تمثل قضية التعليم ـ الإلزامي منه خاصة ـ محوراً اساسياً في تطور
وتنمية البلدان، خاصة إذا نظر إلى كونها حقاً للجماهير قد يغفل عن
تشخيص أولويتها أولياء الأمور، فيزجوا بابنائهم في متاهات الأعمال
وصراعات الحياة قبل يبلغوا الحلم.
فالتعليم قضية فاعلة من قضايا العصر كانت وما زالت طموحاً مشروعاً
من اجل بناء وصناعة الإنسان المؤثر والتي تلعب دوراً مهماً في تشكيل
قدرات ذلك الإنسان وتسهم في تأهيل طاقاته، بما يعود بالتالي إلى ازدهار
حضارة البلد باتجاهاتها البنائية والوظيفية.
وعراقنا من البلدان التي عانت كثيراً من الفقر والفاقة والفساد
الإداري لجهاز الدولة مما أسفر عن تهميش ظاهرة التعليم واتسامها بسمات
مشبوهة مما أنتج وأرهص امتلاء شوارعنا واسواقنا من الصبية العاملين،
وبتشجيع من أولياء أمورهم الذين لم يروا جدوى من التعليم لضعف في أفق
تفكيرهم أو لضغوط الحاجة والفاقة مما سهل عليهم إهمال مستقبل أبنائهم
مكتفين بتوظيفهم في مهن بسيطة أو أعمال حرة أو التسول في الشوارع.
ان الدور الذي يجب ان تقوم به وتفعله جميع الجهات الدينية والوطنية
هو توجيه وإرشاد الآباء إلى أهمية التعليم وإيضاح ثماره العملية حتى
تتبلور هذه الاطروحات في عقول أولياء الأمور فيسارعوا إلى تسجيل
ابنائهم في المدارس والاهتمام والرعاية لشؤونهم العلمية.
أما المسؤولون والتربويون فعليهم وحدهم يقع الكاهل الأعظم من هذه
الأطروحة فبتضافر جهودهم من أجل تشويق الطلاب إلى التعلم وحثهم الشديد
لهم بالانضباط في الدوام ومحاولة الترفيه عنهم حتى لا يكتسب الدرس
والمدرسة بالتالي ثقلاً على الطالب، فيسارعوا إلى إهمالها والغياب عنها
متى سنحت لهم الفرصة.
بل لابد أن ينتبه أولئك التربيون إلى أن مرحلة البناء أكثر صعوبة
وتعقيداً من العمليات الأخرى التي تليها، ولا ينسوا أنهم مربين قبل ان
يكونوا معلمين وأن التعليم ليس مجرد إيصال العلوم والمعارف إلى الطلاب
وليس كبحاً للرغبات والميول الشاذة، إنما هو أعقد وأشمل من ذلك فهو
إرشاد وتوجيه للطلبة لبذل أقصى الجهد في عملية التعلم وهذا لا يتم عن
طريق القسر والجبر انما عن طريق خلق مواقف تؤدي بصورة تلقائية وطبيعية
إلى الترغيب بالفعاليات المفيدة، فالتدريس الصحيح هو الذي يفتح الأفق
الجديدة للبحث والترقي والإبداع من خلال الاهتمام بالمواد والموضوعات
الجديرة بالدراسة وخلق ظروف ومناخ ملؤه الحب والعطف وأن يكون معتمداً
على الإيحاء كأساس في ممارسة التعليم بدل الاعتماد على الإملاء
والاكراه.
فعلى المعلمين الفضلاء أن لا ينسوا ان الأطفال أمانة الله والوطن في
أعناقهم فهم مستقبل البلد وعليهم يقع الاعتماد وبهم تتحقق الأماني
والأحلام فبالتعليم الجيد المنظم وحده نسرع في تحقيق ثمرات التحول كماً
ونحسن من صفاتها كيفاً من اجل رفعة بلدنا وازدهاره.
* مركز البصرة للثقافة والإرشاد |