شبكة النبأ: إن القرارات الإيرانية
على الصعيد النووي في الآونة الأخيرة- بخصوص رفض العروض الخاصة
بالاستمرار في معالجة اليورانيوم منخفض التخصيب الخاص بها خارج البلاد،
وأيضًا بخصوص رفض مطالب الأمم المتحدة بتعليق أنشطة التخصيب الجارية،
والاستمرار في تخصيب مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 20
بالمائة - تجعل تطبيق عقوبات دولية على الجمهورية الإسلامية أمر فعلي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ذلك النوع من العقوبات ينقصه التأييد الدولي
الواسع الذي من شأنه أن يكون له تأثير حاسم على صنع القرار في إيران.
ولكن أي إستراتيجية تنتهجها أمريكا بدون تضمينها مكوِّن إعلامي قوي،
سيكون مصيرها الفشل غالبًا- سواء أكانت تسعى من خلالها لإقناع طهران
بالعدول عن تطوير أسلحتها النووية، أو تحاول ردع النظام الحاكم عن قمع
المعارضة الداخلية، فان ما يخشاه النظام الحاكم أكثر من أي شيء آخر هو
القوة الناعمة المتمثلة بالإعلام الذي يتحدى منتجاته الدعائية
والأيديولوجية والثقافية الرسمية والتي تهدد بإفساد المجتمع الإيراني
كغزو ثقافي" أجنبي.
وبهذا الصدد كتبَ الباحث مايكل آيزنشتات من معهد واشنطن، متخصص في
شؤون الخليج والأمن العربي- الإسرائيلي، مقالاً قال فيه: ربما كان
الخيار المبشر بدرجة كبيرة يتمثل في- حملة التواصل- التي توظف كافة
الوسائل الموجودة تحت تصرف الحكومة الأمريكية لكي تلعب على وتر جنون
الارتياب، الذي يقبع تحت تأثيره النظام الحاكم، وكذلك مخاوف النظام
الحاكم بشأن مدى قوة المعارضة الداخلية وبقاء السلطة، بالإضافة إلى
الفجوات الباطنية والظاهرية بداخل النظام الحاكم نفسه وبينه وبين الشعب.
وسيكون الهدف هو إيجاد موقف تشعر فيه طهران بأنها مجبرة على العمل
لتخفيف وطأة الضغوط الخارجية التي نجمت عن عقوبات جديدة وحملة للتواصل
الاستراتيجي، في الوقت الذي تدير فيه التحديات التي تفرضها المعارضة
الداخلية لديها. قد يشك الزعماء السياسيون الأمريكيون في مدى فعالية
أسلوب سياسي ما يعتمد على مصادر تأثير تكون ملموسة بصورة أقل؛ كالأنشطة
الإعلامية. لكن التجربة في إيران وفي غيرها من الأماكن تُظهر أن مثل
هذه الأساليب قد يحالفها النجاح.
الدور الحاسم للقوة الناعمة
ويضيف الكاتب، يعتبر استخدام الأقوال والأفعال والصور الانفعالية،
كجزء من حملة طويلة الأمد لتشكيل الحالة النفسية في إيران، أكبر
المصادر غير المستَغَلَّة في عملية التأثير الأمريكي على الجمهورية
الإسلامية. وعند تقييم قدرة إيران على إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية،
فإن السياسيين الأمريكيين يميلون إلى التركيز على القوة الصلبة للنظام
الحاكم: من حيث قدراته القتالية والإرهابية غير التقليدية، كما أظهرتها
"قوة القدس" و"حزب الله"، وقدرته على شن هجمات في عرض البحر (القوارب
الصغيرة، والألغام، والصواريخ المضادة للسفن)، بالإضافة إلى البرامج
الخاصة به فيما يتعلق بالأسلحة النووية والصواريخ/القذائف. كما يميلون
أيضًا إلى إغفال الدور المحوري الذي تلعبه القوة الناعمة- لاسيّما
الحرب الدعائية والنفسية- في السياسات الدفاعية والخارجية لإيران. كذلك،
فإنهم يميلون أيضًا إلى إغفال نقاط الضعف الجوهرية في هذه المنطقة،
وبعد كل شيء، فالدولة التي تتسم ثقافتها السياسية بجنون الارتياب،
وترويج الإشاعات، وإحكام نظريات المؤامرة، ينبغي أن تكون سريعة التأثر،
بشكل خاص، بالعمليات الإعلامية والنفسية.
ويعتبر هذا الإغفال- الذي ينشأ نتيجة للافتراضات المتباينة بشأن
أهمية البعد النفسي بالنسبة للقدرة السياسية والإستراتيجية- من الأمور
اللافتة للنظر، علمًا بأن طهران تعتمد على الأنشطة الإعلامية لترهيب
أعدائها وتعزيز موقفها بين الداعمين على المستويين المحلي والأجنبي.
وفي حين أن الولايات المتحدة تباشر عملياتها الإعلامية والنفسية لدعم
عملياتها العسكرية، فإن إيران كثيرًا ما تباشر أنشطتها العسكرية (على
سبيل المثال، عروض القوة والعمليات الإرهابية البديلة) لدعم آلتها
الدعائية وعملياتها التي تأتي في إطار الحرب النفسية.
ويأتي تأكيد طهران على العمليات الدعائية والنفسية الأمريكية
المزعومة، بالإضافة إلى مقدار الجهد الذي تستثمره في الأنشطة التي تقوم
بها هي نفسها في هذا الإطار، يأتي كدليل على مدى الأهمية التي توليها
طهران للآلة الإعلامية ذات القوة على المستوى القومي. وثمة جذور
عقائدية لهذا الأمر (وهي مستمدَّة، على الأقل، بشكل جزئي من القرآن)
حيث ترى طهران أن البعدين الأخلاقي والنفسي يلعبان دورًا حاسمًا في
المنافسات والصراعات بين البشر.
إن السلاحين اللذين يخشاهما النظام الحاكم أكثر من أي شيء آخر هما
الإعلام الذي يتحدى منتجاته الدعائية والأيديولوجية والثقافية الرسمية
التي تهدد بإفساد المجتمع الإيراني (والذي يراه كجزء من "غزو ثقافي"
أجنبي). وليس من الصعب تمييز السبب في حدوث هذا الأمر. فإيران تتمتع
بعمق جغرافي جوهري، يمثل رادعًا قويًا في وجه أي غزو عسكري؛ وهي عبارة
عن سهل مركزي كثيف السكان ومحاط بحلقة من سلاسل الجبال الوعرة التي
تسهل معها عمليات الحماية. وعلى النقيض من ذلك، فإن جميع المواطنين
معرّضون لرسائل تدميرية تدخل البلاد عبر شبكة الإنترنت والراديو
والإرسال التليفزيوني الفضائي.
ويتابع كاتب المقال، يزيد من عرضة المواطنين الإيرانيين لمخاطر هذه
الأشياء حقيقة أن الكثيرين من بينهم يرون أنفسهم كجزء من الغرب،
وينجذبون إلى بعض جوانب الثقافة الغربية العامة التي يزدريها النظام
الحاكم ويخشاها في الوقت ذاته. وقد قال على خامنئي، من منطلق كونه
مرشدًا أعلى، في خطاب له تم بثه على التليفزيون الحكومي في عام 2003،
إن "أعداء إيران" ليسوا بحاجة إلى "المدفعية، والأسلحة، وهلمّ جرّا"
بقدر ما هم بحاجة "إلى نشر القيم الثقافية التي تؤدي إلى فساد أخلاقي".
وأضاف قائلاً:"لقد صرَّحوا بذلك في مرات عديدة. ولقد قرأت مؤخرًا في
الأخبار أن أحد كبار المسؤولين في أحد المراكز السياسية الأمريكية
المهمة قال: "بدلاً من القنابل، أرسلوا إليهم التنورات القصيرة". إنه
محقٌّ في هذا. فإنهم إذا أثاروا الرغبات الجنسية في دولة ما، وإذا
قاموا بنشر ثقافة الاختلاط غير المقيَّد بين الرجال والنساء، وإذا
قادوا الشباب إلى سلوك يميلون إليه بغريزتهم بشكل طبيعي، فلن تعد هناك
أي حاجة للإمساك بالمدافع والأسلحة في وجه تلك الأمة".
إن العقيدة الإيرانية بشأن الطبيعة الحاسمة للبعد النفسي تعتبر من
الأمور المحورية بالنسبة لمبدأ "المقاومة" الخاص بها، والذي تدعم من
خلاله مبدأ "حماس" و"حزب الله" فيما يتعلق بالنضال المسلّح مع إسرائيل.
وترتكز هذه العقيدة على فرضية أن النصر يتحقق للمرء من خلال قيامه
بإفساد أخلاق أعدائه- وليس من خلال الاستيلاء على أرض العدو أو تحقيق
انتصارات عسكرية (كما هو مفهوم بشكل تقليدي)، لكن من خلال إرهاب
المدنيين في مجتمع العدو، وتوجيه الضربات لجيوشه، مع حرمانه من تحقيق
الانتصارات على أرض المعركة.
يوضح هذا الاعتقاد أيضًا موقف النظام الحاكم من المعارضة الداخلية.
وفي هذا الصدد، يعرض مراسل نيوزويك مازيار باهاري، رؤية فريدة لهذه
العقلية، وكان ذلك خلال إجراء نقاش معه بشأن كيف تم اعتقاله وتعذيبه من
قِبَل السلطات الإيرانية في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في
يونيو 2009:
ويستذكر الكاتب، قمت ذات مرة، بإجراء مقابلة صحفية مع أحد المحاربين
الإسلاميين، الذي كان قد أصبح وزيرًا حكوميًا في وقت سابق. وكان من بين
ما قاله: لقد كانت المشكلة في السياسة السريَّة للشاة تكمن في أنهم
كانوا يعتقدون أنهم بإمكانهم كسر إرادة السجين من خلال الضغط الجسدي،
لكن هذا هو ما يقوِّي غالبًا من عزم الضحية. ’والشيء الذي عكف إخواننا
عليه في أعقاب قيام الثورة، هو كيفية قتل الروح داخل الشخص بدون إخضاعه
لكثير من العنف الجسدي.
وجميع هذه العوامل تساعد في توضيح الجهود التي دأبت طهران على بذلها
من أجل "تلفيق" الأحداث، لترهيب الأعداء من خلال السخرية والتوبيخ،
ولتقويض التأثير الأمريكي من خلال الدبلوماسية العامة والعمليات
الإعلامية. كذلك، فهم يركِّزون على التلقين الديني والمذهبي المستمر
لأعضاء الأمن في إيران، وفي الجامعات، ولعامة الناس أيضًا، وهو أمر
يراه النظام الحاكم ضروري من أجل تحصينهم ضد التأثيرات الثقافية
الأجنبية الأكَّالة، والرسائل السياسية التدميرية، وأنشطة الحرب
النفسية الأمريكية المزعومة.
وثمة كثيرين من السياسيين الأمريكيين بواشنطن لا يقدِّرون أهمية هذه
العوامل بشكل كافٍ، على الرغم من أن الضباط العسكريين الكبار في العراق
وأفغانستان قد تعلَّموا، من خلال الخبرة، أن العمليات الإعلامية تعتبر
من الأمور الحاسمة في الوسط الاجتماعي بمنطقة الشرق الأوسط. إنهم
يعدُّون هذه العمليات كواحدة من الأدوات الأكثر فعالية لصدّ حركات
التمرد، ويرونها الوسيلة الأكثر فاعلية لمجابهة التأثير الإيراني في
العراق وفي جميع الأنحاء الأخرى.
هل يمكن للأنشطة الإعلامية أن تصنع ثورة أو
تكسب حربًا؟
ويبين كاتب المقال، استنادًا إلى سجلِّه التاريخي نفسه يرى النظام
الإيراني الحاكم أن العمليات الدعائية والنفسية من الأشياء المحورية
بالنسبة للحركات الثورية والحروب. ففي إيران، خلال فترة حكم الشاة،
ساهمت الأشرطة المسجَّلة، التي كانت تحوي الخطب الخاصة بآية الله
الخوميني، في نجاح الثورة الإسلامية وظهور الخوميني كقائد لها، في حين
ساهمت الدعاية الماهرة في حث الجموع على التخلي عن القوات المسلحة
الخاصة بالشاة، وسرَّبت اليأس إلى نفوس أولئك الذي ظلوا على ولائهم
للنظام القديم.
وبالمثل، ففي أثناء خوض "حزب الله" حربه الطويلة مع إسرائيل بالجنوب
اللبناني (1982- 2000)، كان العميل والوكيل الإيراني بصدد تنفيذ عدد من
العمليات النفسية التي لعبت دورًا محوريًا في زعزعة الدعم الإسرائيلي
الداخلي للاحتلال، مما أدى إلى الانسحاب الإسرائيلي في مايو من عام
2000 (11). ولقد ساعدت العمليات من هذا النوع أيضًا "حزب الله" في
إقناع اللبنانيين وغيرهم من العرب أن الحرب التي شنّها في صيف عام 2006
مع إسرائيل، والتي كانت بمثابة الكارثة وتسببت في وجود مصاعب جمَّة
أمام الكثيرين من مؤيدي الجماعة، كانت في الحقيقة "نصرًا مؤزَّرًا" (على
الرغم من أن حسن نصر الله- الأمين العام ل"حزب الله"- اعترف ذات مرة
بأن هذه الحرب كانت غلطة).
وفي الآونة الأخيرة، جعلت مقاطع الفيديو المأساوية المنتشرة على
الهواتف النقالة، والتي تصوِّر قوات الأمن الإيرانية خلال تعاملها بعنف
مع المحتجين من المعارضة في أعقاب انتخابات يونيو 2009، جعلت صورة
النظام الحاكم تفقد بريقها بشكل كبير. كما كان لمقاطع الفيديو الخاصة
بحادث إطلاق النار على ندا أغا سلطان التي وقعت على إثره قتيله خلال
مظاهرة احتجاجية في 20 يونيو، وحادث إطلاق النار في جنازة صهراب عربي،
وهو شاب آخر قتلته القوات الأمنية خلال الفترة نفسها تقريبًا (والتاريخ
الدقيق لمقتله غير معروف)، كان لها أثر خاص شديد القوة.
هذه الدروس التي تتعلق بالأهمية الجوهرية للعوامل النفسية لا تنطبق
على إيران وحدها. فثمة عدد من الأحداث الرئيسية في التاريخ العسكري
الأمريكي يمكن أن يُعزى إلى التحولات الدراماتيكية في البيئة النفسية
المحلية والدولية أيضًا.
ويوضح الكاتب، على سبيل المثال عندما قامت القوات الأمريكية
والفيتنامية بصد هجوم من الجانب الشيوعي في بداية عام 1968، وتكبّدت
فيه قوات الفايتكونغ والقوات الفيتنامية الشمالية خسائر مهولة، أسهمت
الصور التي تم بثها على شاشة التليفزيون للصراع في مدينة سايغون في
القضاء على ما تبقى للأمريكيين من دعم للحرب داخل البلاد، وكانت نقطة
تحول في ذلك الصراع. وبالمثل، فقد تسبب الكشف في أبريل من عام 2004 عن
اعتداءات العسكريين الأمريكيين في سجن أبو غريب بالعراق، في إحداث
انتكاسة إستراتيجية لا تزال الولايات المتحدة تحاول استرداد عافيتها
منها حتى الآن.
وفي المقابل، كان نجاح عملية "الطفرة" يعود في جزء كبير منه إلى
التأثير النفسي الناتج عن الوجود المتواصل لقوات التحالف في مناطق
كثيرة من بغداد وضواحيها. وقد ساعد هذا الوجود في رفع غطاء الخوف الذي
كان يثني السكان عن التعاون مع القوات الأمنية الأمريكية والعراقية في
مواجهة القاعدة في العراق؛ كما ساهم في إدراك أن القوة الدافعة كانت
تتحول ضد الإرهابيين والمتمردين.
لذلك، يعتبر من الأخطاء الكبيرة؛ غض البصر عن تلفيقات النظام
الإيراني الحاكم، وعن مبالغاته، والدعاية التي يقوم بها واعتبارها مجرد
"نوبة عابرة" وثرثرة (وتكون كذلك بالفعل في بعض الأحيان). فالولايات
المتحدة بحاجة إلى أخذ هذه المجهودات مأخذ الجدية، ومن ثمَّ التصدي لها،
واستغلال كلاً من نقاط الضعف الكبرى لدى النظام الحاكم والامتيازات
الجوهرية الأمريكية في هذه المنطقة.
العقبات التي تعترض القيام بحملة إعلامية
فعَّالة
ويوضح كاتب المقال، في الماضي كانت واشنطن تستخدم الأداة الإعلامية،
ذات القوة على المستوى القومي، بأسلوب معقَّد، لكن هذه القدرة أصيبت
بالضمور منذ زمن بعيد جرَّاء إهمالها وعدم استعمالها. وعلى الرغم من
التقدم على هذه الجبهة منذ هجمات 11 سبتمبر، فإن الحكومة الأمريكية لا
تزال تواجه عقبات بيروقراطية وثقافية وسياسية جوهرية. وعلى وجه الخصوص،
فإن نشاطاتها الإعلامية ظلت تعاني من الإعاقة بسبب الشكوك فيما يتعلق
بمقدار فاعليتها، والاختلافات بشأن كيفية توظيفها، والمخاوف من أن
الجهود السرية أو الخفيَّة يمكنها أن تزعزع مصداقية الدبلوماسية
الأمريكية العامة، بجانب العملية البطيئة للنقل بين الوكالات، والتي
ينقصها غالبًا التناسق، والمرونة، وسرعة التجاوب- وهي المتطلبات
الرئيسية الثلاثة للنجاح في هذا المجال.
كذلك، فقد تقيَّدت الولايات المتحدة في قدرتها على التواصل مع الشعب
الإيراني وضمان إطلاعه على الأخبار الدقيقة في حينها، بسبب المعايير
المهنية المتفاوتة الخاصة بإذاعة "راديو فاردا"، والقناة التليفزيونية
"صوت أمريكا"، بما يتضمن الاعتماد على تقنيات قديمة الطراز وتجاوبهم
البطيء غالبًا مع الأخبار المهمة.
وقد استطاعت واشنطن التخفيف من حدة هذه المشكلة من خلال عمل مقابلات
صحفية متكررة مع مسؤولين، ليس فقط لإذاعة "فاردا"، وقناة "صوت أمريكا"،
ولكن أيضًا لقناة "بي بي سي" الناطقة باللغة الفارسية، بجانب العديد من
المدونات التي تُكتب باللغة الفارسية والمشهورة في داخل الجمهورية
الإيرانية، بالإضافة إلى المحطات المشهورة الناطقة باللغة العربية
والتي يصل إرسالها إلى المشاهدين الذين تستهدفهم الدعاية الإيرانية.
ويضيف الكاتب، ثمة مشكلة أخرى وهي أن الأساليب التي تستخدمها
الحكومة الأمريكية مع إيران تميل إلى الاستقرار في الأساس، بشكل كبير،
على وجهات النظر الأمريكية والإملاءات السياسية بدلاً من الحقائق
السياسية والثقافية الإيرانية، لهذا تخفق في تحقيق مقدار كاف من
التطلعات الإيرانية. فطهران ترى الوسائل الإعلامية الأمريكية،
والمنظمات غير الحكومية، والجامعات، وطبقات المثقفين، وصناعة المواد
الترفيهية كجزء من شبكة غير متلاحمة تعمل الولايات المتحدة على التنسيق
فيما بين عناصرها.
وأخيرًا، وربما كان هذا هو الشيء الأهم، فإن إدارة أوباما تحتاج لأن
تشعر بالارتياح حيال فكرة أن استغلال الفجوات الداخلية بإيران ونقاط
الضعف الأخرى لا يتسق فقط مع الجهود الرامية إلى لفت انتباه طهران فيما
يتعلق ببرنامجها النووي، لكنه أيضًا ربما يشكِّل أمرًا جوهريًا في نجاح
مثل تلك الجهود.
وبالنسبة للمخاوف من أن ممارسة سياسة إعلامية أكثر عدوانية سوف
يقوِّض من الجهود الدبلوماسية، فإنها تأتي في غير محلها. فإيران،
بالفعل، تعتقد أن الولايات المتحدة بصدد شن حرب نفسية ضدها، لهذا فإن
واشنطن ليس لديها الكثير لتخسره، بل إنها في المقابل أمامها الكثير
لتربحه من خلال القيام بهذا الأمر فعليًا.
ويمكن للرئيس أوباما التغلب على هذه العقبات التي تعترض قيام حملة
إعلامية فعالة، من خلال التحرك الداعم على ثلاث جبهات:
1-إزالة العقبات البيروقراطية التي تقف في طريق التعاون الفعَّال
بين الوكالات؛
2-حشد كافة الوزارات والوكالات، بالإضافة إلى جميع الوسائل الموجودة
تحت تصرف الحكومة- علانية، وفي الخفاء، وبشكل سري- لصالح هذا الجهد؛
3-تنفيذ التحرك الحكومي بهدوء لضمان أن يتمكن أفراد الشعب الإيراني
من التواصل مع بعضهم البعض، وأن يكونوا على علم بالتطورات داخل بلادهم،
وأن تُسمع أصواتهم في الأوساط الخارجية.
وفي النهاية، قد تكون هذه الخطوة الأخيرة هي الخطوة الأكثر أهمية،
علمًا بأن الأقوال والأفعال التي تصدر عن الإيرانيين هي ما يحدد، في
نهاية الأمر، المشهد الخاص بالمعارضة الداخلية ومستقبل إيران. ولذلك،
فلا بد أن يكون كثيرًا مما تفعله الولايات المتحدة كجزء من هذه الحملة
يهدف إلى تيسير الأنشطة الإعلامية بالنسبة للمعارضة.
توصيات سياسية:
ويذكر الكاتب عدة توصيات سياسية هي:
تعزيز تأثير الولايات المتحدة
إنه من غير المحتمل، كما ذُكر في السابق، أن تغيِّر الجمهورية
الإسلامية من سياساتها الحالية إلا إذ رأت أن تحقيق المطالب الأجنبية
في الشأن النووي يعتبر شيئًا جوهريًا إذا أرادت تجنُّب ضغوط خارجية
وداخلية من شأنها تهديد بقائها. وعليه، فإن الهدف من بدء حملة للتواصل
الاستراتيجي ينبغي أن يكون قائمًا على استغلال حالة جنون الارتياب الذي
يعيشه النظام الحاكم، ومخاوفه حيال قوة المعارضة وقدرتها على الصمود،
بالإضافة إلى انقساماته الداخلية من أجل إقناع كبار المسؤولين
الإيرانيين بأن سياساتهم الداخلية والخارجية قد نتج عنها ردة فعل تهدد
بقاء النظام الحاكم. وينبغي توجيه مثل هذه الحملة وفق الأسس التالية:
المحافظة على الارتباط بطاولة الاجتماعات مع الإبقاء على شعلة
المقاومة متَّقدة. لقد ألقت سياسة الجذب، التي تبنتها إدارة أوباما،
بطهران بعيدًا عن نقطة الاتزان. فلقد عمَدَت الإدارة إلى حرمان النظام
الحاكم من عدو خارجي يمكنه إلقاء اللوم عليه،’ بشكل يتسم بالمصداقية‘،
في كافة المحن التي تعاني منها البلاد، أو يمكن تصويره كتهديد مُعادي
يتطلب تطبيق إجراءات أمنية داخلية تستخدم الأساليب القمعية. لهذا السبب،
يكون من المهم بالنسبة لواشنطن أن تحافظ على مشاركتها على الطاولات
المختلفة مع قيامها في الوقت ذاته بعمل كل ما بوسعها من أجل ضمان وجود
مساحة تتنفس فيها قوى المعارضة- بمعنى؛ توفير الحيز السياسي اللازم
للاحتجاج والتنظيم، والحفاظ على ابتعاد النظام الحاكم عن نقطة التوازن،
والإبقاء على إمكانية إحداث تغيير داخلي يمكنه أن يُحدِث تحوُّلاً
دراماتيكيًا بصورة إيجابية في السياسات وقوة العلاقات الشرق أوسطية.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستمر في
دعم حقوق الأفراد في التظاهر والاحتجاج بشكل سلمي، كما ينبغي عليها أن
تتحدث أمام العموم ضد انتهاكات حقوق الإنسان في طهران، مع تجنب اللغة
التي من شأنها وضع توقعات غير واقعية أو الحط من قدر المعارضة في عيون
بعض الإيرانيين، الذين لا يزالون خارج التقيُّد بمبادئ النظام الحاكم.
كذلك، ينبغي على واشنطن أن تربط بشكل حاذق بين حركة المعارضة والحتمية
الأخلاقية الشيعية، لمواجهة الطغيان والظلم، واستغلال اللغة التي
يستخدمها النظام الحاكم ضدها من خلال الدفاع عن حقوق الأفراد في مقاومة
القمع والغطرسة.
فرض المزيد من القيود على حرية النظام الحاكم في التحرك. بهذا تكون
طهران قد تجنبت استخدام جميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها في تعاملها
مع المعارضة، كما تجنبت حدوث ردود فعل تشبه تلك التي شهدتها ساحة
تيانانمين بسبب حملة مطوَّلة من عمليات الترهيب وتثبيط الهمم. فالنظام
الحاكم يخشى بوضوح من احتمالية انشقاق القوات الأمنية في حال تلقِّيها
الأوامر باستخدام القوة الساحقة. وعلاوةً على ذلك، فإنه في هذا المجتمع
حيث يكون للشهادة صدى ديني خاص، فإن إراقة الدم على نطاق واسع قد تكون
سببًا في حدوث كوارث هائلة يمكنها أن تؤدي بدورها إلى احتدام العنف
بدرجة أكبر. وبالنسبة للولايات المتحدة، فبإمكانها اتخاذ الخطوات
التالية من أجل فرض المزيد من القيود على حرية النظام الحاكم في التحرك:
•تغذية مخاوف النظام الحاكم حيال مقدار الاعتماد على القوات الأمنية
من خلال الترويج لتقارير، على سبيل المثال، بشأن الانزعاج بين فئات
القوات المسلحة بسبب الدور القمعي الذي يقومون بتأديته.
•إدانة محاكمات الإصلاحيين الصورية.
•الترويج للقضايا الخاصة بالضحايا البارزين للنظام الحاكم.
•مد يد المساعدة، في هدوء، لجماعات المغتربين الإيرانيين، الذين
ينشرون مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت، من أجل تصوير العنف الذي
تمارسه القوات الأمنية.
زيادة التوترات داخل النظام الحاكم لإعاقة التحرك الفعَّال. لزيادة
التوترات داخل النظام الحاكم والقوات الأمنية، ينبغي على الولايات
المتحدة أن تكشف بصورة انتقائية عن التقارير التي تبيِّن كيفية استغلال
"قوات الحرس الثوري الإسلامي" لعلاقاتها من أجل بسط سيطرتها على
الاقتصاد. فهذه الخطوات، وما يشبهها، يمكنها أن تساعد في زيادة حدة
الاستياء والضغائن بين "من لا يملكون" داخل الجيش والقوات الأمنية
بالنظر إلى الثروة والنفوذ المتزايد الذي تحظى به قوات الحرس الثوري
الإسلامي. وعلاوة على ذلك، ففي حالة فرض عقوبات جديدة على واردات إيران
من المنتجات البترولية المكرَّرة، ينبغي على واشنطن بدء حملة إعلامية
تؤكد على أن النظام الحاكم، وليس الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي،
هو المسؤول عن كل ما ينتج عن هذه العقوبات من مصاعب.
وأي حملة من هذا النوع، بقصد التواصل الاستراتيجي، ينبغي وضع
المعايير الخاصة بها بعناية. وستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى تحقيق
التوازن بين عدد من الرغبات المتناقضة، وذلك من خلال اتخاذ موقف أكثر
تحفُّظًا بدون التأكيد على التدخل الأجنبي الذي يتخيله النظام الحاكم،
بالإضافة إلى الدعم غير المباشر لقوى المعارضة بدون تشجيع أفرادها، حتى
ولو بدون قصد، على المبالغة في تأكيد سيطرتهم وتفوقهم، والسعي الحثيث
لزيادة الضغط على النظام الحاكم بدون دفعه إلى شن هجوم مفاجئ على أي من
المستويين الداخلي أو الخارجي.
ممارسة القيادة الرئاسية بصورة علنية. إن أمام الرئيس أوباما دورًا
حاسمًا ليلعبه في أي حملة إعلامية يتم إطلاقها. فكما أن الرؤساء
السابقين استخدموا فن الخطابة لإحداث تأثير عظيم خلال فترة الحرب
الباردة (على سبيل المثال، خطبة جون إف كينيدي "أنا برليني" والتحدي
الحماسي لرونالد ريجان الذي يحثه على "تمزيق هذا الحائط"، فإن الرئيس
أوباما ربما يكون لديه القوة، من خلال الأقوال والأفعال، التي تمكِّنه
من تغيير مسار الأحداث في إيران.
خطب مفصَّلة بحسب الجماهير والظروف. ينبغي أن تتضمن المبادئ
والتكتيكات الرسائل التي يرغب الرئيس أوباما، وغيره من المسؤولين
الأمريكيين، والمنظمات الحكومية في توصيلها إلى الشعب الإيراني:
•التفريق بين النظام الحاكم والشعب، وتعريف النزاع المتعلق
بالسياسات الإيرانية كنزاع بين طهران والمجتمع الدولي، وليس بين طهران
و"الغرب"- وهي صيغة تدعم الرواية التي يسردها النظام الحاكم بشأن "صراع
الحضارات".
•مقابلة التوبيخات والسخرية من قِبَل الرئيس محمود أحمدي نجاد وآية
الله الخامنئي، بانطباعات الاستخفاف والاحتقار التي تعمل على تقليص
صورة النظام الحاكم وتزعزع واجهة الاعتماد على النفس، التي يحاول تسليط
الضوء عليها.
•قلب الصور البلاغية في الخطب التي تصدر عن النظام الحاكم بحيث تكون
ضده. فعندما يتفاخر خامنئي بتحطيم أنياب أمريكا، وتوجيه صفعة لها على
وجهها، أو التسبب لها في كدمة حول عينيها، ينبغي على الرئيس أوباما أن
يشير إلى أن شعب إيران هم وحدهم من تحطمت أنيابه وتلقى صفعة قوية على
وجهه، أو تلقى كدمة حول عينيه من قِبَل النظام الحاكم.
•عمل مقارنات غير محببة، بين جهود الشاه لقمع المعارضة في عامي
1978- 1979 والجهود الحالية التي تبذلها الجمهورية الإسلامية من أجل
الهدف ذاته، مما سيسهم في إيجاد تصوّر بشأن حتمية قيام ثورة.
•التأكيد على كيف أن أقوال وأفعال النظام الحاكم تلطخ سمعة إيران في
عيون المجتمع الدولي، لذلك فإنه يعتبر بمثابة وصمة عار على جبين الأمة
الإيرانية.
•التأكيد على فساد النظام الحاكم وغياب المحاسبة، الأمر الذي نتج
عنه اختفاء مليارات الدولارات من الخزائن الحكومية، وأن الفترة التي
سبقت انتخابات يونيو 2009، شهدت شعور الإيرانيين بأكبر قدر من الظلم من
جانب حكومتهم.
•التأكيد على كيف أن- في الوقت الذي يكافح فيه معظم الإيرانيون من
أجل الحصول على قوت يومهم- النظام الحاكم يقوم بتبديد أموال الشعب على
قضايا ومنظمات في مناطق بعيدة مثل "حزب الله" و"حماس"، وهو الأمر الذي
لم يكن له أي مردود إلا أنه جلب مصاعب إضافية ومعاناة لشعوب المنطقة.
وزيادة التأكيد على أن هذه الجماعات قد جعلت من إيران دولة منبوذة، وقد
تقودها في يوم ما إلى الدخول في حرب كارثية.
•استغلال الدمج الوثيق بين أحمدي نجاد والبرنامج النووي للنظام
الحاكم من أجل سحب الشرعية من الجهود التي يقوم الأخير ببذلها من أجل
إيجاد خيار السلاح النووي. وينبغي تصويره كجزء جوهري من جهود طهران لسد
الطريق على المطالب الشعبية بشأن التغيير والحفاظ على سيطرتها على
السلطة بالقوة، وذلك بناء على المزاعم التي تقول إن إيران النووية سوف
تكون أقل عرضة للضغط الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
•الحديث عن المخاوف من أن الولايات المتحدة سوف تتخلى بالكامل عن
المعارضة الداخلية في مقابل عقد صفقة نووية مع النظام الحاكم. وتوضيح
أن التوصل إلى قرار بشأن حل الأزمة النووية سوف يكون في صالح الشعب
الإيراني، إذ أنه سيسمح لبلدهم أن تصبح أكثر اندماجا في المجتمع الدولي،
وفي الوقت ذاته سوف تستخدم واشنطن أسلوب الاتصال بصفة منتظمة مع طهران
للضغط دون هوادة على النظام الحاكم بشأن حقوق الإنسان.
•التأكيد للجماهير في العراق، والخليج الفارسي الواسع، وبلاد المشرق،
وأفغانستان على أن الشعب الإيراني يرفض النسخة التي يفرضها النظام
الحاكم للإسلام، كما يرفض أيضًا نموذج الحكم. وعلاوة على ذلك، فإن
الغضب الشعبي العراقي الناتج عن احتلال إيران لحقل الفكة النفطي على
الحدود يوفر أرضية خصبة لإصدار رسائل مناهضة لطهران في العراق وفي
أماكن أخرى بالمنطقة.
•إثارة السؤال بشأن استقرار النظام الحاكم بشكل دائم، وكذلك بشأن
صلاحيته للبقاء على المدى الطويل، ودرجة الوثوق فيه كراعٍ وشريك، مع
زرع الشكوك بين المجموعات والأنظمة الحاكمة المناهِضة في جميع أنحاء
المنطقة وخارجها أيضًا.
ينبغي ألا يمر يوم واحد يفشل فيه المسؤولون الأمريكيون في تنفيذ
إحدى هذه الأفكار- مستخدمين في ذلك وسيلة أو أخرى- من أجل استهداف
الجماهير في إيران والمناطق الأخرى.
التشكيك في سرد طهران. لطالما كانت إيران تحاول تصوير الجمهورية
الإسلامية كقوة صاعدة. وفي الوقت ذاته، كانت تصوِّر الولايات المتحدة
كقوة مستنفَذة تخوض معركة خاسرة لإبقاء إيران والأمة الإسلامية ضعيفة
من خلال حرمانهما من التكنولوجيا النووية وغيرها من التكنولوجيا
المتقدمة. وعلى الولايات المتحدة أن تواجه هذه الرواية من خلال التأكيد
على مواطن الضعف الرئيسية التي يعاني منها النظام الحاكم: بمعنى،
فقدانه للشرعية والدعم الشعبي، وإخفاقه في تنمية قطاع النفط والغاز
بالدولة بشكل فعال (بما يتضمن الوضع الضعيف نسبيًا المتوقع أن يعاني
منه القطاع في المستقبل بدون ضخ استثمارات أجنبية هائلة في السنوات
القادمة)، فضلاً عن إخفاقه في تنويع الاقتصاد أو إيجاد فرص توظيف
جادَّة لما يزيد عن 800000 إيراني يتخرجون من التعليم العالي في كل عام.
كذلك، ينبغي على واشنطن أيضًا أن تؤكد، بنبرة عالية وفي معظم الأحيان،
على استعدادها لمساعدة إيران في الإيفاء باحتياجاتها من التكنولوجيا
المدنية الشرعية، إذا قام النظام الحاكم بإزالة مخاوف المجتمع الدولي
حيال الشأن النووي.
أنشطة التأثير من جانب القطاع الخاص. تكون المؤسسات والكيانات
الأمريكية على اتصال ببعض الإيرانيين على نطاق واسع، وبشكل أكبر مما قد
تتمكن منه الحكومة الأمريكية. وفي كثير من الحالات، يكون لدى تلك
المؤسسات مهمات فعلية من شأنها خدمة الأهداف الأمريكية أيضًا. فالمنافذ
الإخبارية ترغب في الكشف عن المعلومات، والجامعات ترغب في تشجيع
الاتصال، وتبادل المثقفين، والمناظرات، وشركات الترفيه ترغب في توفير
الأنواع التي يريدها الناس من الموسيقى والصور لكنها تقابل بالرفض من
جانب النظام الحاكم. ويمكن لواشنطن أن تفعل الكثير من أجل تشجيع وتعزيز
مثل تلك الأنشطة، كتسهيل سفر الفنانين والطلاب والأساتذة الإيرانيين.
وينبغي عليها أيضًا أن تتشاور مع المؤسسات الخاصة لتحديد الحواجز
وصياغة حلول عملية، بما في ذلك سبل تعديل العقوبات الأمريكية لتسهيل
الاتصالات بين الأشخاص.
إيجاد التضافر بين المعايير الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية.
يُقال إن التواصل الاستراتيجي يقوم بنسبة 80 في المائة منه على الأفعال
وبنسبة 20 في المائة على الأقوال، وبالرغم من أن الأفعال قد يكون لها
صوت أعلى من الأقوال، فإن الأقوال تعمل على تضخيم الأفعال وزيادتها حدة.
وهكذا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى لإحداث تضافر بين أقوالها
وأفعالها تجاه إيران. فعلي سبيل المثال، ثمة تضافر محتمل بين أنشطة
وزارة الخزانة (كجهود تسليط الضوء على المخاطر التي تتعلق بسمعة شركات
أجنبية جرَّاء قيامها بعمليات تجارية مع طهران وحملة موسَّعة للتواصل
الاستراتيجي- من شأنها إبراز انتهاكات حقوق الإنسان في طهران والترويج
لفكرة أن هناك أعمال تجارية إيرانية كثيرة تلعب دورها كواجهات لإخفاء
الأنشطة الإرهابية والأنشطة المتعلقة بنشر الأسلحة التي تقوم بها قوات
الحرس الثوري الإسلامي.
حرمان إيران من النفوذ. أخيرًا، ينبغي للحملة الإعلامية الأمريكية
أن تضمن عدم تمتع إيران بالنفوذ كنتيجة لبرنامجها النووي بطيء التقدم،
أو نتيجة لقوتها المتزايدة من الصورايخ والقذائف، أو نتيجة لقوتها
العسكرية التقليدية. وينبغي لهذا النمط من التفكير أن يتم وفق عدد من
المبادئ والأسس:
•عدم إحراز نقاط دعائية لصالح طهران من خلال تعظيم حجم التهديد. إذ
ينبغي على المسؤولين الأمريكيين عدم المبالغة بشأن القدرات العسكرية
والإنجازات التكنولوجية على الصعيد النووي- فهذا يجعل تهديدات طهران
تحظى بمزيد من المصداقية. وبدلاً من ذلك، ينبغي تجاهل القدرات
الإيرانية أو الاستخفاف بها، وبهذا لا يتم تقويض الجهود الأمريكية لجذب
الانتباه الدولي نحو هذا التهديد. ويكمن التحدي هنا في إبراز هذا
التهديد من دون تعظيمه.
•العمل على فضح زيف الادَّعاءات الكاذبة. على واشنطن أن تكشف
الادِّعاءات الإيرانية المبالغ فيها بشأن البراعة التكنولوجية الفائقة.
فعلى سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الأمريكيين إزالة القناع علانية عن
الصور التي تم التلاعب بها باستخدام الأجهزة الرقمية، ومقاطع الفيديو
التي ينشرها النظام الحاكم بشأن مناورات عسكرية وهمية، بحيث تتأثر
مصداقية المتحدثين باسم الحكومة الإيرانية وتنهار المزاعم بخصوص "القوة
العظمى" لطهران.
•التأكيد على الثمن الذي يتحمله الشعب الإيراني. ويُقصد بهذا، أن
المسؤولين الأمريكيين يتجاوبون بالتصريحات المثيرة مع التجارب
الصاروخية الإيرانية والتدريبات العسكرية ومواقف التحدِّي. وبدلاً من
ذلك، ينبغي عليهم الإشارة إلى كيف أن مثل تلك الأعمال تزيد من عزلة
إيران وتقدّم دليلاً إضافيًا للشعب الإيراني على أن النظام الحاكم يبدد
موارد الأمة على برامج تهدف إلى تهديد جيرانها وتعمل على بقائه ممسكًا
بمقاليد السلطة.
•الطمأنة والقدرة على الردع. كجزء من الجهود الأمريكية لإقناع إيران
بأن الأسلحة النووية سوف تعمل على زعزعة أمنها بدلاً من تعزيزه، يجب
على واشنطن أن تصبح أكثر فاعلية في الجانب المتعلق بدمج المتخصصين في
مجالات الشؤون العامة والعمليات الإعلامية والدبلوماسية العامة في
أنشطتها الإقليمية. فعلى سبيل المثال، يكون من النادر بالنسبة لمثل
هؤلاء المتخصصين، في الوقت الحاضر، أن يتفاعلوا مع خبراء في مجال
الدفاع الصاروخي، أو بالأحرى لا يحدث هذا مطلقًا (على سبيل المثال،
لفضح زيف الدعاية التي تضخِّم من القدرات العسكرية الإيرانية، أو
لإخبار المواطنين في الدول الحليفة في المنطقة بشأن التدابير الخاصة
بمواجهة القدرات الصاروخية الإيرانية).
لا بد لهذا أن يتغير، لاسيَّما في الحالات التي تأمل فيها الولايات
المتحدة أن تطمئن الحلفاء وتقف كقوة ردع أمام طهران من خلال تواجدها في
مواقع متقدمة، ومن خلال مساعداتها العسكرية، وعمليات نقل الأسلحة،
وجهود إنشاء بنية إقليمية للدفاع الصاروخي. كذلك، يجب تقييم كافة
التحركات على الساحة الأمنية من منطلق مدى تأثيرها النفسي في طهران،
وأيضًا في شوارع وعواصم الدول الإقليمية الأخرى.
خاتمة
ويختم الكاتب بالقول، يظل غياب حملة تواصل استراتيجي قوية ومعقدة
وقادرة على توفير نوع من التأثير الإضافي أحد أوجه القصور الرئيسية في
السياسة الأمريكية تجاه إيران. إذ ليس هناك ما يضمن أن تكون حملة مثل
هذه- بالترادف مع العديد من المعايير الدبلوماسية والاقتصادية
والعسكرية- سببًا في إثناء إيران عن البرنامج الخاص بها لتخصيب
اليورانيوم أو في جعلها تتخلى عن السياسات الإشكالية الأخرى. ولكن أي
إستراتيجية تنتهجها أمريكا بدون تضمينها مكوِّن إعلامي قوي، سيكون
مصيرها الفشل غالبًا- سواء أكانت تسعى من خلالها لإقناع طهران بالعدول
عن تطوير أسلحتها النووية، أو تحاول ردع النظام الحاكم عن قمع المعارضة
الداخلية، أو تعمل على تيسير أنشطة المعارضة، أو تحاول ردع واحتواء
إيران النووية. ولهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة أن تقوِّي من
قدراتها في المجال الإعلامي- وهو أكثر العناصر التي لم تنل حقها في
الجهود الأمريكية لجذب إيران، ودعم المعارضة، ومجابهة سلطة النظام
الحاكم وتأثيره.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |