القادة الحكوميون وتحمل مسؤولية التقصير

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تعتبر ثنائية العقاب والثواب من الاساليب الهامة التي تنظّم حياة الامم والشعوب، والأهم من ذلك درجة التوازن التي ترافق عملية تنفيذ هذه الثنائية ودرجة الفهم والوعي اللذين يتعلقان بكيفية تطبيقها في الحياة العملية.

هذا يعني أن الجهات المعنية لاسيما الاجهزة التنفيذية للدولة لابد أن تكون على اطلاع جيد فيما يتعلق باستخدام الثواب والعقاب على أن تكون القاعدة الاساسية للتنفيذ هي مرجعية السنن والقوانين التشريعية والعرفية ايضا، بمعني ينبغي أن يكون هناك تعاضدا بين المنظومة الفعلية للتنفيذ، ويحبّذ عدم التقاطع او التصادم بين هذه الاقطاب، فالعرف لابد أن ينسجم مع القانون والاخير لابد أن ينسجم مع التشريع الصحيح والمتفق عليه، وكلما صحَّ تطبيق هذه الثنائية الدقيقة كلما أصبح المجتمع أكثر استقرارا وتقدما واسرع تطورا من سواه.

ولكن تُرى ماذا يحدث لدينا الآن في الحراك الحكومي والمجتمعي عموما؟ هل أننا نقوم بالتطبيق الناجح لثنائية العقاب والثواب في ادارة أعمالنا وانشطتنا المختلفة وهل تعودنا على مثل هذه الثقافة السلوكية التي تحفظ لنا التوازن في عموم المجالات؟.

من الواضح أننا لم نعتد بعد على تطبيق العقاب بالطريقة التي تتسق مع السبب او الخطأ المرتكّب، كما أننا لا نزال نتغافل عن الابداع الفردي والجمعي الذي يتحقق في هذا المجال او ذاك، وهذا بحد ذاتي يكفي لاحداث تراجعات كبيرة في الانتاج بأنواعه، بمعنى ثمة خلل كبير في تفعيل هذه الثنائية من قبل الجهات المعنية لا سيما الحكومية منها باعتبارها المسؤول الاول عن رصد الخطّائين ومحاسبتهم ومكافأة الموهوبين والمبدعين في مجالاتهم، وحين تغيب هذه الآلية في ترصين طبيعة العمل في مؤسسات الدولة وغيرها ستنتج عنها أخطاء فادحة قد تتطور نتائجها لتثقل كاهل المجتمع ككل.

كما أننا ينبغي أن لا نغض الطرف عن مسؤولية الفرد نفسه ممثلا بهذا المسؤول الحكومي أو ذاك، فحين يحدث تلكؤ في الانتاج لهذا السبب او ذاك ينبغي أن يتحمل الوزير او المدير الفلاني مسؤوليته عن هذا الاخفاق، كما أننا بحاجة الى تفعيل احترام الذات والتمسك بالمبادئ التي تحفظ للمسؤول والانسان هيبته وكرامته الانسانية ومواقفه بعيدا عن إذلال النفس وتراجعها أمام مزايا المنصب وما شابه.

ولدينا شخصيات مسؤولة معاصرة حافظت على مبادئها وهيبتها بمجرد أن شعرت بقصور ما في عملها او حتى تصريحتها، وأمامنا الرئيس الألماني الذي اعلن استقالته مؤخرا لأنه أدلى بتصريح لا يتسق مع موقف الحكومة، لكنه بدلا من أن يبقى متمسكا بمنصبه ويتراجع عن موقفه الذي يمثل كرامته، بقي متمسكا بما قاله وأعلن استقالته من منصبه.

إذن نحن بحاجة الى مسؤولين من هذا النوع، يحترمون كرامتهم ومبادئهم ولا تعمي مزايا المناصب بصائرهم وابصارهم، واذا لم تتفعّل مثل هذه الثقافة بين وزرائنا ومدرائنا ومسؤولينا عموما، ينبغي أن تظهر آلية المحاسبة والعقاب الى حيز العمل المعلن وينبغي أن تعاقب الجهات المعنية هذا المسؤول او ذاك بسبب اخفاقه في مسؤولياته العملية وسواها.

وليس من العيب أن يعترف المسؤول بتقصيره واخفاقه وخطئه في هذا الجانب او ذاك، بل ليس من العيب أن يعتذر لمن يهمهم الامر ولا ضير في أن يعلن استقالته ويبقى محترما ازاء ذاته وازاء الناس جميعا، وفي الحالة المعاكسة، أي حين يبقى متمسكا بمنصبه مع كثرة أخطائه وفشله البائن في ادارته لوزارته او دائرته، فإنه يهين نفسه قبل غيره، ويصبح مصدر تندر وسخرية الآخرين، وإن فضل المال والمنصب على الاحتفاظ بكرامته وإنسانيته.

بيد أن هذا السلوك العام يحتاج الى نشر وترسيخ بين المعنيين لاسيما ساسة اليوم الذين لا يتحرجون من ضعفهم وفشلهم، ولا يهتمون لذهاب تصريحاتهم واقوالهم ووعودهم ادراج الريح، فالمهم كما يبدو أن يبقى لأكثر مدة ممكنة في منصبه وبين مزاياه ووجاهته، لهذا بات من المهم أن تُفعَّل ثنائية العقاب والثواب، فيُعاقب المسؤول الفاشل ويُثاب المسؤول الناجح عملا وقولاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/حزيران/2010 - 22/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م