خطر إشاعة الفساد في المجتمع

الشيخ حسين المصطفى

يقول زين العابدين (ع) -مكارم الأخلاق-: وألبسني زينة المتقين، في بسط العدل وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضمّ أهل الفُرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة.

 

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

ولنا وقفة في أجواء هذه الآية الكريمة:

1 - يؤكد القرآن على وجوب نقاء الأجواء الإسلامية من التهمة والافتراء والبهتان والقول السيئ.

2 - المسلمون مكلّفون بوأد كل ما يسمعونه عن إخوانهم وأخواتهم المؤمنات طالما لم يبلغ حد اليقين القطعي -لا بمجرد الظن والتصور- وأن لا يتناقلوه حتى بصورة لقد سمعت ما دامت ليست فيه أية بينة شرعية، لأنّ نقل الكلام على هيئة سمعت أنّ هو نوع من إشاعته أيضاً.

3 - الإسلام يرفض أي نوع من الإشاعة لمثل هذه الأقاويل والأخبار القذرة الدنيئة فقد جاء في الآية: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أي إنكم لا تعلمون مدى جسامة هذه الجريمة، وما تشتمل عليه هذه القضية من مفاسد سلبية على أكثر من صعيد، مما يفرض الردع على كل المستويات، بحجم العقوبة المقررة لها .. فلا تقبل أية شهادة منهم، وإدانتهم بالفسق والفجور، وافتضاح أمرهم.

4 - يريد الإسلام أن تتوطد أسس المجتمع الإسلامي على أساس الثقة المتبادلة وحسن الظن والقول الحسن، ولهذا السبب حرّم الغيبة إلى الحدّ الذي جعل القرآن الكريم يقول عنها: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}، وعلى هذا الأساس يؤكد القرآن بصيغ وأساليب شتى على هذه القضية...

5 - أحد الذنوب الكبيرة التي توعد القرآن بالعذاب الأليم جزاءً لها هي (إشاعة الفحشاء) بين الناس. فهناك من يروج لإشاعة الفساد بين الناس لأغراض مادية أو لأطماع أخرى. وأكثر هذه الأغراض في عصرنا الحاضر أغراض إعلامية تنافسية؛ لأنّه ما من شيء يضعف المجتمع مثل شيوع الفساد والفحشاء.

فإذا كنت ترمي إلى صرف شباب بلد ما عن القضايا الجادة والمصيرية وتُلهيهم عن النشاط والعمل المثمر...، فما عليك إلا أن تشيع الفساد بمختلف أشكاله.

ولذا جاء في الحديث الصحيح عن الإمام الباقر (ع) قال: خطب رسول الله (ص) الناس فقال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذي يمنع رفده، ويضرب عبده، ويتزوّد وحده. فظنوا أنّ الله لم يخلق خلقاً هو شر من هذا.

ثم قال: ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره. فظنوا أنّ الله لم يخلق خلقاً هو شر من هذا.

ثم قال: ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المتفحّش اللّعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، وإذا ذكروه لعنوه(الكافي: ج 2 ص 290).

وإلى هنا توقف الرسول، ومعنى هذا أنه لا يوجد من هو شر من هذا.

6 - إنّ الكثير من الذنوب لا عذاب لها في الدنيا، ولكن لكل ذنب عقوبة في الآخرة. إلا أنّ ثمة ذنوب لا يتغاضى الله عن المعاقبة عليها حتى في دار الدنيا.

وأحد هذه الذنوب هو ذنب التهمة وهدر كرامة الآخرين. فمن يتهم الآخرين بالباطل سيقع هو في نفس هذا المأزق يوماً ما؛ فقد يأتي شخص مثله ويتهمه بالباطل، أو يفتضح أمره وتهدر كرامته بشكل أو بآخر..

7 - تساهم الإشاعات والكلمات اللامسؤولة في انحراف الفكرة والإحساس والموقف؛ فإنّ الإنسان يتأثر بالمجتمع سلباً أو إيجاباً من خلال الفكرة التي يحملها عنه، أو من خلال الجو الذي يحتويه بفكره وروحه وحركته.

وقد يكون هذا هو السبب في تحريم الإسلام لتداول الحديث في الجو الاجتماعي العام عن الانحرافات الحقيقية التي تحدث في المجتمع بحيث تصبح تلك الانحرافات حديث الناس كلهم، لأنّ ذلك يخدش سلامة التصور الأخلاقي الذي يحتاجه الإنسان في عملية النمو الذاتي، بما يثيره من مشاعر سلبية منحرفة.

كما قد يسيء إلى سمعة (الإنسان المنحرف) الذي لا يريد الإسلام أن يتحول الخطأ عنده إلى عقدة مستحكمة بسبب خوض الناس فيه، بل يريد الإسلام أن يفسح له فرصة التحرك نحو التصحيح في خطوة تراجعية دون أن يفقد شيئاً من الإحساس بالكرامة، ما دام الخطأ حالة طارئة خفية عاشها، ويشعر بثقلها في داخله.

والذي يهمنا هو تحذير المجتمع من مغبة الوقوع في براثن الذين يختلقون الشائعات وينشرونها بين الناس، وأن نعلّم الناس بأن يدفنوا الشائعة في موضع نشوئها.

يقول زين العابدين (ع) -في دعاء مكارم الأخلاق-: وألبسني زينة المتقين، في بسط العدل وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضمّ أهل الفُرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة، ….

ويقول أيضاً: اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكراً لعظمتك، وتفكراً في قدرتك، وتدبيراً على عدوك، وما أجرى على لساني من لفظة فحش، أو هَجرٍ، أو شتمِ عِرضٍ، أو شهادةِ باطلٍ، أو اغتيابِ مؤمنٍ غائب، أو سبِّ حاضرٍ وما أشبه ذلك نطقاً بالحمدِ لك، وإغراقاً في الثناءِ عليك، وذهاباً في تمجيدك، وشكراً لنعمتك، واعترافاً بإحسانك، وإحصاءً لمننك.

لذا علينا أن نتقي الله في أنفسنا وفي من حولنا، ولو أصبح لكل شخص أن يحاكم شخصاً على جريمة ارتكبها لعمت الفوضى، ولما رخى ستر العدل على المجتمع، فقد حولنا عمل القضاة ومن إليهم الفصل في الدعاوى إلى تراشقات بألسنتنا في مجالسنا ودورنا فأعوذ بالله مما يفعله الجاهلون أو المستهترون أو الغافلون.

qatifnews.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/حزيران/2010 - 9/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م