ثقافة الانقياد والتبعية للآخر

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: في قراءة للمشهد المتحرك في عموم المفاصل الحياتية بالعراق، يستطيع المراقب أن يؤشر بجلاء تبعية السلوك الفردي والجمعي للآخر سواء في الداخل أو الخارج، ما يعني ضعف الرؤية المستقلة والاعتماد على الآخر في تنظيم حركة الحياة في المجالات السياسية او الثقافية او الاجتماعية وغيرها.

بكلمة أخرى يبدو أننا نعتمد على الغير في جميع أعمالنا، وهو نمط سلوك متجذّر ورثناه عمن سبقنا، وهذا ما تشير إليه معظم الانشطة التي نحرّك وننظم من خلالها حياتنا، وهو ما أشاع بين المجتمع بعض الظواهر التي لا تتواءم وروح العصر النازع الى الاستقلالية والتوازن والتطور من خلال التفاعل المتبادل مع الآخر وليس الانقياد له.

فلا يصح مثلا أن نلجأ الى استنساخ تجارب الآخرين أفرادا كانوا أو جماعات ونكرر تفاصيل واملاءات ما يرونه لنا ونغيّب رؤيتنا الخاصة وهذا يشمل عموم المجالات التي تتعلق بالعلم والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة وما الى ذلك من أمور تكتنف النشاط البشري عموما.

بيد أن التجذّر الحاصل في سلوكنا بخصوص التبعية غالبا ما يقود الأغلبية لتعظيم الآخر سواء كان في الداخل او الخارج وسواء كان قائدا سياسيا او دولة سبقتنا في التجربة، وهكذا نجد شرائح واسعة من المجتمع تميل الى تعظيم الفرد على حساب الجماعة وتحاول أن تضفي عليه نوعا من التهويل الذي لا يستحقه قطعا بل ربما يأتي هذا الفعل كمحاولة لسد النقص المعنوي الذي يتشكل ضمن الشخصية النازعة الى التبعية والانقياد الكلي للآخر كما يحدث في المجتمعات ذات الوعي الساكن.

وإلا بماذا نفسر مثلا ازدهار الدكتاتوريات في المجتمعات الساكنة في أفريقيا على سبيل المثال وكذلك في عدد من المجتمعات الاسلامية والعربية ومنها مجتمعنا العراقي، إن تعظيم القائد والتسليم بقدراته الخارقة تبدو وكأنها محاولة لمعالجة النقص الحاصل في القدرات الفردية، وهذا ينم عن تغافل قسري للمواهب الكبيرة التي يتحصل عليها الانسان كهبات ربانية تُخلق مع إطلالته على الحياة، ناهيك عن التوارث المستديم لنمط التعامل التبعي في عموم المجالات.

فحين نلقي نظرة على الواقع الانتاجي على سبيل المثال سوف نلاحظ تبعية تامة للآخر واستحالة نهوض الاقتصاد الوطني بمهامه كما يجب في ظل توافر ثروات هائلة فيما لو تم التعامل معها وفق قدرات ذاتية واثقة فإنها كفيلة بنقل العراق الى العالم الاول في غضون سنوات قلائل، ولكن الاعتماد على الخارج وضعف الشخصية القيادية على المستوى الفردي والجماعي وعدم اعتماد الرؤية الذاتية الواثقة والضياع بين رؤى الآخرين أدت الى شيوع تبعية اقتصادية تعتمد على المستورد في معظم ما يحتاجه الناس، وهكذا الحال مع الجوانب الحياتية الآخرى كالسياسة التي لاتعرف الاستقلال، لاسيما أننا نتعامل مع سياسيين يعتقدون بأن الاعتماد على الذات أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا، وهي رؤية غير واقعية قطعا.

في حين يمكننا ملاحظة شيوع التبعية كسلوك متبع بين مكونات المجتمع في الداخل أيضا، فالسياسي مثلا حين يتبوأ منصبا متقدما سرعان ما يعمل على استخدام الاساليب التي تجبر الناس على النمط التبعي للدولة في كل شيء، في الوقت الذي تجد مثل هذا الاستعداد متوافرا عند الناس أنفسهم، وهكذا يكون من السهل جدا على القائد السياسي أن يعظّم ذاته من خلال سهولة تبعية الناس لنزواته ورؤاه التي لا تصب إلا في الشروط التي تسهم بالحفاظ على السلطة أولا.

وبهذا تكون التبعية اسلوب حياة متجذّر بين معظم أطياف المجتمع حتى يبدو وكأنه سلوك متفق عليه ولا شائبة فيه، كما انه يمتد الى معظم المجالات الانتاجية المتحركة في مجالات الاقتصاد والسياسة وغيرها، لهذا غالبا ما ترشح النتائج عن دكتاتوريات مهيذأ لها سلفا من خلال النمط المعيشي والسلوكي للمجتمع.

أما الحديث عن كيفية الخلاص من هذا السياق الحراكي الشاذ، فإنها تستحق أكثر من وقفة ومئات بل آلاف الرؤى والجهود التي تجتمع وتتحد وتتآزر فيما بينها لكي تكوّن منظومة سلوك وفكر جديدين ينهضان على ركام الرؤى والافكار والافعال التي تعتمد الاتكال والتبعية للآخر أيا كان شكله او جوهره او درجة تأثيره في المجتمع.

وهذا يعني بأن النخب كافة مطالبة بالتنبّه الجاد والجذري لمعالجة النمط التبعي الشائع في معظم مجالات حياتنا، لأن الدور الاول لابد أن تتصدى له النخب قبل غيرها وذلك من خلال وضع الرؤى والخطط النظرية المطلوبة مع وضع الآليات العملية الكفيلة بتحويلها الى تطبيق عملي متدرج قائم على العلمية المخطط لها سلفا.

وهذا يعني أيضا نشر ثقافة الاعتداد بالنفس والاستقلالية الفردية والجماعية كسلوك وفكر بين عموم الناس بصورة أفقية لا تستثني أحدا، وهو أمر قابل للتطبيق والنجاح وإن كان الامر يتطلب جهودا استثنائية وزمن لا محدود.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/تموز/2010 - 21/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م