الخراب في قانون الانتخاب مقولة يرددها يوميا احد المجانين في الحي
الذي اسكن فيه وبات لزاما علي أن آخذ الحكمة من أفواه المجانين، فتذكرت
هذه المقولة حينما دعا مجلس الرئاسة في العراق إلى عقد الجلسة الأولى
لمجلس النواب العراقي يوم الاثنين 14/حزيران / 2010، لأني قد أدركت
تماما بأن ولادة قانون الانتخاب كانت عسيرة وتمنيت لو أن الوليد فارق
الحياة بدلا من بقائه حيا مشوها تحملت أمتي وشعبي معاناة مداراته
واحتضانه كي يبقى حيا.
فقانون الانتخاب لم يكن قانونا يؤطر لانتخابات نيابية صحيحة وملحقه
الذي لم أجد يوما في تاريخ الأمم والشعوب ولم اقرأ في جريدة رسمية
لدولة ما (أن قانونا يصدر فيلحق به تفسيرا أو إن مشروع قانون يقره
برلمان فيلحق به إضافة بعد أن خرج من سلطته ولم أجد قانون انتخاب في
دولة ما يترك المفوضية أو لمجلس قومي للانتخابات أو أية جهة تتولى
الإعداد والإشراف على إجراء الانتخابات يترك لها حرية إصدار الأنظمة
والتعليمات التي يخلق منها نصوصا جديدة غير موجودة في القانون إلا في
العراق حينما منح مجلس النواب السابق وقبله الجمعية الوطنية المفوضية
العليا للانتخابات حق إصدار مثل هذه الأنظمة والتعليمات وهي ليست كذلك
لأنها تتضمن نصوصا وأحكاما جديدة غير موجودة في قوانين الانتخاب التي
أقرها (البرلمان) فبدأت الفوضى واتسعت السلطة التقديرية وبدأ الخراب من
يوم إقرار قانون الانتخاب كما قال جاري المجنون..
فالمادة (80/ثالثا) من الدستور اختصت مجلس الوزراء (دون غيره)
بإصدار الأنظمة والتعليمات والمادة (56/ثانيا) منه التي أوجبت انتخاب
مجلس النواب الجديد قبل (45) يوما من تاريخ انتهاء الدورة السابقة، حتى
لايقع المحظور ولم يحصل ذلك طبعا..
فلو أن مجلس النواب اصدر قانون الانتخاب كاملا لكل أحكام وإجراءات
العملية الانتخابية لالتزمت المفوضية بتطبيقه حرفيا دون اجتهاد منها
ودون إضافة أو حذف لنصوصه حينما لايتسع لها المجال في إصدار أنظمة أو
تعليمات هي غير مختصة بإصدارها كما أوضحت جليا المادة (80/ ثالثا)، ولو
أن القانون اكتملت إجراءات نفاذه (إقرار وتصديق ونشر في الجريدة
الرسمية) قبل انتهاء ولاية البرلمان بستة أشهر مثلا وجرت الانتخابات
قبل (45) يوما من تاريخ انتهاء (ولايته) لكانت المدة المتبقية كافية
لاختيار الرئاسات الثلاث ولباشرت أعمالها لحظة انتهاء ولاية سابقاتها.
ولكن ما الذي حدث حينما تجاهل مجلس النواب الدستور وأدار له ظهره
وتعامل مع مواده بمزاجية ولم يجعل لها مستوى واحد من القيمة القانونية،
فولايته انتهت وبقيت السلطة التنفيذية (مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء)
تعمل دون رقابة، ولو اقتضت الضرورة إصدار قانون أو تعديله فليس من احد
يفتح باب البرلمان لتشريعه، وبقيت نتائج الانتخابات أسيرة قانونها (المريض)
وأنظمته (الفضفاضة) حتى اليوم الذي صادقت فيه المحكمة الاتحادية العليا
على تلك النتائج.
ليبدأ العد التنازلي للمدة التي يتوجب فيه على مجلس الرئاسة دعوة
المجلس الجديد للالتئام وحينما حدد يوم الانعقاد لم تنبئ الساحة
السياسية بأن ممثلي الشعب قد اتفقوا على حسم أمرهم وإراحة شعبهم وإزاء
هذا الجدل وتلك الفوضى.
فما هي خيارات مجلس النواب الجديد حينما يحل اليوم الموعود؟
نقول لو أراد هذا المجلس أن يبرز تميزه عن المجلس السابق ويعبر بصدق
انه ممثل هذه الأمة الجريحة ويفي بوعوده، فعليه بصدق أن يلتزم بأحكام
الدستور قبل كل شيء لأنه خيمة يستظل بها العراقيون حتى ولو لم تؤمن لهم
حماية كافية ولكن لاخيمة لهم سواها، وهذا..الالتزام يأتي من الجلسة
الأولى فإذا أضحت الجلسة (بروتوكولية) كما عبرت عنها إحدى المرشحات
لعضوية هذا المجلس أو بقيت مفتوحة كما صرح اكبر الأعضاء سنا في المجلس
الجديد، فإن في هذا اليوم يقع المحذور ويكمل المجلس الجديد ما بدأه
السابق من خرق الدستور ويتحمل المسؤولية بأن يضع الدولة بلا رئيس ولا
حكومة.
ولكن متى تصبح الجمهورية بلا رئيس والدولة بدون حكومة وبعض الوزارات
بلا وزير ؟
نقول الجلسة الأولى يتم فيها أداء اليمين الدستورية ويصبح المرشح (عضوا
في مجلس النواب) بحكم المادة (50) من الدستور وفي هذه اللحظة لا يحق
للعضو إن يمارس عملا تنفيذيا بحكم المادة (49) وبالتالي تطبيقا للدستور
لا يحق لمجلس الرئاسة ممارسة مهامه التي انتهت عند اجتماع مجلس النواب
في أول جلسة بحكم المادة (72/ثانيا) من الدستور، ولأن رئيسه ونائبيه هم
أعضاء في مجلس النواب الجديد فلا يحق لهم الجمع بين هذه العضوية أو أي
منصب رسمي آخر تطبيقا لحكم المادة (49)، ورئيس مجلس الوزراء وبعض
الوزراء هم أيضا أعضاء في المجلس الجديد وتنطبق عليهم المادة (49) من
الدستور وكل منهم يكون قد فقد منصبه التنفيذي من لحظة أدائه اليمين
الدستورية أمام المجلس..
إذن في لحظة أداء اليمين الدستورية يصبح العراق (بلا رئيس جمهورية)
ولا (رئيس مجلس الوزراء) ووزارات عدة بلا وزراء ويبدأ الفراغ الدستوري
من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى حتى تاريخ اختيار رئيس الجمهورية خلال
الـ(30) يوما، فالدولة تبقى بلا (رئاسات ثلاث) وإزاء هذا العرض فان
مجلس النواب حتى يتلافى هذا الفراغ عليه (انتخاب رئيس مجلس النواب
ونائبيه وانتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى وبعد أداء اليمين
الدستورية مباشرة دون إبطاء) حينها لن يبقى منصب رئيس مجلس الوزراء
شاغرا إذ يقوم رئيس الجمهورية المنتخب مقام رئيس مجلس الوزراء طيلة مدة
خلو هذا المنصب تطبيقا للمادة (81/أولا) من الدستور.
أما بالنسبة للوزارات التي خلت مناصب وزرائها الأعضاء في مجلس
النواب بحكم الدستور، فان معالجة أمرها لن يكون هينا، إذ يتوجب على
رئيس الجمهورية الجديد تكليف أما وزراء بعض الوزارات غير الأعضاء في
مجلس النواب للقيام بمهام الوزراء الأعضاء الذين خلت مناصبهم بحكم
العضوية، أو تكليف وكلاء الوزارات بإدارة الوزارة حتى تشكيل الحكومة
ولكن شرط موافقة مجلس النواب على هذا التكليف.
وخلاصة القول:
إن ترك الجلسة الأولى مفتوحة يخالف الدستور ويخلق فراغا دستوريا
مؤداه ان تبقى الجمهورية بلا رئيس ولا رئيس حكومة ولا حكومة كاملة،
وعلى المجلس الجديد أن يختار رئيسه ونائبيه ورئيس الجمهورية بعد أداء
اليمين الدستورية مباشرة لسد الفراغ ولتهيئة الرئاسات الثلاث في ذات
اليوم، وهذه المناصب تكتمل إن فعل مجلس النواب ذلك حيث يتولى رئيس
الجمهورية المنتخب مهام رئيس مجلس الوزراء لحين تشكيل الحكومة وإذا ما
أخفقت الكتل الفائزة من التوصل إلى الاتفاق على توزيع المناصب في
الجلسة الأولى فان الضرورة والحالة الاستثنائية التي يمر بها الوضع
السياسي تفرض على السلطة التنفيذية أن تأخذ دورها في معالجة الحالة بأن
يتخلف أعضاء مجلس الرئاسة ورئيس مجلس الوزراء والوزراء الذين هم أعضاء
في مجلس النواب الجديد عن حضور الجلسة الأولى لانعقاد المجلس حتى لا
يؤدي كل منهم اليمين الدستورية الذي يفقدهم المنصب التنفيذي فنقع في
الفراغ الدستوري وحينئذ نضمن استمرار السلطة التنفيذية في أداء مهامها
حتى يحزم المجلس أمره خلال مدة الـ(30) يوما وينتخب رئيسه ونائبيه
وينتخب رئيس الجمهورية.
وإذ لم يقدم مجلس النواب أو أعضاء السلطة التنفيذية على إتباع
الحلول الدستورية وفق الخطوات التي اشرنا إليها فأن كلا منهم يتحمل
المسؤولية التاريخية والوطنية ويكونوا قد وقعوا في خانة المخالفة
لأحكام الدستور بدلا من سعيهم الجاد لاحترام أحكامه وضمان تطبيقه نصا
وروحا وحينها تنطبق علينا مقولة من قال (ظل البيت لمطيره...).
أما أنا رجل الريف نصف المثقف فقد قررت الخروج إلى الصحراء دون أن
احمل معي مذياعا أو أرى تلفازا حتى لا اسمع أو أرى بان العراق قد انفرد
به الزمن الصعب فأبقاه جمهورية بلا رئيس ودولة بلا حكومة حتى حين.
وآمل أن أعود بعد يوم الاثنين لأجد مجلس النواب قد فعل فعلته
الحميدة وسد الفراغ الدستوري وانتخب رئيسا حتى ولو لم يكن ممن يصادق
على أحكام الإعدام ويعطل أحكام الدستور.
* باحث في الشؤون القانونية
Gao_K@ Yahoo.com |