تمر تركيا حاليا بأفضل حالاتها السياسية والشعبية وبالخصوص في الدول
العربية والإسلامية منذ تأسيسها على يد مصطفى أتاتورك في الثلاثينات من
القرن الماضي، فهي دولة تملك قوة بشرية واقتصادية وتمثل أفضل نموذج
ديمقراطي في المنطقة وتملك القدرة السياسية على لعب دور مؤثر بين جميع
اللاعبين فهي جوكر المرحلة، المرحلة الأصعب والأكثر تعقيدا بين جميع
الأطراف العربية والإقليمية والدولية.
بينما النظام العربي يمر في أسوأ حالاته المتقلبة والهزيلة، بل سجل
زيادة في حجم التشتت والضعف والتخلف والضياع للأمة نتيجة سياساته
الخارقة التي تسبب مصائب جمة للشعوب الغارقة في بحر سوء الأحوال
الداخلية على المستوى السياسي والاقتصادي ... بل على جميع الأصعدة. أما
على مستوى السياسة الخارجية فليس هناك موقف مشرف يذكر!.
تركيا استطاعت الاستفادة من جميع الظروف والأحداث التي مرت على
المنطقة وجعلها في مصلحتها، منها سقوط النظام البعثي العراقي وبناء
علاقة وطيدة مع الحكومة الجديدة، وفي حرب تموز إذ أرسلت وحدات من الجيش
التركي ضمن قوات اليونيفل في جنوب لبنان، وذلك لأول مرة منذ سقوط
الدولة العثمانية وانسحاب الجيش العثماني من المنطقة العربية، عودة
تركيا إلى الحضن العربي والإسلامي عبر الشعوب من خلال التصدي للقضايا
الكبرى التي تهم هذه الشعوب وعلى رأسها القضية الفلسطينية ودعم حق
المقاومة، زيادة التبادل التجاري العربي - التركي أضعاف ما كان عليه،
استطاعت المسلسلات التركية أن تكون الأكثر شعبية على الشاشات العربية،
وأن تكون تركيا وسيطا بين إيران والمجتمع الدولي، وان تكون وسيطا بين
حركة فتح وحماس بعدما سقط ذلك الخيار عند العرب.
ولا ننسى ان المنطقة تعيش حالة فراغ بسبب سياسة بعض الأنظمة العربية
المشغولة بأمورها الداخلية للمحافظة على كرسي الحكم خوفا من شعوبها
الغاضبة على سياساتها، الشعوب العاشقة للإصلاح والتغيير. هذا الفراغ
وخاصة في الصراع مع الكيان الصهيوني، ساهم في تواجد قوى مثل إيران
ومؤخرا تركيا لملء الفراغ والضعف العربي لتكون داعمة للحق العربي
والفلسطيني.
ولقد استطاعت تركيا ان تتغير مع التغيرات التي تحدث في المنطقة، وان
تبحث عن مصالحها وقوتها، بعد تجاهل وإهمال وتهميش من قبل الدول
الأوروبية الزاهدة في دخولها ضمن دول الاتحاد الأوروبي كعضو يتمتع
بكامل الحقوق، فعودتها إلى انتمائها الطبيعي الإسلامي والى الساحة
العربية جعل منها القوة الأكثر تأثيرا وأهمية حاليا.
هل الدول العربية قادرة على قراءة التغيرات في المنطقة والعالم، وان
تستفيد من عودة الدور التركي واهتمامه بالقضايا ذات الشأن العربي وخاصة
القضية الفلسطينية، والخروج من نفق حالة الاستسلام الكامل للأجندة
الأمريكية والخضوع للإرادة الإسرائيلية؟. ام ان الدول العربية الضعيفة
ستشعر بالخوف والقلق وستخضع لاملاءات الغرب بالتشكيك والريبة من الوقوع
تحت ما يسمى بالهيمنة التركية والإيرانية؟. المشكلة الحقيقية ليست في
تركيا أو إيران أو غيرهما بل في الأنظمة الهزيلة الضعيفة التي لا تملك
القوة والقدرة على حماية نفسها. فكيف تستطيع استعادة حقوق الأمة
الضائعة بسببها؟!.
ali_writer88@yahoo.com |