صدور القرار 1929 من قبل مجلس الامن الدولي ضد إيران وما فيه من
مفاجآت قد تظهر وتتطور خلال الأسابيع القادمة جعل الأطراف المعنية
بإصدار هذا القرار تنطبق عليها الآية القائلة "كل حزب بما لديهم
فرحون".
أمريكا وعلى لسان الوزيرة هيلاري كلينتون أطلقت فرحة الانتصار
الدبلوماسي وتوعدت بفرض المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية على
ايران، فيما اعتبر الرئيس الإيراني احمدي نجاد مكان هذا القرار
اوبالأحرى مجلس الأمن في سلة المهملات!.
ولكن لنكن واقعيين ونتحدث بلغة المنطق يا ترى ماذا يعني فرض عقوبات
صارمة على إيران، ومن هي الجهة التي انتصرت في المواجهة الدبلوماسية
بين طهران وواشنطن وهي ان الغرب قادر لفرض عقوبات واقعية على ايران
ومنعها من الاستمرار في برامجها النووية التي تصفها بالسلمية والحيلولة
دون تطوير المواجهة التي نشهدها الان بين إيران وأمريكا ليست وليدة
الساعة ولن تنتهي بصدور قرار اوفرض اوعدم فرض عقوبات على إيران بل ان
هذه المواجهة هي مواجهة استراتيجية وواسعة النطاق ومستمرة على مدى اكثر
من ثلاثة عقود وقطعاً انها لن تتوقف الا بتراجع أحد الطرفين ورفع
الراية البيضاء بشكل غير مباشر او بعد اندلاع مواجهة ساخنة ومتوقعة بين
إيران وأمريكا قد نشهدها في الأسابيع او الأشهر القادمة على اقل تقدير.
ومن باب المنطق يجب الإذعان ان الدبلوماسية الأمريكية قد نجحت
ولاول مرة منذ عدة عقود كسب موقف الصين وروسيا لصالحها في مجلس الأمن
خاصة وان هاتين الدولتين كانتا تعتبران من ابرز وأهم حلفاء إيران في
مسيرة مواجهة الخطط الأمريكية واستبدال اسم كل من روسيا والصين باسم
إيران في الحرب الباردة حيث تراجعت الصين وروسيا عن الوقوف ضد سياسة
وسلطة أمريكا في المنطقة والعالم وكانتا تقفان الى جانب إيران لتقليص
سلطة أمريكا ومنعها من التفرد بإصدار القرارات بشأن مصير الكثير من دول
وقضايا المنطقة والعالم.
ويجب الاعتراف هنا ان أمريكا استطاعت ولو مرحلياً او لفترة محددة
إيجاد شرخ في العلاقات الاستراتيجية التي كانت قائمة بين ايران وكل من
روسيا والصين، ومن البديهي القول هنا ان حكومة احمدي نجاد سوف ترتكب
خطأً فادحاً إذا ما قلصت او أساءت للعلاقات القائمة بينها وبين موسكو
وبكين اواي دولة كانت حليفة لها نظرا لخلفية وتطورات القرار 1929 ذلك
لان مغزى المخطط الأمريكي هو تحقيق مثل هذا الأمر ودفع الحكومة
الإيرانية الى تقليص علاقاتها الدولية والتقوقع داخل نفسها ليسهل
التفرد بها وبالتالي تحقيق الخطة الأمريكية الداعية لإذلال إيران
وجعلها لقمة سائغة للهيمنة الأمريكية بكل سهولة.
ومع ان 12 دولة صوتت لصالح القرار 1929 وضد إيران الا ان طهران
تمكنت من جانب آخر كسب موقف كل من تركيا والبرازيل لصالحها وهما
الدولتان اللتان شاركتا في صياغة إعلان طهران الأخير لإقفال الملف
النووي وهو الإعلان الذي بعد إصدار هذا القرار قد لا يرى النور ويدفع
الحكومة الإيرانية عدم التعاون مع البرازيل وتركيا لتبادل اليورانيوم
وهو الأمر الذي قطعاً سيكون هو الآخر لصالح أمريكا التي خططت ايضاً
إفشال إعلان طهران ومنع إيران من الحصول على يورانيوم مخصب بدرجة عالية
نسبياً من دول أخرى وتحت إشراف الوكالة الدولية بالرغم من قدرة وتمكن
إيران بالأساس من تخصيب مثل هذا اليورانيوم.
وحسب اعتقاد مراقبين فان اي دعوة انفعالية او اتخاذ قرار متسرع
لقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية او اعتبار إعلان طهران
لاغياً، كما طالب نواب في مجلس الشورى الإيراني وجماعات راديكالية
بذلك، سيكون بالتأكيد ليس رداً مناسباً على القرار 1929 وقطعاً ان اي
خطوة ينجم عنها الإساءة للتعاون مع الوكالة الدولية او عدم تنفيذ مفاد
وبنود إعلان طهران سيكون لصالح السياسة الأمريكية التي هي بالأساس تخطط
لدفع طهران لاتخاذ مثل هذا الموقف وبالتالي جعلها في مواجهة علنية
ومفتوحة مع ما يسمى المجتمع الدولي.
واذا أمعنا في بنود القرار 1929 قد نراه لا يختلف عن القرارات
السابقة التي صدرت حتى الان ضد ايران الا ان بعض من بنوده في حالة
تطبيقها قد تؤدي الى اندلاع المواجهة العسكرية بين إيران وأمريكا خاصة
وان الأخيرة تزعم الان من إنها مسئولة مع حلفائها لتطبيق فقرة تفتيش
السفن التي تدخل الى إيران وتبحر من سواحلها وفي حالة إصرار الحرس
الثوري الإيراني مرافقة السفن الإيرانية ورفض تفتيشها فهذا يعني بكل
بساطة اندلاع الحرب بين أمريكا وإيران بحرياً وبالتالي تطور هذه الحرب
الى عواقب وخيمة وربما لكارثة لم تشهدها المنطقة حتى الآن.
واشنطن آنذاك ستتذرع من انها دخلت هذه الحرب دفاعاً عن قرارات مجلس
الأمن والمجتمع الدولي وليس بهدف إسقاط النظام الإيراني، وطهران قطعاً
سترى من ان هذه الحرب لن تتحدد في مساحتها الجغرافية وستحاول إيذاء
أمريكا في العراق وأفغانستان وربما في دول أخرى بالإضافة الى فتح باب
الحرب على مصراعيه مع إسرائيل بهدف القضاء عليها وتدمير اكبر قاعدة
استراتيجية لأمريكا في الشرق الأوسط.
اما بشأن تطبيق البنود الأخرى من القرار 1929 فيمكن لإيران
الالتفاف حولها بكل سهولة مثل فرض عقوبات على عشرات من الشركات وبعض
الأشخاص حيث يمكن استبدال أسماء هذه الشركات هوية الأشخاص لإفشال
البنود الصادرة ضدهم، ويمكن لإيران في حالة تعاون بعض دول المنطقة مثل
تركيا والإمارات والعراق وباكستان معها كسر الحصار الاقتصادي وإفشال
العقوبات خاصة وان لهذه الدول مصالح كبرى مع إيران وتجارة تقدر بعشرات
مليار دولار سنوياً.
ومن المؤكد ان القرار المذكور لن يردع حكومة احمدي نجاد لوقف
نشاطها النووي ولكنها سوف وتعمل لصالح المخطط الأمريكي في حالة تخطي
مقررات الوكالة الدولية او منع مفتشيها من السفر الى إيران، وسوف تخطأ
ايضاً في حالة تقليص او تجميد التعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن
حتى وان كانت أمريكا تهيمن على قرارا هذا المجلس.
والمطلوب في الوقت الراهن هو إفشال هذه الهيمنة وليس تكريسها
وتبريرها او إعطاء أمريكا الغطاء الإعلامي والسياسي لتزعم انها مسئولة
عن تطبيق قرارات مجلس الأمن واتهام إيران بأنها خارجة عما يسمى القانون
والمجتمع الدولي، وهذا قطعاً لا يعني الدعوة لرفع الراية البيضاء او
التذلل للسلطة الأمريكية بل مواجهتها والتصدي لهيمنتها ولكن بالطرق
والأساليب التي تفهمها وتتقبلها غالبية دول العالم ومجلس الأمن الدولي.
* كاتب وإعلامي مستقل
Sky77angels@yahoo.com |