مرور عام على الانتخابات الإيرانية

التجارب والعبر

خليل فائزي

بعد أيام تحل على إيران ذكرى سياسية هامة ومثيرة للجدل في مسيرة الثورة الإيرانية ألا وهي الذكرى السنوية الأولى للانتخابات الرئاسية في إيران التي كانت الأكثر جدلا وسجالا وأوجدت خلافات واسعة بين الفرقاء السياسيين بشأن نتائجها التي يزعم الاصلاحيون انها زورت بواسطة أركان النظام والحكومة فيما نفت هذه الأركان بشدة هذا الادعاء وأكدت صحتها وحصول السيد احمدي نجاد على نسبة عالية من الأصوات لم يحصل على مثيلها اي رئيس سبقه في حكم السلطة التنفيذية.

 وبما اننا ليس في موقع الحكم وليس هناك غاية للدفاع عن هذا الطرف او انتقاد الطرف الآخر بشكل مقصود ومتعمد الا انه من الضروري التذكير هنا ان بعض الأطراف غير الأساسية وأجهزة إعلامية افتقرت للخبرة والحيادية وشخصيات غير قيادية ومعروفة بالتسرع والتطرف لدى الجانبين اي الحكومة والتيار الإصلاحي ،ارتكبت افظع الأخطاء وتعاملت بأسوأ الطرق ومارست اخطأ الأساليب وكادت من المحتمل دفع البلاد الى أتون حرب سياسية وصدامات داخلية بسبب الاتهامات المتبادلة التي وصلت أحيانا الى حد التكفير والاتهام بالردة والعمالة للأجانب او الوقوف ضد إرادة أكثرية أبناء الشعب.

 ومنحت هذه المواقف والاتهامات أجهزة إعلام إقليمية ودولية وبعض الجهات في دول المنطقة والعالم فرصة ذهبية لاستغلال الخلافات السياسية التي رافقت الإعلان عن نتائج الانتخابات بهدف التصيد في المياه العكرة والانتقام من سيادة البلاد وشعبها وتضخيم بعض الاعتراضات او الأخطاء التي ارتكبت بالتعامل مع الأزمتين السياسية والأمنية.

 ففي الجانب الإصلاحي كان هناك الكثير من التافهين والهامشيين السياسيين الذين اتخذوا مواقفا مخزية ليس للقوى الإصلاحية والمعارضة فحسب بل كانت وستظل وصمة عار تاريخية على جبين هؤلاء مثل تآمر بعض المتشدقين بالمعارضة والإصلاحات مع الأجانب والتنسيق معهم إعلاميا وسياسيا والدعوة جهرا وسرا لضرب إيران عسكريا وإسقاط نظامها بالقوة وحتى ان أحد هؤلاء التقى زعماء صهاينة ودعاهم للدفاع عما اسماها الحرية الضائعة وحقوق الإنسان المنتهكة في إيران دون معرفة او بالأحرى التغاضي عمدا عن الجرائم البشعة والأفعال المشينة والمواقف المعادية للإنسانية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل في جنوب لبنان وقطاع غزة وان المشتكي عنده هو بالأساس مجرم حرب.

ولا ينفي القادة الاساسيون في ايران ارتكاب بعض المسئولين السياسيين والأمنيين بأخطاء متعمدة او غير متعمدة بالتعامل مع المعترضين وحتى ان المرشد الإيراني السيد خامنئي تدخل شخصيا لإغلاق معتقل (كهريزك) الأمني نظرا لوقوع انتهاكات صريحة فيه ضد حقوق المعتقلين وتجاوزات طالت شبان ربما اعتقلوا عن طريق الخطأ او بفعل مؤامرة سياسية وأمنية لارباك بعض قادة النظام والإساءة لسمعتهم ومكانتهم وخاصة ان بعض المعتقلين والمتضررين كانوا محسوبين على جماعة قائد الحرس الأسبق محسن رضائي الذي هو لازال ركنا من أركان النظام.

ومن الأخطاء الإعلامية والسياسية الأخرى التي ارتكبت من جانب الذين يضعون على أعينهم دوما نظارة الحقد الأسود ويتصورون ان جميع سكان العالم يقفون ضدهم ويخططون ضد مصالحهم المادية والفئوية، يمكن الإشارة هنا إلى المطالبات غير القانونية وغير المبنية على أسس منطقية لاعتقال وإعدام كافة قادة القوى الإصلاحية وإزاحة ما يعرفون بأنصار نهج الإمام الخميني والإساءة لأفراد أسرته والتضييق على الناشطين السياسيين والإعلاميين وبعض الجامعيين بهدف وأد الحريات السياسية وإيجاد جدار حديدي من الكبت والتضييق واعتبار كل انتقاد للحكومة حتى وان كاد نقدا مفيدا وصائبا بهدف رفع الأخطاء، انه عمل يتنافى مع الشرع الديني ومحاربة للنظام والسعي للإطاحة به.

هؤلاء المتطرفون او بالأحرى الانتهازيون السياسيون والإعلاميون يتعاملون مع الأحداث وكأن العالم يتحدد في يوم واحد فقط ولا غد سيأتي ويتحدثون لوسائل إعلامهم الخاصة بهم وكأنهم هم قادة البلاد الأساسيون ومتخذو القرارات المصيرية او انهم اكثر من القيادة العليا أو مراجع الدين والسياسة حرصا على أسس الدين ومصالح البلاد وحقوق الشعب بل وانهم يخططون علانية للسير أمام القيادة وليس خلفها وإصدار القرارات مسبقا لمجلس الشورى وأركان النظام الأخرى للتقيد بمواقفهم وتصريحاتهم المتطرفة والنارية.

 في حين انه لولا حكمة وحنكة وصبر القيادة العليا لدفع هؤلاء البلاد نحو الحرب الأهلية وهاوية الصراعات السياسية والمواجهات الاجتماعية الدموية وجعلوا من البلاد لقمة سائغة وسهلة للتدخلات الأجنبية. وفي الجانب الإصلاحي والمعارض للحكومة الحالية فقد ارتكبت قيادة التيار الإصلاحي أخطاء إستراتيجية فيما يتعلق بالمصالح القومية والوطنية التي تدعي هذه القيادة إنها اكثر حرصا عليها من الحكومة حيث ظلت قيادة الإصلاحات تعارض وتقف اي قرار تتخذه الحكومة حتى وان كان صائبا اورادعا للضغوط والتهديدات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية.

 وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني تارة طالبت قيادة الإصلاحات بتخلي إيران بالكامل عن الطاقة النووية مهما كانت سلمية اوعسكرية بذريعة الحفاظ على البلاد من خطر العدوان العسكري او فرض العقوبات الاقتصادية وتارة أخرى وقفت القيادة الإصلاحية ضد قرار الحكومة الحالية الداعي لإنهاء أزمة الملف النووي وسحب الذرائع من يد الغرب ووافقت على تبادل اليورانيوم ووصفت القيادة الإصلاحية إعلان طهران الأخير بانه تراجع ذليل وسافر إمام الضغوط الأجنبية وتخلي الحكومة عن الطاقة والتقنية النووية التي نحن بحاجة لها ودعت هذه القيادة الى التمسك بقرار حفاظ البلاد بالقدرة النووية ورفض عملية تبادل اليورانيوم.

 ومن المواقف الأخرى المستغربة لقادة التيار الإصلاحي كان اعتراضهم المباشر على اعتقال متهمين بارتكاب عمليات إرهابية وقتل أبرياء ورفض العملية السياسية والحوار السلمي لحل مسألة القوميات وحقوق الاقليات وكان آخر موقف سلبي لقادة التيار الإصلاحي هو اعتراضهم على إعدام خمسة من مقاتلي حزب (بجاك) المتهم بارتكاب عمليات إرهابية وقتل مواطنين أبرياء في غرب إيران.

لنكن واقعيين ونتحدث بلهجة حيادية وبعيدة عن الحماقة الإعلامية والنفاق السياسي ونقولها صراحة ان ليس هناك اي رابح سياسي في اي مواجهة تخرج عن نطاقها السلمي والحوار المتعقل، فلا الاصلاحيون قادرون على الأخذ بزمام الأمور وإقناع غالبية الشعب بأفكارهم وبرامجهم السياسية ولا الأصوليون متمكنون الاستمرار باحتكار السلطة والتفرد بالحكومة لفترة طويلة من الزمن، وإذا أخذنا جدلا بأحقية قول الحكومة من ان نتائج الانتخابات الرئاسية كانت واقعية ونزيهة ولم يحدث فيها اي تزوير او تلاعب بأصوات الناخبين فان هناك الملايين من مؤيدي القوى الإصلاحية وهؤلاء شاركوا وصوتوا لمرشحهم الأساسي مير حسين موسوي وان الإصرار على استبعاد أنصار القوى الإصلاحية او تجاهل مكانة قادتها سيؤدي قطعا إلى استمرار الاعتراضات في السر والعلن وقطعا لن يشارك هؤلاء في اي انتخابات قادمة في حالة الإصرار على تجاهل مطالبهم وعدم الاستماع الى اعتراضاتهم او عدم تغيير بعض أصول اللعبة السياسية وقوانين الانتخابات الحالية.

واذا كان ادعاء الإصلاحيين صائبا فلابد من الأخذ بعين الاعتبار أيضا ان لدى الحكومة والنظام بشكل عام مؤسسات وأركان وتنظيمات واسعة النطاق تم بناؤها وتجهيزها على مدى اكثر من ثلاثة عقود وان لدى الحكومة الكثير من أنصارها على الأقل في المدن الصغرى والقرى والأرياف وان عدد هؤلاء يتخطى عشرات الملايين، وبعبارة أخرى ان لدى الفرقاء السياسيين وكل طرف في الساحة أنصاره والمدافعون عنه والمخلصون له وربما أيضا المنتفعون منه وهؤلاء يمثلون قاعدة الشعب الأساسية التي لا يمكن شقها او جعلها في شرائح طبقية متباينة او مفضلة واحدة عن أخرى ولا يمكن قطعا طرد او إقصاء او حتى تجاهل مواقف وآراء وأفكار كل الأطراف الفاعلة في الساحة او التي لها قاعدة شعبية في المجتمع أواعتبار قادة هذه التيار اوذاك عملاء للأجانب اولا دين ولا حس وطني لهم.

 وعليه فان الالتزام الشرعي والمسئولية الوطنية والواجب الإنساني يتطلب ويحتم على الجميع التمسك واحترام قواعد اللعبة السياسية السلمية والدعوة للمشاركة في بناء المجتمع الإنساني والحضاري والتصدي للأخطار والتهديدات الأجنبية وعدم السماح لاي طرف دفع البلاد نحو هاوية المواجهات وتصعيد الأزمات أو مصادرة حقوق المواطنين لاسيما حقه الدستوري لاختيار مسئولي البلاد بكل نزاهة وحرية واقعية.

* كاتب وإعلامي مستقل

Sky77angels@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/حزيران/2010 - 17/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م