كوسوفو تنال الاستقلال قانونيا

وتطيح بآخر الآمال الصربية

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في ضربة قوية لمحاولات صربيا التمسك بالإقليم المنفصل عنها قضت محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي بحكم غير ملزم بأن إعلان كوسوفو الاستقلال لم يكن ضد القانون الدولي.

ومن المرجح أن يؤدي الحكم الذي يمثل صفعة قوية لصربيا الى اعتراف مزيد من البلدان باستقلال كوسوفو وأن يقرب بريشتينا من الحصول على عضوية الأمم المتحدة.

وفقدت صربيا سيطرتها على كوسوفو عام 1999 عندما أوقفت حملة قصف شنها حلف شمال الأطلسي قتل الألبان العرقيين في حرب دامت عامين شنتها صربيا لقمع تمردهم.

وبعد تسع سنوات من الإدارة الدولية للإقليم أعلنت الأغلبية الألبانية مدعومة من واشنطن ومعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الاستقلال وتعهدت بلجراد بألا تقبله أبدا.

ورغم أن قرار المحكمة استشاري وغير ملزم إلا أن الانتظار طويلا لحكم تصدره المحكمة منع أي محاولة جادة للتوصل الى تسوية بين كوسوفو وصربيا.

فيما يرى بعض المراقبين ان لقرار محكمة العدل الدولية بشأن انفصال كوسوفو عن صربيا تداعيات على الحركات الانفصالية في مختلف أرجاء العالم.

استقلال قانوني

فقد قالت محكمة العدل الدولية ان اعلان كوسوفو المنفرد الاستقلال عن صربيا عام 2008 لم ينتهك القانون الدولي في حكم قد تكون له عواقب على الحركات الانفصالية في شتى أنحاء العالم وكذلك على مسعى بلجراد المتعثر للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي.

وقال هيساشي اوادا رئيس محكمة العدل الدولية في حكمه "المحكمة ترى أن القانون الدولي العام لا يتضمن أي منع قابل للتطبيق لاعلان الاستقلال."

وأضاف "نتيجة لذلك تخلص (المحكمة) الى أن اعلان الاستقلال يوم 17 فبراير 2008 لا يمثل انتهاكا للقانون الدولي العام." بحسب رويترز.

وفي البلقان قد يعزز الحكم الميول الانفصالية في القطاع الصربي من البوسنة وهي جمهورية يوغوسلافية سابقة أخرى مازالت مقسمة عرقيا.

ورغم أن قرار المحكمة غير ملزم الا انه سيشكل اطار عمل دبلوماسيا لمحاولة ارساء علاقة فعالة بين صربيا وكوسوفو وهو شرط ضروري لانضمام صربيا للاتحاد الاوروبي.

لطمة لصربيا

من جهتهم اعتبر مراقبون دوليون ان صربيا عانت من لطمة دبلوماسية قوية بسبب حكم أصدرته محكمة العدل الدولية الذي نص على أن كوسوفو لم تنتهك القانون الدولي حين أعلنت استقلالها عام 2008 وهو الحكم الذي قد يؤثر ايضا على استقرار البوسنة مستقبلا.

وقال دبلوماسي بالاتحاد الاوروبي "انها لكمة في الوجه لا سبيل لتفاديها بعد ذلك... هذا يشبه مايك تايسون حين هزم منافسه بالضربة القاضية في 34 ثانية."

ولم تحتو لغة الحكم الواضح الذي لا لبس فيه على شيء تستطيع الحكومة الصربية أن تجد فيه عزاء.

وكان الكثير من المراقبين يتوقعون من محكمة العدل الدولية تقديم حجج قانونية تعطي لكل جانب براهين قانونية يستطيع بها مواصلة محاولة اثبات دعواهما.

وقال مارك ايليس المدير التنفيذي للجمعية الدولية للمحامين الذي تولى قضايا خاصة بكوسوفو فيما مضى "المحكمة تفتح الباب للاعبين غير حكوميين لبحث اعلانات الاستقلال من جانب واحد قانونيا... سيكون هذا تحديا جديدا ومزعجا للمجتمع الدولي." بحسب رويترز.

وعلى مدى العامين الاخيرين استخدمت صربيا قدرا كبيرا من الطاقة الدبلوماسية لحشد تأييد الدول ضد الاعتراف بكوسوفو المنطقة التي يعتز بها الكثير من الصرب بوصفها مهد الكنيسة الصربية الارثوذكسية.

ولموقف بلجراد المتشدد ضد استقلال كوسوفو أهمية داخليا حيث يعتبر اي اعتراف باستقلال كوسوفو اعداما سياسيا.

لكن القضية عقدت هدف الانضمام للاتحاد الاوروبي لدولة ما زالت تناضل للتخلص من وضع المنبوذة الذي اكتسبته خلال حروب يوغوسلافيا في التسعينات.

وقال وزير الخارجية فوك يرميتش في لاهاي عقب الحكم "عضوية الاتحاد الاوروبي ستظل محور تركيز استراتيجيا لصربيا."

وأضاف "سنواصل النضال الدبلوماسي للدفاع عن سيادتنا ووحدة أراضينا ولا يمكن أن يحدث هذا الا من خلال المفاوضات السلمية."

ويقول بعض المحللين ان على الحكومة الصربية اتخاذ موقف صارم بشأن كوسوفو لاسباب سياسية داخلية لكنهم يرون أن رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري يمكن أن يسهم على المدى الطويل في سياسة ضمنية بالانفصال التدريجي عن كوسوفو.

وقال جيمس دوبينز المبعوث الامريكي السابق للبلقان "هذا القرار اثبات لصحة سياسة امريكا واوروبا وحلف شمال الاطلسي والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة تجاه كوسوفو على مدى الاعوام الاثني عشر الماضية."

وأضاف "في حين أتوقع أن يلقى استقبالا سيئا في بلجراد فانني أعتقد أن الكثير من الصرب الذين يتمتعون بالحصافة سيجدون أن هذا القرار يوفر لبلادهم مخرجا من السياسات التي لم تؤد الى شيء والتي حالت دون اندماج صربيا الكامل في اوروبا واحتمالات تمتعها بمستقبل اكثر ازدهارا."

ومن المتوقع أن يكثف دبلوماسيو الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الجهود في الايام القادمة لحث صربيا على تقديم تنازلات بشأن مسائل معينة في كوسوفو يتعلق بعضها بالحياة اليومية في القطاع الشمالي من البلاد الذي يقع خارج نطاق سيطرة بريشتينا.

وقد يشجع الحكم الصرب العرقيين على السعي الى الاستقلال بما في ذلك في البوسنة التي تم تقسيمها على أساس عرقي بعد أعنف قتال منذ الحرب العالمية الثانية في التسعينات.

وقال ميلوراد دوديك رئيس وزراء جمهورية صرب البوسنة "اذا كان الحكم الاخير يؤكد حق تقرير المصير من جانب واحد فقد تكون هذه رسالة لبعض التحركات المستقبلية."

وقالت ديسانكا مايكيتش رئيسة المجلس الاعلى بالبرلمان المركزي بالبوسنة "جمهورية الصرب لها اراضيها وسكانها وحكومتها وبالتالي فان لديها جميع العناصر كي تحذو حذو كوسوفو اذا قررت هذا."

وربما يراجع انفصاليون اخرون بعيدا عن البلقان رأي محكمة العدل الدولية لتعزيز حججهم للاستقلال.

وقال فريد كوكوتزيللي استاذ مساعد الحكم والسياسة بجامعة سانت جون "ربما تكون للمشورة اثار أبعد مدى على الصراعات والنزاعات مثل اوسيتيا الجنوبية وابخازيا في جمهورية جورجيا السوفيتية سابقا والباسك في اسبانيا والتبت في الصين."

حملات متنافسة

الى ذلك قالت صربيا وكوسوفو انهما ستبدان في حملات دبلوماسية بشأن استقلال كوسوفو وذلك بعد يوم واحد من اعلان محكمة العدل الدولية ان استقلال الاقليم عام 2008 عن صربيا لم يكن انتهاكا للقانون الدولي.

وقالت ألبانا بقيري المتحدثة باسم وزارة خارجية كوسوفو "أعددنا رسائل تطلب من الحكومات الاعتراف بدولة كوسوفو وسنبدأ في ارسالها من اليوم عبر البريد والبريد الالكتروني والفاكس... لقد كان قرار المحكمة واضحا ولم يعد هناك سبب لعدم الاعتراف بنا."

وقالت صربيا انها سترسل مبعوثين الى 55 دولة لتسليم رسالة شخصية من الرئيس بوريس تاديتش تدعو الى دعم صربيا في جهودها الدبلوماسية. وقال فوك يرميتش وزير الخارجية الصربي ان سفراء بلاده في 40 دولة أخرى سيفعلون نفس الشيء. بحسب رويترز.

وقال في مؤتمر صحفي "انا شخصيا سأخاطب ممثلي دول عدم الانحياز في نيويورك الاسبوع القادم."

وحذر يرميتش من أن قرار محكمة العدل الدولية يمكن ان يعزز الحركات الانفصالية في مختلف انحاء العالم.

صربيا لن تعترف

من جانبه قال الرئيس الصربي بوريس تاديتش بعد قليل من صدور حكم محكمة العدل الدولية بان اعلان كوسوفو الاستقلال عام 2008 لم ينتهك القانون الدولي ان صربيا لن تعترف أبدا باستقلال الاقليم الصربي السابق.

وقال تاديش للصحفيين في العاصمة الصربية بلجراد "لن تعترف صربيا أبدا باستقلال كوسوفو الذي اعلن من جانب واحد. وستبحث الحكومة الان اتخاذ مزيد من الاجراءات."

وقال تاديتش الذي يقود المعسكر الاصلاحي في كبرى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة ان صربيا لن تلجأ الى أي وسائل عنيفة وستفضل التفاوض على حل وسط مع زعماء الالبان في كوسوفو. بحسب رويترز.

وقال ان الحكم الذي أصدرته المحكمة "قرار صعب بالنسبة لصربيا" ولكن بلجراد ستواصل مساعيها لاستصدار قرار من الامم المتحدة يحث الجانبين على بدء حوار.

وقال تاديتش "هذا (الحكم) يتيح لصربيا أن تواصل كفاحها لاستصدار قرار للامم المتحدة يدعو الى الحوار... الحل الوحيد هو الحل الذي تقبله جميع الاطراف."

وقال فوك يرميتش وزير خارجية صربيا لرويترز في مقر المحكمة في لاهاي ان بلاده لن تغير سياستها في التعامل مع كوسوفو كاقليم تابع لها.

وتريد صربيا حوارا حول وضع كوسوفو وهو ما يرفضه بشدة زعماء ألبان كوسوفو قائلين انه لا يمكن التراجع عن قرار الاستقلال.

ومن المرجح أن يؤدي الحكم الى اعتراف مزيد من البلدان باستقلال كوسوفو وأن يقرب بريشتينا من الحصول على عضوية الامم المتحدة ولكن تاديتش قال ان صربيا "ستبذل كل ما يمكنها من جهود لمنع اعتراف دول أخرى" باستقلال كوسوفو.

روسيا تنتقد وأمريكا وأوروبا ترحبان والصين تبقي الباب مفتوحا

من جهتها قالت وزارة الخارجية الروسية ان قرار محكمة العدل الدولية بأن اعلان كوسوفو الاستقلال عن صربيا لم ينتهك القانون الدولي لايوفر سندا قانونيا لاستقلال كوسوفو.

وتابعت الوزارة في بيان لها ان روسيا ليست لديها نية للاعتراف بكوسوفو برغم الحكم غير الملزم الصادر من محكمة العدل الدولية.

وجاء في البيان ايضا "ان من المهم أن المحكمة قدمت تقييما للاعلان الفعلي فقط وقالت على وجه التحديد انها لم تكن تتعامل من القضية الاشمل الخاصة بحق كوسوفو في الانفصال عن صربيا من جانب واحد."

وقال البيان "لم تدل المحكمة فيما خلصت اليه برأي في عواقب هذا الاعلان لاسيما فيما اذا كانت كوسوفو دولة او فيما يتعلق بقانونية اعتراف عدد من الدول بهذا الاقليم."

وقالت روسيا وهي حليف تاريخي لصربيا انها لن تسمح بانضمام كوسوفو للامم المتحدة او للمنظمات العالمية التى تتمتع فيها بحق النقض. بحسب رويترز.

واضاف البيان "نعتقد أن الحل الوحيد الممكن لمشكلة كوسوفو هو المفاوضات بين الاطراف المعنية على اساس قرار مجلس الامن بالامم المتحدة رقم 1244." واردف البيان "اننا لم نغير موقفنا القائم على عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو."

من جانبه حث البيت الابيض صربيا وكوسوفو على تجاوز مشكلة وضع كوسوفو والعمل معا على حل مشاكلهما بعد ان قرار محكمة العدل الدولية بأن اعلان كوسوفو الاستقلال عام 2008 قانوني.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض مايك هامر "يسعدنا ان المحكمة اتفقت مع وجهة نظر الولايات المتحدة التي طال عليها الامد ان اعلان كوسوفو الاستقلال يتفق مع القانون الدولي."

وأيدت الولايات المتحدة القرار وقالت في رسالة مستترة لبلجراد "حان الوقت كي تتحد أوروبا وراء مستقبل مشترك."

وقال بي. جي. كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية في تصريح مقتضب أرسل عبر البريد الالكتروني "قرار محكمة العدل الدولية يؤكد بقوة أن اعلان كوسوفو للاستقلال قانوني وهو حكم نؤيده. والان حان الوقت كي تتحد أوروبا وراء مستقبل مشترك."

وقال مسؤول أمريكي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته "رسالتنا المستمرة للمنطقة هي أن مستقبلهم يكمن في تكامل أوروبي أطلسي (في نهاية المطاف)... هذا هو الطريق للمستقبل."

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ان الاتحاد الاوروبي مستعد لمساعدة صربيا وكوسوفو على اجراء حوار لتعزيز فرصهما للانضمام الى الاتحاد. وحثت أشتون الجانبين على تحسين العلاقات بينهما بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية.

وقالت اشتون في بيان "الاتحاد الاوروبي... مستعد لتسهيل عملية حوار بين بريشتينا وبلجراد. هذا الحوار سيشجع التعاون ويحقق التقدم في المسار نحو اوروبا ويحسن من حياة الشعوب."

وتأمل كل من صربيا وكوسوفو في الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي يوما ما لكنهما ستواجهان سنوات من الاصلاحات الصعبة قبل أن تصبحا مستعدتين. وقالت أشتون ان المصالحة ستكون حيوية أيضا.

وقالت "علاقات حسن الجوار والتعاون الاقليمي والحوار هي الاساس التي بني عليه الاتحاد الاوروبي."

وقدمت بلجراد بالفعل طلبا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي لكن تقدم مسعاها يتوقف على التحسن المستمر في تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة وهي محكمة تابعة للامم المتحدة تحقق في دورها في الصراع الذي صاحب انهيار يوغوسلافيا.

وتتلقى كوسوفو ملايين اليورو من الاتحاد الاوروبي لمساعدتها على الاعداد لتقدمها في النهاية الى عضويته.

من جهتها قالت الصين ان الباب لازال مفتوحا أمام اجراء محادثات بشأن الوضع الدولي لكوسوفو وذلك بعدما أقرت محكمة العدل الدولية أن انفصال الدولة الواقعة في منطقة البلقان عن صربيا بشكل أحادي عام 2008 قانوني ولا ينتهك القانون الدولي.

وصرح تشين قانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن حكومة بلاده "علمت" بأمر القرار غير الملزم الذي اتخذته المحكمة الدولية.

وقال في بيان نقله الموقع الرسمي للوزارة على شبكة الانترنت "تؤمن الصين بشدة بأن احترام السيادة الوطنية وسلامة الاراضي مبدأ أساسي في النظام القانوني العالمي الحالي."

وأضاف أن الصين تحترم سلامة أراضي صربيا وتعتقد أن اجراء محادثات في اطار الامم المتحدة هو السبيل الامثل لايجاد حل مقبول من الطرفين.

وقال قانغ "ترى الصين أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لا يقف في طريق الاطراف المعنية لايجاد حل ملائم عن طريق المحادثات."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/تموز/2010 - 14/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م