الإسلاميون وإشكالية إدارة الحكم

 

شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن الافكار والمبادئ مهما كان مضمونها أو مصدرها، فإنها لن تكون فاعلة ولا ذات قيمة ما لم تُفَّعل في ارض الواقع وتنعكس عنها إيجابياتها الملموسة، وبخلاف ذلك فإنها تبقى حبرا على ورق او كلاما سرعان ما يتحول الى امواج صوتية ذائبة في الأثير ولا تأثير لها في الآخرين، من هنا يركّز دعاة الاصلاح على ضرورة أن يقترن القول بالفعل وأن تتحول المبادئ الى صيغ عملية شاخصة.

وفي حديثنا عن الاسلاميين والحكم، فإننا لابد أن نتذكر التعاليم والمبادئ الاسلامية العظيمة، فالحاكم الاسلامي ليس كغيره من الحكام، بمعنى لابد أنه يكون مقيَّدا بتلك التعاليم كونه ينضوي تحت عنوانها وجوهرها، وبخلاف ذلك فإن صلته بالاسلام ستكون شكلية ويمكن أن طلق عليها علاقة غير جوهرية، لأن أي تضاد بين فعل الحاكم الاسلامي وبين التعاليم الاسلامية سيسحب منه الغطاء الشرعي الذي يستمده من انتمائه للاسلام وتبنيه لتعاليمه ومبادئه.

لقد عانت المجتمعات الاسلامية كثيرا من الازدواجية بين الادّعاء والتطبيق، ليس فيما يخص الاسلاميين فحسب، بل معظم الحكومات وقادتها حتى العلمانية او غيرها، إذ غالبا ما كانت تدّعي أن مجيئها هو من اجل حرية الانسان ولكنها عندما تباشر عملها القيادي السياسي على الارض سرعان ما تتحول الى حكومة مصلحية ذات نوازع فردية شريرة تتجاوز على حقوق المجتمع وتقوده وفقا لما يحقق مصالحها ورغباتها.

فالتأريخ القريب والبعيد يشيران في كثير من المحطات الى التجارب المريرة التي مرت بها المجتمعات الاسلامية في علاقاتها مع حكوماتها التي تعاقبت عليها، ولعل هذا الامر ليس وليد الراهن، حيث تعقّدت العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمعات الاسلامية منذ أن غادر القادة الاسلاميون العظماء عالمنا، حيث بدأت سلسلة من التراجعات الخطيرة في المجال السياسي وصل فيها الحال الى أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الانسان، فمع توافر جميع العناصر المطلوبة لبناء المجتمع المتطور كالثروات والقدرات البشرية وما شابه لكننا نشهد تراجعا مؤسفا وربما مخيفا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مجتمعاتنا الاسلامية.

لذا ليس من المناسب للحاكم الاسلامي أن يدّعي الاسلام والتزامه بتعاليمه الانسانية الراقية ما لم يتمكن من تحقيق جوهر هذه التعاليم للمجتمع، وفي حالة عجز مثل هذه الحاكم عن القيام بدوره وفقا لادّعائه، فلابد أن يكون ثمة خلل في دينه وتدينه والتزامه، فمن غير المعقول أن يكون الحاكم الاسلامي المؤمن حقيقة بالاسلام عرضة لاغراء السلطة وامتيازاتها فينسى واجباته الرسمية والشرعية تجاه المجتمع ويهتم بذاته ومعيته ومصالحه التي غالبا ما تأخذ من حصة وحقوق الغالبية من الناس الذين يقودهم ويدير شؤونهم باسم الاسلام.

إذن ثمة خلل واضح وكبير لابد من معالجته، وكما يقول المثل فإن (حبل الكذب قصير) وأن تأثير الادّعاء أقصر، لأنه سرعان ما تنكشف الحقائق والوقائع لغالبية الناس فيرون ويعرفون كل ما قام ويقوم به قادتهم من أجلهم وهل أدّوا واجباتهم بما يفرضه عليهم دينهم أم العكس ؟.

كما أن تعاليم الاسلام في مجال الحكم واضحة وضوح الشمس حتى أنها لا تحتاج تفسيرا لأضعف الناس وعيا وتفكيرا، فحكم الاسلام قائم على احترام كرامة الانسان وكفالة حريته في التعبير والقول والتفكير والعمل ما لم يضر ذلك بمصالح الغير، كما تؤكد تعاليم الاسلام على ضرورة الايثار والتضحية ونكران الذات وتقديم مصلحة الغالبية على الاقلية مع حفظ جميع الحقوق لجميع الافراد في المجتمع.

وخلاف ذلك لابد أن يكون هناك خطأ في ادارة شؤون الدولة والمجتمع سواء في السياسة او الاقتصاد او التعليم او غيرها، وهو أمر تتحمل مسؤولياته الحكومات وقادتها قبل غيرهم، لذا على الحاكم الاسلامي أن يلتزم بما يريده الاسلام ويدعو له، ومما يدعو له الاسلام ما يلي:

- أحب لأخيك ما تحب لنفسك، ولا تفضلها على الناس سواء كنت حاكما او محكوما، ولكن حين تكون حاكما فإنك صاحب صلاحيات تفرض عليك مراعاة هذا المبدأ بدقة.

- عندما تكون حاكما لابد أن تضع كرامة المحكوم فوق كل اعتبار وتسعى الى تحقيق ذلك بكل ما يتوافر لديك من قدرات.

- لاتنس دوافع النفس الامارة وابتعد عن الظلم واعمل لصالح الناس كما تعمل لصالح نفسك ومن معك.

- لا تجيّر قدرات الدولة والمجتمع لصالحك او لصالح من يدعمك حزبا او كتلة او جماعة او فئة، كما يفعل الطغاة عادة.

- ساهم بنشر العدل والمساواة كما يطل الاسلام ذلك وتعامل مع الجميع بما يستحقونه من رعاية واحترام.

- تذكّر دائما أنك حاكم مسلم، وهذا الانتساب يفرض عليك مسؤوليات مضاعفة لأنك تتحدث وتعمل وفقا لانتمائك هذا، والخلل الذي يتأتى من قولك وعملك ينعكس على الاسلام مع انه يحث الجميع على رفعة وسمو الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/تموز/2010 - 5/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م