حوض النيل.. صراع الدول المتشاطئة على شريان الحياة الأفريقي

  

شبكة النبأ: شهدت الأزمة التي اندلعت مؤخراً بين مصر والسودان من جانب، وعدد من الدول الأفريقية الأخرى التي تتشارك مع الدولتين العربيتين في مياه نهر النيل، تطورات مثيرة خلال الساعات الماضية، بل ومن المتوقع أن تشهد المزيد هذا الأسبوع، وسط تقارير ترجح أن هذه الأزمة قد تتطور إلى صراع عسكري.

ووسط جهود حثيثة من جانب القاهرة لاحتواء الخلافات بين دول حوض نهر النيل، الذي يهب الحياة لشعوبها، أفادت مصادر رسمية بأن الرئيس المصري حسني مبارك، استقبل وزيري الدفاع، المشير محمد حسين طنطاوي، والموارد المائية والري، محمد نصر الدين علام.

وفيما لم تكشف المصادر المصرية عن تفاصيل اللقاء، الذي أوردت وكالة أنباء الشرق الأوسط نباً مقتضباً عنه، دون أن تفصح عن مزيد من التفاصيل، ثارت تكهنات بأن الاجتماع ربما تطرق إلى احتمالات اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لحسم هذا الخلاف، رغم تأكيد مسؤولين مصريين على استبعاد هذا الخيار.

وجاء استقبال مبارك لطنطاوي وعلام قبل ساعات من توجه مدير المخابرات العامة المصرية، عمر سليمان، إلى أوغندا، إحدى دول منابع النيل، للقاء الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، لبحث آخر تطورات الوضع في دول الحوض، وتلافي تداعيات اتفاقية "عنتيبي"، التي وقعها عدد من دول منابع النيل، ورفضتها مصر والسودان.

في الوقت ذاته، توجه وزير المالية المصري، يوسف بطرس غالي، إلى بورندي، بالإضافة إلى وفد رفيع من وزارة الموارد المائية، للمشاركة في اجتماع "الخبراء"، للإعداد لمجلس وزراء دول الحوض، في 26 يونيو/ حزيران الجاري في إثيوبيا، والذي تشارك فيه مصر بوفد برئاسة علام.

وبعد مفاوضات استمرت نحو 12 عاماً حول إعادة تقاسم مياه النيل، جرى منتصف مايو/ أيار الماضي، التوقيع على اتفاقية "عنتيبي"، من جانب ممثلي أربع دول هي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، انضمت إليها كينيا لاحقاً، بينما امتنع مندوبا الكونغو الديمقراطية وبوروندي عن التوقيع. بحسب سي ان ان.

واعتبرت دوائر دبلوماسية وإعلامية أن هذه الاتفاقية، التي تنص على توزيع مياه النيل بالتساوي بين دول الحوض التسعة، قد تجر المنطقة إلى حرب حقيقية على المياه، بل وحذرت من أن اندلاع حرب كهذه قد تتسع لتشمل أطرافاً أخرى، وسط تقارير أشارت إلى ضلوع إسرائيل في دفع دول المنبع إلى توقيع تلك الاتفاقية.

وفيما سعى رئيس الوزراء المصري، أحمد نظيف، إلى التذكير بأن العلاقات بين مصر ودول حوض النيل "حتمية وأزلية، وتقوم على التفاهم المتبادل، والعمل المشترك"، حذر وزير الخارجية، أحمد أبو الغيط، من أن المساس بمياه النيل هو "خط أحمر" للأمن القومي المصري، كما شدد وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، مفيد شهاب، أن أمن مصر المائي مسألة "حياة أو موت"، وحقوقها التاريخية في مياه النيل لا يمكن التفريط فيها.

وترى مصر والسودان أن اتفاقية "عنتيبي" لا تعفى دول المنبع من التزاماتها نحو الاتفاقيات السابقة القائمة والسارية بين دول الحوض منذ عام 1929، وتخشى الدولتان أن يؤثر هذا الاتفاق الإطاري الجديد على حصتيهما من مياه النيل، إذ يتضمن إقامة العديد من مشروعات الري والسدود المائية المولدة للكهرباء في دول المنبع.

تسعة وزراء أفارقة يجتمعون..

واجتمع وزراء الموارد المائية من دول حوض النيل في أديس أبابا لمناقشة التعاون والاستخدام المستقبلي لمياه نهر النيل.

وعقدت محادثات سابقة شابتها خلافات بشأن من يمتلك مياه النهر مع انقسام بين الدول السبع (بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية واثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا) التي تأتي منها غالبية المياه وبين دولتي المصب (السودان ومصر) اللتين تحصلان على نصيب الاسد من الماء.

وفي مراسم الافتتاح كان هناك توافق في الاراء على مواصلة الجهود للتوصل إلى اتفاق عادل لجميع الاطراف المعنية.

وقال اصفاو دنجامو وزير الموارد المائية الاثيوبي "العالم يراقبنا.. نحتاج لان نظهر للعالم الان كما فعلنا من قبل أننا رغم خلافاتنا قادرون على العمل معا والحفاظ على الرؤية طويلة الامد. يتعين أن نظهر للعالم أننا لا نزال نركز اهتمامنا على التصدي لبواعث القلق لدينا على المدى الطويل والقضاء على الفقر والجوع في منطقتنا والتصدى بشكل جماعي وفعال للتغير المناخي ومواجه التدهور البيئي وتحويل منطقتنا الى منطقة سلام واستقرار ونمو اقتصادي وتنمية." بحسب رويترز.

ويشارك في الاجتماع 60 مبعوثا بما في ذلك شركاء التنمية ومستشارون وضيوف تمت دعوتهم الى الاجتماع الذي سبقته اجتماعات لجان فنية على مدار خمسة ايام.

واضاف دنجامو "لا يمكن ان ندمر ما بنيناه بعناء شديد ومشقة. لن نعود أبدا للمربع رقم واحد في حلقة مفرغة ونرهق انفسنا دون داع ونرهق الذين معنا ومن يدعموننا ونهدر موارد نادرة.

وفي مصر القاحلة أغضب المسؤولون الدول الشريكة في حوض النيل لفترة طويلة من خلال التشبث بمعاهدات المياه التي تعود الى الحقبة الاستعمارية والتي تعطيها الحق في قسم كبير من المياه المتدفقة في أطول نهر في العالم.

لكن دول المنبع التي تتطلع بشدة للتنمية تأمل في قطع الصلة بالماضي وتهدد بتجاهل مصر ذات الثقل الاقليمي في معاهدة جديدة فيما يمكن ان يسفر عن تعميق صراع مرير بالفعل على الموارد المياه عبر هذه المنطقة الجافة.

ويمكن لهذه الخصومة أيضا أن تخل بالتوازن بين دول المنبع الفقيرة ومصر أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان. ويهدد التغير المناخي قطاع الزراعة الهش في مصر التي قد يتجاوز النمو السكاني مواردها المائية في عام 2017. وقال وزير الري والموارد المائية المصري محمد نصر الدين علام "يحدوني الامل في ان نخرج بتوصيات بناءة لمصلحة شعوب حوض النيل والامم التي تثق بنا."

وجرى أحدث فصل من فصول النزاع طويل الامد على مياه النيل عندما أعلنت دول المنبع بعد اجتماع عقد في شرم الشيخ في ابريل نيسان انها ستبدأ محادثات منفصلة مادامت مصر والسودان ترفضان تعديل اتفاقات المياه التي تعود الى عام 1929.

وتمنح اتفاقية عام 1929 التي مثلت القوى الاستعمارية البريطانية في افريقيا أحد جانبيها مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا وهي أكبر حصة من المياه المتدفقة في النهر وتبلغ 84 مليار متر مكعب.

كما انها تمنح مصر حق الاعتراض على اقامة سدود وغير ذلك من المشروعات المائية في دول المنبع التي تضم ستا من أفقر دول العالم.

ولكن محللين يقولون انه يتعين على مصر التي تسعى لتقديم نفسها كقائد للدول العربية والافريقية من أجل تعزيز ثقلها على الساحة الدولية أن تحسن علاقاتها مع دول المنبع التي يمكن أن يكون لها أهمية اقتصادية وتجارية في المستقبل.

وأثار الحديث عن مثل هذا الاتفاق القلق في مصر حيث تغذي مياه النيل قطاع الزراعة الذي يعمل به نحو ثلث اجمالي الوظائف.

ولا يمكن أن تعتمد مصر -على عكس دول المنبع- على الامطار وهي تحصل على 87 في المئة من احتياجاتها المائية من نهر النيل.

وطبقا لتقديرات الامم المتحدة فان تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحر يمكن أيضا أن يبتلع المزيد من الاراضي الخصبة المحدودة في دلتا النيل بمصر وهي بالفعل أكبر مستورد للقمح في العالم مما يكلفها 35 مليار دولار هذا القرن.

ويمكن أن تؤدي اقامة المشروعات الكبرى مثل استصلاح الاراضي أو بناء السدود في دول المنبع لزيادة الضغط على استخدام المياه في مصر.

ولكن حتى اذا وقعت دول المنبع الاتفاق الجديد فانها ربما لا تملك القوة المالية على المدى القريب لبناء سدود ومشاريع أخرى يمكن أن تتيح لهم سحب المزيد من المياه من النيل.

ومن غير المرجح أن تقدم الجهات الدولية المانحة والبنوك التمويل اللازم لبناء مشروعات مائية في دول المنبع خشية التورط في خلافات دبلوماسية اقليمية.

وقالت بارباره ميلر المتخصصة البارزة في الموارد المائية في البنك الدولي "نعترف بان دول النيل في مفترق طرق حساس عندما تتأملون في مستقبلكم الجماعي. باعتبارنا شركاء كان لنا الشرف في دعم جهودكم على مدار 11 عاما ماضية ونشجع استمرار الحوار والاتصال البناء بين كل الدول. الجميع لديهم مصلحة ومسؤولية لمواصلة التنمية في اطار تعاوني."

عشر سنوات من المحادثات..

وقامت كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا بالتوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل مع ترك إمكانية التوقيع عليها لمدة عام خلافاً للجدل الذي تمخض عنها، من المفترض أن تسمح اتفاقية نهر النيل بمزيد من الاستخدام العادل للمياه وتقلل النزاعات المحتملة بين الدول المشاطئة، وفقاً لأحد المحللين.

فقد أفاد ديبي تاديسي، الباحث البارز في معهد الدراسات الأمنية في أديس أبابا أن "مشكلة نهر النيل هي انعدام التعاون في مجال إدارة المياه... فهناك ما يكفي من [المياه] لجميع الدول المشاطئة، وهذه الإتفاقية تفتح الطريق أمام إدارة أكثر إنصافاً". بحسب شبكة الانباء الانسانية.

وكانت كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا قد وقعت على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل يوم 14 مايو، مع ترك إمكانية التوقيع عليها لمدة عام. وقد تلا التوقيع لقاء وزراء المياه فى مدينة شرم الشيخ المصرية، حيث وافقت بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا عليها.

ولكن مصر والسودان رفضتا الاتفاقية، قائلتين أنها تعكس وجهات نظر دول المنبع السبع فقط، وليس الدول التسع جميعها، واقترحتا عقد المزيد من المحادثات.

ووفقاً لمقال كتبته نادية آن زهران في مجلة "ميدل إيست تشانيل" يوم 19 مايو "أصبح السؤال بالنسبة لمصر والسودان، فضلاً عن البلدان الثمانية الأخرى المشاطئة، حول كمية المياه التي يمكنهم استخدامها في ري الأراضي الزراعية وتلبية احتياجات عدد السكان المتنامي، مسألة وجود تتضاءل أمامها الصراعات السياسية الأخرى التي تعاني منها المنطقة".

كما حذرت مجموعة الأزمات الدولية يوم 6 مايو من أن النزاع قد يؤدي إلى عملية استقطاب في المنطقة، كما يمكن أن يقوي عزم مصر على الحفاظ على الوضع الراهن عن طريق مناصرة السودان ومعارضة البلدان الأخرى.

وقد حولت هذه الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها في عنتيبي في أوغندا، بعد عشر سنوات من المحادثات، مبادرة حوض النيل إلى لجنة دائمة لحوض النيل وستسهل الاعتراف القانوني بها في الدول الأعضاء.

وبينما قامت كينيا بالتوقيع في 19 مايو، قالت وزيرة المياه الكينية تشاريتي نغيلو أن "لا شيء يمنعنا الآن من استخدام المياه كما نرغب. والأمر متروك الآن لمصر والسودان للانضمام إلينا بروح التعاون على أساس نيل واحد، وحوض واحد، ورؤية واحدة. لا يمكن لدولتين من أصل تسعة أن تمنعانا من تنفيذ هذه الاتفاقية الإطارية".

ولتحظى بالمصادقة، تحتاج الاتفاقية الآن إلى توقيع جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي.

وأخبر مصدر في محادثات عنتيبي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "ما سيدعم استخدام موارد نهر النيل هو الاستخدام العادل والمستدام لمصلحة جميع الأعضاء. فالاتفاقية الجديدة لا تسري سوى على الدول الأعضاء التي وقعت، وهو ما يعني أنه ما لم توقع مصر والسودان، لن تكون الاتفاقية ملزمة لهما... [لكن] الهدف الرئيسي هو إعطاء فرص متكافئة لجميع الأعضاء دون أن تدعي أية جهة السيطرة على 90 بالمائة من مياه النهر".

وأضاف أنه لا يمكن الدفاع عن احتكار مصر الحالي، "إذ لم يكن هذا مقبولاً لدى العديد من الدول الأعضاء، وهو سبب التفاوض على اتفاق جديد". وقال أنه "ستكون هناك صيغة متبعة عند استغلال موارد النهر، فهذه الاتفاقية لم تخترع شيئاً جديداً، ولكنها قننت القانون الدولي القائم بالفعل والذي يحكم المجاري المائية".

وما زالت مصر حتى الآن متمسكة بأسلحتها، حيث نقلت وكالة رويترز عن وزير الموارد المائية والري محمد نصر الدين علام يوم 18 مايو قوله: "أي مشروع ينتقص من تدفق النهر لابد أن يحظى بموافقة مصر والسودان، وفقاً للمعاهدات الدولية. ومصر تراقب عن كثب مشاريع توليد الطاقة في حوض النيل".

وقال تاديسي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوم 19 مايو أنه لا يوجد أمام مصر والسودان خيار سوى التفاوض مع باقي الدول المشاطئة. وأوضح أن "أمامهما عام كامل لاتخاذ قرار، ولكن سيتعين عليهما اتخاذ قرار ما"، مضيفاً "أنهما لن تكونا قادرتين على رصد ما يحدث في دول أعالي النيل المشاطئة إلا إذا وقعتا على الاتفاقية، وعدم معرفة ما يحدث في تلك الدول سيشكل تهديداً لمصر والسودان. فعلى سبيل المثال، إذا بنت إثيوبيا أو كينيا المزيد من السدود، فسترغب مصر عندها بمعرفة ماذا يحدث".

وقال المصدر الذي قابلته إيرين في عنتيبي أن "لا أحد سيقطع المياه عن دول المصب، ولكن ستكون لدينا فرصاً متساوية للاستفادة منها. سوف تنشأ نزاعات وسيتم حلها عن طريق لجنة حوض النيل... ولكن حتى عندما يتعذر حلها على هذا المستوى، يمكن اللجوء إلى أطراف ثالثة مثل محكمة العدل الدولية، ولكني أعتقد أن الأمر لن يستدعي ذلك".

ووفقاً لكيتوري كينديكي من كلية الحقوق في جامعة نيروبي بكينيا، لا يدعم القانون مطالبات مصر الفردية بالحفاظ على الوضع القائم على النيل، أو تهديد دول المنبع، مثل تنزانيا وأوغندا وكينيا، بعرقلة مسار النيل من بحيرة فيكتوريا.

وأضاف أنه "ينبغي فهم شرعية معاهدات النيل في سياق القانون الدولي فيما يتعلق بتعاقب السلطة وتغير الحكومات وكيف يؤثر ذلك على الالتزام بالمعاهدات،" وفقاً لبحث أجري في ديسمبر 2009. "وكل هذه المعاهدات، باستثناء اتفاق عام 1959، اعتمدت عندما كانت جميع الدول المشاطئة للنيل (باستثناء إثيوبيا) تحت حكم قوى استعمارية خارجية".

ويوصي البحث باتباع ثلاث طرق لحل مأزق النيل وهي: اختتام المفاوضات واعتماد معاهدة جديدة ملزمة لجميع الدول المشاطئة، وتشجيع التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، وإحالة مسألة شرعية معاهدات النيل إلى محفل قضائي أو تحكيم دولي.

وقالت وزيرة مياه الأوغندية ماري موتاغامبوا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في عنتيبي أن المفاوضات لم تنته بعد. "إذ سيتم التصديق على الاتفاقية بعد توقيع الدول الأعضاء عليها، وباب التوقيع سيبقى مفتوحاً لمدة عام". وأضافت قائلة: "تقدم لنا [الاتفاقية] جميعاً فرصة لنتوحد ونتطور. [فمصر والسودان] لا تريدان وقف الاستخدام الحالي، والمسألة تتعلق بإقناعهما. أنا آمل أنه في غضون هذا العام يمكن أن نقنعهما بالانضمام إلينا".

وتحاول الاتفاقية مراجعة اتفاقية وقعتها مصر عام 1929 مع القوة التي كانت تستعمرها آنذاك وهي بريطانيا، وأخرى وقعتها عام 1959 مع السودان. وتعطي الاتفاقيتان مصر والسودان أكبر حصة من المياه، بنسبة تبلغ 87 بالمائة من مياه النيل. وتملك مصر أيضاً السلطة لمعارضة إنشاء السدود ومشاريع المياه الأخرى في بلدان المنبع، كما تحتفظ بفرق من المهندسين على طول النهر لمراقبة مستويات المياه، بما في ذلك مصدرها في جينجا وفي ملكال في جنوب السودان.

في ظل استمرار تأثير تغير المناخ على المناطق التي تعاني من الجفاف، سيتزايد الاعتماد على النيل، الذي يتدفق عبر 10 بالمائة من إفريقيا وتتقاسمه عشر دول

ويقول النقاد أن الاتفاقيتين تنتميان إلى عصر الاستعمار لأن التوقيع عليهما تم قبل حصول الدول الأخرى المشاطئة على استقلالها، ولكن مصر تصر على أنهما وقعتا لحماية مصالحها. ونقلت رويترز عن مفيد شهاب، وزير الدولة المصري للشؤون النيابية و‏القانونية، قوله لمجلس النواب مؤخراً أن "حقوق مصر التاريخية في مياه النيل مسألة حياة أو موت، ونحن لن نتنازل عنها".

وفي الخرطوم، قال المستشار القانوني السوداني لمبادرة حوض النيل أحمد المفتي في مؤتمر صحفي يوم 11 مايو أن موقف حكومته هو عدم التوقيع على الاتفاقية حتى تتوصل جميع الدول التسع إلى حل للقضايا المتنازع عليها. ويقول مراقبون أن هذا الموقف يمكن أن يتغير إذا صوت جنوب السودان لصالح الاستقلال في استفتاء عام 2011.

وقد اتفقت إريتريا، التي تتمتع بمركز المراقب في المفاوضات، في الرأي مع القاهرة والخرطوم. ففي بيان صادر عن وزارة الإعلام الإريترية، قال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أن دول المنبع أصدرت "اتفاقات ولوائح خاطئة" حول استخدام نهر النيل. وصرح للتلفزيون المصري بأن هذا "لا يؤدي فقط إلى تفاقم الوضع، ولكنه يخلق أجواءً من التوتر كذلك".

ويعتبر نهر النيل، الذي يتدفق لمسافة 6,825 كيلومتراً من بحيرة فيكتوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، أطول نهر في العالم، ويصرف نحو 300 مليون متر مكعب من المياه يومياً. ويمد النهر مصر، التي تكاد لا تهطل فيها الأمطار على الإطلاق، بنحو 90 في المائة من احتياجاتها من المياه في حين يعيش أربعمائة مليون شخص في البلدان التي تتقاسم النهر.

ويقول الخبراء أن عدد سكان مصر قد يصل إلى 130 مليون شخص بعد 40 سنة، مما يزيد من مطالبها. كما تريد إثيوبيا بناء المزيد من السدود على النيل الأزرق، في الوقت الذي وعد فيه السودان مزارعين أجانب بقطع شاسعة من الأراضي. وفي كينيا، يريد المزارعون توسيع الري، بينما تخطط أوغندا لبناء السدود وتعتزم تنزانيا بناء خط أنابيب يبلغ طوله 170 كيلومتراً من بحيرة فيكتوريا لإمداد المناطق الجافة بالمياه.

ووفقاً لمعهد الدراسات الأمنية، سيعيش واحد من كل شخصين في إفريقيا تقريباً، في بلد يواجه ندرة في المياه أو "إجهاداً مائياً" في غضون 25 عاماً، بسبب النمو السكاني السريع والتنمية الاقتصادية. وبحلول عام 2025، ستنضم 12 دولة إفريقية إلى 13 بلداً يعاني بالفعل من الإجهاد المائي أو ندرة المياه في القارة.

"وتبقى الكثير من الأمور على المحك بالنسبة لجميع اللاعبين في المنطقة، وربما بالنسبة للعلاقات العربية-الإفريقية ككل، المثقلة بالفعل بسبب سنوات من الإهمال والصراع المباشر في السودان،" كما أشارت زهران. "ففي ظل استمرار تأثير تغير المناخ على المناطق التي تعاني من الجفاف، سيتزايد الاعتماد على النيل، الذي يتدفق عبر 10 بالمائة من إفريقيا وتتقاسمه عشر دول".

توقعات الحرب بين دول حوض النيل

وقالت مجلة فورين بوليسى، إن الصراع الناشب حالياً على مياه نهر النيل بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر أصبح من الأمور الوجودية التى تقزم أى صراعات سياسية أخرى تعانى منها المنطقة.

وأشارت المجلة إلى أن إثيوبيا أعلنت نهاية الأسبوع الماضى عن بناء سد جديد لرى الأراضى الزراعية وتوليد الكهرباء، وقد هددت مصر من قبل بشن حرب إذا ما أنشأت أى دولة سداً لتقل من حصتها من مياه نهر النيل، ولكن وقع هذا المحظور الآن بالفعل، ولكن اضطرت مصر لاتخاذ موقف أكثر دبلوماسية، حيث دعا الرئيس مبارك إلى استمرار المحادثات.

وأضافت الصحيفة، أن الكثير من الأمور على المحك بالنسبة لجميع اللاعبين فى المنطقة، وربما بالنسبة للعلاقات العربية الأفريقية ككل، تلك العلاقات التى تشهد توتراً على إثر سنوات من الإهمال والصراع المحتدم فى السودان، ولأنه تغير المناخ يؤثر على هذه المنطقة، فإن الاعتماد على مياه نهر النيل، الذى يمر بعشرة دول، أصبح متزايداً.

لذا فإن الحصول على المياه أمر حيوى لاستمرار هذه الدول، وكل من مصر والسودان بعدوا عن التهديد بشن حرب إذا ما سحب منهم حقهم فى الحصول على مياه النيل، مراكز المشكلة تلفت حول الندرة مقابل مطالب السكان.

وتذكر المجلة الأمريكية أنها ليست المرة الأولى التى تورد فيها مثل هذه الخلافات فى المنطقة، ففى عام 2004، حاولت تنزانيا بناء خط أنابيب يبلغ طوله 105 أميال من بحيرة فيكتوريا، المشروع الذى يمكن من خلاله رى مجموعة من القرى شمال غرب تنزانيا وإمدادها بالمياه، ولكن وفقاً لمصدر مسئول فإن مصر اعترضت على المشروع وهددت بقصف الموقع إذا ما استمرت عملية الإنشاء، لأنه هذه المياه تتدفق من الشمال إلى سد أسوان، ذلك السد الذى تم بناؤه دون التشاور مع إثيوبيا أو البنك الدولى والولايات المتحدة بعد أن رفضوا الاستثمار فى المشروع.

وقد حاولت إثيوبيا التحكم فى الوصول إلى النيل من خلال بناء سد على بحيرة تانا، التى تصب فى النيل الأزرق، وفى 1970 هدد الرئيس أنور السادات بخوض حرب ضد إثيوبيا إذا ما حدث ذلك، وحتى الآن لم تقام حروب، كما لم تقام أى مشروعات من هذا القبيل، لكن الاتفاق الذى وقعته دول المنبع الأسبوع الماضى فى غياب مصر والسودان وكذلك الحديث عن بناء سد إثيوبى قد يغير هذا الوضع.

وقالت المجلة، إن من الصعب على كل من مصر والسودان تغيير مشروعات التنمية لديها بشكل جذرى للتناسب مع خفض حصتهم من المياه، وقد تورطت السودان بالفعل فى صراع دامى فى دارفور أدى برئيسها إلى إدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ذلك الصراع السياسى الذى نتج جزئياً عن التغير المناخى، وهذا يطرح تساؤلاً أكثر أهمية حول مساعدات التنمية الأمريكية الموجهة لمصر.

وأضافت المجلة، أن هيئة المعونة الأمريكية استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار منذ 1975 فى مشاريع الرى الخاصة بها بالدلتا وصحراء سيناء، أحد هذه المشروعات تم إنشاؤه تحت إشراف الرئيس السادات الذى حاول إنشاء ترعة السلام التى تخصص 1% من حصة مصر من مياه النيل لتدفق إلى إسرائيل فى صفقة تبادلية مقابل حصول الفلسطينيين السيادة على القدس الشرقية، وحينما لم تتحقق هذه السيادة، توقفت مصر عن الإنشاء.

ومن بين المشروعات الأخرى مشروع رى ضخم بتكلفة 145 مليون دولار بمنطقة دلتا النيل بتمويل مشترك مع البنك الدولى، وخطط لرى سيناء بتمويل الحكومة المصرية.

وظاهرياً فإن هذه المشروعات أثبتت منفعة كبيرة للمستثمرين، حيث يتم تصدير العديد من المحاصيل الزراعية للأسواق الأوروبية، لكن يبدو أن هذه المشروعات لها تداعيات وآثار طويلة الأمد لم تلحظها الحكومة المصرية، فليس فقط رى 100% من المحاصيل الزراعية يقوم على النيل، لكن هناك مخاوف حقيقة متنامية بشأن الآثار المترتبة على الأمن الغذائى، حيث انخفاض المحاصيل الزراعية مقابل الارتفاع المستمر فى عدد السكان.

وتؤكد فورين بوليسى على أن دول حوض النيل تعبت من الإنتظار طويلا حتى تقبل مصر والسودان توقيع اتفاق جديد يمنحهم جزء من مياه النيل، ومع ضرب تنزانيا بموجة شديدة من الجفاف، زادت آمال تغيير الوضع الراهن الذى صمتوا عنه طويلاً، خاصة مع وجود جهات مانحة.

وختمت المجلة، فى ظل وجود العديد من القضايا العالقة، سيكون لزاماً على المجتمع الدولى، ولاسيما الولايات المتحدة، أن تتخذ دور اكثر فعالية فى جمع بلدان هذه المنطقة الحيوية التى تربط بين أفريقيا والشرق الأوسط، وفى الواقع يتعين على الولايات المتحدة إعادة تقييم الاحتياجات اللازمة لتحقيق سلام وأمن المنطقة المحيطة بالنيل، لأنه ما لم يتم معالجة هذه القضايا فإن مخاطر المنطقة لن تقتصر على الصراعات السياسية الداخلية، لكن من المحتمل شن حروب بين الدول تستقطب السكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/حزيران/2010 - 17/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م