,000  برقية دبلوماسية، عندما كان يتباهى أمام قرصان كمبيوتر سابق، وشى به لاحقا للسلطات الأمريكية، بأنه سرب برقيات دبلوماسية سرية يمكن أن يؤدي الكشف عنها للجمهور إصابة هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية وغيرها من الدبلوماسيين الأمريكيين، بسكتة قلبية نتيجة للتصرفات التي تكشفها وتبلغ أحيانا مستوى الجرائم الجنائية فضلا عن التصريحات المحرجة بحق قادة أجانب وردت فيها.

وذكر برادلي في محادثاته مع المدعو لامو أن اعتاد استخدام قرص س يدي CD-RW، يحتوي على موسيقى ليدي غاغا عند دخوله للعمل والاتصال بشبكات سرية للجيش والاستخبارات الأمريكية، ليقوم بعدها بنسخ الرقيات والمعلومات السرية على ذات القرص لتمحي تلك الموسيقى دون أن يتنبه إلى ما يفعله أحد نظرا لضعف ضوابط السرية في الأنظمة وفي أسلوب العمل.

وفي حال مضت ويكي ليكس بنشر الوثائق السرية فإن ذلك سيعرض سياسة الولايات المتحدة العالمية للخطر ويكشف معلومات محرجة حول المداولات الخفية في قضايا عالمية هامة ومواقف غير معلنة للولايات المتحدة تجاه دول عديدة، فضلا عن الآراء الشخصية للسفراء الأمريكيين حول شخصيات قادة عرب.

ويشير موقع دايلي بيست إلى أن ماننغ تمتع بصلاحيات أمنية بمستوى عال من نوع يسمى Top Secret/SCI، يتيح الوصول إلى شبكتين تعرفان بالاسمين SIPRnet  و  JWICS وفيهما كل برقيات الدبلوماسيين والعاملين في الخارجية الأمريكية في مختلف دول الشرق الأوسط وتتضمن هذه تفاصيل دقيقة عن أساليب عمل الحكومات العربية وقادتها.

تجارب بشرية

الى ذلك قالت منظمة مدافعة عن حقوق الانسان ان اطباء اميركيين حضروا جلسات استجواب معتقلين لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 وكانوا يجمعون معطيات طبية تسمح بتحسين وسائل التعذيب، في ما اعتبرته المنظمة "تجارب بشرية".

وقال نثانايل ريموند احد مسؤولي منظمة "اطباء لحقوق الانسان" (فيزيشنز فور هيومن رايتس) ان "هناك ادلة تشير الى ان اطباء كانوا يقومون بقياس الالم الذي تسببه تقنيات الاستجواب ويسعون الى تحسين معرفتهم بهذه التقنيات". وقد نشرت المنظمة تقريرا يحمل عنوان "تجارب في التعذيب".

وقال ريموند "انهم اطباء يجمعون معطيات تستخدم لتحديد ما اذا كان ما يرونه يدخل في اطار تعريف التعذيب" الذي وضعته وزارة العدل في عهد جورج بوش.

ودعا معدو التقرير الى تحقيق شامل حول الممارسات التي سمح بها ضد مشبوهين بالارهاب في عهد ادارة بوش.

لكن المنظمة وكغيرها من منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، قالت انها لم تجد "ارادة سياسية في الكونغرس او في الادارة للاهتمام بهذه المسائل".

وقالت السي آي ايه ان "التقرير خاطىء بكل بساطة". وقال جورج ليتل وهو ناطق باسم وكالة الاستخبارات ان "السي آي ايه لم تجر تجارب على بشر او مجموعات معقتلين في اطار برنامجها السابق للاعتقالات"، مذكرا بان هذا البرنامج خضع لعدة تحقيقات داخلية.

ولتحديد الدور الذي لعبه اطباء السي آي اي في تحسين فاعلية التقنيات التي اخضع لها المعتقلون، اعتمدت المنظمة على وثائق عامة نشرت منذ 2008 بينها سلسلة مذكرات داخلية تشهد على الاستخدام المتكرر للتعذيب ضد بعض المعتقلين الذين كانوا في سجون سرية للسي آي ايه. بحسب فرانس برس.

وكانت الولايات المتحدة وضعت غداة اعتداءات ايلول/سبتمبر 2001 لائحة من "تقنيات الاستجواب المحسنة" التي بررتها وزارة العدل على الصعيد القانوني بتعريف التعذيب على انه "معاناة معنوية او جسدية على الامد الطويل تعادل الالم الذي يسببه مرض عضو او الموت".

عمليا، تقول المنظمة في دراستها ان الاطباء لاحظوا مثلا ان تقنية الايهام بالغرق التي مورست عشرات المرات على اثنين من المعتقلين على الاقل اذا تكررت مرات عدة بالمياه فقط فانها قد تؤدي الى التهاب رئوي. لذلك اوصوا باستخدام محلول مملح.

واكدت ان الفارق بين تقنية الايهام بالغرق التي طبقت في البداية انطلاقا من تجارب اجريت على جنود متطوعين، وبعد تدخل الاطباء "تثبت ان اطباء السي آي ايه شاركوا في تعديل هذه التقنية".

وتابعت ان الاطباء "حللوا المعطيات التي جمعت خلال استجواب 25 معتقلا خضعوا لمجموعة من تقنيات الاستجواب المحسنة"، ورأوا انها لا تتضمن اي مشاكل طبية كبيرة.

ومن اشهر هذه التقنيات الحرمان من النوم والتعرية القسرية وتقييد المعتقلين لساعات في اوضاع غير مريحة وتعريض المعتقل لدرجات حرارة قصوى.

اعمال غير مشروعة

من جانب آخر أقر رئيس مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إي في الجزائر سابقا بالذنب أمام القضاء حيث يحاكم بتهمتي التحرش الجنسي والتعاطي لمخدر الكوكايين وفي حوزته سلاح ناري.

وقالت وزارة العدل الأمريكية إن أندرو وارن يواجه عقوبة قد تصل إلى 10 سنوات سجنا، وغرامة قدرها 250 ألف دولار، وبسراح مشروط مدى الحياة، إلى جانب إدراجه ضمن خانة المعتدين جنسيا لمدة 25 سنة.

ولو أدين بالاغتصاب الذي اتهم به في البداية لكان سيواجه حكم المؤبد، لكن العقوبة ستصدر في التاسع من سبتمبر/ أيلول عن التهمة الأقل خطورة، حسب وكالة الأسوشييتد برس.

وكان وارن قد عين في منصبه بالجزائر عام 2007.

واعترف وارن أمام المحكمة بأنه حاول الاعتداء جنسيا على مواطنة جزائريةفي فبراير/ شباط 2008 عندما كان داخل مبنى تابع للسفارة الأمريكية بالجزائر العاصمة، وذلك بمزج شرابها بمادة منومة.

وجاء في تقارير بعثت بها لجنة تحقيق تابعة وزارة الخارجية الأمريكية إلى المحكمة، إن مواطنتين جزائريتين رفعتا عام 2008 شكوى قالتا فيها إنهما كانت ضحية اغتصاب عندما كانت بمنزل المتهم.

وقالت إحداهما إنها كانت تشرب خمرا أثناء حفلة دعا إليها وارن في منزله عندما أحست أنها متوعكة قبل أن يغمى عليها. ولما استفاقت خامرها الشعور بأنها مارست الجنس، دون أن تتذكر بالفعل، حسبما جاء في تقارير وزارة الخارجية.

أما المخالفة الثانية فمرتبطة باعتقاله في نورفوك بولاية فرجينيا شهر أبريل/ نيسان الماضي لرفضه المثول أمام المحكمة في واشنطن. وقد أقر بأنه تناول مخدر الكوكايين بصفة غير قانونية بينما كان في حوزته مسدس من عيار 9 ميليمترات.

الجهاز القومي

من جهتها أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) تعيين جون بينيت رئيسا جديدا لشبكتها الاستخباراتية الواسعة الجهاز القومي السري (ان سي اس).

وعين بينيت الذي بدأ العمل في السي آي ايه في 1981 بعد خدمته في مشاة البحرية الأميركية (المارينز)، خلفا لمايكل سوليك الذي تقاعد.

وكان بينيت رئيسا لمكتب السي آي ايه في إسلام اباد حيث قاد عملية "تحسين كبير" في العلاقات مع الباكستانيين، حسبما ذكرت مجلة نيوزويك.

وقالت ال"سي ان ان" ان بينيت كان مكلفا خلال عمله في باكستان بتعزيز الضربات التي توجهها طائرات بدون طيار الى مواقع يعتقد انها لارهابيين.

واضافت ان بين الذين قتلوا بصواريخ اطلقتها طائرات بدون طيار باشرافه، زعيم حركة طالبان باكستان بيعة محسود.

وامضى بينيت الذي كان في الماضي رئيسا لادارة العمليات السرية شبه العسكرية ونائب رئيس قسم افريقيا في السي آي ايه، الجزء الاكبر من حياته يعمل لحساب الوكالة خارج الولايات المتحدة.

وقال مدير الوكالة ليون بانيتا انه "كان في الصف الاول من محاربة القاعدة وحلفاءها العنيفين، مشيرا الى "قدراته الكبيرة في العمليات الاستخبارية من تجسس وتحركات سرية...".

كما اشاد بانيتا بسوليك الذي قرر التقاعد في ايلول/سبتمبر 2004 بعد مواجهة مع مدير الوكالة حينذاك بورتر غوس لكنه عاد الى الوكالة في 2007.

رئيس الاستخبارات

في سياق متصل قرر الرئيس الامريكي باراك اوباما تعيين الجنرال المتقاعد في سلاح الجو جيمس كلابر رئيسا للاستخبارات الامريكية. يأتي هذا التعيين في خضم التهديدات المتعاظمة للامن الداخلي للبلاد.

وبذلك، سيحل كلابر محل رئيس الاستخبارات السابق دنيس بلير الذي استقال من منصبه الشهر الماضي اثر الانتقادات الشديدة التي وجهت اليه بعد الاخفاقات الاستخباراتية والامنية العديدة التي سجلت في عهده. وقال مصدر في الاستخبارات ان كلابر سيعين رئيسا للاستخبارات.

بدوره اكد مسؤول في الادارة الامريكية ان كلابر سيعين في هذا المنصب.

وبحسب وسائل الاعلام الامريكية فان بلير تنحى بعدما فقد ثقة البيت الابيض, واثر الاتهامات التي وجهت الى اجهزة الاستخبارات التي يرأسها بالتقاعس عن اداء مهامها في كشف محاولات الاعتداء المتكررة التي استهدفت البلاد أخيراً، بما في ذلك محاولة تنظيم القاعدة تفجير طائرة امريكية يوم عيد الميلاد الماضي.

وتقاعد كلابر من سلاح الجو في العام 1995، بعد 32 عاماً في الخدمة، شغل خلالها مهام استخباراتية خلال حرب الخليج الاولى، وكذلك في كوريا، وفي الوحدة الامريكية في المحيط الهادئ، والوحدة الاستراتيجية المكلفة الاسلحة النووية الامريكية، مهام الفضاء، وجهود استخباراتية. بحسب فرانس برس.

لقب بـ عراب العلاقات، لاستخدامه العلاقات الانسانية في جمع المعلومات الاستخباراتية، اضافة الى الاساليب العالية التقنية كصور الاقمار الاصطناعية، اواعتراض الاتصالات.

ويتردد ايضاً انه دفع لجعل البنتاغون يلعب دوراً اكبر في قضية معاملة المشتبهين في الارهاب، وطرق استجوابهم، بعدما كانت وكالة لااستخبارات المركزية (سي آي ايه) تستجوبهم بدون رقابة.

بعد تقاعده، عمل كلابر مستشاراً في التحقيقات بتفجيرات الخبر في السعودية- حيث مجمعات سكنية امريكية- ارتكبت عام 1996.

عام 2001، بات اول مدني يرأس وكالة الاستخبارات الجيو-فضائية ( ان جي اي) والمكلفة جمع معلومات وتحاليل عبر اقمار صناعية وطائرات تجارية وحكومية وغيرها.

وهي الوكالة التي اعدت في عهده تقريراً عن مسألة حيازة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أسلحة دمار شامل.

شارك في 73 مهمة قتالية خلال حرب فيتنام، يشغل كلابر في مهمته الراهنة منصب المستشار الاستخباراتي لوزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس ومنسق بين البنتاغون ودير الاستخبارات القومية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/آب/2010 - 20/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م