التراث العربي.. حِرف ومِهن وأماكن تخلط الواقع بالخيال

شبكة النبأ: لم تعد الصناعات اليدوية العربية مناسبة للاستعمال اليومي بل أصبحت صناعة التراثيات والتحف والأفرشة القديمة تصنع للعرض أو الحفظ أو البيع للسواح ومقتني التحف التراثية الشعبية. فالقباب الخشبي السوري يوشك على الاندثار, والجنبية (خنجر جانبي) اليمنية أصبح اقتناءها ترفا أو تميز طبقي لصعوبة صناعتها وارتفاع أسعارها ومنافسة الصناعة الصينية البلاستيكية لغمها المشهور.

ولازالت الحمامات العربية في اليمن والمنشأة منذ مئات السنين ملاذا مريحا وصحيا لليمنيين. وربما لاتنطبق هذه الأهمية على الحمامات المصرية التي أصبحت مجرد ابنيه تراثية. 

قبقاب غوّار!

في السوق القديمة بالعاصمة السورية دمشق متاجر صغيرة ومنصات تباع فيها منتجات من الحرير والمعدن والجلد وأيضا "القباقيب".

والقبقاب خف مصنوع من الخشب والجلد ويرجع الى العهد العثماني حيث كان يستخدم بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية.

ولعب القبقاب دورا في الثقافة الشعبية في العالم العربي فارتبط على سبيل المثال بشخصية "غوار" التي أداها النجم السوري دريد لحام. بحسب رويترز.

لكن عدد صناع القبقاب التقليدي والتجار الذين يبيعونه تراجع كثيرا في العقود الماضية. ورغم أن القبقاب يباع بأسعار متواضعة فقد بدأ الطلب عليه يتراجع منذ ظهور الخفاف المصنوعة من البلاستيك.

ووصلت صناعة القبقاب في سوريا حاليا الى شفا الاندثار حيث لم يعد ينتجه الا بضعة حرفيين في المدينة.

حمزة المخلل يملك واحدة من ثلاث ورش تصنع القبقاب في دمشق. وأمضى حمزة نصف سنوات عمره الثمانين يصنع القبقاب الخشبي بيديه. لكنه الآن أصبح يكتفي بعرضها في متجره الصغير، وذكر المخللاتي أنه تعلم صنع القباقيب من والده لكن أولاده رفضوا أن يحذوا حذوه.

وقال حمزة المخللاتي "المصلحة ما ماتت. يعني ما فيه غيري وواحد بره في السوق. نحن اختيار (كبار في السن). كلهم تركوا محلاتهم. وفي سوق الحرير ما فيه غير واحد واذا الثاني راح خلاص انقرضت المصلحة."

وكان صناع القبقاب التقليدي يجلبون الأخشاب اللازمة لحرفتهم من واحة تقع جنوبي دمشق. وكان الحرفيون ينحتون النعال بأيديهم إلى أن ظهرت آلات تؤدي هذه المهمة فأصبح عملهم يقتصر على تثبيت الجزء المصنوع من الجلد أو القماش أو القش المجدول في النعل الخشبي.

وذكر صانع آخر للقباقيب يدعى يحيى القصاص أن الناس أصبحوا يفضلون الخف المصنوع من البلاستيك لان عمره أطول.

الخيامية المصرية

من جانب آخر يقول الحرفيون في حي الخيامية بالقاهرة إنهم يجاهدون من أجل استمرار حرفتهم التقليدية في وقت تراجع فيه عدد السياح الذين يزورون السوق وعدد الزبائن الذين يشترون الأقمشة المُطرزة يدويا بسبب رخص نظيراتها المنتجة آليا.

ويقع سوق الخيامية في حارة هادئة خلف باب زويلة المشهور الذي يرجع للقرون الوسطى لكن كثيرا من المشتغلين بهذه الحرفة القديمة يشكون من ان زبائنهم في تراجع مُطرد. بحسب رويترز.

وتعرض الحارة التي تنتشر على جانبيها متاجر ذات أبواب خشبية عتيقة قطعا من النسيج المُطَرز يدويا والقماش الذي يُستخدم في سرادقات العزاء والزفاف وبعض التجمعات الشعبية.

لكن مع مرور الوقت تراجع الطلب على هذه المنسوجات المطرزة بأشكال وزخارف ونقوش إسلامية أو آيات قرآنية حيث تحول الناس إلى دور المناسبات بالمساجد وقاعات الاجتماعات بدلا من السرادقات.

وتكيف الحرفيون في الخيامية مع ذلك فوجهوا موهبتهم الى صنع منتجات تناسب السوق السياحي الكبير في مصر مثل لوحات النسيج التي تستخدم لتزيين الجدران والمناشف والملاءات وأغطية الوسائد.

وذكر حرفي في الخيامية يدعى هاني فتوح ان المهنة نشأت في مصر بعد قدوم الأتراك. وقال"500 سنة بالضبط.. أيام الاتراك بدأت هذه المهنة. والاتراك جاءوا هنا وبنوا الخيامية وشغلوا المصريين عندهم. وبنوا فوق طابقا وتحت طابقا بحيث ان الطابق العلوي يكون سكنا والسفلي للعمل. وتوالت الأيام وتماشت والمصريين ارتبطوا بالمهنة من الأتراك وبدأنا نطور فيها والحمد لله رب العالمين."

وتقوم حرفة تطريز أقمشة الخيام والمنسوجات الأخرى المختلفة التي تستغرق وقتا طويلا على حياكة طبقات من القماش الملون بعضها فوق بعض في تصميم معين مثل الزخارف والنقوش الإسلامية والنباتات والحيوانات والمناظر والرموز الفرعونية.

الجنبية اليمنية مهددة بالاندثار

أما عن  الجنبية التي تشكل جزءا من الزي اليمني التقليدي ويمكن ان يبلغ ثمنها مليون دولار، فهي مهددة أكثر من أي وقت مضى بالزوال خصوصا بسبب تراجع اهتمام الشباب بها.

وقال خالد الصيقل بائع التحف في سوق صعدة القديمة الذي يعرض في واجهة محله عدة جنبيات متفاوتة القيمة والجمال "قريبا ستصبح الجنبية من الماضي". بحسب فرانس برس.

والصيقل الذي يعمل في هذا المجال منذ 25 عاما يؤكد انه شهد على مر السنين التراجع التدريجي لشعبية هذا الخنجر المعقوف الذي قال انه "رمز عنفوان الرجل اليمني".

وذكر الصيقل ان الجنبية (الخنجر المعقوف) التي تعود الى ما قبل الإسلام وتستخدم للدفاع عن النفس وللرقص، تمكنت من الاستمرار عبر التاريخ. وأشار الى ان "ما يجعل الجنبية ذات قيمة عالية هو الرأس (المقبض) وأغلاها ثمنا تلك المصنوعة من قرن وحيد القرن، إضافة الى عمرها".

الا ان اليمن منع منذ سنتين استيراد قرون وحيد القرن بعد أن تم حثه على احترام معاهدة حماية الحيوانات المهددة بالانقراض.

ويمكن ان تبلغ قيمة الجنبية مبالغ خيالية. فقد قدرت صحيفة الجمهورية في حزيران/يونيو الماضي قيمة كل من جنبيتين مملوكتين من قبل الزعيمين القبليين صادق الاحمر وناجي الشايف، بمليون دولار.

صائد اللؤلؤ..

جلس بملابسه البيضاء وسط مجموعة من الصحفيين حاولوا أن يستخرجوا منه أسرار البحر كما كان يحاول استخراج اللؤلؤ من محاره قبل أكثر من 65 عاما.

كان محمد حسين خليفة بن خاتم (76 عاما) يستمع بتركيز الى وابل من الأسئلة تجيئه من كل جانب بعد ان تحلقت حوله مجموعة من الصحفيين في دار للمسنين حيث يعيش الان.

تذكره الصحفيون فجأة بمناسبة احتفال البحرين السنوي بيوم "دشة الغوص" اي النزول الى الغوص الذي تحتفل به البلاد في اكتوبر تشرين الاول من كل عام لاحياء حرفة تضررت كثيرا منذ ان هجرها البحارة واتجهوا لصناعة النفط التي غيرت وجه البلاد في بداية الثلاثينات من القرن الماضي ومنذ ان روجت اليابان للؤلؤ الصناعي المزروع فأصابت سوق اللؤلؤ الطبيعي بكساد قاتل. بحسب رويترز.

في الطريق الى دار المسنين لاحت في الافق سفينتان يبنيهما البحارة من تصميمات من الذاكرة من خشب جلب خصيصا من نيبار بالهند ليوم "الدشة" في اكتوبر من العام القادم. كان فيهما ملمح من مراكب الشمس الفرعونية القديمة.

منذ العام الماضي ابتدعت محافظة المحرق البحرينية تقليدا سنويا لإحياء تراث الغوص وصيد اللؤلؤ الذي عشقته منذ الاف السنين حين كانت تلك المهنة أهم مظهر للعيش فيها طوال قرون والتي سجلتها النقوش والحلي والآثار الدلمونية وهي حضارة محلية وجدت على أرض جزيرة مملكة البحرين وواكبت الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين.

كانصائد اللؤلؤ البحريني يتمايل في جلسته وكأنه في هذه اللحظة المعاشة يحاور البحر ويناوره. حكى وهو يلوح بقبضته في الهواء كيف علمه البحر ان يكون رجلا وقال "البحر علمني المريلة والمرايل."

كانت مهنة صيد اللؤلؤ التي تعلمها وهو في العاشرة من عمره هي مهنة ابائه وأجداده الذين اعتقوا من الرق بعد موت سيدهم بعد قرار الغاء الرق في البحرين في النصف الاول من القرن العشرين. كانت هي المهنة المتاحة قبل ان يغير اكتشاف النفط في بداية الثلاثينات وجه المنطقة.

ويتابع بن خاتم "الشركة.. ما كان في شركة" مشيرا الى شركة ( بابكو) شركة نفط البحرين أول شركة نفط تعمل في البلاد والتي اسستها عام 1929 شركة ستاندارد أويل في كاليفورنيا واكتشفت النفط في البلاد لاول مرة عام 1932 .

كان قارب صيد اللؤلؤ يخرج الى عرض البحر في رحلة تستمر أربعة أشهر وعشرة أيام مقابل أربعة دنانير فقط لكل فرد عن المدة كلها. كان القارب يحمل ثلاثة أفراد.. الربان الذي يقود القارب والغواص الذي يربط في قدمه حجر حتى يغوص الى القاع والبحار الثالث قوي اليدين الذي يسحب الغواص من القاع حين يعطيه الأخير إشارة منتظرة بشد الحبل.

وأردف بن خاتم إن الثلاثة يجب أن يكونوا قادرين على تبادل الأدوار "فان هب الريح لازم الإنسان يشتغل كل شيء."

كان الحديث عن الغوص ورجالاته ومعاناتهم له طعم خاص يمزج بين ملوحة البحر وحلاوة الفرحة بالعودة غانمين إلى الأهل. أراد بن خاتم إن يثير دهشة الصحفيين فتحدث عن المخاطر التي كان يواجهها غواص اللؤلؤ قبل الثورة التكنولوجية.. أسماك القرش وأنواع أخرى كثيرة عدد أسماءها بلهجته المحلية التي صعبت حتى على أهل بلده.

حمامات صنعاء..

ويُدخل حمام الأبحر التاريخي في قلب صنعاء القديمة زائريه في رحلة عبر الزمن حيث يعبق تاريخ المدينة الضارب في القدم الى جانب البخار المفيد للصحة.

منذ قرون تعتبر الحمامات التركية في الشرق الاوسط مكانا للغوص في النقاشات، الا ان بعض هذه الحمامات تعد تحفا معمارية فريدة، مثل حمام الابحر الذي بني قبل 410 اعوام ويعج بالرجال الذين يملاون حجراته الدائرية الدافئة التي تتسرب اليها أعمدة النور من فتحات القبة التي تهيمن على المكان.

وصنعاء القديمة مأهولة منذ 2500 عام وهي مدرجة على لائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي، وفيها 14 حماما و103 مساجد واكثر من ستة الاف منزل، كلها بنيت قبل القرن الميلادي الحادي عشر.

وعند وصولهم إلى حمام الأبحر، يترك الزبائن ثوبهم وجنبيتهم (الخنجر التقليدي) في خزانات الثياب وينطلقون في طقوس الحمام متنقلين بين الغرف المختلفة.

فبعد الهواء الساخن والجاف، ينتقل الزبائن الى حمامات البخار حيث يتم غسل الجسم بالصابون، وصولا الى تدليك الرجلين واليدين والبطن والظهر. بحسب فرانس برس.

وقال اسماعيل ابوطالب (65 عاما) الذي يعمل في حقل المجوهرات، "اقيم في المدينة القديمة وآتي الى الحمام كل يوم تقريبا". واضاف "بالنسبة للكثيرين ان هذه الجدران هي ما تبقى من حقبة مجيدة ولكن بالنسبة لنا هذه الجدران هي جزء من يومياتنا".

ويرى البعض ان الحمام يقيهم الأمراض بينما يشيد آخرون بالقدرات الخارقة للحمام على الصعيد الجنسي.

ويؤكد الحمزي انه يقسم اسبوعه بين الزوجتين وياخذ يوما من الراحة. وقال ان "يوم الثلاثاء هو يوم الراحة، آتي الى هنا للاستحمام ولقضاء الوقت مع اصدقائي. في هذا اليوم لا يمكنني ان انظر الى اي امراة".

وبالنسبة للحمزي، فان الشباب اليمنيين ياتون الى الحمام خصوصا للمنافع الجنسية. وقال ان "الحمام هو البداية فقط، وبعد ذلك يشعر المرء بانه مثل النمر عندما يخزن القات".

وتخصص إدارة الحمام بعض الأيام لاستقبال النساء، خصوصا يوم الخميس الذي يعد تقليديا اليوم الذي تنظم فيه الأعراس.

وقال يحيى الصادق (40 عاما) وهو احد مالكي الحمام "يوم الخميس مخصص لطقوس العرائس". وقال انه "بعد حمام البخار، تدهن العروس قبل زواجها بالزيوت المعطرة استعدادا لليلة الدخلة".

الجبة القسنطينية

إنها تصنع يدويا وتستغرق حياكتها وتطريزها ثلاثة أشهر ويبلغ متوسط سعرها 1000 دولار..

وليست الجبة القسنطينية، في الجزائر، على قائمة مشتريات كل متسوق ولكنها ما زالت تحتفظ بوضعها المهم كثوب الزفاف الذي لا بديل عنه للغالبية العظمى من فتيات قسنطينة وذلك بالرغم من ارتفاع سعرها والتغيرات الثقافية التي شهدتها الجزائر على مر العصور. بحسب رويترز.

وتصنع الجبة غالبا من قماش القطيفة ذي الألوان الداكنة لكن جمالها يكمن بصفة رئيسية في الخيوط المصنوعة من الذهب والفضة التي تستخدم في تطريزها بأشكال بديعة. وتجمع الجبة بين احتشام الزي الاسلامي وبريق وأناقة ثوب العروس وترتديها أيضا كثير من النساء في الجزائر في المناسبات الخاصة والعامة.

ويكسب حميدي قيسي، عيشه من صنع وتطريز الجبة التقليدية في متجره بسوق قسنطينة ويحافظ أيضا على الحرفة التي تتوارثها عائلة قيسي منذ أجيال.

وقال قيسي "استلمنا هذه الحرفة من ابائنا وأجدادنا. عندها أكثر من 50 سنة. وان شاء الله نحن كذلك سوف نجعلها ورثا لابنائنا. نحن نحب هذه الحرفة فهي تسير في دمنا."

أضاف "الجبة القسنطينية المعروفة في قسنطينة ترتديها كل فتاة في يوم زفافها. وهي الرداء الرسمي. والحمد لله فهي تلبس في العاصمة.. في وهران.. وحتى خارج الجزائر. وهي بدلة جميلة جدا."

ويصنع قيسي في متجره المسمى "الايدي الذهبية" الجباب القسنطينية التقليدية بالطلب. ويتوقف سعر الجبة على كمية الخيوط أو "الفتلة" الذهبية والفضية التي استخدمت في تطريزها ومدى دقة أشكال التطريز.

وقال قيسي "تصنع (الجبة التقليدية) بالخيط الذهبي. تتطلب صناعتها ما بين ثلاثة وأربعة أشهر. الأسعار تتراوح مابين 30 ألف (415 دولارا) و70 ألف (972 دولارا) وحتى 100 ألف (1383 دولارا) دينار جزائري وما فوق حسب إمكانية كل شخص."

وأضافت ليلى بن شيخ التي تعمل في تطريز الجباب بمتجر الأيدي الذهبية "أنا أقوم بطرز جبة قسنطينية بطريقة المجبود وهي طريقة طرز قسنطينية تقليدية. وحتى تستلمها العروس كاملة تتطلب ثلاثة أشهر."

ويعتقد أن طرق حياكة وتطريز الجبة القسنطينية ترجع الى عهد الدولة العثمانية. وتشبه الجباب القسنطينية في خاماتها وألوانها وأشكال تطريزها الى حد بعيد أثواب النساء المصنوعة من القطيفة التي كانت شائعة في القرن التاسع عشر.

وتقع قسنطينة على بعد 450 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية. وبنيت المدينة على أرض صخرية تطل على أودية ضيقة جدا وتشتهر باثارها وترائها التاريخي العريق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/حزيران/2010 - 21/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م