تعاون سري مصري إسرائيلي لاستغلال المهاجرين الأفارقة

لصالح أمن إسرائيل

تحقيق: المهدي عبد الباسط

 

شبكة النبأ: خلال السنوات الأخيرة نجح آلاف من السودانيين والإرتريين والإثيوبيين والآخرين من دول إفريقيا في التسلل من مصر إلى داخل إسرائيل بحثا عن العمل وهربا من الأحوال المعيشية الصعبة في دولهم وفي مصر. لقد ضحى الكثير من هؤلاء بأرواحهم في طريقهم إلى الدولة الصهيونية ولكن تدفقهم لم يتوقف بل وازداد عدد المتسللين من مصر إلى إسرائيل شهريا ويقدر الآن بأكثر من ألف رجل وامرأة.

السلطات المصرية تتظاهر وكأنها "عاجزة" عن وقف هجرة السودانيين إلى إسرائيل بدعوى أن البدو سكان سيناء هم الآمر والناهي في منطقة الحدود بين مصر وإسرائيل وتهريب السودانيين لإسرائيل يشكل بالنسبة لهم مصدر دخل لا يستهان فيه.

ولكن الحقيقة أن السلطات المصرية تشجع السودانيين على الانتقال إلى إسرائيل لتخفيف عدد السودانيين المتواجدين في مصر والذين يشكلون عبء على الاقتصاد المصري. ولكن هناك سبب آخر لهذه "الهجرة الجماعية" الأفريقية من مصر لإسرائيل.

أما في إسرائيل فهناك بعض "الجمعيات الخيرية" وهي في الحقيقة تابعة لوزارة الحربية والتي تعالج المهاجرين السودانيين وترتب لهم السكن والعلاج الصحي والعمل خاصة في الفنادق الفاخرة في مدينة إيلات الجنوبية وهذا ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي.

ولكن الحقيقة عن السودانيين والأرتريين تغيب عن الأنظار لأن إسرائيل تقوم في الفترة الأخيرة بتجنيد سري للكثير من السودانيين للخدمة في أربعة من أجهزة الأمن الإسرائيلية مستغلة كراهيتهم للعرب الذين عاملوهم بصورة لا تتلاءم ومعاملة البشر من ناحية وحاجتهم إلى كسب المعيشة من ناحية أخرى.

السلطات المصرية الرسمية على علم تام بتجنيد السودانيين لخدمة أجهزة الأمن الإسرائيلية وهناك دلائل أن أجهزة الأمن المصرية تقوم فعلا بتسهيل نقلهم إلى منطقة الحدود مع إسرائيل بعد أن وقع الوزير عمر سليمان "مذكرة تفاهم" مع حكومة تل أبيب تؤكد أن الدولة العبرية سوف لن يستخدم السودانيين في أي عمل ضد مصر.

وبموجب هذه المذكرة تعهدت مصر بتسهيل انتقال ما لا يقل عن 1000 رجل شهريا من السودانيين والأرتريين والأثيوبيين وهذا العدد يمكن إسرائيل من انتقاء حوالي مائة منهم شهريا لتجنيدهم دون أن يشعر أحد بذلك.

التجنيد للجيش

المجموعة الأكبر من المجندين السودانيين والأرتريين وتقدر ببعض المئات موجودة في قسم سري خاص بهم في إحدى قواعد الجيش الإسرائيلي الواقعة إلى الشمال من إيلات في وسط منطقة جبلية وعرة محظورة لتنقل المدنيين كونها "منطقة عسكرية مغلقة".

هذه القاعدة تابعة لوحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي تم إنشاؤها مؤخرا خصيصا للعمليات العسكرية في مناطق صحراوية في العالم العربي وأغلبية جنودها من السودانيين والأرتريين بسبب خصائصهم البدنية وقدرتهم على تحمل الأعباء والعمل في ظروف قاسية وفي مسافات بعيدة دون الاعتماد على مؤن من إسرائيل مثل الطعام ومياه الشرب. أما الزي في هذه الوحدة فهو الزي المدني لمساعدة تظاهر هؤلاء الجنود كمهاجرين عاديين من إفريقيا.

 المهام التي ستوكل لهذه الوحدة تتعلق بالحرب التي تشنها إسرائيل ضد شبكات تهريب السلاح الإيراني إلى قطاع غزة عبر السودان وأرتريا ودول أخرى في القرن الأفريقي إضافة إلى مهام ميدانية قتالية في أية حرب قد تندلع في المستقبل بين إسرائيل والدول العربية وخاصة لبنان وسوريا وقطاع غزة.

ويذكر أن هناك في الجيش الإسرائيلي "كتيبة 300" الملقبة "بوحدة الأقليات" وجنودها من العرب.

أما وحدة السودانيين والأرتريين الجديدة فستنضم في أوقات الحرب إلى هذه الكتيبة كفصيلة كوماندوز منفردة منعا لاحتكاك السودانيين والأرتريين بالجنود العرب الآخرين وخاصة أبناء الطائفة الدرزية ولتفادي أي حساسيات بين المجموعات المختلفة.

التجنيد للشرطة وسلطة السجون

وتنوي الشرطة الإسرائيلية هي الأخرى تجنيد السودانيين لتسهيل فرض النظام والقانون على المواطنين العرب في إسرائيل "عرب 48" ولتقليل الاحتكاك بين المواطن العربي والشرطي اليهودي لأن هذا الاحتكاك يثير الغضب عند العرب ويزيد من التوتر بين العرب واليهود في إسرائيل. كما تنوي سلطة السجون الإسرائيلية تجنيد بعض المئات من السودانيين رجالا ونساء لنفس الاعتبارات.

التجنيد للموساد

الشيء المثير للانتباه هو رغبة جهاز المخابرات الخارجية "الموساد" الإسرائيلي في تجنيد السودانيين للخدمة في الدول العربية كجواسيس بسبب كثرة العمال الأجانب من أصول افريقية في هذه الدول مما يسهل توغل عملاء "الموساد" من أصل افريقي في هذه الدول.

فكرة تجنيد السودانيين "للموساد" جاءت بعد أن اكتشفت شرطة دبي ما قام به جهاز "الموساد" في بداية هذا العام ضد محمود المبحوح ولتفادي الصعوبات الدولية التي تواجهها إسرائيل بسبب استخدامها لجوازات السفر الغربية. أما العمال السودانيين والافريقيين الآخرين فهم عادة لا يملكون الجوازات والأوراق الرسمية مما يسهل دمج مجندي "الموساد" الأفارقة في صفوفهم.

تجنيد النساء السودانيات

يلاحظ أن تجنيد السودانيات يقتصر في الفترة الحالية على الشرطة وسلطة السجون والموساد أما الجيش الإسرائيلي فلا ينوي تجنيد النساء السودانيات في هذه المرحلة منعا لإثارة الحساسيات مع الجنود الافريقيين وسيعيد الجيش النظر في هذه القضية في المرحلة القادمة بعد استخلاص العبر من تجنيد الرجال من أصول افريقية لخدمة العلم الإسرائيلي.

مراحل التجنيد

المرحلة الأولى لتجنيد الأفارقة تبدأ عندما تلقي قوات حرس الحدود الإسرائيلية القبض على مجموعة من المتسللين من مصر إلى إسرائيل فيتم نقلهم إلى قاعدة استقبال لإجراء الفحوصات الطبية وخاصة لكشف الأمراض مثل الايدس والملاريا والسل.

وبعد ألتأكد من صحة الشخص فيعرض عليه العمل مقابل راتب جيد لبضعة أسابيع في "شركة بناء" تابعة في الحقيقة للجيش تقوم ببناء الأبنية في قواعد الجيش في صحراء النقب.

مديرو العمل في هذه "الشركة" هم في حقيقة الأمر ضباط تجنيد بالزي المدني يقومون بانتقاء العمال الأكثر ذكاء وإخلاصا للعمل وعلاقاتهم مع زملائهم طيبة وصحتهم جيدة والأهم أنهم لا يلتزمون بتعاليم الإسلام ولا يقيمون الصلاة. ومن تتوفر به هذه الشروط يعرض عليه الانضمام للشرطة الإسرائيلية "المدنية" وهذا هو الغطاء الأولي لجميع مسارات الخدمة في الشرطة وسلطة السجون والجيش والموساد.

وإذا تابع المجند المسار بصورة مريحة وأبدى ولاءه لإسرائيل فتعرض عليه الخدمة السرية في الجيش وعدد قليل من منتسبي الجيش ينتقلون فيما بعد للعمل في "الموساد". فترة التجنيد تستغرق ما بين 12 و18 شهرا حسب المسار.

وبما أن عدد المجندين في نهاية مراحل التجنيد لا يعدو العشرات شهريا فإسرائيل بحاجة لتدفق السودانيين والأرتريين والأفارقة الآخرين من مصر بأعداد كبيرة بل ومتزايدة. وحسب ما رواه الأفارقة السلطات الرسمية المصرية تساهم في تدبير نقلهم إلى قرابة الحدود الإسرائيلية وتؤمن دخولهم للأراضي الإسرائيلية.

* المهدي عبد الباسط، سوداني تخرج 1998 من جامعة أم درمان الأهلية. كان مقيما في إيلات لمدة عامين وكان مرشحا للتجنيد وغادر معسكر التجنيد بعد إتمام هذا التحقيق

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تموز/2010 - 15/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م