سطوة الفرد وأفول النظام العام

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة نظام عام ينضوي تحت خيمته الجميع، هذا النظام يتشكل من عموم الرؤى السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، كلها تجتمع وتتعاضد عبر مسيرة الزمن لتشكل نظاما استراتيجيا تسير على وفقه هذه الامة أو تلك، وكلما كان النظام عاما جماعيا راسخا ومتناغما كلما كان الاستقرار والتطور سمة الأمة.

أما إذا تغلّبت المشاريع الفردية على غيرها فتلك هي الطامة الكبرى حيث تتبعثر الجهود وتتشتت كونها تنشغل في العمل ضد بعضها بحروب جانبية فكرية او حتى مادية وهذا ما يقود الى ضياع النظام العام في ظل حالة من التسابق والصراع لتحقيق الاهداف ذات الطابع الفردي او الجهوي او الفئوي على حساب الهدف الأشمل والأعم الذي تستند إليه منظومة حياة الامة في المجالات كافة.

لقد قيل أن من يريد أن يتقدم وينجح عليه أن يفهم نفسه وقدراته ومزاياه أولا، بمعنى على الانسان أن يعرف نفسه وعلى الامة أن تعرف نفسها قبل أن تعرف غيرها، وقد جاء في حديث للنبي محمد (ص): أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.

فإذا عرفتها وفهمتها سوف تستطيع ترويضها وتوجيهها نحو المنتج الأصلح على مستوى الفكر والسلوك معا، وهذا يخص الفرد والفئة والامة على وجه العموم، هنا ستكون القدرات الفردية في حالة معرفتها وفهمها وتوجيهها بالصورة الصحيحة فاعلة بالاتجاه الذي يخدم الفرد والمجتمع معا، وفي حال عدم فهم النفس سوف يتعامل الفرد معها بصورة مجتزأة ناقصة فيفشل بذلك ليتوسع هذا الفشل ويمتد الى عموم المجتمع أو الأمة. كما أن عدم فهم النفس سيؤدي الى الانقياد لها وتنفيذ رغباتها التي غالبا ما تكون ذات ملامح وسمات فردية على حساب التوجه العام

لذا ليس صحيحا قط أن ينشغل الفرد أو الجهة او الفئة بمشروعها الفردي على حساب النظام العام وتشذيبه وترسيخه حفاظا على المصلحة العامة التي ستؤدي بدورها الى حماية المصالح الفردية، وهنا لابد من التذكير بأن حماية وترسيخ النظام العام سيحافظ بما لا يقبل الشك على المشاريع والتوجهات الفردية، وبعكسه فإن تفضيل المشروع الفردي وإهمال المشروع او النظام العام لابد أن يقود الى إفشال المشروعين معا (العام والفردي في آن واحد) وهنا تكمن خطورة أن يفضّل الفرد او الجهة او الحزب مشروعه على النظام العام.

إن المجتمعات الناجحة هي المجتمعات المتجانسة التي استطاعت أن تذوّب الخاص في العام، وأن تستمد وتنمّي حقوقها وتحافظ على مشاريعها الفردية من خلال المحافظة على المشروع او النظام العام، وإذا ما حدثت مفاضلة بين العام والخاص في الأمم الناجحة فإن الجميع سيتنازل عن مصالحه ومشاريعه ذات الطابع الفردي لصالح المشروع العام الذي يمثل الخيمة الكبيرة التي تحتمي بها جميع المشاريع الفردية بمختلف مضامينها وتوجهاتها، فهم جميعا يدركون مدى خطورة تفضيل الهدف او المشروع الفردي على المشروع العام، لهذا يمتلكون الحصانة ضد رغائب النفس او الذات التي تدفعهم الى تفضيلها على الجميع، وبهذا تمكنت مثل هذه الامم أن ترسّخ نظامها ومشروعها العام وتحتوي في الوقت نفسه جميع المشاريع الفرعية المشروعة.

هنا لا يحدث التصادم بين الفردي والعام، بل ثمة آليات ترسخت بمرور الزمن فتمكنت من ترويض الفردي وصبّه في صالح العام، وتجنبت بذلك حالات الفوضى التي تعم المجتمع في حالة تحوّل المشروع العام الى مشروع ذي طابع شخصي.

لقد ارتكب الكثير من ساسة وقادة المجتمعات غير المتجانسة مثل هذا الخطأ الجسيم، فحوّلوا المشروع العام الى مشروع يصب في صالحهم او حزبهم حصرا، وبدلا من أن يؤسسوا لنظام عام ينضوي تحت خيمته الجميع، أخطأوا (بسبب الضغط المصلحي الذاتي) فحوّلوا مشروع الامة العام ليكون في مصلحتهم او حزبهم او الجهة التي ينتمون إليها تحت هذا المسمّى أو ذاك، وهذا ما يحدث عادة في المجتمعات الضعيفة ثقافيا وفكريا، فهم في الوقت الذي ينتظرون فيه من ينقذهم من جهلهم وتخلفهم ومشكلاتهم المتراكمة، يأتي قادتهم ليصبوا الزيت فوق النار بسبب توجهاتهم المصلحية الفردية، فتزداد مساحة الفوضى والتخلف والجهل والمرض في ظل ازدياد التفضيل الذاتي على العام، وهو ماحدث ولايزال يحدث في المجتمعات التي لا تملك مشروعا او نظاما عاما يتفوق على الانظمة الفردية.

ولعل المشكلة المتكررة تأريخيا تتمثل بمأزق إبتلاء الشعوب بقادة فرديين، يعتمدون المشروع الفردي ويختصرون به كل المشاريع الاخرى، فتصبح الذات الفردية القائدة متحكمة بكل شيء لصالحها حصرا، بغض النظر عن الاضرار الخطيرة التي تنجم عن هذا الانفراد على حساب المشروع العام.

لذا من الأفضل للساسة والقادة أن يتنبَّهوا لهذه المعضلة التي تسببت بصنع أعتى الدكتاتوريات في العالم، وعليهم أن يعرفوا أنفسهم ويروِّضوها لكي تسير باتجاه خدمة وترسيخ النظام والمشروع العام على حساب الخاص الذي لا يخدم سوى الفرد القائد وحاشيته او حزبه، والنتيجة هي الغرق الحتمي للجميع في بحر الفوضى والمصلحيات المتضاربة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/حزيران/2010 - 7/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م