انتخابات الشورى المصرية: احتيالٌ وقمع يكرس قبضة الحزب الحاكم

أبدية قانون الطوارئ وشروط مرهقة للمرشحين

شبكة النبأ: في خضم جنون الدبلوماسية ووسائل الإعلام حول حادث أسطول غزة، تم تجاهل انتخابات الغرفة العليا للبرلمان المصري التي جرت في الأسبوع الماضي إلى حد كبير، على الرغم من حدوث إشكالات وتجاوزات شابت عملية التصويت لـ مجلس الشورى، تمثلت بضعف الإقبال على مراكز الانتخاب، وعمليات احتيال متضافرة، وقيام أعمال عنف.

وهذه المؤشرات تبعث القلق فيما يتعلق بما يتوقعه المجتمع الدولي وإدارة أوباما بما قد يحدث خلال الانتخابات البرلمانية الأكثر أهمية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم في مصر.

وفي هذا الخصوص كتبَ كل من سكوت كاربنتر من معهد واشنطن، ودينا جرجس زميلة أبحاث في زمالة كيستون فاميلي التابعة لمشروع فكرة. مقالاً قالا فيه:

إن جولتَيْ التصويت لـ «مجلس الشورى»، اللتين جرتا في 1 حزيران/يونيو و8 حزيران/يونيو الحالي، كانتا الأولى في سلسلة من الخطوات التمهيدية قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الحاسمة المقررة للعام المقبل. هناك احتمال بأن يقوم الرئيس المصري حسني مبارك البالغ من العمر 82 عاماً -- الذي أجرى مؤخراً عملية جراحية كبرى-- بترشيح نفسه لولاية سادسة على التوالي. لقد تأسست الغرفة العليا للبرلمان المصري في أعقاب تعديل دستوري في عام 1980، إلا أنها لا تتمتع بقدر كبير من السلطة، ودورها هو استشاري بحت. ويقوم الرئيس المصري بتعيين ثلث أعضائها البالغ إجمالي عددهم 264 نائباً، في حين لا يخوض الانتخابات سوى نصف باقي النواب الذين يجددون عضويتها كل ثلاث سنوات لدورات أمدها ست سنوات لكل دورة.

وطوال تاريخه، سيطر «الحزب الوطني الديمقراطي» [«الحزب الوطني»] الحاكم على «مجلس الشورى». ولم يتمكن أي حزب معارض في أي وقت مضى من تحقيق وجود كبير في المجلس، بما في ذلك «جماعة الإخوان المسلمين»، التي لم تفز بأي مقعد. وقد أثبتت الانتخابات التي جرت في الأسبوع الماضي بأنها غير استثنائية، حيث اجتاح «الحزب الوطني» تلك الانتخابات بفوزه بـ 84 مقعداً من أصل 88 مقعداً [جرى التنافس عليها]. وعلى الرغم من فوز أربعة أحزاب معارضة بمقعد واحد لكل منها، قاطعت أحزاب أخرى هذه الانتخابات كـ «الجبهة الديمقراطية»، بإعلانها أنها غير شرعية.

ويتابع كاتبا المقال، في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005-- التي كشفت فيها السلطة القضائية حدوث مخالفات كبيرة قامت بارتكابها الأجهزة الأمنية للنظام-- قلصت الحكومة بشدة من قدرة السلطة القضائية على حماية الانتخابات في المستقبل، من خلال أجراء تعديل للمادة 88 من الدستور. وتنقل المادة (88)، بصيغتها المعدلة، مسؤولية الإشراف على الانتخابات إلى "لجنة انتخابية مستقلة" مؤلفة من قضاة ومشرعين يتم اختيارهم [بالاسم]. وبموجب التعديل الحكومي، لا يمكن استئناف قرارات اللجنة الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع هذه اللجنة بالسلطة لتفويض مهام الإشراف [على الانتخابات]-- وهي صلاحية تم منحها بصورة غير رسمية إلى وزارة الداخلية.

ويبين الكاتبان، في أعقاب الانتخابات التي جرت هذا الشهر، أعلن رئيس المفوضية أن نسبة الإقبال على التصويت كانت "مرتفعة"، وأن العملية سارت بصورة سلسة باستثناء وقوع بعض الحوادث القليلة غير الهامة. ومع ذلك، أفادت جماعات المراقبة المحلية ووسائل الإعلام المصرية المستقلة عن قيام حوادث تختلف إلى حد كبير عن إعلان المفوضية. فوفقاً لـ «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» -- التي يترأسها عضو في "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" الشبه الحكومي -- وقعت مخالفات على نطاق واسع، شملت التصويت مرات عديدة، وإعطاء الرشوة، وحتى قيام أعمال عنف ضد المرشحين المستقلين. وقدرت المنظمة أيضاً بأن نسبة التصويت العام كانت ضئيلة ولم تتعدى الـ 5 في المائة.

وبالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير مستقلة متعددة بأن أعمال الإستبعاد وتخويف المراقبين والصحفيين والمرشحين المستقلين ومؤيديهم، كانت قد تفشت قبل وأثناء عملية الإنتخابات على حد سواء. فعلى سبيل المثال، قامت لجنة الإنتخابات بالسماح لـ «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» برصد الإنتخابات في أربع محافظات فقط من المحافظات الإثنين والعشرين التي سعت للحصول على تصاريح لمراقبتها. ومع ذلك، فحتى في تلك الحالة، لم تؤدي تصاريح اللجنة إلى ضمان الوصول إلى مراكز الإقتراع. (ومن المثير للإهتمام، أن «محكمة القضاء الإداري» في القاهرة أيدت حق المنظمة في الإضطلاع بشكل كامل بجهود الرصد التي تقوم بها، وهو قرار لم يكن له أثر عملي يذكر على الرغم من قيام «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» بالإشادة به كقرار"تاريخي").

وكانت وسائل إعلام أخرى قد ذكرت قيام حالات غش منظمة. فوفقاً للصحيفة اليومية «المصري اليوم»، تم استعمال حافلات لنقل ناخبات كبيرات في السن إلى دائرة انتخابية واحدة في الإسكندرية، وزُعم أنهن استلمن 50 جنيهاً مصرياً (حوالي 9 دولارات) لأي عملية تصويت تكون موالية لـ «الحزب الوطني الديمقراطي».

مؤشر تحذير؟

إن قيام تلك الإنتخابات لاختيار هيئة استشارية بحتة لا تتمتع بصلاحيات على الإطلاق وبإمكانها أن تنتهي بشكل سئ للغاية، تشير إلى مخاطر وقوع عمليات احتيال على نطاق واسع أو أسوأ من ذلك خلال الإنتخابات البرلمانية الحاسمة التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وعلى الرغم من السلطة المحدودة [التي يتمتع بها] المشرعون، إلا أن المخاطر السياسية بالنسبة للحزب الحاكم كبيرة.

ويضيف كاتبا المقال، تفرض التعديلات الدستورية الأخيرة متطلبات مرهقة على المرشحين الذين يفكرون بخوض الانتخابات الرئاسية عام 2011 -- وفي الوقت الحاضر، بإمكان فقط نجل الرئيس، جمال مبارك، أن يرشح نفسه لهذا المنصب. ولكن هناك ثغرات بإمكانها أن توفر سبل نظرية لقيام منافسين آخرين بالتأهل [لخوض الانتخابات الرئاسية] عن طريق البرلمان. إن هذا الاحتمال-- جنباً إلى جنب مع الصحة الواهية للرئيس مبارك وشعور النظام المتزايد بأن الجمهور يرفض الخلافة-- من المرجح أن تُغري «الحزب الوطني» إلى اللجوء إلى أعمال الغش خلال الانتخابات البرلمانية باعتبارها وسيلة لإغلاق الثغرات. وفي هذا الصدد، فإن البيانات التي أدلى بها مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب المصري، فيما يتعلق "بضرورة التلاعب في عملية التصويت في ظل ظروف معينة"، هي بالكاد تبعث على الاطمئنان.

ومع ذلك، فإن احتمالات حدوث أعمال عنف تثير قلقاً أكثر من أي [تطورات] أخرى. ففي أعقاب الجولة الأولى من عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005 والتي كانت سلمية نسبياً، اندلعت أعمال عنف خلال الجولتين الثانية والثالثة عندما أصبح الحزب الحاكم قلقاً من مكاسب المعارضة. فقد تم منع مرشحي المعارضة ومؤيديهم من الدخول شخصياً إلى مراكز الإقتراع وتعرضوا لهجوم من قبل قوات أمن الدولة، مما أسفر عن وقوع العديد من حوادث العنف الشديد. وبالإضافة إلى ذلك، كشف الإشراف القضائي في ذلك الوقت، جنباً إلى جنب مع الإستخدام العام على نطاق واسع لأدوات جديدة من قبل وسائل الإعلام مثل كاميرات الهواتف الخلوية، عن إدخال عدد كبير [من البطاقات في] صناديق الإقتراع وقيام حملات تخويف من قبل قوات أمن النظام.

وفي بعض الحالات، أدت تلك الإنتهاكات إلى قيام القضاة بإلغاء عدد من "نتائج الفوز" التي حققها «الحزب الوطني» في أحياء ومراكز وقع فيها تلاعب بالأصوات. ومع ذلك، تجاهلت الدولة تلك القرارات القانونية إلى حد كبير، وحتى قامت بتقديم بعض القضاة للمحاكمة بتهمة التحدث إلى وسائل الإعلام عن التزوير ونشر أعمال الإعتداء (التي تم ارتكاب البعض منها ضد القضاة أنفسهم).

بانتظار رد الإدارة الأمريكية

ويذكر الكاتبان، إن الذكريات من عام 2005 إلى جانب أعمال الاحتيال والعنف التي صاحبت عمليات التصويت لـ «مجلس الشورى»، تشير إلى أنه من الممكن أن تلوح في الأفق أزمة انتخابية في مصر مشابهة لتلك التي حدثت في إيران [في العام الماضي]. ولكي يتم منع مثل هذه التطورات، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ عدد من الخطوات الحاسمة ابتداءاً من الآن وحتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

أولاً، يجب على واشنطن أن توضح للحكومة المصرية والمجتمع المدني بأنها تهتم بهذه الإنتخابات، وأنه سيكون هناك تأثير لإجراءات التصويت البرلمانية والرئاسية على تطور العلاقات المصرية الأمريكية. ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تركز أيضاً على الأهمية التي تعلقها على عمليات الرصد وتقديم التقارير غير المقيدة التي تقوم بها المنظمات المصرية. إن هذا أمر مهم بوجه خاص نظراً لعدم وجود إشراف قضائي. ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تؤيد بقوة طلب منظمات المجتمع المدني بأن تقوم الحكومة [المصرية] بإعطاء التفويض للمراقبين الدوليين. يجب على واشنطن العمل مع الإتحاد الأوروبي لتنسيق رسالتها وبرامجها وفقاً لهذا النهج. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تقوم "الآليات" التابعة للولايات المتحدة مثل «مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط» بتطوير برمجة قوية تهدف إلى تمويل المجتمع المدني خلال الفترة القادمة.

وأخيراً لا يمكن اعتبار حرية رصد وتقديم التقارير بديلاً عن حرية خوض الإنتخابات من الناحية الواقعية -- يجب أن يمنح لجميع المشاركين، بما في ذلك عناصر المعارضة، حرية المساواة فيما يتعلق بالوصول إلى عملية انتخابية نزيهة وشفافة. ينبغي إيصال هذه الرسالة الرئيسية بقوة في لقاءات ثنائية بدءاً من الآن وحتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.

الخاتمة

ويختم كاتبا المقال بنتيجة مفادها، في الأسبوع الماضي أشاد نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بالدور الإيجابي الذي لعبته مصر [لمواجهة] التحديات الإقليمية المختلفة، معرباً عن أمله بقيام القاهرة بتنفيذ توصيات «المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»، التي صدرت في وقت سابق من هذا العام. وفي البداية، قبل النظام المصري توصيات بإلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين إدارياً، وحماية الحرية الدينية. ومع ذلك، فخلال الشهر الماضي، جددت [الحكومة المصرية] قانون الطوارئ، ورفضت الإفراج عن المعتقلين الإداريين، وسمحت لأجهزتها الأمنية باعتقال أعضاء من الطائفة الأقلية الأحمدية لمدة تزيد عن الشهرين.

وعلى الرغم من هذا السجل غير المشجع، فإن إدارة أوباما محقة في إصرارها على أن ترقى مصر إلى مستوى الإلتزامات الخاصة بها. يجب على واشنطن أن تستغل فرصة الإنتخابات البرلمانية المقبلة لتعزيز هذه الرسالة. إن الإستقرار المستقبلي لمصر -- وأهميتها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة -- يعتمد أيضاً على الشرعية المفترضة لهذه العملية.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/حزيران/2010 - 8/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م