السجن حُرية

حيدر محمد الوائلي

في أحد زوايا سجنٍ صغيرٍ مُظلم في زاوية من زوايا بغداد، كانت هنالك أنين وحنين وحزن وبكاء تحول بمرور الأيام إلى صرخة تُلهب الجماهير وترعب الظالمين...

في أحد أيام التاريخ المملوء بالدم والألم وقتل الطيبين كانت هنالك صرخة (لا) للظالمين، ألهبت حماس الجماهير...

في يوم 25 من رجب كانت هنالك جنازة مرمية على الجسر ولم يتصدى لتشييعها أحداً فالناس مشغولون بالبطون والفروج أكثر من العقول والأيمان...

في 25 رجب كان هنالك مسلم على الجسر متروكاً وفي الإسلام يقولون (إكرام الميت دفنه).... ولكنهم تركوه لأنهم لم يعرفوه ولم يهتموا لأمره....

في 25 رجب كان هنالك حمالين يُشيعون إماماً لم يعرفوه في حينها وعرفه الملايين في يومنا هذا وهم يتقاتلون على زيارته والتشرف بالطواف حول قبره...

ما منع الكاظم من قول (نعم) لهارون العباسي (اللارشيد) ولأصبح ملك زمانه من القصور والأموال... !!

ولكن الكاظم عقيدته بالمال هو أنه مجرد قوت للحياة قلّ أو كثر وليس رباً يُعبد... وليس كعقيدة الظالمين الذين يعتبرونها رباً مُطاعاً تُشترى فيه الذمم والأخلاق والمبادئ !!

قال (لا) بأعلى صوته ليُسمع العالمين أجمع أن يا ناس قولوا (لا) للظالمين....

أن قولوا (لا) للفاسدين...

يا إمامي يا موسى بن جعفر....

سأسر لك شيئان: سيسرك الأول وسيحزنك الثاني.

الأول: أن الملايين ذهبوا إلى قبرك اليوم وأكثر منهم يلفهم الحزن اليوم لفقدك وشهادتك.

الثاني: أن اليوم من شيعتك حتى قادة بارزين يدعون حبك وشيعتك ويدعون تمثيلكم، ولكنهم يعشون كعيشة هارون العباسي (فساد إداري ورشوة وسرقة ووساطات ومحاباة وعدم مساواة بين الناس وظلم آخرين وعدم مداراة حقوق الناس وعدم الاجتهاد بخدمتهم)...

يعيشون قبل أن ينتخبهم الشعب الذي أنخدع بهم عيشة الشعب ومن وسط ما يأكلون، وبعد أن جلسوا على كراسيهم التي أسكنهم الشعب بصوته عليها، ليصبحوا اليوم في وادي والشعب المسكين في وادي...

بعضهم بنى القصور ويقبل الهدايا المليونية والذهبية من أجل تمشية مقاولة أو مشروع بحجة أن الرسول قبل الهدية وهم يعرفون أن الرسول (ص) قبلها من دون مقابل أو تمشية أمر ما...

وآخرين، يبنون ويسرقون من دون حاجة لتبرير فهو (صلف) ولا يزيله إلا صرخة مظلوم.

هذه دروس لو كان هنا الكاظم اليوم لصرخ بها وندى بها وطلب منا أن ننتخب الصالحين بغض النظر عن أحزابهم لا من يزيد عدد ساعات قطع الكهرباء والماء وتقليل الخدمات وتحويلها إلى بيته وأهله وبطنه.

لو كنت هنا اليوم لقلت لهم (لا) ولقلناها بعدك ملاييناً وملاييناً لأننا نشكو فقد القائد من يُلهم الناس من دون إكراه ولا إجبار ولا تهديدات ولكن بالحكمة والعقل...

لو كنت هنا اليوم لسكنت السجن حتى يُحققوا مطالب الشعب المشروعة وترفض الخروج حتى تحقيقها...

ألست أن القائل:

 (من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن منه عدوه –يعني الشيطان-)

 

وأيضاً:

 ( وجدت علم الناس في أربع....

أولها أن تعرف ربك...

والثانية أن تعرف ما صنع بك من النعم...

والثالثة أن تعرف ما أراد منك...

والرابعة أن تعرف ما يُخرجك من ذنبك... )

أتتك الزوار اليوم ملاييناً تشكو وتبث همها وتقول:

يا موسى بن جعفر لقد ظلمك من قبل الرشيد ونحن نرفض أن يعود الظالمين، والظالمين يبقون ويُصنعون إذا سكت الشعب عليهم وعلى مفاسدهم...

يا إمامي يا موسى بن جعفر، يا إمام الهدى، يا حجة الله على أرضه، يا وجيهاً عند الله أشفع لنا عند الله...

السلام عليك يبن الإمام الصادق وأبو الإمام الرضا،

السلام عليك يا رهين السجون فالسجن أحب إليك مما يدعونك إليه،

اللهم نسألك بحقك موسى بن جعفر عليك، أن ترزقنا في الدنيا زيارته، وفي الآخرة شفاعته، وأن تُلهمنا صبره وعزيمته في مقارعة الظالمين والفاسدين وسارقي قوت الشعب والسياسيين الفاسدين وأن تُلهمنا الصبر على مواجهتهم والتخلص منهم بالعقل لا بالسلاح كما بعضهم يفعلون.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تموز/2010 - 4/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م