هنا روتانا الاخبارية

عباس عبود سالم

على خطى التجربة الامريكية سارت التجربة السعودية في الاعلام، ومثلما غطت الولايات المتحدة سماء القارات الخمس بما ترسله عبر الموجات الكهرومغناطيسية والراديوية من معلومات منسقة، بدت سماء الجزيرة العربية، والخليج العربي، تتلبد بغيوم الاعلام الممول والمنسق سعوديا، الى الدرجة التي اصبح السعوديون فيها هم سادة.. وقادة..الميديا العربية، متخطين السيادة المصرية.. او الشامية.. او العراقية.. التي كانت لها المبادرات الاولى خلال القرن العشرين.

كان السعوديون قد شعروا مثل غيرهم من ابناء الخليج بصدمة (CNN) عندما نقلت بشكل مباشر احداث حرب الخليج الثانية 1991 واصابت كل محطات التلفزة العربية بالصمم الاعلامي، الامر الذي دعا امراء وشيوخ الخليج الى تحريك اموالهم من خزائنها والبدء بمرحلة جديدة.

فمنذ ان بادر الشيخ صالح كامل المقرب من العائلة المالكة بأنشاء مجموعة (ART) في ايطاليا مطلع تسعينات القرن الماضي، اقدم الشيخ الوليد الابراهيم الى شراء مجموعة (MBC) التي انتقلت من لندن الى دبي، وخلال ذلك يسعى الامير الاكثر شهرة الوليد بن طلال الى توسيع امبراطورية روتانا، والتي احتكرت الانتاج الفني والموسيقي العربي بشكل لايسمح بأن يشتهر مطرب جديد او يأفل نجمه دون تدخل تدخلها.. كونها اصبحت بورصة الغناء.. والموسيقى العربية.

 ثم بادرت روتانا الى شراء الارشيف السينمائي والموسيقي المصري، ولم يقف الامر عند ذلك فقد قام الامير الوليد بشراء الجزء الاكبر من اسهم المؤسسة اللبنانية للارسال (LBC)، والتي تميزت بأنتاج البرامج الاكثر ضخامة وكلفة، ومنها تلك البرامج التي تحول الاشخاص العاديين الى نجوم حقيقيين، بصورة باتت تثير الجدل بين مراكز البحث الاعلامي بقدر ماتشغل قطاعات واسعة من الجمهور.

لكن الكارتل السعودي دخل متأخرا الى عالم القنوات الاخبارية العربية التي بدأتها (ART)، و(BBC) العربي عن طريق الكابل بتجارب لم يكتب لها النجاح.. لحين ظهور قناة الجزيرة برعاية كاملة من وزارة الخارجية القطرية، ثم قناة ابو ظبي بدعم حكومي اماراتي، ومع اندلاع حرب الخليج الثالثة 2003 اطلق الشيخ الوليد الابراهيم قناة العربية.. برأسمال سعودي اماراتي وباسهامات كويتية، واردنية حسب ما يشاع.

واذا كانت الجزيرة، والعربية تمثلان الجيل الاول من القنوات الاخبارية العربية، لتمكنهما من تحقيق نجاح كبير.. فأن المحاولات التي شكلت الجيل الثاني لم يكتب لها ذات القدر من النجاح، فلم تفلح الولايات المتحدة، ولا روسيا، ولا بريطانيا في ثلاث مشروعات هي الحرة، روسيا اليوم، (BBC) العربي، وكذلك تعثرت جهود حكومية عربية في اطلاق قنوات اخبارية منافسة مثل النيل للاخبار، والاخبارية السعودية، اضافة الى محاولات اخرى لم تفلح مثل الشرقية نيوز، والمشرق.

 وبذلك فأن اخباريات الجيل الثاني لم تتمكن من انتاج خطوط جديدة للعمل، بقدر ما اخذت تراوح بين تكرار وتقليد فضائيات الجيل الاول، وبين ضغوط وحدود افقدتها جاذبية الابتكار ولم تجعل لها مساحات واسعة للحركة.

ولكن بوادر الجيل الثالث من الفضائيات الاخبارية العربية يبدو انه سيخرج من رحم روتانا وسيدشنه الوليد بن طلال بعد اعلانه عن اطلاق فضائية اخبارية ليست على خطى العربية، والجزيرة.. انما على خطا فوكس نيوز FOX NEWS وسكاي نيوز SKY NEWS الامريكيتين المملوكتين لرجل الاعمال والصحافة الشهير روبرت مردوخ صاحب مجموعة News Corporation والذي اشترى قبل اشهر جزء من اسهم شركة روتانا.

ولا اريد ان اتوقع ماستكون عليه فضائية الوليد الاخبارية التي اكتفى الامير السعودي بالقول انها ستكون مستقلة عن روتانا، وتهتم بالقضايا العربية، وتخضع لاشرافه، وتم اختيار الصحفي الليبرالي السعودي جمال خاشقجي لادارتها، وخاشقجي الذي ينحدر من اصول تركية شغل مرتين رئاسة تحرير جريدة الوطن السعودية، واثار جدلا من خلال بعض كتاباته الاصلاحية التي تخرج احيانا عن ماهو سائد سعوديا.

فضائية الوليد ستعزز حتما القبضة الفولاذية السعودية على الاعلام العربي بصورته الورقية، او التلفزيونية، وبوظائفه وبتخصصاته المنوعة، والثقافية، والاخبارية، اي ان نتاج المعرفة على المستوى العربي بات لا يدخل الوعي العربي الا من الباب السعودي.

واضافة الى ذلك فقد نجح السعوديون كما نجح سواهم من امراء الخليج في بناء مؤسسات اعلامية، واقتصادية تتماشى مع المزاج الغربي، وتخبيء عيوب السياسة خلف اضوية الاعلام، لتبقى المؤسسة السياسية بعيدا عن النقد، او البحث، او التحليل.. كونها تنتهج نظم حكم قبلية مستبدة غير مقبولة عالميا.

ان نجاح التجربة الخليجية في الاعتماد على اصلاح ركني الاقتصاد والاعلام دون اجراء اصلاحات سياسية يمنحنا شيء كثير من التامل، فمنذ نيسان 2003 ونحن منهمكون.. جادون.. ساعون لاصلاح النظام السياسي، دون اي اعتبار للنظام الاعلامي الذي اردناه انعكاس لما هو سياسي، بتناقضاته وسلبياته وتبعاته، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الاقتصادي الذي مازال عديم الهوية.

 ربما سيكون من اولويات روتانا الاخبارية تضخيم اخطاء التجربة العراقية مادتها، وربما ستتحول الى واسطة لإبراز وتاجيج صراعات رجال السياسة.. واشباههم في العراق، لكنها حتما وبكل تاكيد ستكون محطة هامة تعزز الهيمنة الاعلامية السعودية على الشرق الاوسط، واداة تترجم صورة اصلاحية حداثوية عن دولة مازالت بحاجة الى قطع اشواط كبيرة في طريق الحداثة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/تموز/2010 - 11/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م