معاناة المواطن العراقي والهيمنة على مقدراته

د. يوسف السعيدي

من جملة ما من به الله سبحانه على العباد هو الامن والزاد حيث قال الحق مخاطباً قريش وهو يشير الى الخلق اجمعين ((فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)).

اذن فالأمن والغذاء هما من نعم الله على العبد...

كذلك فان الجنة التي وعد الله بها عبادة المتقين تمثل على وفق الوصف القرآني لها قمة العيش المرفه السعيد.... ودائما فان الانسان يسعى مستمر لتأمين حاجاته الاساسية فأن حصل عليها فانه يسعى ليجعلها على نحو افضل بل ان الانسان يخلق حاجات جديدة تبدأ تكميلية لتصبح ضرورية بعد حين...

وهكذا فان مستوى الرضا في حالة تحول دائم ومثال ذلك ان الانسان يبدأ في البحث عن بيت يأويه فان تحقق ذلك فانه يطمح في بيت أكبر، أو من نوع افضل أو في منطقة أهدأ واجمل...

وكان جوهر المبادئ والنظريات السياسية والاقتصادية لا سيما تلك ظهرت منذ عصر النور في القارة الاوربية هو كيفية الوصول الى الانسان السعيد في مجتمع سعيد...

وكانت الاشتراكية على اختلاف مذاهبها ورؤاها هي احدى النظريات التي اطلقت العنان لطموحات الانسان ورفعت لواء الكفاح للوصول الى مجتمع كل من فيه سعيد... وشيئاً فشيئا حلت المصطلحات والشعارات محل العمل، واصبح الحديث عن الاشتراكية هدفا بحد ذاته اما تحقيقها فلقد دفع على لائحة الانتظار ريثما يتم القضاء على الامبريالية والراسمالية ولو بعد قرون من الزمان...

لكن الاشتراكيين انفسهم لم ينتظروا حتى ذلك الحين فما ان يصلوا الحكم حتى يشمروا عن سواعدهم ليكونوا (طبقة جديدة) تعيش حياة الرفاهية والبذخ... أما الجماهير فان عليها ان تنتظر، وان تصبر، وان تشد الاحزمة على البطون...

ولم تنقص (الحكام الاشتراكيين) الحذاقة، ولم تعوزهم المصطلحات والتبريرات...

فهم مرة يعلنون بان الصناعات الثقيلة ولا سيما صناعة الصلب حتى في بلد خال من الصفيح لها الاولية..

ثم اعلنوا بان خطط التنمية الطويلة الامد والقصيرة كفيلة برفع الحيف...

وفي الوطن العربي ربط الاشتراكيون بين الاشتراكية وتحقيق الوحدة العربية من المحيط الى الخليج...

واستنكروا كل مطالبة بالقضاء على البطالة، واستهجنوا كل دعوة لرفع الاجور... واتهموا المطالبين بهما بالانحراف والخيانة أو سوء التقدير على افضل الاحتمالات...

واصبحت الكهرباء مؤامرة....

وصارت المياه العذبة ترفا برجوازيا....

واصبح الفقر هو السمة التي يجب ان تتوفر للشعب العريق المجاهد...

اما الحكام وعوائلهم واقاربهم ولا سيما اصهارهم فلا مانع من ان يغرقوا في نعيم العيش... ولتتبرع النساء الوطنيات بحليهن (لدعم المعركة) أما (نساؤنا) فلا باس من اقتنائهن المجوهرات...

واليوم فان هناك، بحمد الله وفضله احزاب تعد بالعشرات تعمل في الساحة العراقية حتى ضاعت علينا سبل التعرف عليها والتمييز بينها وتهنا بين الوفاق والتوفيق، وبين (الثورة الاسلامية) و (الدعوة الى الاسلام).

وليس هنالك بين هذه الفئات من يضع هموم المواطن قبل همومه الشخصية أو الحزبية...

وليس هنالك من يمتلك تصوراً لما ينبغي ان يكون عليه الحال في الصناعة والتجارة والخدمات...

وليس هناك من يتحدث عن انعدام الطاقة وكـان انعدامها قدر محتوم...

وليس هناك من يتحدث عن ازمة الوقود في بلد يستريح على بحر من النفط...

ليس هناك من يتحدث عن الاجور سوى ان اعضاء البرلمان قرروا رفع رواتبهم وضمان مستقبلهم بجعل الراتب مستمراً حتى لو فقدوا عضوية المجلس... وهذا للناس نعم العطاء...

والان، فانا اجد بأن الخير كل الخير فيمن يدعوا لمجتمع مرفه سعيد فهذا حق للمواطن وواجب على الدولة وهو الهدف من كل نضال وجهاد...

والعراق بلد غني والكل متفق على هذا...

لكن المواطن العراقي يعاني من فقدان أبسط مستلزمات العيش والجميع متفق على ذلك...

والمطلوب ان يكون العراقي اسعد الناس طالما هو يعيش في اغنى البلدان...

وطالما ان التجارب الاقتصادية في العديد من الدول العربية قد اكدت بان هيمنة الدولة على الاقتصاد قد دمرت الاقتصاد، وافقرت الناس، واغنت الحكام، فانه لا بد وان يبدا الحل من رفع هذه الهيمنة كخطوة اولى، واطلاق حرية المواطنين في الاستثمار وفي الصناعة وفي التجارة وفي العمل فليس المواطنون باطفال يتامى محتاجين الى قيمومة الدولة...

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام على من اتبع الهدى

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/تموز/2010 - 6/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م