شبكة النبأ: أخبار المونديال العالمي
هي الشغل الشاغل لوسائل الإعلام على مدار شهر كامل وللشعوب بكل لغاتها
وألوانها المشاركة فيه او المتفرجة.
هذا الانشغال هو جزء عولمة ما بعد الحداثة وامحاء المسافات بين
الجغرافيات الكونية على الارض والفضاء وهو تجسيد لفلسفة غياب الفوارق
بين الصورة في أمسها والصورة الان.
بلداننا العربية واحدة من المنظومات الكونية التي تنشغل بهذا الحدث
وتفرد لها مساحات واسعة من بثها حتى الاخبارية منها والـرصينة فالرصانة
ايضا اصبحت معولمة بسبب طغيان الشعبوي والحسي والمادي على كل شئ..
قناة العربية الإخبارية أفردت برنامجا خاصا لهذا الحدث بعد ان اشركت
عددا من مذيعيها في دعاية طريفة عنه تكشف عن وجوه جديدة لمذيعيها الذين
يمتازون بالـرصانة والكلفة في تقديم مواد برامجها الأخرى.
في حلقة ليلة 20/6/2010 استضافت العربية في برنامجها (مونديال جنوب
افريقيا) والذي يقدم في الثانية عشرة ليلا احد الصحفيين في جريدة
لوكيب الفرنسية والتي نشرت ما دار في المعسكر التدريبي الفرنسي بين
اللاعب انيلكا ومدرب المنتخب الفرنسي والذي قرر الاتحاد الفرنسي على
اثر تلك الحادثة ابعاد اللاعب عن المنتخب وإعادته إلى فرنسا.
عنونت الصحيفة عددها ليوم 19/6 بالعبارة التي أطلقها انيلكا بوجه
المدرب (اذهب إلى الجحيم.. ياابن العاهرة).. لست في وارد الحديث عن هذه
العبارة بل ما يهمني هو رد الصحفي على المذيع.. اعتبر هذا الصحفي إن ما
قام به اللاعب هو إهانة للناخب الفرنسي الذي يدفع الضرائب للحكومة
ومنها رواتب الفريق وبالتالي فأن اللاعب ملزم باحترام هذا الناخب من
خلال احترام اللوائح والتعليمات والمدرب ولأن المدرب والمسؤول في
الفريق يعتبر قدوة في المجتمع وتصرف اللاعب سيفتح الباب واسعا أمام
إهانات المعلم في المدرسة من قبل الطلاب والرئيس من قبل مرؤوسيه الخ...
في ردود الفعل على هذا السلوك المشين اعتبر الرئيس الفرنسي ما قام
به اللاعب (فضيحة) وطالب وزيرة الشباب والرياضة بالاجتماع
باللاعبين..استقال مدرب اللياقة البدنية من الفريق.. وامتنع أعضاء
الفريق الفرنسي من إجراء التدريبات احتجاجا على قرار إبعاد اللاعب
ولازالت الـقضية تتفاعل بين ساعة وأخرى وهي مرشحة للتطور أكثر بعد
خروج المنتخب الفرنسي من البطولة..
فرنسا نابليون وديغول وفرنسا سارتر وجميع الرموز الثقافية تعيش هذه
الأيام مأزقا أخلاقيا جراء الإهانة التي لحقت بالناخب الفرنسي ودافع
الضرائب من قبل احد اللاعبين..
ويعلمنا الغرب الكافر الدروس على الأقل في الوطنية.. المدرب الفرنسي
يمتنع عن مصافحة مدرب جنوب إفريقيا كارلوس البرتو، لماذا؟ يجيب كارلوس:
(قال لي بأنه لا يريد مصافحتي لأنني تكلمت بالسوء عن المنتخب
الفرنسي وقلت بأنه لا يستحق التواجد في النهائيات).
ما علاقة هذا المأزق الاخلاقي الفرنسي بالطبقة السياسية العراقية
وبالمأزق الأخلاقي العراقي؟؟
وهنا المأزق لا تعيشه الطبقة السياسية العراقية بل هي بعيدة كل
البعد عن اي معيار اخلاقي مجتمعي او سياسي يمكن ان تحاكم من خلاله انه
توصيف مجازي من باب المقارنة لا اكثر لكنها مقارنة مفارقة للمعيار
الاخلاقي المتعارف عليه حتى في اشد انواع الانحطاطات السياسية..
سبقت الانتخابات الأخيرة منشورات تحرض على القتل (قتل من يتوجه إلى
صناديق الاقتراع)...
وزعتها اكثر من جهة ترهيبا وتخويفا ورغم ذلك خرج الملايين للإدلاء
بأصواتهم وانتخبوا مرشحيهم لاسباب عدة لا داعي لذكرها.. وعلى مدار سبع
سنوات انتقالا او انتخابا للطبقة السياسية العراقية لم تفلح جميع
الإخفاقات الأمنية أو السياسية او الخدمية في حمل وزير او مسؤول حكومي
على تقديم استقالته والتخلي عن منصبه.. نعم حدثت بعض الحوادث ولكنها
كانت هروبا من اوامر القاء القبض او محاكمة لتهم تتعلق بالفساد أو دعم
الإرهاب وحادثة محمود المشهداني رئيس البرلمان السابق كانت إقالة وليست
استقالة في حقيقتها، ليس ثأرا لكرامة الناخب العراقي بل ثأرا مبيتا
لبعض الأحزاب والكتل السياسية ولان لسانه السليط لم يعد بالإمكان
السيطرة عليه..
وتتمادى الطبقة السياسية العراقية في توسيع مأزقها من خلال سلم
الرواتب الذي اقرّت قانونه بسرعة لم يعهد لها وبحضور قارب على اكتمال
النصاب القانوني والعددي ناهيك عن الاتفاق على توزيع الدور والأراضي في
المنطقة الخضراء على المحازبين والأنصار بمبالغ بخسة ورغم هذا يتقاسمها
الفاسدون قبل ان تصل الى صناديق الخزانة العراقية التي صنعت القطط
السمان واسماك القرش في غضون هذه السنوات السبع العجاف على إنسان هذا
البلد وحده..
منذ الانتخابات الأخيرة في السابع من آذار والمشهد السياسي العراقي
يكرس مأزقه السياسي الأخلاقي مزيدا من الانقسامات على مرجعيات شخصية
وعقد نفسية ضد الآخرين وكل يطمع للفوز بأكبر قطعة من الكعكة التي
يحملها العبيد ويتساقط عليهم فتاتها عند الاقتسام وهو فتات معجون بالدم
والدموع ومشاعر الخيبة..
فما الذي - يتساءل هؤلاء العبيد - أبقاه طغاة اليوم لطاغية الأمس لم
يجاروه فيه ولم يتفوقوا عليه فيه؟
في أي مجتمع محكوم بمجموعة من المنظومات والقيم الأخلاقية، الدينية
والوضعية منها، تمتلك الحكومات المشكلة عن طريق الانتخابات ضميرا
أخلاقيا يعد كابحا لتجاوزاتها واستهتارها بصوت الناخب الذي أوصلها إلى
المواقع التي هي فيها، والتجارب كثيرة، إلا في العراق، وديمقراطيته
التلاقفية ( نسبة إلى مقولة أبي سفيان الشهيرة: تلاقفوها... تلاقف
الكرة)..
حيث الوزير الفاسد لا يخشى من فساده ولا يخشى عليه، وحيث الرشوة
والسرقة وفضائح الاختلاس تصبح محل فخر وتباهي ولا يسأل الفاسدون عما
يفعلون.. |