الدخلاء على الثقافة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يذهب المعنيون بثقافة الشعوب والامم الى أهمية دورها في البناء والتطور، بل جلّهم يضع دور الثقافة في صدارة الادوار التي تسعى الى تغيير أنماط السلوك والافكار وتقفز بها من حالة الاجترار والركود والتزييف الى حالة الرقي والسمو المتواصل لشرائح المجتمع كافة، المتعلم منها وغير المتعلم.

واذا كان القول أعلاه من البداهة بمكان، فإن التذكير به دائما، يدفعنا الى تأشير ظاهرة تسلل الدخلاء الى ساحة الثقافة (كما تسللوا الى ساحات السياسة وغيرها)، وهو أمر يشكل خطورة جلية يمكن لمسها آنيا ومستقبليا، كما أن غض الطرف عنها واعتماد اللامبالاة ازاءها، سيقودنا من دون ريب الى مضاعفات تصعب معالجتها بعد استفحالها وستفرض نفسها على خارطة الثقافة ومؤسساتها لا سيما الرسمية منها، إن لم تكن فرضت نفسها فعلا.

هنا قد يسأل أحدهم، وكيف لنا تأشير الدخلاء والحد من نشاطهم الضار في ساحة تداخلت فيها النشاطات الى حد يصعب معه تمييز الأصيل من الدخيل ؟.

وهو أمر شاق حقا، حيث تغيب الحدود الفاصلة بين الفعل الثقافي الحقيقي وبين الفعل الذي يقف وراءه المصلحيون المنفعيون الذين لاهم لهم سوى تحقيق مآربهم المكشوفة والمتمثلة بتحقيق (الأنا المزيفة، والشهرة المسطّحة، والثراء الفقير)، لكن هذا التشابك والتداخل الغريب لا يمنع من السعي الى الفصل بين الاصيل والدخيل، ولا يعطي حجة للتقاعس ولا يعفي المثقفين الجادين من مسؤولياتهم في كشف وفضح ثقافة الدخلاء ورصد أنشطتهم ووضعها تحت مراصد الكشف الدائم، لأن الامر من الاهمية والشمول بحيث لا يدع مجالا للصمت او الموافقة على تمرير الزيف بحجة النوايا الطيبة.

فهل يعني مثل هذا الكلام إن ثقافتنا في خطر؟ وهل يعني وجود الدخلاء أمرا محسوما لا جدال فيه ؟ أم ثمة مغالاة تقف وراء مثل هذا الكلام؟.

إن وجود الدخلاء لا يختلف عليه أحد وليس ثمة تهويل او مغالاة في الامر، وأظن أن اللجوء الى مثل هذه التبريرات لابد أنها تنعكس عن تعامل ساذج او حفاظ على مصلحة معينة او محاباة لشخص او جماعة، بل هي نوع من المراءاة التي يحتمي بها الدخلاء أنفسهم، وإلا ما معنى تجيير الأنشطة الثقافية لصالح أشخاص معروفين (بتلونهم) تحت حجج وعناوين واهية وغير مقبولة؟.

ثم كيف نستطيع أن نقنع الساسة وغيرهم بأهمية الثقافة والمثقفين ونحن نتقدم ركب الزيف، ونلهث نحو مصالحنا الخاصة ونهمل العامة لأنها لا تضع شيئا في جيوبنا ولا تلمّع أسماءنا أكثر في محاولة بائسة لتسليط الضوء والشهرة الزائفة؟.

هل يعرف دخلاء الثقافة مدى الاضرار التي يلحقونها بالآخرين مع أنهم غير معنيين بذلك؟ وهل يعرف المعنيون الحقيقيون مدى تلك الأضرار؟ واذا كانت الاجابة واضحة، فلماذا هذا الصمت الغريب على وجود الدخلاء بينهم وقبولهم تحت هذه الحجة او تلك، واذا كانت ساحات الفعل والنشاط البشري المتنوع لا تستغرب الزيف والرياء والصراع المادي، وقد لا تبالي في التحرك ضده أحيانا، فهل تجوز مثل هذه اللامبالاة في ساحة الفعل الثقافي؟.

إن الصمت على الخطأ كما هو معروف ومتوقع يؤدي الى عواقب معروفة ايضا، كما أن التأسيس يتطلب نوعا من الجدية الصارمة التي تضع الحجر الاساس المناسب لأي نشاط يؤسس له الناس، ولو أننا قبلنا بالحجر الاساس الخاطئ فإننا بالنتيجة قابلون بالنتائج الخاطئة للبناء، والصمت هنا يعني القبول بطبيعة الحال، ناهيك عن التشجيع الذي تقف وراؤه مآرب براغماتية هزيلة.

وهنا لابد من ظهور الصوت العالي والكلمة الواضحة التي تؤشر الخطأ وتدعوا الى تصحيحه وهي مسؤولية المثقفين الحقيقيين إلا اذا كان الساحة قد خلت منهم!.

وأخيرا ربما يقول قائل، ان التأشير المباشر للخطأ والزيف قد يقود الى ما لا تحمد عقباه، وهنا لابد أننا نؤمن بأن الخسائر القليلة في اول حالات التصدي ستقلل الخسائر الكبيرة بعد استفحال الظاهرة، لذا مطلوب من المعنيين بالثقافة أن يرصدوا الدخلاء باستمرار وأن يحددوا مكامن الخطر التي تنطوي عليه أفعالهم وأنشطتهم مهما تغطَّت أو تلفعت بأغطية ثقافية همّها (الأنا، والشهرة الساذجة، والضوء الباهت).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/تموز/2010 - 8/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م