الحرية الفكرية والعملية في المنظور الاسلامي

قبسات من افكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من بداهة القول أن يؤكد العلماء والمعنيون على أن الحرية هي جوهر الاسلام وذلك من خلال الاشارات اللفظية والعملية التي قدمها لنا القرآن الكريم في الكثير من آياته الكريمة، ناهيك عن السيرة العملية لنبينا الأكرم محمد (ص) وسلوكه الواضح للعيان إبّان قيادته للدولة الاسلامية في عصر الرسالة.

وليس في قولنا جديد حين نقول بأن تطور الانسان والحرية صنوان متلازمان، فلا تطور ولا رقي ولا سؤدد من دون الحرية الفكرية والعملية والعكس صحيح بطبيعة الحال، وهذا ما تؤكده الآيات القرآنية الكريمة ومنها (لا إكراه في الدين) وهي من التعاليم الإلهية القاطعة التي تضع الفكر في مصاف التقديس، من هنا كانت الحرية الفكرية غاية الاسلام ووسيلته في آن واحد وثمة آية قرآنية أخرى تؤكد على حرية الفكر بما لا يدع مجالا للتشكيك حيث تقول الآية الكريمة (فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر) فأي معنى عظيم تنطوي عليه هذه الآية الكريمة مع أن جوهر الدين والاسلام هو الايمان القاطع بدين الله تعالى ومع ذلك ثمة هامش للحرية متاح للانسان مع أن ترك هذا الهامش بحد ذاته دليل على عظمة الدين الاسلامي وحتمية انتهاج تعاليمه ومبادئه الانسانية المعطاء.

وفي هذا المجال يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكتاب الموسوم بـ (من عبق المرجعية): لقد (التزم الاسلام بمبدأ لا إكراه في الدين في مختلف مجالات الحياة).

وهكذا لابد من التأكيد على أن حرية الفكر تقع في الصميم مما يهدف إليه الاسلام، مع التعاضد التام بين الفكر والعمل، فالاسلام الذي يدعو الى الحرية الفكرية لا يكبل الانسان في مجلات الحياة كافة ولم يستخدم النبي (ص) وهو قائد الدولة الاسلامية وسائل الاجبار والقسر مع الآخرين لدفعهم الى الايمان بالاسلام، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في الكتاب نفسه: (لم يقتل النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-أحدا من المشركين بسبب عدم إسلامه، ولا أجبر أحدا على الاسلام، بل تركهم على دينهم).

ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (كان لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- الصديق المسيحي والجار اليهودي، دون أن يجبر أحدا منهم على الاسلام، مع أنه كان الحاكم الأعلى في الجزيرة العربية، وكان بيده السيف والمال والقوة الكافية).

وهذا ما يدل على نحو قاطع بالمنهج التحرري للاسلام والرؤية الثابتة لدور الحرية في بناء المجتمعات السليمة، فلا اكراه في عموم مجالات الحياة الفكرية او العملية شريطة أن لايؤدي ذلك الى التجاوز على حقوق الآخرين، وهذا هو جوهر الحرية الصحيحية، فلا حرية قط مع الافكار والاعمال التي تتجاوز على الآخرين وحرياتهم ومعتقداتهم وافكارهم وأعمالهم التي يؤمنون بها، ولا حرية مع الدعوات التي تحاول أن تحط من قيمة الانسان أيا كان انتسابه وتوجهاته في حالة كف أذاه عن عامة الناس، وبخلاف ذلك لا وجود للحرية بمعناها الأصح والأمثل. وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه على أن الاسلام: (يقول لك: إعمل ما تشاء، فلك حرية العمل شريطة ألا تضر غيرك، فإنه لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).

وهذا هو الشرط الاساس في ممارسة الانسان لحرياته سلوك وقولا، وخلاف ذلك فإن أي تجاوز على الآخرين ليس من الحرية بشيء.

بيد أن الاسلام لا يقف مكتوف الايدي ازاء الظواهر والافكار والسلوكيات الخاطئة، بمعنى لابد أن يكون هناك دور تنويري ارشادي لا أكثر، أي بعيدا عن الاكراه ولكن لا يصل هذا الدور بعدم التدخل الى درجة الصمت التام بل لابد من عملية التوجيه الطوعية وهنا يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه: (لا ضغط ولا جبر  ولا اكراه ولا كبت للحرية في الاسلام، ولكن ثمة توجيهات وارشادات تبين لك السلوك الأحسن، تقول: هذا صحيح وهذا مستحب وهذا مفضل وهذا مكروه).

وتبقى لك الحرية في الاختيار ولابد للانسان الذي يتعامل بروية وحكمة مع تعاليم من هذا النوع أن يعرف أين تكمن مصلحته طالما أن جميع النصائح والتوجيهات لا تأتي من باب الإلتزام والقسر بل الاختيار الحكيم لما يقع في صالح الانسان أولا وأخيرا، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: أن (حرية الرأي في نظام الله وقانون الاسلام أكثر تقديسا من الشهادتين، فالاسلام يريد أن يجعل الناس أحرارا).

فأية عظمة بعد هذا القول وهذا الجوهر الذي يمثل رؤية الاسلام للانسان وتعامله مع رحلة الحياة التي تبقى الطريق الوحيد للوصول الى خالق الكون والانسان ولكن وفقا لخيارات الانسان نفسه وحريته التي يأمل الاسلام أن لا يحدها شيء سوى الفعل والفكر الذي يتجاوز على حقوق الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2010 - 27/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م