ثقافة كربلاء في بيوتها الثقافية

محمد علي جواد تقي

معروف إن ثقافة كل مدينة في العالم تعكس هوية سكانها ومتبنياتهم العقائدية وسلوكهم الاجتماعي، فمن غير المعقول أن يكون للثقافة صوتٌ في مدينة ما فيما لأهلها صوتٌ آخر، لذا علينا تجديد المطالبة والتأكيد على الهوية الموحدة والناصعة لمدينة كربلاء المقدسة، وربّ سائل عن حدود هذه القدسية جغرافياً؛ فهل تنتهي عند أبواب مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، وهما أساس قدسية المدينة؟ أم انها تمتد الى آخر بيت ومتجر بُني بقصد الانتماء (ديموغرافياً) الى هذه المدينة؟

 طبعاً قبل الخوض في هذا السؤال، لابد من التذكير بأن القضية التي من أجلها استشهد الامام الحسين في تلك الملحمة التاريخية العظيمة، هي وهجٌ في القلوب والضمائر قبل أن تتحول الى فكرة وثقافة في الاذهان، إذن؛ هي قضية انسانية تسع جميع سكان العالم وعلى مر الاجيال.

لكن بناءً على النظرة الواقعية لمدينة كربلاء المقدسة، من حقنا المطالبة بأن تكون مدينتنا كأية مدينة ثقافية أخرى في العالم تشكل لوحة واسعة تعبر عن التراث والقيم والمبادئ التي خطّها الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته بدمائهم ودموعهم على هذه الارض التي يتجول عليها اليوم وبحرية زائرون من مختلف بقاع العالم، وربما بينهم من لا يدين بالاسلام ولا حتى بمذهب أهل  البيت (عليهم السلام)، وهو ما نعدّه مفخرة وامتياز ليصل صوت الحسين وصدى الطف الى أقصى بقعة في العالم، كما هو حاصل.

وإذا كان الحال كذلك، فهل يصح أن نحصر الفعاليات الثقافية والفكرية المتعلقة بصاحب القدسية، حول مرقده الشريف أو بين أسواره؟

إن إقامة المهرجانات والاحتفالات في هذه المدينة يُعد من النشاطات والاعمال المباركة، بل هو عمل حضاري، لكن الأفضل والأجدر أن تمتد رقعة هذه النشاطات على كل شبر من هذه المدينة المقدسة، حتى يعرف سكانها أنهم معنيون – مثلاً- بالأدب الحسيني أو بذكرى مواليد الأئمة الأطهار أو سائر الفعاليات الثقافية  الأخرى، وما الضير من أن يكون التفاعل الجماهيري العام مشابهاً لما نشهده في أيام الحزن والأسى على الإمام الحسين (عليه السلام) في شهري محرم وصفر، فهل الحزن والبكاء للجميع والبهجة والفعاليات الثقافية للخاصة من المجتمع؟!

 وللحقيقة نقول؛ يجب أن يكون في كربلاء المقدسة أكثر من (بيت ثقافي)، يتوزع على اختصاصات من قبيل الشعر والنتاجات الأدبية و الرسم والخط والنحت وتعليم القرآن الكريم، والأهم من ذلك بيوت ثقافية للأطفال والشباب.

إن ابناء الجيل الماضي يفتخرون أنهم شهدوا منجزاً ثقافياً عظيماً في كربلاء المقدسة بإقامة المهرجان الخطابي والشعري الدولي كل عام بمناسبة ذكرى مولد أمير المؤمنين(عليه السلام)، وذلك في عقد الستينات من القرن الماضي، وكان فارس الميدان في ذلك المهرجان المفكر والأديب آية الله الشهيد السيد حسين الشيرازي (قدس سره)، وأعتقد إن من عوامل نجاح هذا  المهرجان، المكان الذي اختاره المنظمون وهو قاعة (الحسينية الطهرانية) المقابلة لحرم الإمام الحسين (عليه السلام).

 ويروي لنا كبار السن أنهم كانوا يستمعون الى وقائع المهرجان من خلال مكبرات الصوت وهم في الأزقة والأسواق القريبة... حقاً؛ ما أعلى تلكم الهمم في تلكم الظروف العصيبة والحساسة! حيث كانت حدود المتدينين لا تتجاوز الحرمين الشريفين. وما أعظم الامكانات والقدرات اليوم!! بل ما أعظم النعم الإلهية من الحرية والسيادة وغيرها كثير تستوجب الشكر لله وأداء الواجب إزاء صاحب القدسية في هذه المدينة المقدسة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/حزيران/2010 - 27/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م