لا وصاية لاي دولة على العراق

خليل فائزي

قبل وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العراق تصاعدت حدة التدخلات السافرة والتصريحات غير المسئولة لمعظم دول الجوار والدول الأخرى التي لا تزال تحتل العراق وتنهب ثرواته وترسل بشكل متعمد وخبيث ومنظم الإرهابيين والجناة والمجرمين لحصد أرواح المزيد من الأبرياء والعزل في العراق.

وعلى هامش زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن والمساعي التي تبذل من قبل كافة الأطراف العراقية لاختيار رئيس وزراء جديد للعراق الذي ينزف دماً منذ عدة عقود وحتى الآن، حذرت واشنطن الحكومة الإيرانية مما وصفته الاستمرار بالتدخل غير القانوني في الشئون السياسية والعراقية للإبقاء على نوري المالكي، فيما ردت إيران بدورها بلسان وزارة الخارجية على أمريكا لضرورة عدم تدخلها السافر في الساحة العراقية معتبرة زيارة بايدن لبغداد بانها تهدف تأجيج الصراعات السياسية والمذهبية في العراق.

وقبل اتضاح هذين الموقفين تحدثت الأنباء الإعلامية عن صدور مواقف من قبل سوريا والكويت والأردن وتركيا (دول الجوار وحق الجار على الجار!) بضرورة عدم تدخل اي طرف من الأطراف في شئون العراق فيما ركزت أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية على وصفته الصراع العلني والحرب السياسية والإعلامية المستعرة بين السعودية وايران حيث ادعت هذه الأجهزة من ان ايران تصر على إبقاء نوري المالكي في سدة رئاسة الوزراء في العراق فيما تؤيد السعودية أياد علاوي وقائمته المعروفة بإسم العراقية.

صحيح ان العراق أضحى بلدا محتلاً رسميا بعد سقوط دكتاتورية صدام واندثار حقبة الاستبداد والقمع والإرعاب البعثي لكن معظم دول الجوار والكثير من دول المنطقة والعالم وللأسف الشديد تعاملت مع العراق على نمط المثل القائل "عندما يسقط الثور الجريح تتكاثر السكاكين لذبحه" وكل طرف ظل ينهش في جسده وينهب ثرواته ونفطه وعائداته وإذلال شعبه وحتى تغيير حضارته وتاريخه المنقوش بالأيادي على صخور بابل وجبال الموصل وشط البصرة.

 وللأسف الشديد نرى ان دولة في غرب العراق لا تسمح لتجارها ومواطنيها حتى استيراد ربع رطل من مفرقعات ألاعيب الأطفال والاحتفالات لكنها تسمح بدخول مئات الأطنان من المتفجرات اسبوعياً للعراق بواسطة الإرهابيين والقتلة والمجرمين المنضوين تحت عباءة "القاعدة" و"الدولة الإسلامية!"و"جند.. ابليس!" لقتل الأبرياء والمدنيين والأطفال في شوارع وأزقة بغداد والمدن الأخرى.

ودولة في جنوب العراق التي لا تطيق حتى سماع اسم العراق وترتعش هلعا من تاريخه وحضارته بسبب حقدها الدفين وذلها للعراقيين تدفع المليارات لهدم ارض العراق وتقطيع أوصاله وإدخاله في دوامة الحرب القومية والمذهبية.

ودولة أخرى في جنوب العراق ايضاً لا تسمح لمواطنيها قراءة الكتب الدينية والسياسية وتحرمهم من العلم والإنترنت والتقدم والتحضر والمدنية، لكنها تسمح لنفسها ولأمرائها الأجلاف إرسال الآلاف من الإرهابيين واتفه خلق الله الى ارض العراق الطاهرة بهدف تدنيسها وتفجيرها لأجساد الأطفال والنساء والعزل تحت ذريعة مقاتلة المحتل وإحياء الدولة الوهابية الكافرة.

مثل هذا الوضع ينطبق على تركيا والأردن ودول أخرى متورطة في الشأن العراقي تنهب ثرواته وخيراته ونفطه وتصدر له بالمقابل الإرهاب والمتفجرات والدمار وتسمح بمرور وعبور الإرهابيين السفلة والأنذال الى العراق في السر والعلن في إطار اتفاقية غير مدونة تنص بعدم قيام الإرهابيين باي عمل إجرامي اوتفجير صوتي في تلك الدول مقابل تفجير العراق وقتل أهله تحت ذريعة الهاء المحتلين ومشاغلتهم.

لنكن واقعيين ونطرح هذه الأسئلة ونطالب بالرد عليها :

* هل سمعتم يوما ان اي من المنظمات الإرهابية الناشطة في العراق قامت حتى بتفجير قنبلة صوتية في اي عاصمة او مدينة من دول الجوار للعراق؟. ولماذا لا تفعل ذلك حتى الآن بالرغم من زعمها مقاتلة أنظمة المنطقة العميلة لأمريكا ولإسرائيل ؟!، في حين ان هذه المنظمات المدججة بالسلاح والقادمة بالعناصر المجرمة والتافهة من تلك الدول تقوم بتفجير أطنان القنابل اسبوعياً او شهرياً في العراق فقط ولا سواه وتحصد كل يوم أرواح مئات من العراقيين الأبرياء والمحرومين من ابسط وسائل العيش الكريم.

** هل ترضى اي من دول الجوار ان ترد الحكومة العراقية او اي جهة شريفة او منظمة ثورية على جرائم التفجيرات والاغتيالات بنقلها الى عواصم ومدن تلك الدول لا سيما ان أنظمة تلك الدول تعلم جيداً من ان العراقيين قادرون على فعل ذلك وان مئات آلاف من العراقيين جاهزون لتفجير أنفسهم في شوارع الرياض ودمشق وعمان وغيرها من مدن وعواصم الدول التي تتدخل قسرا وزورا في شئون العراق اذا لزم الأمر او صدرت فتوى شرعية او موقف سياسي لتنفيذ ذلك انطلاقاً من مبدأ "الرد بالمثل" والآية الكريمة الصريحة: وان اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم.

***هل تقبل دول الجوار ان يصدر المسئولون العراقيون قرارات او يدلوا بتصريحات يطالبون فيها مثلاً أمريكا بعدم التدخل في شئون السعودية او سوريا او الأردن وغيرها من تلك الدول، وهل توافق تلك الدول ان يتدخل العراق في الشئون الداخلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية او الانتخابات العامة والتطورات الداخلية في تلك الدول ويتخذ العراق قرارات ومواقف بدلاً عن أنظمة وحكومات تلك الدول او يشكل فيها حكومة حسب ذوقه ومصالحه فقط ؟.

لتعلم كافة دول الجوار ان العراق بلد حضاري متجذر وارض سيادية مستقلة وتاريخه يمتد عبر العصور،انه لا يحق لاي دولة مهما كانت مكانتها وقدرتها وعونها او حقدها وتنافسها للعراق التدخل في شئونه والتلاعب بمصير وحقوق شعبه ولتسحب تلك الدول ذيول نار سياستها الحارقة ولتجر غيوم مواقفها الداكنة عن سماء العراق لانه غني عن شرب كأس العسل المسموم الذي لا تزال تدسه معظم دول الجوار للشعب العراقي على مدى الأعوام السبعة الماضية.

* كاتب وإعلامي مستقل

Sky77angels@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2010 - 27/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م