الطريق نحو الاقتصاد المعرفي

مرتضى بدر

اقتصاد المعرفة يعتبر اليوم من أهم فروع علم الاقتصاد، ويعتمد على الاستثمار في المعرفة وفي العنصر البشري، ويرتكز على الإبداع، والمبادرة، والاختراع، والاحتكاك بين أفراد المجتمع من أجل كسب المهارات وتبادل المعلومات ونشر المعرفة فيما بينها. جميع الدول التي وصلت إلى مجتمع معرفي مرّت بمجتمع معلوماتي في المرحلة الأولى، ثم استثمرت في المعلومات علمياً وصحياً وخدمياً وتقنياً وصناعياً وتجارياً حتى تمكنت من بناء البنية التحية للمجتمع المعرفي، ثم عملت دون توقف في عملية الإبداع والابتكار حتى استطاعت بناء اقتصاد معرفي.

 نستطيع القول إن مجتمعاتنا الخليجية التي تعتمد على النفط كناتج رئيسي للدخل القومي تعتبر اليوم مجتمعات معلوماتية، بمعنى إنها تكتسب المعلومات وتخزنها في عقول أبنائها من دون أن تستثمر في تلك المعلومات بصورة علمية ومنهجية تؤهلها للانتقال من مجتمع معلوماتي إلى مجتمع معرفي.. بمعنى آخر إن شعوب المنطقة تعاني من خلل في وعيها المعلوماتي.

“البعض يرى أن الدول النفطية دول غنية، ولكننا في الواقع لسنا دولاً غنية، وخصوصاً بالمقارنة مع دولة مثل كوريا الجنوبية، التي تعتمد نصف منتجاتها على الخدمات، ونصفها خدمات معرفية، وهذا يعني أن النفط ليس ثروة، وإنما قد يكون نقمة علينا إذا كان سيؤدي إلى تراخي الإنتاج”.. (كلمة هيثم القحطاني في ندوة صحيفة الوسط بتاريخ 30/5/2010).

باعتقادي رغم التباطؤ في عملية الانتقال إلى الاقتصاد المعرفي في المنطقة الخليجية إلا أن المؤشرات تشير إلى أن مؤشر الاقتصاد المعرفي في عددٍ من دولنا يتراوح بين 5، 5 إلى 6، 3 وهذا يعني أن دول المنطقة مهيأة للولوج إلى مجتمع معرفي ومن ثم اقتصاد معرفي إذا ما توفرت لها محفزات الصعود، كتدفق المعلومات بحرّية، والتركيز على التدريب والتعليم، والاستثمار في العنصر البشري، وخلق مناخات الإبداع، وتطوير الاقتصاد المبني على المعرفة.

لقد حلّت البحرين اليوم في المرتبة الأولى عربياً والثالثة عشرة عالمياً في الحكومة الإلكترونية، وهناك مؤشرات جيدة عن تحسين مستوى التعليم والرعاية الصحية والاتصالات والخدمات، وخاصة الخدمات البنكية، وكذلك تطور الصناعات التحويلية. نستطيع القول أن البنية التحتية في البحرين مهيأة لبناء اقتصاد المعرفة إذا ما التزم القائمون في عملية التخطيط الإستراتيجي بشروط بناء هذا النوع من الاقتصاد وهي المعرفة الفنية، والإبداع، والذكاء، والمعلومات، وضرورة توفير أرضية ملائمة للحصول على المعلومة بحرّية دون قيود بيروقراطية.

بتقديري، أية حكومة تعمل على حجب المعلومة عن مواطنيها لا يمكنها بناء اقتصاد معرفي منتج وفاعل، وقد تحكم على نفسها بالتبعية للدول المنتجة، وعدم الخروج من دائرة الاستهلاك، وفي المدى الطويل تخلق لنفسها ولشعبها أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية.

 إن توفير مناخ الحرية، وضمان تدفق المعلومة، يحققان الحيوية والنشاط في أي مجتمع، ويخلقان روح الإبداع لدى الأفراد، ويدفعانهم على المبادرة والتفكير في تطوير وتحسين عملية الإنتاج في شتى دروب الاقتصاد، وكذلك المشاريع الخدمية. وفي المقابل حينما تتوتر الأجواء السياسية في بلدٍ ما، وتعمل حكومتها على قمع الحريات فسوف تترك تلك الإجراءات القمعية تأثيراتها على جميع القطاعات، ويصبح كل شيء في البلاد مُسيّساً، وهذا دليل على وجود علاقة بين الاقتصاد والسياسة، ويكشف في نفس الوقت مدى التأثير الذي تتركه الحرية السياسية والإعلامية في عملية التنمية الاقتصادية بمجملها.

والخلاصة، نستطيع التأكيد على أن الاقتصاد المعرفي لا ينمو إلا في مجتمع معلوماتي تساهم فيه تقنية الاتصالات في التقريب بين الأفراد والمؤسسات، وفي ظل أجواء من الحرية والإبداع، تلعب المعرفة دور الدينامو في عملية النمو الاقتصادي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/حزيران/2010 - 16/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م