تغييرات المناخ: موت بطيء لكوكب يختنق

 

شبكة النبأ: يتابع عن كثب العديد من علماء البيئة الأوضاع المناخية لكوكب الأرض بعد ثبوت التهديدات الجدية التي تهدد حياة سكانه فيما لو تفاقمت ظاهرة الاحتباس الحراري على الأمد البعيد.

فيما تجهد الكثير من منظمات البيئة حول العالم في خلق وعي اجتماعي ودولي للحد من التلوث البيئي الآخذ بالازدياد، ويأتي ذلك في سعيها المحموم لدفع الدول والحكومات لسن قوانين واحكام تعالج العديد من الظواهر المضرة بالبيئة، عبر تقديم المشورة والدراسات العلمية التي ترصد تنامي الخطر والأضرار.

قلق العلماء

فبعيداً عن الانبعاثات الحرارية ومفاعلات توليد الطاقة، بالإضافة إلى عوامل أخرى يوجه لها الاتهام في ظاهرة الاحتباس الحراري، رجحت دراسة أمريكية حديثة أن البشر ربما ساهموا في تغير المناخ منذ أكثر من 10 آلاف سنة مضت.

وتقول دراسة "جامعة ستانفور" بكاليفورنيا إن انقراض الجد التاريخي للفيل، وهو حيوان الماموث المُشعر، الذي لعب الصيد الجائر فيه دورا، ربما تسبب في تغييرات في الغطاء النباتي والتي بدورها، رفعت درجات الدرجة ما بين 0.3 درجة فهرنهايت، في سيبيريا وبرينغيا المجاورة.

وقال كريستوفر دوتي، باحث بمعهد كارنيجي للعلوم في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا ، وشارك في تأليف الدراسة: "البشر بدأوا التأثير على المناخ العالمي في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد."بحسب السي ان ان.

ويربط معظم الباحثين بدء ظاهرة التغير المناخي، الذي سببه البشر، إلى حقبة اكتشاف الزراعة قبل نحو 8 آلاف سنة مضت، غير أن الثدييات الضخمة كالماموث بدأت في الاختفاء والانقراض مع دنو حقبة العصر الجليدي قبل ما بين 10 ألف إلى 15 ألف سنة مضت.

ويرجع جانب من هذا الانقراض إلى احترار المناخ، إلا أن الإفراط في صيد هذه الحيوانات يعد من أبرز أسباب اندثارها.

وقالت دراسة عام 2004، أنه مع اندثار الماموثات، تغيرت طبيعة موطنها السابق بنمو الأشجار، التي تمتص قدراً أكبر من الطاقة الشمسية، ما أدى لاستمرار دورة ارتفاع حرارة الأرض، غير أن انقراض تلك الثدييات، ليس هو التفسير الوحيد لانتشار الأشجار، فارتفاع درجة الحرارة الجو ساهم بدوره في انتشارها.

وباستخدام نماذج بيانات الأفيال التي تعيش في عصرنا هذا، وجد العلماء أن معدل نمو أشجار البتولا - birch - تزايد بنسبة 26 في المائة، بعد 850 عاماً من بدء انقراض الماموث.

ومن خلال الجمع بين بيانات محاكاة المناخ مع نتائج فقدان الغطاء النباتي ، قدر الباحثون أن انقراض الماموث ساهم بارتفاع درجة الحرارة بما بين 0.4 درجة مئوية إلى قرابة درجة واحدة، خلال تلك الفترة الزمنية.

ويشار إلى أن الباحثين لم يصلوا لاستنتاجات قاطعة إزاء أسباب انقراض الماموث ودور البشر تحديداً في ذلك، إلا أنه في حكم المؤكد أن الصيد كان له دور في اندثار تلك الحيوانات الضخمة.

وتقول الدراسة التي نشرت في دورية "رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية"، أن حتى مجموعة صغيرة من البشر قد يكون لها بصمة مؤثرة في التغييرات البيئية.

ويحذر العلماء من ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل متنام وما قد تشكله الظاهرة التي تعرف بالاحتباس الحراري، من  خطر بالغ على مستقبل البشرية، بل على مستقبل كوكب الأرض بأكمله.

وفي مايو/أيار الماضي،  لفتت  الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات و الغلاف الجوي، إلى أن درجات الحرارة مجتمعة لكل من اليابسة وسطح المحيطات لشهر أبريل/نيسان عام 2010 تعد الأكثر دفئا على الإطلاق، إذ قدرت في المتوسط بـ14 درجة مئوية ونصف الدرجة، أي بزيادة بنسبة 0.76 في المائة عن متوسط درجة الحرارة لهذا الشهر خلال القرن العشرين.

البحث عن الجانب المضيء

من جهتهم دعا علماء البيئة واضعي السياسات إلى مساعدة المجتمعات المستضعفة على التكيف مع تغير المناخ بدلاً من التركيز على الموارد اللازمة لتخفيض انبعاثات الكربون فقط.

وخلال مؤتمر حول التكيف مع تغير المناخ تم عقده في جولد كوست بأستراليا مؤخراً، قال أندرو آش، مدير مجموعة التكيف مع المناخ في منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية الأسترالية أن "الجهود والأموال التي يتم إنفاقها على جهود الحد من تغير المناخ هائلة جداً مقارنة بما يتم إنفاقه على جهود التكيف مع تغير المناخ... هناك نقص كبير في الوعي حول الحاجة إلى التكيف ويجب على العلماء أن يعززوا ذلك ويباشروا بالتأثير على السياسات [المرتبطة به]".

وأكد العلماء أن الفئات المهمشة والمستضعفة التي لا تتسبب سوى بقدر بسيط للغاية في تغير المناخ هي التي تعاني من نتائجه أكثر من غيرها. "فالنساء في الهند معرضات بشكل كبير لمخاطر تغير المناخ لافتقارهن للمساواة الاجتماعية. فليس لديهن حق امتلاك الأراضي ولا يحصلن على خدمات الرعاية الصحية بسهولة"، حسب شايلندرا كومار ماندال، وهو بروفيسور في المعهد الوطني للتكنولوجيا باتنا بالهند. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين.

وأوضح أن الهند ستضم أحد أكبر التجمعات السكانية في العالم التي ستضطر لإيجاد طريقة للتكيف مع تغير المناخ، إذ من المتوقع أن ينمو عدد سكانها من 300 مليون إلى 700 مليون نسمة خلال الأربعين أو خمسين سنة القادمة.

وأضاف قائلاً: "نتوقع أن يضرب جفاف شديد غرب الهند، في الوقت الذي ستضطر فيه مدننا الساحلية الكبرى مثل مومباي وتشيناي وكالكتا لمواجهة فيضانات كبيرة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر".

وتشكل هذه المدن جزءاً من الدلتا الكبرى لآسيا التي تعتبر الأكثر عرضة لارتفاع مستويات سطح البحر شأنها في ذلك شأن الجزر الصغيرة والقارة الإفريقية. وتشمل الدلتا الكبرى لآسيا أيضاً مدن قوانغتشو وشانغهاي وهوتشي مين التي بدأت تعاني بالفعل من الأعاصير المدارية الشديدة.

وقال ماندال: "نحن نواجه بعض المشاكل في إعلام الفئات الأكثر عرضة للخطر بهذه التغيرات. علينا أن نمنحهم بعض الوقت للتكيف".

التخفيف والتكيف

وتنطوي عملية التكيف مع تغير المناخ على مجموعة واسعة من الجهود بدءاً من وضع نظم الإنذار المبكر لمواجهة الكوارث الطبيعية وصولاً إلى تغيير استخدام الأراضي ونقل المنازل بعيداً عن السواحل.

وبالرغم من أن مواجهة تغير المناخ بحاجة للعمل على تخفيف آثاره مثلما هي بحاجة لجهود التكيف معه، إلا أن العلماء يحذرون من خطر إعطاء الأولوية لأحدهما على الآخر. وعلق برونو لوكاتيلي من مركز البحوث الدولية للغابات على ارتباط جهود التخفيف بأساليب التكيف بقوله أنه ينبغي النظر في أمر مبادلة أحدهما بالآخر.

وأضاف أنه "يمكن أن يكون لبناء السدود والحواجز المائية لتحسين إدارة المياه على سبيل المثال آثار سلبية على جهود التخفيف". فبالرغم من أنها تساعد على السيطرة على الفيضانات إلا أنها تتسبب أيضاً في تآكل التربة مما يؤدي إلى زيادة الكربون في الغلاف الجوي.

الحاجة للمليارات

ويقدر مارتن باري، هو محاضر في سياسة تغير المناخ في كلية إمبريال كوليدج بلندن، أن تكاليف التكيف مع تغير المناخ تكلف 50 مليار دولار سنوياً. ويغطي هذا المبلغ التغييرات في مجالات الزراعة والمياه والصحة والبنية التحتية والخطوط الساحلية.

وخلال محادثات تغير المناخ التي عقدت في كوبنهاغن في العام الماضي، أفادت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن بلادها تتعهد بالانضمام إلى دول أخرى لتوفير 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية على مواجهة تغير المناخ.

ويرى باري أنه إذا "تم تخصيص نصف ذلك المبلغ لجهود التكيف، فإن التقدير يبدو مبلغاً معقولاً. ولكن ذلك يعني مضاعفة إنفاقنا الحالي على المعونات الخارجية."

من جهته، أخبر جوزيف ألكامو، كبير علماء برنامج الأمم المتحدة للبيئة شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن لا أحد يعلم إذا كانت جهود التخفيف أو طرق التكيف هي التي تحتاج للمزيد من المال. وقال: "حتى أنا بصفتي عالماً لا أستطيع أن أقرر أياً منهما يستحق الاهتمام أكثر من الآخر. لذلك سيكون من الحكمة إعطاؤهما معاً القدر نقسه من الاهتمام".

مايو 2010 كان الأكثر دفئا

على صعيد متصل قالت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي ان الشهر الماضي كان أكثر شهور مايو دفئا التي تم تسجيلها.

وقال ديك ارنت رئيس مراقبة المناخ بالمركز الوطني للبيانات المناخية التابع للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي ان مايو هو الشهر 303 على التوالي الأكثر حرارة عن المتوسط العالمي للقرن العشرين لهذا الشهر.

وقال "منذ فبراير 1985 كل شهر على حده يكون أكثر دفئا عن متوسطه للقرن العشرين". وقال ارنت ان اتجاه الاحترار الطويل المدى إلى جانب تقارير تفيد بان جليد البحر القطبي الشمالي يغطي مساحة اقل من المحيط وان الثلج يغطي مساحة أرضية اقل في أنحاء العالم في مايو تتماشى مع علم التغير المناخي.

ويعتقد العديد من علماء المناخ ان سطح كوكب الارض يزداد دفئا ويرجع هذا في جزء منه الى الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بما في ذلك ثاني اكسيد الكربون.

وقال مركز البيانات في بيان انه بالاضافة الى تسجيل شهر مايو اعلى درجة حرارة فقد سجلت الفترة من مارس اذار حتى مايو ومن يناير كانون الثاني حتى مايو ارتفاع درجة حرارة السطح فيما يتعلق بالدفء على ارض الكوكب والمحيطات.

وبالنظر فقط الى المتوسط العالمي لدرجات حرارة سطح الارض فان مايو والفترة من مارس حتى مايو كانت ايضا الاكثر دفئا. وذكر مركز البيانات ان درجات حرارة سطح المحيط عالميا لكل من مايو والفترة من مارس حتى مايو سجلت ثاني اعلى درجة حرارة بعد تلك التي تم تسجيلها في عام 1998. بحسب رويترز.

وشهدت اغلب المناطق الارضية على سطح كوكب الارض درجات حرارة مرتفعة غير عادية بينما تظهر أكثر المناطق حرارة في شرق امريكا الشمالية وشرق البرازيل وشرق أوروبا وجنوب اسيا وشرق روسيا وافريقيا الاستوائية. وبالنسبة لاقليم يونان الصيني فان هذا اكثر شهور مايو دفئا منذ مايو 1951 بينما كان مايو الأكثر حرارة في العديد من الأماكن في اونتاريو بكندا.

وكان شهر مايو باردا على غير المعتاد في أنحاء غرب امريكا الشمالية وشمال الأرجنتين وداخل اسيا وغرب اوروبا. وبالنسبة لألمانيا كان شهر مايو الأكثر بردا منذ مايو 1991 .

انتشار الامراض

الى ذلك أفاد تقرير أعده علماء أوروبيون أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الارض قد يساعد بالفعل الامراض المعدية على الزحف شمالا.

ويربط التقرير بين ارتفاع درجة حرارة الكوكب وانتشار أمراض مثل حمى الدنج والحمى الصفراء والملاريا وحتى الطاعون البشري الى أوروبا.

ويقول التقرير الذي أعده مجلس العلوم الاستشاري للاكاديميات الاوروبية "يمكن بالفعل تمييز التأثيرات الجوهرية للتغير المناخي على الامراض المعدية ومن المرجح أن تظهر ناقلات ومسببات جديدة وتصبح راسخة في أوروبا في السنوات القليلة القادمة."

والمجلس المستقل الذي أعد التقرير مؤلف من 26 أكاديمية علمية من أرجاء الاتحاد الاوروبي. بحسب رويترز.

ويقول التقرير ان الحشرات التي تنقل الامراض تنضج وتتكاثر بصورة أسرع لدى ارتفاع درجات الحرارة.

ورغم أن التقرير اتسم بالحذر فيما يتعلق بذكر العلاقة السببية بين ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الامراض قال الدكتور فولكر تير مولن رئيس مجلس العلوم الاستشاري ان الخطر لا يمكن انكاره ودعا لمزيد من البحث.

المحيطات تختنق

كما ذكرت دراسة حديثة ان محيطات العالم تختنق عمليا بسبب انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الاحتراري وتدمير الانظمة البيئية البحرية وانهيار السلسة الغذائية والتغيرات غير القابلة للانعكاس التي لم تحدث منذ عدة ملايين من السنين.

ويمكن ان يكون للتغيرات توابع رهيبة على مئات الملايين من البشر في جميع انحاء العالم الذين يعتمدون على المحيطات في سبل عيشهم.

وقال البروفيسور الاسترالي اوف هويج جولدبرج وهو عالم في الشئون البحرية والمعد الرئيسي للتقرير "يبدو وكأن كوكب الارض يدخن علبتي سجائر يوميا."

ودرس التقرير الاسترالي الامريكي الذي نشرفي مجلة ساينس Science يوم الجمعة عشر السنوات من البحث البحري ووجد ان التغير المناخي كان يتسبب في تراجعات كبرى في الانظمة البيئية البحرية. بحسب رويترز.

وذكر التقرير ان درجة حرارة المحيطات كانت ترتفع بسرعة وان المحيطات كانت تتحول الى الحمضية وتغيرت دورة المياة وكانت المناطق المميتة في اعماق المحيطات تتسع.

وكان هناك تراجع في الانظمة البيئية الكبرى للمحيطات مثل غابات عشب البحر والشعاب المرجانية وكانت سلاسل الغذاء البحري تنهار وكان هناك تراجع في اعداد الاسماك والسمك الاصغر والمزيد من الامراض الدائمة والافات بين الاحياء البحرية.

وقال هويج جولدبرج مدير معهد التغير العالمي في جامعة كوينزلاند "اذا ما واصلنا السير في هذا الطريق سندلف الى ظروف ليس لها مثيل لاي شيء مر علينا من قبل."

وقال هويج جولدبرج ان المحيطات كانت "قلب ورئة" كوكب الارض وتنتج اكثر من نصف الاوكسجين في العالم وتمتص 30 بالمئة من ثاني اكسيد الكربون من صنع الانسان.

وقال هويج جولدبرج "نحن ندخل في فترة تعاني فيها كل خدمات المحيطات التي تعتمد عليها البشرية من تغير هائل وفي بعض الحالات بداية فشل.

"ومن الواضح تماما ان كوكب الارض لا يمكنه العيش بدون محيطه. وهذا دليل اخر على اننا نسير على الطريق الى الحدث الانقراض الاعظم التالي."

وقال واضعو التقرير ان اكثر من 3.5 مليار شخص يعتمدون على المحيط كمصدر رئيسي للغذاء ويمكن ان يتضاعف هذا الرقم في غضون 20 عاما.

النقل الجوي قد يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري

من جانب آخر تشير أحدث التوقعات أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى الناجمة عن حركة النقل الجوي ستتضاعف أو ربما تصل إلى ثلاثة أضعاف حجمها الراهن بحلول 2050 لتصبح من أهم مصادر الاحتباس الحراري.

ولاحظ القائمون على الدراسة التي نشرت في دورية "العلوم البيئية والتكنولوجيا، أن قطاع النقل الجوي، لا يعد، في وقتنا الراهن، واحدا من المسببات الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري.

وتنفث حركة الملاحة الجوية العالمية حالياً ما يتراوح بين 2 و3 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أحد أبرز غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وترجح تكهنات أعدها علماء بمحاكاة نماذج بالكمبيوتر، تزايد كميات غازات الدفيئة التي تنفثها الطائرات إلى الضعف أو ربما ثلاثة أضعاف خلال نصف القرن المقبل.

وبحلول عام 2100، قد تتزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى سبعة أضعاف المعدلات الراهنة، وفق الفريق العلمي. بحسب السي ان ان.

وأضافوا قائلين: "حتى لو كانت هناك تحسينات كبيرة في كفاءة وقود الطائرات من خلال التكنولوجيا وإدارة العمليات، إلا أن  زيادة حركة النقل الجوي، ستطغى على ذلك."

ويحذر العلماء من ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل متنام وما قد تشكله الظاهرة التي تعرف بالاحتباس الحراري، من  خطر بالغ على مستقبل البشرية، بل على مستقبل كوكب الأرض بأكمله.

ولفتت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية نقلا عن أحد أعضائها، وهي الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات و الغلاف الجوي، إلى أن درجات الحرارة مجتمعة لكل من اليابسة وسطح المحيطات لشهر أبريل/نيسان لعام 2010 تعد الأكثر دفئا على الإطلاق، إذ قدرت في المتوسط بـ14 درجة مئوية ونصف الدرجة، أي بزيادة بنسبة 0.76 في المائة عن متوسط درجة الحرارة لهذا الشهر خلال القرن العشرين.

وقالت غاييل سيفينييه المتحدثة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية:" لو قمنا بفصل درجات حرارة اليابسة عن المحيطات، فإن أبريل/نيسان هو الأكثر دفئا بالنسبة للمحيطات، وبالنسبة لليابسة فهو الثالث الأكثر دفئا. أما الدول التي كانت اكثر دفئا نسبيا فهي كندا والاسكا وشرق الولايات المتحدة واستراليا وجنوب آسيا وشمال أفريقيا وشمال روسيا.

وتابعت: "وفي المقابل، فإن الدول التي كانت درجات الحرارة بها أبرد من المعتاد هي منغوليا والأرجنتين وشرق روسيا وغرب الولايات المتحدة وقسم كبير من الصين."

وقد أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن ظاهرة النينيو قد بدأت تضعف في إبريل/نيسان الماضي، ولكن من المتوقع أن تتواصل خلال يونيو/تموز الحالي.

انخفاض انبعاثات الكربون للمرة الاولى منذ 1998

من جهتها قالت شركة بي.بي ان الانبعاثات العالمية للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري جراء استهلاك الطاقة تراجعت للمرة الاولى منذ عام 1998 اذ أدى الركود الاقتصادي الى خفض الانتاج الصناعي واستهلاك الوقود الاحفوري في أغلب البلدان.

وذكرت بي.بي في تقريرها الاحصائي السنوي للطاقة العالمية أن الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الوقود الاحفوري تراجعت 1.1 بالمئة الى 31.13 مليار طن في 2009 منخفضة عن ذروة بلغت 31.55 مليار في 2008.

وارتفعت انبعاثات الصين -وهي أكبر مصدر للانبعاثات في العالم- 9.1 بالمئة العام الماضي موسعة الفارق بينها وبين الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للانبعاثات.

وبلغت انبعاثات الصين 7.52 مليار طن بينما انخفضت انبعاثات الولايات المتحدة بواقع 6.5 بالمئة الى 5.94 مليار طن وهو أدنى مستوى منذ 1995.

وشهدت اليابان أحد أكبر الانخفاضات في الانبعاثات بين الدول الصناعية اذ تراجعت انبعاثاتها بواقع 11.8 بالمئة الى 1.22 مليار طن.

وقالت بي.بي ان الاستهلاك العالمي للنفط تراجع بواقع 1.2 مليون برميل يوميا في 2009 وهو ثاني تراجع سنوي على التوالي والاكبر حجما منذ 1982.

وقف دعم الوقود الاحفوري

الى ذلك حثت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في بيان يوم الاربعاء الحكومات على وقف دعم الوقود الاحفوري وقالت ان ذلك يمكن أن يخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة عشرة في المئة ويساعد مجموعة العشرين على تنفيذ وعودها بالتصدي لظاهرة ارتفاع درجة حرارة الارض.

وقالت المنظمة ان قادة القوى الاقتصادية العشرين سيلتقون في تورونتو في أواخر يونيو حزيران الجاري وتعهدوا في سبتمبر أيلول الماضي في بيتسبرج بالمضي قدما في انهاء الدعم تدريجيا في الامد المتوسط. بحسب رويترز.

وقال انجيل جوريا رئيس المنظمة "تمنح حكومات كثيرة دعما لانتاج الوقود الاحفوري واستهلاكه مما يزيد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري ويقومون في نفس الوقت بالانفاق على مشروعات لتطوير مصادر طاقة نظيفة.

"هذا تبديد لموارد ميزانيات محدودة."

وأضافت المنظمة أن وقف دعم الوقود الاحفوري يمكن أن يخفض الانبعاثات عشرة في المئة عن المستويات التي يمكن أن تصل اليها في عام 2050.

وقالت ان الخفض التدريجي للدعم يعد أمرا معقولا في الوقت الذي تعاني فيه حكومات كثيرة من ديون ضخمة.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى أن دعم استهلاك الوقود الاحفوري في الدول الناشئة والنامية يبلغ نحو 557 مليار دولار.

وقالت المنظمة ان هذا الدعم من الصعب تقديره في الدول المتقدمة لانه يقدم بأشكال غير مباشرة.

وأضافت أن الاعفاءات الضريبية على استخدام وقود الديزل تقدر بنحو ثمانية مليارات دولار سنويا للمزارعين اضافة الى 1.1 مليار دولار لقطاع الصيد في دول المنظمة التي يبلغ عددها 31 دولة.

ارتفاع منسوب مياه البحر

فيما يجبر ارتفاع مناسيب مياه البحار نتيجة الاحتباس الحراري بعد سنوات من تدمير الشعاب المرجانية الالاف من سكان بنما الاصليين على ترك أرض أجدادهم في جزر الكاريبي منخفضة المستوى.

وتتضافر الرياح الموسمية مع العواصف وارتفاع موجات المد لتغمر المياه الزرقاء جزئيا الجزر الصغيرة المكتظة بأكواخ الخيزران الاصفر وسعف النخيل لايام طويلة.

ويتذكر بابلو بريكيادو زعيم جزيرة كارتي سوجدوب ايام طفولته عندما كانت الفيضانات نادرة وتستمر لوقت قصير ونادرا ما كانت تبلل المياه قدميه. وقال بريكيادو "الان الوضع مختلف. المسألة خطيرة."

ولا تزال الزيادة في مياه الفيضان بضع بوصات مستمرة في ظل ارتفاع منسوب مياه البحار على مستوى العالم على مدار عمر بريكيادو (64 عاما). وقد ازداد الوضع سوءا بسبب انتزاع سكان الجزر للشعاب المرجانية مما قلص حجم أحد العوازل الطبيعية في مواجهة الامواج. بحسب رويترز.

وكارتي سوجدوب واحدة من بضعة جزر في أرخبيل يقع قبالة الساحل الشمالي الشرقي لبنما حيث تقول الحكومة ان التغير المناخي يهدد سبل معيشة نحو نصف سكان الارخبيل من شعب كونا المتمتع بالحكم الذاتي الذي يبلغ تعداده 32 الف نسمة.

ويعتزم سكان كارتي سوجدوب وعددهم 2000 نسمة الانتقال الى مناطق ساحلية تقع ضمن أراضي شعب كونا المتمتعة بحكم ذاتي في بنما. ويتطلعون الى التلال التي تبعد نصف ساعة سيرا على الاقدام من المناطق الشاطئية التي تغمرها المياه.

وقال بريكيادو الذي يقود مجموعة من القرويين يزيلون غابة استوائية لانشاء المستوطنة الجديدة "مستوى المياه يرتفع. الانتقال سيتم قريبا."

ولم يستطع زعماء العالم حتى الان التوصل الى اتفاق عالمي لكبح انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي ينحى عليها باللائمة في التغير المناخي. ويهدف مؤتمر عن التغير المناخي تعقده الامم المتحدة في وقت لاحق هذا العام بالمكسيك الى احراز تقدم نحو وضع اتفاق ملزم.

واذا هجر سكان الجزر منازلهم كما هو متوقع فان هذه الهجرة الجماعية ستكون احدى أوائل حالات الهجرة الناجمة عن ارتفاع مناسيب مياه البحار والاحتباس الحراري.

ويحذر علماء من أن ارتفاع مستويات المياه في البحار في القرن القادم يمكن أن يهدد الملايين بمصير مماثل. وقد اضطرت بعض المجتمعات في بابوا غينيا الجديدة وفانواتو وفيجي بالفعل للانتقال الى أماكن أخرى.

وقال هكتور جوزمان المتخصص في علم الاحياء البحرية والشعب المرجانية في معهد سميثونيان للابحاث الاستوائية في بنما "لم يعد الامر متعلقا بعالم يقول ان التغير المناخي والتغير في منسوب المياه بالبحار سيؤدي الى فيضانات تغمر (أناسا) ويؤثر عليهم... هذا يحدث الان في العالم الحقيقي."

وحذر جوزمان من مخاطر استخراج الشعب المرجانية لعشر سنوات لكنه يقول ان انتقاد نشاط تقليدي مسموح به قانونا يعد من "المحرمات".

وقال لرويترز "(شعب كونا) تسببوا في زيادة تعرضهم للعواصف والامواج وعلاوة على ذلك ارتفاع مناسيب مياه البحار."

وحين يتحدث شعب كونا لغتهم الاصلية فان الكلمتين الاسبانيتين المرادفتين " للتغير المناخي" تكونان عادة بين الكلمات الاجنبية القليلة المستخدمة. وفي حين يحذر بعض الشيوخ من أن ارتفاع مناسيب مياه البحار سيزداد سوءا يؤمن الكثير من السكان المحليين بأن الله سينجيهم.

وقالت ايفانجيلينا (60 عاما) التي اكتفت بذكر المقطع الاول من اسمها لانها لم تبلغ القيادة المحلية بأنها تعارض الانتقال "لا أدري من أين جاءوا بهذا .. أن الارض ستغرق وأن الافضل أن نرحل قبل أن يحدث هذا... من يريدون الرحيل يستطيعون الرحيل. أنا باقية هنا."

وزادت مناسيب المياه في البحار نحو 17 سنتيمترا على مدى القرن الماضي ويقول خبراء ان المعدل يتسارع. وفي عام 2007 تكهنت الامم المتحدة بارتفاع يتراوح بين 18 و59 سنتيمترا بحلول عام 2100 لكن هذا لا يشمل ذوبان الجليد المتسارع في القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند.

وحذر بان جي مون امين عام الامم المتحدة من أن مناسيب المياه في البحار قد تزيد مترين بحلول نهاية القرن مهددة الملايين في عدة مدن من طوكيو وشنغهاي شرقا الى نيو اورليانز في الولايات المتحدة غربا.

وقال البرت بينجر المستشار العلمي لتحالف الدول الجزرية الصغيرة الذي يبلغ عدد أعضائه 42 "هذا أمر سنراه أكثر واكثر" مشيرا الى الضحايا المحتملين بوصف "لاجئي التغير المناخي".

ويقول تشاني موريس (82 عاما) وهو صياد انه مستعد لترك جزيرة كويبيتا الصغيرة التي ساعد في بنائها قبل 33 عاما. وأضاف انه لا يستطيع النوم جيدا منذ حاصر الفيضان الجزيرة ودمر الاكواخ وجرف القوارب المصنوعة من جذوع الاشجار.

وقال موريس فيما كان يصنع مصايد صغيرة للاسماك "البحر مزعج جدا وفي بعض الاحيان يخيفني اثناء الليل... انا في انتظار الاخرين حتى يقرروا متى نستطيع الرحيل وسوف أغادر معهم."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تموز/2010 - 4/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م