سلالات الفساد والإفساد؟

كفاح محمود كريم

يبدو إن الفساد المالي والإداري عبارة عن سلالات من الفايروسات او الجراثيم او ربما فطريات قيمية وسلوكية سريعة الانتشار والانتقال، لكنها تعطي نفس الأعراض والنتائج وتستخدم ذات الوسائل والأساليب وان اختلفت في مظاهرها وأشكالها، فهي تنتقل من مكان الى آخر بوسائل عديدة من العدوى اهمها اعتماد الكوادر غير الكفوءة اخلاقيا ووطنيا ومهنيا في مفاصل الادارة والمال والصرف تحت يافطة المحسوبية والمنسوبية، وعدم وجود آليات محكمة ودقيقة للمحاسبة المالية وانظمة الصرف وابوابها بما يحمي المال العام ويقيه من الفساد والإفساد والتبذير.

 وهنا نتذكر جميعا مدارس الفساد والافساد المالي والاداري ابان حكم النظام السابق ومستوى الرواتب في الدولة العراقية وبالذات في عقد التسعينات حينما انهار الدينار العراقي الذي كان يناطح اقوى العملات في العالم غداة تسلم صدام حسين مقاليد الحكم الفردي المطلق في تموز 1979م حيث بدأ بالتقهقر في ايدي العامة من الناس اعتبارا من السنة الاولى للحرب العراقية الايرانية حتى انزاح تماما عن منافسة الليرة التركية واللبنانية اللتان لا ينافسهما في الضعف الا ذلك الدينار الذي اغتالته سلالات الافساد الوطني والسياسي.

 في تلك السنوات كما ذكرنا لم يتجاوز معدل المرتبات للموظفين العراقيين عموما العشرة دولارات ويهبط لدى الاغلبية الى اقل من خمسة دولارات شهريا مضافا اليها حصة تموينية مسندة من قبل الدولة وهي الاخرى لا تتجاوز العشرة دولارات، في الوقت الذي كان يتمتع فيه مسؤولي حزب السلطة والدولة رفيعي المستوى بامتيازات مالية تحت تسمية صرفيات مكاتبهم او ما تعرف اليوم بنثرية المكتب، وهي مبالغ عالية مرصودة للمسؤولين الحزبيين والاداريين ولا تخضع الى المسائلة القانونية او الحسابية الدقيقة المتعارف عليها في لجان الصرف وحقوله، بل انها لا تتخطى مجموعة وصولات موقعة او مختومة من قبل ادارات الفنادق او المطاعم او محطات البنزين وورش اصلاح السيارات وبائعي المواد الاحتياطية للسيارات وغيرها، اضافة الى حقل الهدايا التي يرتئي المسؤول تقديمها للاشخاص او الضيوف.

 وعلى سبيل المثال كان راتب المدير العام قبل سقوط النظام لا يتجاوز خمسمائة دولار او ما يعادلها من الدينار العراقي المتهالك انذاك، يقابله ما لا يقل عن الف دولار مخصصات لمكتبه، وترتفع هذه النسبة مع ارتفاع الدرجات الوظيفية والحزبية وصولا الى رأس الهرم الذي كان يعتبر كل العراق نثرية لمكاتبه وقصوره!؟

 واليوم انتقلت تلك السلالات من الفايروسات والجراثيم الى الحقبة الجديدة للدولة العراقية واستطاعت ان تطور نفسها كما فعلت قطعان الحيتان من الانتهازيين والنفعيين، بما يواكب قوانين وسمات المرحلة الحالية التي تمتاز بوفرة مالية غير طبيعية لنفس المستويات من المسؤولين والاداريين وتحت مختلف التسميات، حيث تنتشر مئات المطاعم والفنادق ذات الدرجة الاولى وما يلحقها من الملذات لأطفاء تلك النثريات، ولعل زيارة خاطفة لتلك الحواضن او ان شئت المحارق المالية يؤكد ضخامة تلك المبالغ المخصصة لنثريات المسؤولين الجدد سواء في البرلمان او الحكومة او الاحزاب وبالذات التي تتلقى دعما دون رحمة من الدول الحنونة من الجوار وما بعدهم بسبعة جيران طولا وعرضا؟

 يقينا لو توقفت تلك النثريات لشهر واحد فقط لرأينا معظم هذه الفنادق والمطاعم وملحقاتها لا تعمل لأكثر من يومين في الاسبوع الا اللهم اذا ما خفضت اسعارها الملتهبة بفايروسات النثرية الى اقل من النصف!؟

 ليست دعوة لقطع ارزاق اصحاب المطاعم والفنادق والبارات بقدر ما هي مثال على ما يجري من انتشار لسلالات الفايروسات التي جاءت هذه المرة باطوار جديدة تحت عباءة النثرية؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/حزيران/2010 - 7/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م