تركيا تبدُّل قواعد اللعبة وتبحر بعيدا عن الغرب

أنقرة تولي وجهها شرقاً

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: يشير تصويت تركيا ضد تشديد عقوبات الأمم المتحدة على إيران إلى تحول الدولة المسلمة العضو بحلف شمال الأطلسي بعيدا عن الغرب ونحو سياسة خارجية أكثر تمحورا حول ذاتها مما يثير استياء الولايات المتحدة حليفتها.

ولطالما روجت تركيا لنفسها بوصفها جسرا بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط لكنها بدأت الآن تفقد الأمل في الانضمام للاتحاد. وتعزز أنقرة علاقاتها مع جيرانها المسلمين مما يثير بعض المخاوف الغربية من ميل تركيا نحو الشرق. وتعتبر الولايات المتحدة تركيا حليفة محورية في الشرق الاوسط تضيق الهوة الفاصلة بين الغرب والشرق.

ولذلك فقد انزعجت واشنطن حين أعلنت تركيا والبرازيل اتفاقا الشهر الماضي يهدف لتخفيف حدة المواجهة النووية بين ايران والقوى الغربية ثم قطعت أنقرة تقريبا علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل بعد هجوم شنته قوات خاصة اسرائيلية على سفينة مساعدات تركية.

وتقول تركيا انها لا تدير ظهرها للغرب. وتركيا دولة علمانية رسميا وقوة ديمقراطية اقليمية ناشئة ينمو اقتصادها بسرعة وهي صاحبة ثاني اكبر جيش في حلف شمال الاطلسي.

لكن في اكبر حياد حتى الان عما وصفه الرئيس الامريكي باراك أوباما "شراكة نموذجية" انضمت تركيا الى البرازيل ليكونا العضوين الوحيدين بمجلس الامن الدولي الذي يضم 15 عضوا اللذين صوتا ضد قرار تشديد العقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي والذي صاغت مسودته القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة.

وقال هنري باركي خبير الشؤون التركية بمعهد كارنيجي للسلام في واشنطن "تركيا تنتهج الان سياسة واحدة وهي أن تكون تركيا."وأضاف "مغزى السياسة التركية هو ألا تأخذ جانب أي أحد بل أن تجعل تركيا اكثر قوة في العالم."بحسب رويترز.

وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس ان هناك مخاطر من ميل أنقرة نحو الشرق بسبب المقاومة في أوروبا لانضمامها لعضوية الاتحاد الاوروبي معبرا عن مخاوف الغرب من فقد تركيا.

وأضاف جيتس للصحفيين في لندن "أعتقد شخصيا أنه اذا كان هناك من مفهوم وراء الشعور بأن تركيا تتحرك شرقا .. فذلك من وجهة نظري وفي جزء كبير منه ناتج عن انه تم دفعها لذلك .. ودفعت من البعض في اوروبا الرافض لمنحها صلة عضوية بالغرب سعت اليها تركيا."

وأضاف "علينا ان نفكر مليا وبجدية بشأن سبب (حدوث) تلك التطورات في تركيا وما الذي يمكننا فعله لمواجهتها وجعل تقوية العلاقات مع الغرب تبدو اكثر فائدة وقيمة للقادة الاتراك."

وعلى الرغم من تعثر مفاوضات الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي لا تزال أوروبا حتى الان أكبر سوق تصديرية لتركيا وتمثل الاستثمارات الاوروبية نحو 90 بالمئة من الاستثمارات الاجنبية بالبلاد.

ونظرا لوجود جزء من تركيا في اوروبا وجزء في اسيا فانها تعتبر جذابة للاسواق في اسيا والشرق الاوسط وافريقيا. وبالتالي فان زيادة المسافة بينها وبين الغرب قد تكون مكلفة لتركيا.

تركيا: العقوبات على ايران خطأ

ووصفت تركيا فرض عقوبات الامم المتحدة على ايران بسبب برنامجها النووي بأنه "خطأ" وقالت انها والبرازيل ستواصلان البحث عن حل دبلوماسي لازالة المخاوف بشأن برنامج ايران النووي.

وأعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطاب أمام اجتماع وزراء الخارجية والاقتصاد في تركيا والعالم العربي عن خطط لتشكيل منطقة تجارة حرة مع ثلاث دول عربية هي الاردن ولبنان وسوريا.

وتأتي هذه الخطوة لتزيد من المخاوف التي صرح بها وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس من خطر تحول تركيا - الحليف الحيوي للغرب - نحو الشرق بسبب مقاومة في اوروبا لمسعى تركيا الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي.

وقال اردوغان أمام اجتماع حضره وزراء من 22 عضوا بجامعة الدول العربية "لا نريد أن نشارك في خطأ كهذا لان التاريخ لن يغفر لنا ذلك."وأضاف ان تركيا تنوي الى جانب البرازيل مواصلة الحوار مع طهران بعد أن تمكنتا الشهر الماضي من التوصل الى اتفاق بشأن تبادل الوقود النووي الذي كانتا تأملان أن يحول دون فرض عقوبات. بحسب رويترز.

وفي النهاية اعتبرت الدول الغربية وروسيا والصين الاتفاق أقل مما يجب ومتأخرا أكثر مما يجب ومضت في فرض جولة رابعة من العقوبات بينما واصلت ايران تخصيب اليورانيوم الذي تخشى القوى الكبرى امكانية استخدامه في صنع أسلحة نووية.

وقال اردوغان "العزلة ليست الحل لمشكلات ايران. "التركي لا يمكنه العيش بدون العربي. والعربي عين التركي اليسرى وعينه اليمنى."

وتحدث اردوغان عن "جهود سرية" تبذلها بعض الدول الاوروبية لتعطيل محاولة تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. لكنه قال ان تركيا تواصل الاصلاحات لتفي بمعايير الاتحاد الاوروبي على الرغم من العقبات.

ومضى يقول ان تركيا ستقيم منطقة تجارة حرة ومنطقة سفر بدون تأشيرة دخول مع الدول العربية الثلاث.

ويقول منتقدون لحكومة أردوغان ذات الجذور الاسلامية انها تغامر بالميل الشديد نحو تدعيم العلاقات مع حكومات بالشرق الاوسط لا يثق فيها الغرب وهي فئة تتضمن سوريا وايران.

وكان أردوغان مبالغا فيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا التي كانت على شفا حرب مع تركيا قبل عشر سنوات وقال "الان هاتان الدولتان أصبحتا كأخوين من نفس الاسرة يأتيان ويذهبان ويتزاوران... لا فارق بين تركيا وسوريا فتركيا هي سوريا وسوريا هي تركيا."

وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في وقت سابق ان تركيا عازمة على دعم التعاون الاقتصادي مع الدول العربية الى أعلى مستوى ممكن. وقال "نريد أن تخرج العربة من تركيا لتصل الى المغرب دون أن تقف عند أي بوابات حدودية."

وأضاف ان منطقة التجارة الحرة "ليست بديلا عن الاتحاد الاوروبي. تركيا مصممة على الحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الاوروبي ولكن هذا لا يضع قيودا على علاقاتنا مع مناطق اخرى. وقبل كل شيء فانه عندما نحصل على العضوية الكاملة للاتحاد الاوروبي فان هذا سيفيد ايضا الاتحاد الاوروبي.

غيتس يتهم الاتحاد الأوروبي بإبعاد تركيا..

ومن جهته حمل وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الاتحاد الاوروبي المسؤولية جزئيا عن التغير في سياسة انقرة الخارجية وتدهور علاقاتها مع اسرائيل.

وصرح غيتس للصحافيين في لندن ان "التدهور" في العلاقات بين تركيا واسرائيل يعد "مصدرا للقلق". واكد انه "اذا كان هناك من سبب في توجه تركيا شرقا .. فانني ارى ان احد الاسباب الرئيسية في ذلك هو ان البعض في اوروبا دفعوها الى ذلك" برفضهم منح انقرة "نوعا من الارتباط العضوي بالغرب الذي تسعى اليه تركيا".

ومنذ ان بدأت انقرة مساعيها للانضمام الى الاتحاد الاوروبي في عام 2005 لم تنجح سوى في فتح 12 من بين 35 فصلا يجب على الدول الراغبة في الانضمام الى الاتحاد اكمالها لكي تنضم الى الاتحاد.

وقال "علينا ان نفكر طويلا وبعمق في سبب "تغير السياسات في تركيا "وفي ما يمكن ان نفعله لمواجهة ذلك ولاقناع القادة في تركيا بان اقامة علاقات اقوى مع الغرب يخدم مصلحتهم بشكل اكبر".

وتوترت العلاقات بين تركيا، البلد المسلم الوحيد العضو في حلف الاطلسي، واسرائيل اثر الانتقادات الشديدة التي وجهتها تركيا لاسرائيل بسبب هجومها الدامي على قطاع غزة العام الماضي وكذلك بسبب تحسن العلاقات بين انقرة وطهران.

الا ان هذه العلاقات تدهورت بعد الهجوم الذي شنه الجيش الاسرائيلي على سفينة تركية كانت تحمل مساعدات الى قطاع غزة في 31 ايار/مايو مما ادى الى مقتل تسعة نشطاء اتراك.

وعقب ذلك سحبت انقرة سفيرها في تل ابيب والغت مناورات عسكرية مشتركة واعلنت عن خفض العلاقات الدفاعية والاقتصادية الى "المستوى الادنى".

واعرب غيتس عن امله في تحسن العلاقات بين اسرائيل وتركيا وقال "اعتقد ان العلاقة بين البلدين كانت بناءة واسهمت في استقرار المنطقة. وآمل ان تعود هذه العلاقة البناءة مع مرور الوقت".

في المقابل، رفض الاتحاد الاوروبي اتهامات وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس للاوروبيين معتبرا ان ترددهم في ضم تركيا كان الى حد ما السبب في تدهور العلاقات بين انقرة واسرائيل.

وقالت المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون ان "الاتحاد الاوروبي تربطه علاقات جيدة جدا سواء بتركيا او اسرائيل". واوضحت مايا كوتشيانسيتش ان "العلاقات الثنائية بين هذين البلدين ليست مرتبطة بعلاقة الاتحاد مع كل منهما" مشيرة الى ان "التقدم في مفاوضات الانضمام يتوقف على تقدم الاصلاحات في تركيا".

ميركل تكرر معارضتها لانضمام تركيا لأوربا

وأوضحت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل من جديد، خلال زيارة الى انقرة، ان المفاوضات الجارية بين تركيا والاتحاد الاوروبي ليس من شانها ان تسفر حكما عن انضمام تركيا الى الاتحاد، كما اكد البلدان اختلافهما في الراي بشان ايران.

وقالت ميركل للصحافيين اثر لقاء مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان "قواعد اللعبة تغيرت" منذ ان طرقت تركيا ابواب اوروبا للمرة الاولى قبل 50 عاما.

واضافت ان "المفاوضات (المتعلقة بالانضمام) عملية مفتوحة النتيجة" ما يعني انها لا تؤدي بالضرورة الى الانضمام للاتحاد الاوروبي.

وكانت ميركل اكدت من جديد الاسبوع الماضي لوسائل اعلام تركية والمانية استمرار معارضتها لانضمام تركيا التام والكامل الى الاتحاد الاوروبي والذي تفضل عليه اقامة "شراكة مميزة" بينهما. وتخشى المانيا، شانها شان فرنسا، دخول بلد يعد 71 مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين الى الاتحاد الاوروبي.

ولم تباشر تركيا، التي ترفض فكرة الشراكة المميزة التي يؤيدها ايضا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، التفاوض سوى على 12 من ملفات الانضمام ال35 منذ بدء هذه المفاوضات في عام 2005، كما ان هذه المحادثات تراوح مكانها خصوصا بسبب عدم اعتراف انقرة بجمهورية قبرص العضو في الاتحاد الاوروبي.

وفي هذا الشان طلبت ميركل من تركيا فتح موانئها امام السفن القبرصية في اطار الاتحاد الجمركي الذي انضمت اليه تركيا. وقالت "اهم مسالة هي تطبيق البروتوكول... علينا تسوية القضية القبرصية. وهذا في صالحنا جميعا". بحسب فرانس برس.

كما طلبت ميركل من تركيا دعم الدول الغربية التي تهدد ايران بعقوبات جديدة متهمة هذا البلد بالسعي الى امتلاك السلاح النووي. وقالت "اذا لم تسارع ايران باتخاذ اجراءات واضحة فاننا سنتخذ قرارا بشان مسالة العقوبات ... والمانيا ستكون سعيدة جدا اذا استطعنا التصويت بصوت واحد مع الولايات المتحدة واوروبا وتركيا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/حزيران/2010 - 29/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م