البوسنة تحيي ذكرى مجزرة سربرنيتشا

كرادزيتش قاتِل مئة ألف مسلم لا يأسف على شيء

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: انطلقت مراسيم إحياء ذكرى مجزرة سربرنيتشا الخامسة عشر التي وقعت في 11 تموز يوليو 1995. ويشارك في إحياء الذكرى أكثر من 50 ألف شخص بحضور الرئيس الصربي بوريس تاديتش ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، كما سيشارك فيها رئيس الوزراء البلجيكي إيف لوتيرم الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي على ما أفاد المنظمون.

ويثير حضور الرئيس الصربي تاديتش مراسم إحياء الذكرى استياء كثير من الناجين الذين يشيرون إلى أن راتكو ملاديتش الزعيم العسكري الصربي البوسني المتهم بقيادة هذه "الإبادة" ما زال يختبئ في صربيا. أما المتهم الآخر بالوقوف وراء هذه الحملة الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادجيتش فقد اعتقل في بلغراد في عام 2000 وهو يحاكم حاليا أمام محكمة الجزاء الدولية.

وتشمل مراسم إحياء الذكرى دفن رفات 775 من الضحايا الثمانية آلاف في مقبرة بوتوكاري التي دفن فيها حتى الآن 3749 من ضحايا هذه المجزرة.

وتعتبر مجزرة سربرينيتشا آخر فصل من النزاعات القومية التي تلت انفصال الدول المكونة ليوغوسلافيا الاتحادية عن صربيا في التسعينات ،وتعتبرها محكمة الأمم المتحدة لجرائم الحرب ومحكمة العدل الدولية "حملة إبادة". بحسب رويترز.

وكان الضحايا قتلوا بالرصاص ودفنوا في حفر جماعية تم نقلهم بعد ذلك إلى حوالي سبعين موقعا لإخفاء الأدلة. كما أن عظام الضحايا التي انتشلت من قبل خبراء الأدلة الجنائية في السنوات الأخيرة دفنت في بوتوكاري بعد التعرف عليها عن طريق تحليل الحمض النووي.

وحتى اليوم، تم التعرف على بقايا حوالي 6500 شخص عثر على بعضهم في أكثر من قبر، لكن عائلات عديدة ما زالت تنتظر دفنهم وتأمل في العثور على رفات أقرباء آخرين.

الذكرى 15 لأكبر مجزرة في أوربا

واحتشد الآلاف من البوشناق في البوسنة والهرسك لإحياء الذكرى الخامسة عشرة لمجزرة سربرنيتشا، التي راح ضحيتها نحو 8000 رجل وشاب وصغير من مسلمي البوسنة.

وشهد أكثر من 50 ألفاً من البوشناق عملية دفن 775 شخصاً، من ضحايا المجزرة الذين تم التعرف على هوياتهم مؤخراً، وذلك في منطقة "سنتر بوتوكاري"، وهو موقع النصب التذكاري لضحايا المجزرة، والتي دفن فيها 5000 شخص، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية للبوسنة والهرسك.

ووقعت المجزرة في العام 1995، واستمرت خمسة أيام، عندما قام الصرب بعمليات تطهير عرقي لما أصبح يعرف بأكبر مجزرة في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، ووصفتها محكمة جرائم الحرب الدولية التابعة للأمم المتحدة بأنها "انتصار الشر." بحسب سي ان ان.

وكانت محكمة جرائم الحرب الدولية في يوغوسلافيا السابقة، قد أدانت مؤخراً 7 من كبار قادة الجيش وقوات الشرطة من صرب البوسنة، في مجزرة سربرنيتشا.

وقالت المحكمة، إنها وجدت المتهمين مذنبين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، والقتل المتعمد، والترحيل القسري، والاختطاف، والاحتجاز غير قانوني، في أوسع قضية تنظرها محكمة جرائم الحرب الدولية.

وقضت المحكمة ضد كل من فويادين بوبوفيتش، رئيس جهاز الأمن بوحدة "دارينا كوربس"، في جيش صرب البوسنة، وليوبليسا بيارا، رئيس جهاز الأمن برئاسة أركان جيش صرب البوسنة، ودراغو نيكوليتش، رئيس جهاز الأمن في لواء "زفورنيك"، وليوبومير بوروفكانين، مساعد قائد الشرطة الخاصة لصرب البوسنة، راديفوي ميلتيتش، رئيس هيئة العمليات والتدريب في جيش صرب البوسنة، ميلان جفيرو، مساعد قائد الجيش للشؤون القانونية والدينية، وفينكو باندوريفيتش، قائد لواء "زفورنيك".

وتراوحت الأحكام بحقهم بين السجن 13 عاماً والسجن مدى الحياة، بعد إدانتهم بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والقتل، والاختطاف والتحريض على ارتكاب جرائم الإبادة والقتل، وانتهاك قوانين الحرب.

سربرنيتشا تدفن المزيد من الضحايا

وبموازاة ذلك تجمعَ عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة لدفن رفات 775 ضحية تم تحديد هوياتها مؤخرا كانوا قد لاقوا حتفهم حين اجتاح صرب البوسنة بلدة سربرنيتشا الشرقية قبل 15 عاما بالتمام والكمال.

وكان جيش بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش وهو من صرب البوسنة قد سيطر على سربرنيتشا في 11 يوليو تموز عام 1995 وشن حملة للقتل استمرت أسبوعا فيما تنحت قوات الامم المتحدة التي تحمي البلدة جانبا.

وقتل نحو ثمانية الاف مسلم فيما ينظر اليه الان على أنه أسوأ أعمال وحشية شهدتها اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ولاحقت قوات صرب البوسنة من حاولوا الهرب وقتلتهم. ولا يزال ملاديتش طليقا.

ويوم الاحد حمل رجال النعوش الملفوفة بالقماش الاخضر الى قبور تم حفرها حديثا. ورددت نساء الدعاء وسط الدموع وهن راكعات بين صفوف شواهد القبور الرخامية البيضاء.

وقالت هاتيدزا محمدوفيتش (58 عاما) وهي تبكي "لم يعد لدي ما أفقده." جاءت لتدفن زوجها وابنيها اللذين قتلا حين كانا في الثامنة عشرة والحادية والعشرين من العمر.

ولقي رودولف هرين وهو بوسني كرواتي نفس مصير الالاف من جيرانه غير الصرب حين قتل عام 1995. وخلال الجنازة كان هرين الوحيد من بين الضحايا الذي أقيمت له مراسم دفن كاثوليكية.

وقالت والدته باربرا هرين التي قتل ابنها الاخر في سربرنيتشا ايضا "رودولف مدفون بين الاصدقاء الذين بقي معهم حتى اخر يوم." بحسب رويترز.

وكانت محكمة جرائم الحرب التابعة للامم المتحدة في لاهاي قد وجهت اتهامات لملاديتش والزعيم السياسي لصرب البوسنة رادوفان كرادزيتش لارتكاب ابادة جماعية في سربرنيتشا. وتجري محاكمة كرادزيتش لكنه ينفي كل الاتهامات الواردة بلائحة الاتهام بما في ذلك الخاصة بسربرنيتشا.

وبعد المذبحة ألقى الصرب جثث الضحايا في مقابر جماعية. وأخرجوا الجثث فيما بعد بالجرافات ونقلوها الى قبور اصغر في محاولة لاخفاء الجريمة.

وتم دفن اكثر من 3700 ضحية في المقابر التذكارية الخاصة بعد استخراجها من مئات المقابر الجماعية وتحديد هوياتها.

ومازالت السلطات تعثر على أشلاء بشرية في مقابر لا تحمل علامات مميزة مثل تلك التي تم تحديد موقعها في يونيو حزيران بقرية زلاجي حيث عثر خبراء الطب الشرعي على رفات ست ضحايا حتى الان.

وتم اكتشاف مقبرة جماعية أخرى الشهر الماضي تحوي رفات 13 ضحية، بينما انتحر أوائل العام الحالي وفي غضون 40 يوما ستة من الناجين كانوا يعانون صدمة نفسية من جرّاء حملة الإبادة الجماعية.

ويؤكد الطبيب النفسي علاء سليمان جوفيتش، أن كل هذا يمثل جزءاً من مأساة سربرينيتشا.

وأعيد بناء مسجدين وكنيسة للأرثوذكس، لكن أنقاض المنازل المهدمة خلال تلك الفترة لا يزال متناثرا حول المدينة.

وفي منطقة فيسوكو التي تقع بالقرب من سراييفو، هناك 734 تابوتا في المشرحة الملحقة بمقبرة المدينة، يوجد داخلها تقريبا وبشكل دائم أجزاء من رفات ضحايا تم التعرف عليهم وجرى سحبهم من داخل ما يطلق عليها المقابر الجماعية الفرعية.

وعقب مقتل نحو ثمانية آلاف طفل ورجل مسلم، قام الصرب بدفنهم في مقابر جماعية ثم أخرجوا عديدا منهم بالجرافات وأعادوا دفن رفاتهم في أماكن أخرى، في محاولة لإخفاء آثار تلك الفظائع، ولهذا السبب هناك عدد قليل جدا من التوابيت تحوي داخلها هياكل سليمة. وسيدفن الضحايا الموجودون في التوابيت عند نصب بوتوتشاري التذكاري في سربرينيتشا في 11 تموز(يوليو) الجاري الذي يوافق الذكرى السنوية الخامسة عشرة علي سقوط سربرينتشا في يد جيش صرب البوسنة.

ونصب بوتوتشاري هو بالفعل المثوى الأخير الذي يضم 3749 من الضحايا الذين تم التعرف عليهم في أسوأ جريمة تشهدها أوروبا منذ عام 1945، حيث توجد صفوف لا نهاية لها من شواهد القبور الحجرية المصنوعة من الرخام الأبيض وهي تدعو المرء لأن يتخيل حجم هذا العمل الفظيع.

لكن لا تزال هناك 4500 كيس آخر من النايلون الملطخ بالطين تحوي رفات عدد كبير من ضحايا الحرب من سربرينيتشا وأماكن أخرى بانتظار التعرف عليها في مدينة توزلا . وجرى أيضا تخزين أكياس مماثلة في فيسوكو منذ أكثر من خمسة أعوام.

قبل الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995، كان المسلمون يشكلون غالبية بنسبة 75 في المائة من سكان سربرينيتشا البالغ عددهم 40 ألف شخص، أما اليوم فإن الصرب يشكلون 60 في المائة من السكان الذين تضاءل عددهم إلى ما يقدر بـ 15 ألف شخص.

وشككت القيادة الصربية أخيرا مرة أخرى بارتكاب إبادة جماعية في سربرينيتشا، ووفقا لسياسيين صرب فإن نحو 3400 شخص قتلوا في المدينة، لكن في أعمال قتالية. وقال رئيس وزراء جمهورية صرب البوسنة ميلوراد دوديك ''لا يمكن أن نقبل ولن نقبل على الإطلاق تصنيف ذلك بوصفه إبادة جماعية''. وأوضح أنه يريد أن يرسل لجنة للتحقيق في ''بوتوتشاري''.

وقالت خديجة محمودوفيتش رئيسة منظمة أمهات سربرينيتشا ''إنه لأمر شنيع! السفاحون ينفون الإبادة الجماعية.. هؤلاء الأشخاص ليس لهم الحق في دخول مقبرتنا التذكارية وضريحنا''.

وأكدت خديجة محمودوفيتش وأخريات من منظمة أمهات سربرينيتشا أنهن لا يعترفن بجمهورية الصرب لأنها ''بُنيت على دماء أقاربنا'' وعلى مساحة تمثل نصف البوسنة، في محادثات أنهت الحرب بعد أربع سنوات من عمليات القتل التي شهدتها سربرينيتشا. وحذرت في ختام تصريحاتها قائلة ''إذا أتت لجنة دوديك إلى هنا فلن يخرج أحد منهم على قيد الحياة''.

كارادزيتش لا يأسف على شيء!

ومنذ سنوات تحدِّق الأرامل والأطفال وذوي المسلمين البوسنة وهم غير مصدِّقين في ما يرونه عبر الزجاج الواقي من الرصاص والصوت في "قاعة المحكمة الأولى" الكائنة في محكمة الجرائم الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي واثقا من نفسه ومسترخيا ويرتدي ملابس مهندمة ممثلا نفسه ردا على الاتهامات بأنه واحد من أكثر المسئولين عن قتل 100 ألف مسلم.

ولا يبدو أن الاتهامات تقلق زعيم صرب البوسنة السابق الطبيب والشاعر والمعالج بالطب التقليدي حيث أتخذ موقفه المعتاد كأستاذ تاريخ حزين يحاضر قضاة الأمم المتحدة الجهلة عن الأحداث في البوسنة خلال الحرب الممتدة من 1992 إلى 1995.

وفي تلك المحاضرات، يلقي كارادزيتش مسئولية الفظائع المرتكبة والتي يقول أيضا إنها تدعو للأسف على المسلمين البوسنة أنفسهم وأيضا حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة وإلى حد ما ألمانيا.

وأعلن كارادزيتش في بداية المحاكمة في آذار/مارس " إن كل ما فعلناه نحن الصرب كان من أجل الدفاع عن أنفسنا". وقال "إن كل ما تم في إطار حرب عادلة ومقدسة".

ويصف كارادزيتش الإبادة في سربرنيتشا حيث أعدم الجنود الصرب 8000 صبي ورجل مسلم بأنها "خرافة" و"تلفيق".

"إنه كذب" هكذا يقول ويمكن النظر إلى هذه العبارة بأنها الخيط الأساسي لدفاعه أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

وأستمر كارادزيتش على العمل بهذه الطريقة الخاصة بنقضه مصداقية كل حتى أصغر التفاصيل في مذكرة الإتهام المكونة من 10 آلاف صفحة وكل شاهد يستدعيه الإدعاء.

لذا، فعندما أستدعى الإدعاء أحد الناجين من المذبحة أراد كارادزيتش أولا خبير أسلحة صربي " ليدلي برأيه عن خط النار ومصدر القنابل المعدلة وتفاصيل فنية أخرى".

وأوضح في بيان موجز لرئيس القضاة أوجون كوون إن هذا ضروري ، ولذا "فإن الدكتور كارادزيتش في وضع يمكنه من استجواب الشهود.

إن هذا واحد من مئات الدفوع التي قدمها. وركز كارادزيتش في بعضها على تفاصيل دقيقة وفي البعض الأخر وصل إلى مجال السياسات العليا.

وفي إحدى المناسبات طلب وثائق من ألمانيا والتي قال إنها تثبت أن الناتو أنتهك حظر الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لمسلمي البوسنة وسلحهم حتى يمكنهم أن يبيدوا الصرب.

وسمح القاضي الكوري الجنوبي الذي يجسد معنى الصبر لكارادزيتش أن يمضى قدما في ذلك. وبعد انتظار دام شهرا جاء رد جامع من برلين: إن ألمانيا لا تمتلك مثل هذه الوثائق.

ويميل المحامون والقضاة في أنحاء العالم إلى القول بأن الناس الذين يمثلون أنفسهم في المحكمة لديهم نوع من البلاهة ولكن كارادزيتش بالتأكيد ليس أبله.

ويقول المحامي الأمريكي ديفيد روبنسون كبير المستشارين القانونيين لكارادزيتش في الإستعدادات الخاصة بمحاكمته "إنه يعرف الحقائق أفضل من أي شخص آخر".

وهو يقود جيشا صغيرا من الخبراء والمساعدين ويتحمل جانب كبير من التكاليف ميزانية المحكمة الدولية، لذا وحتى إن كان بشكل غير مباشر فإن مساعدات الدفاع الخاصة بكارادزيتش يمول معظمها دافعو الضرائب في الدول الغنية الأعضاء بالأمم المتحدة.

وسوف يستمر ذلك لسنوات. وقد أبلغ رئيس المحكمة الجنائية الدولية باتريك روبنسون مؤخرا مجلس الأمن الدولي بأنه يعول على صدور حكم في أواخر عام 2012.

ومع توقع التقدم باستئناف، فإن محاكمة الرجل المتهم بأسوأ فظائع الحرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية من غير المحتمل أن تنتهي بشكل تام قبل أوائل عام 2014.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/تموز/2010 - 1/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م