العوامل المساعدة على إقامة الحكومة الاسلامية

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: عندما بدأ عصر الاسلام، كان المجتمع العربي يغوص في دهاليز الجهل وكانت القبلية تعيث فسادا بالنسيج الاجتماعي القائم آنذاك، وكانت التناحرات والاهواء الفردية والقبلية تتحكم بالحراك المجتمعي عموما، فكان الفرد نهبا للامراض الكثيرة التي كانت تفتك بالمجتمع آنذاك، وكانت القبيلة الضعيفة معرضة للتجاوزات والقتل والتشريد أكثر من غيرها، فبدت صورة المجتمع آنذاك ممزقة بفعل الاحتراب والصراع على تحصيل سبل ادامة الحياة بعيدا عن الضوابط الدينية او غيرها.

وبعد أن هبطت الرسالة الاسلامية على نبي الانسانية الأعظم محمد بن عبد الله (ص) تغيّر حال الامة وحلّ الاجتماع والوحدة بديلا للشتات والتشرذم حتى تكونت أعظم دولة في التأريخ تفوقت بوحدتها وتماسكها وعلمها على أكبر الامبراطوريات في ذلك العصر، وراحت الدولة الاسلامية تنمو وتتعاظم ومعها يتعاظم دور المسلمين في العالم أجمع حتى تحققت في ظل هذه الوحدة أروع الاهداف الانسانية التي نادت بها التعاليم الاسلامية، وهكذا جرّب المسلمون على الارض فوائد وحدتهم وتعاضدهم ولمسوا النتائج الكبيرة لمس اليد، وبعد العثرات والكبوات التي مرت بحياة المسلمين نتيجة الابتعاد عن الاسلام الحقيقي راح الجميع يبحث عن سبل الوصول الى ما وصلت إليه الدولة الاسلامية في عصرها الذهبي، وفي هذا الصدد يقول المرجع الديني الراحل آية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين):  

إن (إقامة الحكومة الإسلامية الواحدة هو الحلم الذي كان يرفرف على أذهان جماهير الأمة الإسلامية على مدى التاريخ، وهو الهدف السامي العظيم الذي أريق على مذبحه دماء ملايين الشهداء في البلاد الإسلامية وغيرها، وإقامة الحكومة الإسلامية الواحدة هو الشبح الذي أرّق ليل الجبابرة، وجعلهم يجنّدون كل طاقاتهم للحؤول بين المسلمين وبين هذا الهدف).

إذن فالوحدة الاسلامية هي الهدف الاسمى للمسلمين لأنهم عرفوا النتائج العظيمة التي تمخضت عن ذلك في حين عرف الآخرون خطورة ما تحققه هذه الوحدة على مصالحهم غير المشروعة، ولعل العامل المساعد الأهم في هذا الاتجاه هو رفع الحدود المصطنعة بين الدول الاسلامية ورفضها وذلك من خلال التعاون بين المسلمين لازالة معالم تلك الحدود التي وضعت من اجل تفتيت المسلمين، وهنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا:

(من الضروري أن تتظافر الجهود لأجل إسقاط هذه الحدود وهذه القوانين المصطنعة، التي تفرّق المسلمين بعضهم عن بعض، حتى تتوحّد بلاد الإسلام كما كانت، فيكوّن الألف مليون مسلم لأنفسهم حكومة واحدة. وليس هذا أمراً مستغرباً، ففي الصين الشيوعية كانت هناك ـ سابقاً ـ حكومات عديدة، لكنها تمكنت ـ وتحت قوانين وضعية ـ أن توحد بلادها في دولة واحدة ذات ألف مليون نسمة).

ولابد أيضا من تحييد القوانين الوضعية التي وضعها الانسان بديلا فاشلا للقوانين الإلهية التي جعلت من المسلمين أرقى دولة معاصرة ابان الدعوة الاسلامية، لهذا يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(نحن فنريد توحيد البلاد الإسلامية تحت ظل القوانين الإلهية حتى تكون بلداً واحداً، فيسير المسلم من –طنجة- إلى –جاكرتا- ومن –دكا- إلى –طرابلس- وهكذا، ويشعر بأنه في بلده. ولا ترفع أمامه في كل بلد حدود استعمارية وقوانين جاهلية وضعية).

وفي الوقت نفسه يقدم الامام الشيرازي رؤيته الواضحة في هذا المجال، أي يضع لنا السبل المساعدة لاعادة توحية الامة الاسلامية، فيقول بهذا الصدد:

(أما كيف يتم التوصّل إلى هذا الهدف الكبير؟. فالجواب بما يلي:

أولاً: بالتوعية الإسلامية الواسعة النطاق على صعيد الأمة كلها حتى يعي المسلم وظيفته، وذلك بطبع ونشر ما لا يقل عن ألف مليون كتاب توعوي، اقتصادي، سياسي، اجتماعي، تربوي، عقائدي...

ثانياً: بالتنظيم، بأن ننظم ما لا يقل عن عشرين مليون مسلم، لأن المسلمين ألف مليون نسمة، فيكون في دائرة توجيه كل شخص منظم خمسون إنساناً مسلماً).

إن الانسان المسلم لن يتفاجأ عندما يرى التخلف يعيث بالدول الاسلامية وهو أمر متوقع طالما أن الابتعاد عن قوانين الله تعالى صار أمرا لافتا ومهيمنا على الحياة البشرية، فكلما ابتعد الانسان عن الله تعالى كلما ازدادت مشكلاته الحياتية على المستووين الرمادي والروحي معا، وهنا يؤكد الامام الشيرازي على في كتابه نفسه:

(إن الاصطدام بسلسلة من المشاكل هو النتيجة الطبيعية للذين يعرضون عن ذكر الله ولا يطيعون أوامره في الدنيا، وفي الآخرة الخسران المبين، وقد رأينا قصة المسلمين في الدنيا بأُم أعيننا، فالمسلمون قد تشتتوا وتفرّقوا وصاروا طرائق قدداً، ونصبت الحدود المصطنعة بين بلادهم، فبينما كان المسلم أخ المسلم أصبح عدواً له).

إن تفضيل المسلمين للعناوين والتسميات الاخرى على الاسلام كهوية موحدة هو الذي أدى الى ضعفهم وتخلفهم في حين كانوا يقودون العالم ويتقدمونه في جميع المجالات، وهكذا أصبحت القومية مثلا بديلا عن الهوية الاسلامية وهو أمر أضغف المسلمين كثيرا وزاد في تراجعهم حيث يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:

(فالافتخار بالقوميات، أو بالقبليات، أو بالإقليميات، أو باللغات، هذه كلها أعمال جاهلية، القومية ليست إلا ديدن أبي جهل وأبي لهب وكفار الجاهلية، فلماذا اتخذهم قسم من المسلمين شعاراً ومنهجاً؟. القومية العربية التي دامت إلى الآن، القومية الفارسية في زمان الشاهين، القومية التركية في زمان أتاتورك، القومية الكردية، وإلى آخر القوميات، هذه القوميات هي التي سببت ضياع فلسطين).

لذا عند البحث في سبل إنهاض المسلمين لابد من العودة الى هوية الاسلام والوحدة تحت رايته من اجل تحقيق ما يربو إليه المسلمون في العصر الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تموز/2010 - 23/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م