إخفاق المشرع والمخالفات الدستورية

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

 مخالفة الدستور هي تعدي على إرادة الشعب ونظام الدولة كما تعدّ استخفافاً بمؤسسات الدولة الدستورية وبخاصة التشريعية والقضائية منها، فهل من المقبول قانوناً وأخلاقاً أن تعمد الأحزاب والكتل السياسية التي يجب أن تكون راعية للدستور والعملية السياسية إلى تكرار خرق المواد الدستورية؟ وما هي الأسباب التي جعلتها ترتكب هذه المخالفات؟

 المعروف إن الدستور؛ هو القانون الأسمى في البلاد، يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية، وبعبارة موجزة (تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية).

 ومادام الأمر كذلك فالمخالفة لهذه الوثيقة أي (الدستور) تعدّ أمراً غاية في الخطورة لأنها الوثيقة القانونية الوحيدة التي تم عرضها على الشعب لإستحصال موافقته عليها، وهنا يتعين التمييز بين صورتين من المخالفات:

 الأولى؛ مخالفة الدستور عمداً، والتي تنجم عن خروج إحدى سلطات الدولة على القواعد الدستورية المقررة لها بموجب الدستور دون موافقة بقية هيئات الدولة او الشعب وفي هذه الحالة نكون أمام تنازع بين السلطات، والسلطة الأقوى هي التي تتمكن من فرض رأيها أو تفسيرها للدستور وهو يُعدّ سلوك غير مشروع في حال كونه ينطوي على انتقاص من حقوق وحريات الأفراد أو في حال كونه يستهدف تقوية او توسيع اختصاصات سلطة ما على حساب سلطات الدولة الأخرى مما يخل بالتوازن السياسي ويهدد سيادة القانون في الدولة.

الثانية؛ مخالفة الدستور عرفاً، مما يشكل قاعدة قانونية عرفية ناجمة عن هذه المخالفة، فنشوء العرف يستوجب اتفاق السلطات في الدولة على انتهاج السلوك المخالف للدستور وفي حال رفض إحدى هذه السلطات إتباع هذا السلوك أو إظهار الشعب عدم رضاه عنه فانه لا يشكل أساسا لقيام قاعدة عرفية.

 ويرى جانب من الفقه أن العرف الدستوري بإمكانه أن يعدل جزئياً نصوص الدستور الجامد باعتبار العرف المخالف في هذه الحالة (واقعاً قانونياً) يجب أخذه بنظر الاعتبار، وهو يرتبط مع الدستور المكتوب ارتباطاً جدلياً بشكل أو بآخر ولا مناص من الاعتراف به خاصة أن حظي بقبول هيئات الدولة والشعب معاً ويأتي هنا دور الرقابة على دستورية القوانين للحد من السلوكيات المخالفة للدستور و التي تمس حريات وحقوق الأفراد أو تنتقص منها.

ومخالفة الدستور عمداً أو عرفاً قد تقف خلفها دوافع معينه منها على سبيل المثال:

1- تسلط مراكز قوى الفساد والتسلط على الحكم.

2- رغبة السلطة من خلال الحكومة في تحقيق مصالح ضخمة غير مشروعة لعناصر متصلة بها، حتى لو كانت هذه المصالح تهدد اقتصاد البلد.

3- توجه السلطة لفرض نظام اقتصادي مخالف للدستور، وهي لا تجد الإستجابة الشعبية للتغيير، وبذالك تقوم السلطة بانتهاك الدستور ومخالفته بدلا من تعديله.

 4- تسلط جهات الأمن على الحريات العامة.

فإذا كانت السلطة هي من يخالف مواد الدستور وأحكامه، فهل قيام الشعب بالعصيان هو قانوني في حال انتهاك السلطة للدستور والقوانين أم هو تعدي وخروج على القانون؟

 وبنظرة متفحصة لما يجري في الشأن العراقي فقد بات في حكم التأريخ الاحتكام إلى مواد الدستور كلما سعت الكتل السياسية إلى حل مشاكلها عن طريق التوافقات السياسية واختراق المدد الدستورية في تشكيل الحكومة وبالنتيجة فالدستور والشعب هما الضحية الأولى للمساومات بين الكتل السياسية الأمر الذي يجعل مؤسسات الدولة أكثر عرضة للهدم والتصدع الذي ينتج عنه دمار وضياع لحقوق المواطن.

 المعلوم إن أغلب القوانين تؤكد على عدم الاجتهاد في مورد النص، وهو بطبيعة الحال ما تخالفه اجتهادات المجتهدين في التوافقات السياسية لتجعل من مفهوم المحاصصة التوافقية سنة وعرف يحل محل القواعد الدستورية وهي سابقة خطيرة تؤسس إلى ضعف دولة المؤسسات بوجود دولة التوافقات والمساومات وبالتالي ضياع حقوق الأغلبية في إدارة البلاد والتي كان من المفترض أن تكون محترمة لدى الجميع.

 فالعقدة التي أضحت تعصف بالبلاد وبمستقبل الديمقراطية في العراق اليوم ناتجة من خلال مخالفة الكتل السياسية لمواد الدستور بل وإصرار تلك الكتل على تفسير المواد الدستورية بما ترتضيه مصالحها، وجميع تلك النتائج جاءت بسبب:

1- قصر نظر المشرع العراقي أو عدم وجود الرؤية الكافية لديه للواقع السياسي العراقي أو عدم قراءته لتأريخ العراق السياسي جيداً أثناء صياغته للمواد الدستورية الخاصة بالسلطة والحكم، إذ كان من المفترض على لجنة صياغة الدستور عدم صياغة النصوص الدستورية بصورة مبهمة وعائمة تجعل الاجتهاد وراد فيها من قبل الجهات المتنفذة، ولو أدرك المشرع العراقي تجربة السلطات السابقة في تأريخ العراق الحديث بصورة واقعية لوضع نصاً دستورياً يلزم بموجبه عدم تولي أي من المناصب الرئاسية الثلاثة (الجهورية البرلمان والوزراء) لفترتين متتاليتين، وإنه بالإمكان تولي المنصب الرئاسي مرة أخرى بعد ان يترك المنصب لفترة انتخابية كاملة، وبذلك فان المشرع أخفق في صياغة هذا الباب من الدستور كما أخفق في غيره من المواد الدستورية.

2- عدم وجود ثقافة حقيقية لدى الكتل السياسية لسيادة القانون وإدارة البلد عن طريق التداول السلمي للسلطة بين الفرقاء السياسيين، الامر الذي جعل البعض ينظر الى فرصة تولي السلطة مكسباً لا يمكن أن يحصل عليه مرة أخرى.

3- عدم وجود الثقة بين الشركاء في العملية السياسية، بحيث يصل الامر بمن يتولى السلطة الى نسف أو هدم كل ما يجده أمامه من هيكل تنظيمي وإداري سواء على المستوى الامني أو الاقتصادي أو التربوي....الخ وتكييفه للقوانين وبخاصة الدستور وفق ما يراه متماشياً ومصالحة الحزبية.

 4- ضعف الدور الرقابي من قبل الجهات التي من المفترض أن تتولى الحفاظ على الدستور وصيانته؛ والمتمثلة في المحكمة الدستورية بصفتها القانونية والبرلمان بصفته الرقابية والشعب بصفته مصدر السلطات، وبذلك استخفت القوى السياسية التي خالفت الدستور بجميع هذه الجهات بعد استخفافها بالدستور نفسه.

 مهما يكن الأمر فلابد من وجود مرجعية قانونية يجب أن تحترم من جميع الأطراف سواء كانت في الحكم أو في المعارضة وهذه المرجعية تتمثل بالدستور الذي صوت لصالحه أغلب أبناء الشعب العراقي في ظروف أقل ما يقال عنها إنها صعبة، متطلعاً في الوصول الى دولة ديمقراطية تضمن له الحقوق والحريات وسبل العيش الكريم في بلد أنهكته سياط الجلادين وأتعبته المؤامرات والانقلابات والحروب.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/تموز/2010 - 14/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م