كثر الحديث في الساحة العراقية عن وجود أزمة متوقعة للمياه في
العراق، بل حتى في العالم، أو وجود شحة في مناسيب الرافدين العظيمين،
وارتفاع نسبة الملوحة في المحافظات الجنوبية ولاسيما مدينة البصرة التي
تعاني ومنذ عقود طويلة من ملوحة مياهها، بسبب شحة مياه الرافدين((دجلة
والفرات).
وأثناء زيارتنا لقضاء الهندية في مدينة كربلاء المقدسة، وناحية
السدة في محافظة بابل، شاهدنا مساحات واسعة لنهر الفرات غمرها الطين
والقصب بسبب ضحالة المياه تارة وانحسارها تارة أخرى تحولت تلك
المساحات، بعد أن سطعت عليها شمس صيف العراق اللاهب، في ظل توافر
الطاقة الكهربائية وبدون انقطاع، إلى ملاعب رياضية يمارس عليها الشباب
تمارينهم اليومية، وتجرى عليها المباريات الجماهيرية، فنتساءل هنا،
أليس العراق يمر بشحة للمياه وهو بحاجة إلى كل قطرة مياه لدعم قطاعه
الزراعي والصناعي!!! فلماذا تحولت تلك المساحات إلى ملاعب رياضية؟؟؟
هل هو تشجيع للرياضة العراقية والسماح لها بممارسة نشاطاتها في
الملاعب النهرية أو على الجزر التي تكونت في نهر الفرات بعد تجمع كميات
كبيرة من الطين والغرين إلى جانب الملاعب المنتشرة في المناطق البرية،
أو الرغبة في تكوين ملاعب برمائية فريدة من نوعها في العالم تضاهي
الملاعب العالمية (النيوكامب )، و(الإمارات)، والملاعب التي تستضيف كأس
العالم2010، وقد نراها يوماً تتحول إلى مناطق سكنية وهو عندنا ليس
ببعيد، لاسيما في ظل التجاوزات التي طالت الكثير من المناطق، فهل يعز
عليها الفرات!لاسيما وهي تتمتع بمواصفات المواقع التجارية والسياحية،
إضافة إلى جمالية المنظر وقرب الخدمات النهرية!
أم هو زهد من السلطات العراقية(وزارة الموارد المائية، وزارة
الزراعة) بالمياه، وعدم الحاجة إليه، فما يصلنا يكفي للشرب، لاسيما في
ظل وجود القناني المعبئة، والتي أصبحت موظة (مودة)، ولا نحتاج زراعة
وصناعة فالبلد مفتوح لصادرات الدول الأخرى ومنتجاتها وهي ارخص من
منتجاتنا المحلية، وان كانت نوعيات بعضها أردئ، فالمهم هنا السعر وليس
النوع(الله يديمك يارخص).
وفي الوقت الذي نشجع فيه الرياضة وبجميع قطاعاتها، وتمنياتنا بأن
تحل أزمة السكن، ويمنح كل عراقي قطعة سكنية، توزعها الدولة وفق
الاستحقاق، وإيماننا بحضارية قناني الماء، لكننا يجب أن لا ننسى أمر
غاية في الأهمية، إلا وهو توفير الأمن المائي للعراق، والمحافظة على
مناسيب الرافدين، ولاسيما الفرات، وهذا الأمر لن يتحقق مادامت التكتلات
الطينية تزحف بشكل سريع ومخيف نحو مجرى النهر، لاسيما أنها متروكة دون
معالجة من الجهات المسؤولة، حتى ضاق مجرى النهر في بعض الأماكن بشكل
ملفت للنظر ومثير للاستغراب بسبب توسع مناطق الجفاف فيه، الأمر الذي
يحتاج وقفة جدية وحملة كبيرة تشمل مجرى النهر من دخوله الأراضي
العراقية ولحين التقائه بدجلة الخير، ومصبهما في شط العرب، فهل ستقوم
بذلك الحكومة التي طال انتظارها، أم يترك حبلها على غاريها.
فانا الفرات أناشدكم، كوني عراقي المجرى منذ الآلاف السنين، ولا
يشكك بذلك أحد، على الرغم من كوني مزدوج الجنسية من حيث المنبع، وهو
ليس بعيب فالكثير من السياسيين وأصحاب المناصب يتمتعون بازدواج
الجنسية، وطالما انتفعتم بمائي شرباً وزراعة وصناعة، أفلا أستحق رد
الجميل، بتخليصي من تلك الجزر الطينية التي بدأت تطال تأريخي الأبيض،
الذي هو تأريخ العراق، بل وجودي، أم تريدون أن أضمحل وأختفي، لكم
الخيار وأنا أنتظر الحل، فهل من ناصر ينصرني، هل من جهة مسؤولة تذب
الطين عني....... نهركم الفرات. |