كيف ننتصر على الإرهاب

زاهر الزبيدي

ما حدث في البنك المركزي العراقي،يوم الأحد الماضي، أمراً يثير الفزع على الرغم من أننا معتادون عليه في العراق وكذلك يثير الحيرة وتلك أيضاً لا تفارقنا كأسمائنا في بلد العجائب ويثير الخوف وهذا معشعش في صدورنا منذ عقود كثيرة ويثير الاستغراب الكبير وهذا ينتابنا بشكل جزئي..

أما الغرابة في ذلك هو أن البنك المركزي هو بيت مال المسلمين من عباد الله والهجوم عليه بتلك الطريقة المنظمة أمر يستدعي وقفة تتطاول على الحدث ذاته، فباديء ذي بدء علينا الاعتراف أن بناية البنك المركزي العراقي من المواقع التي لا يخمن أحد أن يأتي يوماً يتعرض فيه لما تعرض له إلا إذا حصل احتلال أخر وحوسم الموقع من جديد؟ ولكن في ظل حكومة منتخبة وجيش ومنتسبي شرطة وصل عددهم الى النصف مليون رجل نرى من الصعوبة بمكان أن يحصل ما يحصل مع وجود فرقته الذهبية المكلفة بحمايته.. وعلى أية حال فقد حصل وقدمنا كشعب ضحايانا قرباناً لمسيرة العملية السياسية التي لا تتخم إلا بطون ساستنا العظام.

وبسبب ذلك الشعور،التخمين، الذي ينتاب القائمين على الحماية، ترك في نفوسهم حال من التراخي وفي وقت محدد كانت التنظيمات الإرهابية على علم به فالمنطقة ليست محظورة على السابلة بل أن البنك لا يبعد عن أشد الأماكن ازدحاما ببضعة أمتار مما يسهل عملية مراقبته ومراقبة حركة أفراد الحماية وأماكن تواجدهم وحتى تصويرها؟؟

 أن الإرهاب نوعان عسكري ومدني، فالإرهاب العسكري هو ذلك الذي تقوم به الأجنحة العسكرية للتنظيمات الإرهابية على اختلاف أشكالها ومسميتها وانتماءاتها الطائفية باستخدام المتيسر لها من طرق القتل بالتفجير أو القتل بالكواتم أو بالعبوات اللاصقة وغيرها كثير، والإرهاب المدني هو ذلك الإرهاب الذي يتسبب به ضعف إداء بعض المؤسسات الحكومية والخدمية في البلد لأن كلاهما يتسببان بإزهاق أرواح عباد الله، على الرغم بان أغلبنا لم يدخل ذلك في حساباته، فعلى سبيل المثال لا الحصر التلوث بسبب تجمع النفايات وتكاثر القوارض والفايروسات القاتلة يؤدي الى تفاقم الأمراض الخطرة على حياة البشر وبالتالي قتله ووجود النشاط الأشعاعي المميت ودفن النفايات المشعة على أرض الوطن كله أرهاب ولكننا مع الأسف نغض النظر عنه عن قصد أو دون قصد..

 وفي العراق بالذات عانينا من كلا الإرهابيين على حد السواء حين تناوبا على إزهاق أرواح مئآت الآلاف من أبناءنا بلا ذنب ولا جريرة.

أما كيف ننتصر على الإرهاب.. فالأمر بسيط وهو الاحتياط في كل شيء وهذا الاحتياط لايمكن أن يتوفر بشكله المثالي إلا بتوفر فكر علمي ايجابي يتفوق على سلبية الفكر الإرهابي وبمعنى آخر هو حاسة توقع الأعمال الإرهابية قبل وقوعها، فعلينا أن نضع رؤيا للأحداث وطرق القيام بها قبل فترات طويلة من حدوثها وفن التوقع هذا لا يمكن أن يأتي من العدم فعلينا أن نتوجه لذوي الاختصاص من الخبراء الجنائيين لرسم صوراً عن هذا التوقع على أن تكون تلك الصور أشبه بلقطات فيديوية أخذت لموقع تعرض لهجوم إرهابي ما ولكن.. قبل وقوعه طبعاً.

علينا أن نسبق الخطط الإرهابية بخطوات كبيرة لأننا سنكون مع خاصية فن التوقع قادرين على وضع خطط المواجهة وإعداد وسائل التدريب عليها بحنكة وخفة وقوة، وعلينا أن لا ننجر وراء العمليات الإرهابية ونتعلم فقط من العمليات التي تقع بل أن نستبق ذلك كما أسلفنا.

ومن الملاحظ جلياً أن العمليات الإرهابية ليست بالعشوائية بل هي عمليات منظمة تنظيماً دقيقاً وخطط لها بعناية وتأني واضح وبغض النظر عن أهدافها فهي تشل ديناميكية الثقة التي لا زالت متأرجحة في نفوس أبناء الشعب تجاه القوات الأمنية العراقية ولا سبيل أمامنا لتثبيت تلك الثقة إلا بالعمل الدؤوب المتواصل الجدي والعلمي فنحن في 2010 لسنا بحاجة لرجال لتحمل السيوف بل بحاجة لعقول ناضجة مدركة لأهمية المواقع التي هي بمعيتها وبإطلاع واسع على سبل مكافحة الإرهاب الحديثة بتقنياتها المتكاملة وبكم المعلوماتية المتوفرة عن توجهات المنظمات الإرهابية.

أما موضوع أن تسحبنا العمليات الإرهابية وراءها فهذا أمر خطير يتسبب في خلل كبير في الأداء الأمني وتجمده عند حدود تفسير مجريات العمليات الإرهابية فقط وكما يحدث الآن وكذلك ضياع أكبر في الإمكانيات البشرية والمادية المتيسرة، أما كيف يتم ذلك؟ نرى وأغلب الشعب العراقي أنه لو حصل انفجار ما بسبب عجلة ملغومة من نوع معين من عجلات الحمل، نقوم بمنع تلك هذا النوع من المرور من ذلك المكان وكأن التنظيم سيعاود الكرة مرة أخرى على الرغم من أن احتمالية ذلك ستكون ضعيفة، ولو حصل انفجار في مكان ما بسبب انتحاري نقوم بمنع المواطنين جميعاً من الوصول الى ذلك المكان، ولو حصل انفجار بسبب عربة حمّال بسيط يمر من شارع الرشيد نقوم بمنع العربات من المرور؟ لتنتقل بعدها المنظمات الإرهابية للتخطيط لوسيلة شيطانية أخرى يراعى فيها إزهاق أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب وبغض النظر عن انتماءاتهم وأعمارهم والشيء الغريب حقاً أن نمارس أضعف الأيمان دائماً وهو أن نغلق الشارع الذي يحدث فيه انفجار ما، بغض النظر عما سيؤول اليه ذلك من إغلاق كل الشوارع وبذلك نكون قد وفرنا حماية بجزئية محددة ولكن على حساب الاقتصاص من حرية الفرد.

إن فن التوقع له نظرية خاصة تدعى نظرية التوقع، وهي ذاتها التي طورها فيكتور فروم victor vroomعام 1964 و تعتبر من النظريات المهمة في " تفسير الحافز عند الأفراد وجوهر نظرية التوقع يشير إلى أن الرغبة أو الميل للعمل بطريقة معينة يعتمد على قوة التوقع بأن ذلك العمل أو التصرف سيتبعه نتائج معينة كما يعتمد أيضاً على رغبة الفرد في تلك النتائج " ولتوضيح تلك النظرية ببساطة فهي تتسائل عن الباعث الحقيقي والنتائج المتوخات منها ونكاد نجزم بأن كل نتائج إيجابية ستكون توقعاتها ستكون صحيحة، فأي مؤشر على توقع أمر ما يقلل الخسائر فأن ذلك التوقع سيكون إيجابياً وسليما على الرغم من محدودية النتائج فنحن بحزمة من التوقعات سنصل الى تكوين صورة نموذجية عن الحدث المستقبلي وعند ذاك سيكون دور لمعالجة هذا الحدث بالطرق الكفيلة بمنعه أولاً أو بالتقليل من خسائره الى أدنى الحدود الممكنة مع أن منعه سيكون أكثر أهمية.. وطالما نحن نتعامل مع أرواح أناس أبرياء قد يكونوا معرضين للقتل في أية لحظة فعلينا أن نحسن التوقع ونحسن معه بوضع آليات منعه.

وفي البنك المركزي العراقي أتسائل، لأهمية موقعه المادية والمعنوية، هل قامت القوات الأمنية المسؤولة عن الموقع بتمارين تجريبية مختلفة ومستمرة لمواجهة احتمالات التعرض لهجوم إرهابي مثلما حدث في يوم الأحد، وإذا كانت بنعم، فلماذا الخسائر التي طالت أرواح الأبرياء؟

وإذا كان بـكلا، فمتى يتم ذلك ونحن في العراق نعيش مواجهة مستمرة على مدار الأربعة والعشرين ساعة مع مختلف أنواع الإرهاب حتى ليتراءى لنا في أحلامنا ويقظتنا؟ ولماذا وقد مرت علينا أحداث كثر تسببت في هدر الكثير من أموال الجياع، كما نلاحظ أن هناك دول بعيدة كل البعد عن الإرهاب وتقوم بتمارين كبيرة وموسّعة لتجابه خطر الإرهاب، فكيف بنا ونحن نعيش في قلب الإرهاب؟

 إن القيام بتلك التمارين سيوفر لنا الكثير فعلى أقل تقدير سيمكننا من تقليل الخسائر في أرواح الأبرياء وقد نعصم بها بيوت مال المسلمين من الضياع.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/حزيران/2010 - 10/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م