التمويل المصغر... استثمار الفقراء

 

شبكة النبأ: ما بدأه أستاذ مادة الاقتصاد من بنغلاديش من تقديم عدد قليل من القروض المصغرة لمساعدة عمال محليين على تفادي الحصول على سلف تتقاضى فوائد مرتفعة من قبل أفراد عديمي الضمير في تعاملاتهم المالية، أضحى اليوم عملا مصرفيا متخصصا ومزدهرا. 

والتمويل المصغر هو عبارة عن تسليف مبالغ زهيدة للفقراء والبسطاء ممن لا وصول لهم للبنوك عموما، ويعزى له الفضل بالارتقاء بمعيشة ملايين العائلات حول العالم.

وفي حين يروي ازدهار التمويل المصغر قصة عن النمو في قطاع مصرفي فهو يروي كذلك قصة لا تقل أهمية إطلاقا عن التمكين الاقتصادي للنساء.

وطبقا لبعض الاقتصاديين أصبحت النساء كبرى المنتفعات من التمويل المصغر لا سيما نساء جنوب آسيا حيث يتم الشطر الأكبر من الإقراض المصغر. 

ويفيد بنك غرامين، المؤسسة البنغلادشية الرائدة في ذلك النشاط، بأن غالبية مقترضيه هم من النساء ذوات الدخل المتدني واللواتي يدعم الائتمان أعمالهن ويسلحهن بصوت أكبر داخل أسرهن ومجتمعاتهن— طبقا لعدد من المسؤولين في  المنظمات الدولية.

أسس أستاذ الاقتصاد محمد يونس بنك غرامين في نهاية سبعينيات القرن الماضي. وكلمة غرامين تعني "قرية" وقد أطلق هذا الاسم على البنك  لأن معظم زبائنه هم من سكان مناطق ريفية. وحاليا لدى البنك 23037 موظفا و8.1 مليون مقترض. 

ويتزامن مع توسيع قطاع الإقراض المصغر اجتذابه مزيدا من الاستثمارات  التجارية وبوالص التأمين والتحويلات المالية وخدمات تسديد الفواتير – وذلك لمنفعة المحرومين من الوصول عادة للمصارف. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

وحينما أسس بنك غرامين حاول استقطاب عدد من المقترضين الذكور يساوي أمثالهم من الإناث.  لكن يونس قال إن البنك سرعان ما تحقق من أن النساء كن يستخدمن مقتنياتهن لإفادة أسرهن بصورة أكبر بكثير من أمثالهن من المقترضين الرجال. 

وحاليا يقوم بنك غرامين وسواه من مؤسسات الإقراض المصغر في جنوب آسيا بتسليف النساء بصورة عارمة.

ورغم أن الإقراض المصغر انتشر في غالبية مناطق العالم فإن هذه الممارسة أكثر ما تطورت في جنوب آسيا التي يقطنها نصف المقترضين الحاليين.

وتقدر جماعات غير ربحية تدعم الإقراض المصغر بأن عدد المقترضين في العالم أجمع يتراوح ما بين 77 مليونا و150 مليون نسمة.

وبخلاف البنوك التقليدية لا يطلب مقدمو القروض المصغرة كفالات على شكل موجودات يشترط التخلي عنها في حال عدم تسديد قرض.

عوضا عن ذلك تحذو مؤسسات كثيرة للتمويل المصغر حذو بنك غرامين ونموذجه  بالطلب من المقترضين أن ينضموا إلى مجموعة من حوالي ستة مقترضين آخرين تعقد لقاءات منتظمة يجمع خلالها أحد مسؤولي البنك المقرض المبالغ المستوفاة.

ويشير الخبراء إلى أن الدعم والضغوط من جانب المجموعة تسهم في تحقيق معدلات تسديد عالية. ففي العادة يجري تسديد نسبة 95 في المئة من القروض.

وعلى سبيل المقارنة طبقا لدار كولمن للنشر، تم تسديد  نسبة 88 في المئة من القروض المصغرة التي قدمتها إدارة الأعمال الصغيرة الأميركية وارتفعت هذه النسبة إلى 94 في المئة في العام 2009 مع تخفيف حدة الأزمة المالية.

ولدى نظام الإقراض المصغر وسائل ذاتية لتحسين خير المستلفين وعائلاتهم.  فغالبا ما يوفر مسؤولو الإقراض في البنوك معلومات وبيانات عن مواضيع مثل الصحة والتغذية وحقوق المقترضين القانونية في تعاملهم مع مؤجريهم. 

ويقول أنصار هذا النظام إن الإقراض المصغر بهذه الطريقة، وغيرها من طرق، يمكن النساء في مجتمعات حيث تكون الملكية واتخاذ القرارات الاقتصادية حكرا على الرجال.

وفي العادة يحصل المقترضون على سلف لا تزيد على عدة مئات من الدولارات والتي يستخدمونها لنشاطات أعمال تجارية مثل بيع الأغذية وحاجات صغيرة من أكشاك بيع أو لتربية الدواجن وزراعة الخضار أو لتقديم خدمات مثل الخياطة والتنظيف.

وتشير ماري إلين إسكندريان، رئيسة العمل المصرفي النسائي العالمي، وهي شبكة عالمية لدعم التمويل المصغر، إلى أن مزايا القروض الصغيرة بمعدلات فائدة معتدلة قد لا تبدو للعيان بكل وضوح لكنها تكتسي أهمية بالنسبة للعائلات. "وقد يكون بإمكان الأسر أن تنتقل من أرضية طين في مسكنها إلى أرضية خشبية وبالتالي، تحرز فوائد صحية جمة من ذلك أو أن يسمح لفتاة أن تبقى فترة أطول على مقاعد الدراسة مما له أثر حميد وطويل الأجل."

ومن شأن القروض المصغرة أن تقلل من أثر الصدمات الاقتصادية للعائلات ذات الموارد القليلة كي تعول عليها. 

وكما أوضحت كاثرين ماكي، الاقتصادية لدى المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، التابعة  للبنك الدولي والتي تقوم بأبحاث تروج للخدمات المالية للفقراء، إذا تأذت محاصيل الأسر بفعل الجفاف أو احتاجت للمال لحالات طبية طارئة فلن يلزم لها "أن تبيع موجوداتها المنتجة أو تخفض استهلاكها من الغذاء. والإقراض المصغر يساعد العائلات على التكيف مع الاستهلاك المعدل وهو ما يعتبر ذا قيمة عالية."

وبصورة متزايدة شرعت الحكومات المحلية والمانحون الدوليون بدعم التمويل المصغر. ومع اتساع هذه الممارسة بدأت مؤسسات الإقراض المصغر باجتذاب رساميل أكثر من مستثمرين تجاريين—10 بلايين دولار من العالم قاطبة خلال السنوات الأربع الماضية—طبقا لاسكندريان.

وهناك شركة أوجيفان للخدمات المالية التي أنشأت في بنغالور، الهند في 2005 لاستقدام الإقراض المصغر إلى فقراء الهند في المدن والتي تعتبر مثالا نمطيا على هذا الاتجاه. 

فقد تأسست الشركة باستثمارات من مؤسسات غير ربحية ومن استثمارات تتوخى الربح في الولايات المتحدة وأوروبا والهند.

ويقول سامت غوش، مدير الشركة والمدير السابق لمؤسسة سيتي بانك المصرفية العملاقة: "إننا مؤسسة مشاريع اجتماعية وهدفنا انتشال الناس من الفقر لكننا مؤسسة تسيّر لغرض جني أرباح، ولولا ذلك لما اجتذبنا ما يكفي من الرساميل أو أصبحنا أناسا مقتدرين للعمل معنا."

وتوفر الشركة بوالص تأمين على الحياة بمبالغ صغيرة لزبائنها من سكان الأحياء الفقيرة في المدن لكن النظم المصرفية في الهند تحظر على شركات تمويل غير مصرفية  فتح حسابات ادخار. لكن عبر المنطقة بدأت مؤسسات مالية في توفير حسابات ادخار وتسهيلات تسديد الفواتير وغير ذلك من خدمات.

ويرى الخبراء أن ثمة طلبا عاليا على خدمات من هذا القبيل في المنطقة. وشركة أوجفان مثلا شهدت نمو أعمالها بنسبة 100 في المئة تقريبا في كل سنة من السنوات الثلاث الماضية ليصل عدد مقترضيها إلى 700 ألف فرد حاليا-- جميعهم من النساء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2010 - 27/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م