بلاك ووتر... جيش أمريكا الصغير ومرتزقة حروبها

 

شبكة النبأ: اقترن تاريخ شركة بلاك ووتر الأميركية بالعديد من الجرائم والفضائح التي يندى لها الجبين، والتي كانت غالبا ما ترتكب أمام مرأى ومسمع الولايات المتحدة وجيشها الحليف لتلك الشركة ومرتزقتها، الذي كان ولا يزال يجهد في تأمين عدم ملاحقة أي من منتسبيها قانونيا مهما كانت طبيعة الانتهاكات التي ارتكبوها في الماضي أو ما قد يحدثوه في المستقبل.

وتسعى بعض الأوساط في الخارجية الأمريكية والبنتاغون الى الاستمرار في توظيف هذه الشركة في كل من العراق وأفغانستان، لتخفيف من كاهل المسؤوليات التي تقع على جيشها في تلك البلدان، وكأجراء تحضيري يسبق انسحاب القطعات العسكرية من هناك.

جيش مصغر

فقد كشف مصدر دبلوماسي عراقي بأن الخارجية الأمريكية تفكر في إنشاء "جيش عسكري ـ دبلوماسي" مدرب ومتخصص بحماية دبلوماسييها وموظفيها في العراق، للابتعاد عن المشاكل التي أحدثتها الشركات الأمنية وشركات الحماية الخاصة كشركة "بلاك ووتر".

وقال المصدر لصحيفة "الجريدة" الكويتية في عددها الصادر إنه "في غضون عام من الآن، سيتمكن متعاقدو وزارة الخارجية الأميركية في العراق من قيادة الآليات المدرعة والطائرات وإدارة أنظمة المراقبة وانقاذ الجرحى في حال وقوع أعمال عنف، والتخلص من الذخائر التي لم تنفجر".

وأشار المصدر، الذي لم تكشف الصحيفة هويته، الى أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت بالفعل من وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) تزويد هذا الجيش المصغر بطائرات مروحية من طراز "بلاك هوك" و50 آلية مقاومة للألغام، وشاحنات للوقود ونظم للمراقبة عالية التقنية، ومعدات عسكرية أخرى، ومن المقرر أن يقوم المتعاقدون بتشغيل معظم هذه المعدات بعد أن يخضعوا لتدريبات مكثفة في الولايات المتحدة.

ولفت المصدر الى أن الخارجية الأميركية ترى أن العراق لا يزال منطقة حرب، ويحتاج الدبلوماسيون الأميركيون وغيرهم من الموظفين الحكوميين المدنيين إلى حماية أمنية عالية المستوى.

وذكر المصدر أنه في أعقاب مغادرة القوات الأميركية العراق فإن "الجيش العراقي وعناصر الشرطة العراقية لن يكونوا قادرين على تولي المهمة الأمنية على الرغم من مليارات الدولارات وسنوات التدريب التي خضعوا لها على يد الجيش الأميركي"، مضيفا أنه "يتعين الآن على وزارة الخارجية الأميركية، التي تقوم عادة بالتفاوض بشأن المعاهدات وتقديم المذكرات الدبلوماسية، أن تتولى مهمة الدفاع عن نفسها في منطقة في اعتقاد الأميركيين تبقى شديدة الخطورة".

وكانت التقارير الصادرة عن الكونغرس الأميركي أخيرا تشير الى أن عدد المتعاقدين الأمنيين لوزارة الخارجية سيزيد من 2700 متعاقد إلى ما بين 6000  7000 متعاقد في إطار الخطط الحالية.

يذكر أنه بموجب أحكام الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية، فإن كافة القوات الأمريكية ستغادر العراق بحلول نهاية عام 2011، إلا أنها ستبقي طاقما مدنيا كبيرا، بما في ذلك السفارة الأميركية في بغداد، التي تعتبر الأكبر في العالم، وخمس قنصليات في مدن أخرى.

المرتزقة للبيع

الى ذلك أعلنت شركة "زي" المعروفة سابقاً باسم بلاكووتر لتوظيف المرتزقة والمقاولات الأمنية بأنها بصدد البحث عن مالك جديد.

ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، كانت الشركة سيئة الصيت قد اكتسبت شهرة واسعة، وهوجمت بشدة، بسبب الدور الذي لعبته في مساندة القوات الأمريكية في العراق وغيره. وتورطها في مقتل مدنيين عراقيين.

وجاء إعلان "زي" في بيان مقتضب جاء فيه، "ادخل فريق إدارة زي تغييرات كبيرة وتحسينات مهمة على الشركة في الأشهر الـ 15 الأخيرة مكنتها من تقديم خدمات أفضل للحكومة الأمريكية وزبائنها الآخرين. ومن شأن هذه التحسينات منح قيمة مضافة للجهة التي ستشتري الشركة".

وقال مالك الشركة ومؤسسها "أريك برينس"، إن قرار بيعها كان قراراً صعباً، ولكن الانتقادات المستمرة التي تعرضت لها أقنعته ببيعها.

وكانت الشركة قد اشتهرت تحت اسم "بلاكووتر" التي وفرت الحرس والخدمات الأخرى للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان ودول أخرى.

وقد أصبحت واحدة من أشهر شركات المقاولات الدفاعية في العالم، ولكنها أصبحت أيضاً هدفا للانتقادات بسبب الدور الذي لعبته في هذه البلدان.

ووفقاً لبي.بي.سي، سعت بلاكووتر إلى تحسين صورتها خصوصاً بعد حادث ساحة النسور ببغداد في العام 2007، عندما أطلق عدد من منتسبيها النار عشوائياً على المارة فقتلوا 17 مدنياً.

وقد اغضب هذا الحادث الحكومة العراقية التي فرضت قيود على نشاطها في البلاد، كما أدى بالحكومة الأمريكية إلى توجيه إقامة دعاوى قضائية ضد عدد من منتسبيها.

إلا أن هذه الدعاوى ردت في وقت لاحق بسبب "تلاعب الادعاء بالأدلة" الجنائية الخاصة بالقضية.

ووفقاً لبي.بي.سي، كان رئيس لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور "كارل ليفين" قد طالب في شهر مارس/آذار الماضي باستثناء الشركة من المنافسة للفوز بعقد تبلغ قيمته مليار دولار لتدريب الشرطة الأفغانية.

وقال "ليفين"، إن وجود "زي" في أفغانستان يعرقل المهمة التي تقوم بها القوات الأمريكية في ذلك البلد.

وذكر "برينس" الذي أسس الشركة في العام 1997 بمعية عدد من زملائه السابقين في القوات البحرية الأمريكية الخاصة، إنه لا يتوقع أن يلعب أي دور في الشركة بعد بيعها. وقالت ناطقة باسم الشركة، إن عملية العثور على مشتري قد تستغرق عدة أشهر.

ويأتي الإعلان بعد ثلاثة أشهر من قيام الشركة ببيع جناحها الجوي بمبلغ 200 مليون دولار.

تزوير بيانات أسلحة

من جهتها اتهمت هيئة محلفين فيدرالية في الولايات المتحدة خمسة أشخاص بينهم غاري جاكسون، الرئيس السابق لشركة التعهدات الأمنية بلاكووتر، التي أطلقت على نفسها اسم "زي" بعد تورطها بحادث إطلاق نار على مدنيين عراقيين ببغداد عام 2007 بحادثة "ساحة النسور،" بتقديم بيانات مزورة للحصول على أسلحة نارية للشركة.

وتشير وثائق القضية إلى أن المتهمين، وكلهم من موظفي "بلاكووتر" زعموا شراء أسلحة شخصية، في حين أنها كانت لصالح الشركة التي استخدمتها في مناسبات عديدة، بينها تقديمها كهدايا للعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، طمعاً بالحصول على عقد أمني عام 2005.

وبحسب الوثائق، فإن موظفين في الشركة قاموا بتقديم طلب قبل سنوات إلى شرطة مقاطعة كامدين بشمالي كارولاينا لشراء 17 بندقية رشاشة من طرازي كلاشينكوف وM 4 بزعم أنها للاستخدام الشخصي، ومن ثم قاموا بتسليمها للشركة التي استخدمتها ضمن ترسانتها.

وفي مناسبة أخرى قامت الشركة بتسليم أسلحة إلى العاهل الأردني وتكتمت حول مصيرها، ولدى سؤال السلطات عن أسباب اختفائها من بيانات الترسانة قامت الشركة بالطلب من عدد من موظفيها إعداد إفادات تشير إلى شرائهم الأسلحة للاستخدام الشخصي.

وإلى جانب البنادق الرشاشة، قال المحلفون إن المتهمين قاموا أيضاً بشراء 225 مسدساً قصير السبطانة للاستخدام الشخصي، واستبدلوها بأخرى من النوع الطويل السبطانة في ترسانة الشركة، دون تسجيل ذلك رسمياً. بحسب السي ان ان.

وتشمل التهم "التآمر لخرق قانون الأسلحة النارية وتقديم بيانات مزورة وحيازة أسلحة نارية دون ترخيص، وهي موجهة ضد جاكسون، الذي غادر منصبه العام الماضي، ونائب المدير التنفيذي السابق، ويليام ماثيو، والمستشار العام السابق أندرو هويل، وأخصائي الأسلحة رونالد سليزاك، أمينة المخازن آنا بندي.

يذكر أن القانون الأمريكي يسمح لشركات الأمن بامتلاك الأسلحة وتخزينها، لكنه يفرض عليها تسجيلها بشكل قانوني ويحظر نقل ملكيتها.

يشار إلى أن الشركة التي جرى إسقاط تهم قتل 17 عراقيا عنها في "ساحة النسور" تواجه دعاوى أخرى، بينها اتهامات بالتزوير والتلاعب في الفواتير خلال تقديمها لخدمات في العراق وأفغانستان والولايات المتحدة، وتزوير فواتير لجعل الحكومة الأمريكية تدفع خدمات بائعات هوى في أفغانستان، وراقصات تعر في الولايات المتحدة.

وتواجه الشركة دعوى أخرى من عناصر سابقة بتهمة تهريب السلاح واستخدام العنف المفرط في العراق.

كما تشير الدعوى إلى أن رئيس الشركة، إريك برنس" كان يعتبر نفسه "بطلاً في حملة صليبية مهمتها القضاء على المسلمين والدين الإسلامي في العالم،" وقد وعدت "زي" بالرد على هذه التهم.

عنف غير المبرر

في سياق متصل قدم اثنان من الموظفين السابقين بشركة "بلاكووتر" الأمريكية للخدمات الأمنية دعوى قضائية اتهموا فيها الشركة بالتزوير والتلاعب في الفواتير خلال تقديمها لخدمات في العراق وأفغانستان والولايات المتحدة، مشيرين إلى أنها قامت أيضاً بتوظيف أشخاص لا تتناسب إمكانياتهم مع المهام الموكلة بهم لأسباب مالية.

وبحسب الدعوى، فقد زورت الشركة في فواتيرها لجعل الحكومة الأمريكية تدفع خدمات بائعات هوى في أفغانستان، وراقصات تعر في الولايات المتحدة، كما أنها تركت عناصر استخدموا "القوة القاتلة غير المبررة" دون عقاب، في أحدث قضية تواجه الشركة التي أثارت الجدل بعد تورطها بحادث "ساحة النسور" الذي أدى لمقتل 17 عراقياً.

وبحسب الدعوى التي قدمها براد ديفيس وزوجته ميلان، فإن الشركة التي بدلت قبل أشهر اسمها إلى "زي" تمارس التزوير في المستحقات المالية والفواتير "بشكل منهجي."

وذكرت ميلان، التي كانت تعمل لدى "بلاكووتر" في قسم الوثائق إن عناصر الشركة استقدموا عاهرات من الفلبين إلى مركزهم في أفغانستان، وقاموا بتسجيل راتبهن الشهري وكلفة تذكرة طائرتهن على الفواتير الرسمية التي تدفعها واشنطن تحت عنوان "استجمام معنوي."

كما أضافت ميلان أن عناصر الشركة الذين عملوا في جهود الإنقاذ بعد إعصار "كاترينا" المدمر بولاية لويزيانا استقدموا راقصات تعر إلى مركزهم، وسجلوا كلفتهن في خانة "خدمات التنظيف،" مشيرة إلى أن "بلاكووتر" فصلتها من وظيفتها بعد أن أثارت القضية أمام لجان المحاسبة فيها.

وردت الشركة بالقول: "هذه الاتهامات معيبة وسنرد عليها بقسوة، ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن الحكومة الأمريكية نأت بنفسها عن التدخل في هذا الملف."

من جهته، قال براد ديفيس إنه كان يعمل أيضاً في الشركة بصفة موظف أمني، بعد أن ترك الخدمة العسكرية في قوات "المارينز" الأمريكية.

وأكد ديفيس أنه شهد "بشكل شخصي" ثلاث حالات على أقل تقدير، قام خلالها عناصر من "بلاكووتر" بالاستخدام المتعمد لـ"القوة القاتلة غير الضرورية" وقد رفع الأمر للمسؤولين، لكنهم ردوا فصل المتورطين بالأحداث.

وتحدث ديفيس عن مجموعة من المخالفات المالية في فواتير الوقود والخدمات المقدمة من قبل الشركة بلويزيانا، إلى جانب فقدان الكثير من قطع السلاح التي كانت "بلاكووتر" قد وزعتها على عناصرها.

يذكر أن الحكومة العراقية كانت قد طلبت من عناصر "بلاكووتر" مغادرة أراضيها، إثر قرار قضائي أمريكي أسقط الدعوى عن عناصر من الشركة في حادث ساحة النسور عام 2007، بعد أن اعتبرت المحكمة أن السلطات العدلية الأمريكية استخدمت بشكل خاطئ اعترافات أدلى بها المتهمون تحت الإكراه، عندما تم تهديدهم بفقدان وظائفهم.

وكانت وزارة الداخلية العراقية قد ألغت في سبتمبر/ أيلول 2007 رخصة بلاكووتر الأمنية، التي رافق عملها الكثير من الحوادث والجدل، ففي مارس/ آذار عام 2004، فقدت الشركة أربعة من عناصرها الأمريكيين الذين كانوا يوفرون الحماية لقافلة تموين للجيش الأمريكي، بمدينة الفلوجة.

وقد نقلت وسائل الإعلام العالمية آنذاك، صور التمثيل بجثث العناصر الأربعة، والتي تم جرها في الشوارع وتعليقها على أحد جسور المدينة.

وتواجه الشركة دعوى أخرى من عناصر سابقة بتهمة تهريب السلاح واستخدام العنف المفرط في العراق.

كما تشير الدعوى إلى أن رئيس الشركة، إريك برنس" كان يعتبر نفسه "بطلاً في حملة صليبية مهمتها القضاء على المسلمين والدين الإسلامي في العالم،" وقد وعدت "زي" بالرد على هذه التهم.

البنتاغون قلق

من جانب آخر ذكرت وزارة الدفاع الاميركية ان وزير الدفاع روبرت غيتس قلق من سوء سلوك الشركة الامنية الخاصة التي كانت تحمل اسم بلاكووتر في الماضي في افغانستان ووعد بمتابعة هذه القضية.

وادلى غيتس بهذا التصريح بعدما تلقى رسالة من كار ليفين رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ تدعوه الى اعادة النظر في عقد محتمل بقيمة مليار دولار مع الشركة المعروفة اليوم باسم "اكس اي" بسبب معلومات عن سوء تصرفها.

وقال المسؤول الاعلامي جيف موريل للصحافيين "انه يدرس ذلك ويأخذ الامر على محمل الجد". واضاف ان غيتش قال للسناتور ليفين انه "يشاطره مخاوفه".

وتفيد الرسالة المؤرخة في 25 شباط/فبراير ونشرت الخميس ان وزارة الدفاع تستعد لمنح عقد الى الشركة "لعمل بالغ الحساسية" من اجل تدريب الشرطة الوطنية الافغانية على الرغم من ادائها المثير للجدل في العراق واتهامها تتعلق بسوء سلوكها في افغانستان.

واشارت الرسالة الى جلسة استماع عقدت مؤخرا بشأن عقد منح لفرع من بلاكووتر لتقديم اسلحة للتدريب في افغانستان.

واضاف ليفين ان لجنته حصلت على معلومات تفيد ان بلاكووتر قد تكون استخدمت الفرع واجهة لابرام العقد وكذبت على وزارة الدفاع في وثائقها واستخدمت اسلحة لغير الاهداف المخصصة لها ونقلت اسلحة بدون موافقة ووظفت مجرمين خطيرين تشمل ملفاتهم السرقة وتعاطي مواد محظورة. وقال ان سلوك بلاكووتر "ادى الى حادث اطلاق نار اضر بمهمتنا في افغانستان".

ووجه ليفين رسالة الى وزير العدل الاميركي اريك هولدر في ضوء اتهامات لبلاكووتر بتقديم بيانات كاذبة لوزارة العدل.

وقال موريل ان هناك معايير قانونية صارمة تطبق على عقود الحكومة ولا يمكن للشركة ان تعفي نفسها من تطبيقها.

واكد ان الشركة تملك "خبرة تقنية" يجب ان تؤخذ في الاعتبار لمهمات هناك عدد قليل من الشركات يمكنه القيام بها.

وقال "شئنا ام ابينا تملك بلاكووتر خبرة تقنية تتمتع بها قلة قليلة من الشركات وتملك الرغبة في العمل في اماكن قلة من الشركات تريد العمل فيها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/تموز/2010 - 17/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م