معايير الجودة طريقة تفكير ومنهج حياة

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

منذ مدة ليست بالقليلة والنقاش محتدم في بعض الأوساط الجامعية العراقية حول جدوى او عدم جدوى تطبيق معايير الجودة الشاملة التي هي بحسب بعض التعريفات عبارة عن " فلسفة إدارية عامة تركز على الاستخدام الفعال للموارد المادية والبشرية للمنظمة في اشباع احتياجات العملاء وتحقيق أهداف المنظمة في إطار من التوافق مع متطلبات المجتمع ". او هي مجموعة العمليات الرقابية التي من شانها استبعاد المنتج المعيب او خفض نسبته على الاقل.

 الغريب ان يصل النقاش في العراق حول هذه القضية الى انقسام حاد حول قبول الفكرة من عدمها بدلا من ان يفضي الى التنافس الفكري في التوصل الى انجع السبل الكفيلة بالترويج لهذه الثقافة التي اثبتت كفاءة مطردة في جميع الميادين التي ولجتها، خاصة ان الاوساط التي تبحث في هذا الشأن تمثل اعلى مستويات الهرم العلمي والفكري في البلاد.

ان الدور الذي تلعبه الجامعة في الحضارة الإنسانية الحاضرة يتجسد في تثبيت ركائز العلم والبحث في آفاق المعرفة المختلفة، وعلى قدر ايلاء الجامعة المكانة المرموقة تسمو الدول وتتقدم المجتمعات بشكل عام وبخلاف ذلك تتدهور القيم الإنسانية السليمة وتطفو على سطح الأحداث عوامل التخلف والانحطاط، وعليه فليس من المعقول ان يستقتل العقل العلمي المجرد في ردع فكرة على هذا المستوى من الأهمية والمنفعة الى حد تمييعها والتندر منها ومن الساعين الى احلالها بوصفها طريقة للتفكير الجمعي ومنهجا للحياة الراقية.

 ويقتضي التفكير الموضوعي توجيه اصابع الاتهام صوب ارادات سياسية متخلفة لاترى من مصلحتها إشاعة هذه الثقافة او على الاقل فانها تصدر عن جهات علمية مسيسة، وهذا التصور ليس من قبيل فرض المحال اذا ما علمنا بان الجامعة العراقية لاتتمتع بنظام لا مركزي كاف كما هو الحال بالنسبة للجامعات المتقدمة في العالم، وتفتقر الى التمويل المستقل، وتخضع آليات اختيار رؤساء الاقسام والعمداء فضلا عن رؤساء الجامعات فيها الى اعتبارات سياسية لا تخطئها الملاحظة التي ترصد الى ذلك تفشي ظاهرة المحاور داخل أروقة هذه الجامعة العراقية او تلك بحيث يمكن وصف صورة الهيئات الادارية والمهنية في غير جامعة عراقية على انها انعكاس مباشر لايدلوجيات بعض الكتل السياسية المتناحرة.

ان العمل بمقتضى معايير الجودة الشاملة لا يتصور ان يكون في موضع ترحيب بالنسبة للعدد الاكبر من اصحاب المسؤوليات السياسية الذين احتكروا العمل في مناصب هم ابعد ما يكونون عنها من حيث الخبرة والاختصاص، ويحملون لنظرائهم من التكنوقراط كل انواع الضغينة والكراهية، ولهذا فان اتهام بعض مفاصل السلطة والنفوذ بمحاولات تعطيل فلسفة الجودة الشاملة ونشرها داخل الحياة الاكاديمية العراقية له اكثر من سند واقعي معتبر. فهذه الفلسفة لا تُعنى بشيء مثل عنايتها بتنظيم الموارد البشرية ومدى تمتع صاحب الوظيفة الادارية بمواصفاتها المطلوبة.

ان جميع الناشطين في مجالات منظمات المجتمع المدني مدعوون اكثر من اي وقت مضى الى تعميم ثقافة الجودة بين افراد المجتمع والكشف عن فوائدها الجمة للجماهير العريضة، وبيان المواصفات اللازمة لشغل المناصب الحكومية، ومساعدة المواطنين في الفحص والتفتيش والابلاغ عن المواصفات الرديئة..، والحمل كبير يقع على عاتق وسائل الاعلام التي من وظائفها الاساسية تنوير الوعي العام وذلك بواسطة الاعلان عن خفايا دهاليز السياسة والسياسيين وفضح الصفقات التي تنشد تسويق مباديء الغش والرداءة في (اسواق) الدولة لدواع حزبية وانتهازية ونفعية ضيقة.

 صحيح ان رحلة الوصول الى معايير جودة شاملة تحكم ميادين الحياة المختلفة تستدعي تخطيطا مرحليا وآخر استراتيجيا بعيد المدى ولكن هذا لا يعني الاستسلام لهذه العقبات وغيرها، وعلى اقل تقدير لابد من ترسيخ إيمان الشعب بتعاليم هذه الفلسفة ودعم الموالين لها ورفض الذين يقفون حجر عثرة امام مهمة (استبعاد المنتج المعيب او خفض نسبته على الاقل) سواء في الجامعات او غيرها من مؤسسات الدولة العراقية.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/حزيران/2010 - 28/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م