منهج الآباء التربوي بين الماضي والحاضر

تأثيرات الحداثة على التقاليد والأعراف

تحقيق: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: لم يخفِ أبو صالح امتعاضه من مساحة الحرية التي منحَها ابنه صالح لأولاده في الإنكباب على ألعاب "البلي ستيشن" وإدمان أفلام الكارتون والبرامج التلفزيونية والمشاكسة في التصرف والكلام واللعب المستمر واصفاً ذلك بأنه "لامبالاة وقلة توجيه واهتمام". متذكراً أيام والده المرحوم والحزم الذي كان يبديه تجاهه في كل شاردة وواردة بالقول" كان والدي لا يسمح لنا بالحركة أو بالكلام في حضوره إلا لأعظم الأسباب".

وساهمت التغيرات الثقافية والانفتاح ووسائل الترفيه والتكنولوجيا الحديثة في تأسيس دعائم اجتماعية جديدة حول العالم تقوم على أساس الوعي والمعرفة القابلة للتطور كل يوم، لكن الأعراف والتقاليد الاجتماعية بقيت عاملا حاسما في التصدي للثقافات السلبية التي تحاول التسرب للمجتمعات المحافظة.

وتقول انتصار السعداوي، صحفية،" رغم أن الفكر والوعي في الماضي كان بمستوى متواضع إلا أن الفطرة السليمة التي انتهجها آبائنا وأجدادنا في التربية قد نجحت إلى حد بعيد في الحفاظ على أطر الأخلاق والالتزام الديني والاجتماعي، من حيث انهم كانوا غير متساهلين مع أية مشاكسات أو سوء تصرف يبديه الأبناء تجاه أي كان".

وتضيف انتصار،" في حين نجد في الوقت الحاضر أن العشوائية والانقياد مع كل جديد، هو الذي يسيطر على نمط التربية والحياة الاجتماعية خاصة وأن المتطلبات في الوقت الحاضر تملي على الآباء مسؤوليات متزايدة، ويكون ذلك بالطبع على حساب العلاقة الأسرية ومتابعة شؤون الأبناء".

فيما لم يشاركها الرأي الفنان التشكيلي أمجد الكعبي، من ناحية أن الآباء في الماضي كانوا يستغلون أبنائهم قائلاً،" لا ادعي ان الوقت الحاضر مثالي من ناحية التربية ولكن الماضي يفيد بأن الأب كان يرمي بكافة المسؤوليات البيتية على كاهل أبنائه وكأن مسؤولية البيت همٌ يتمنى التخلصَ منه، فضلا عن مختلف أنواع العنف والإساءات التي يواجهها الابناء، الامر الذي يصنع منهم مستقبلا أشخاصاً مهزوزين ناقصي الثقة".

ويضيف الكعبي متحدثا عن صديق له مقيم في احدى دول أوربا،" يقول صديقي ان التربية على الاستقلالية الفردية من اهم الأسس في اوربا وهي مختلفة تماما عمّا موجود في العراق والشرق عموماً، إذ يقولون للأولاد أن لا يكلموا آبائهم عندما يسيئون لهم إلا بعد أن يعتذروا منهم، ويؤكدون على الآباء أن لا يحمّلوا أولادهم اكثر من طاقتهم وأن لا يجبروهم على العمل او القيام بأشياء لا يحبونها، وبالتالي فإن هكذا أسلوب يبني شخصية مستقلة وغير مهزوزة".

لكن حيدر مرتضى، بكالوريوس علوم حياة، يقول،" أساليب التربية تختلف بين امة وأخرى ولا يجب أن نقلّد غيرنا، ففي حين ان الغرب يعلِّم الاطفال الاعتماد المطلق على النفس نرى ان شبابنا يبلغون الثلاثينات والاربعينات ويتزوجون وهم لا يزالون بحاجة لآبائهم وعائلتهم الأصلية إما لظروف اقتصادية او اجتماعية او حتى نفسية".

ويضيف حيدر متأسفاً،" هناك العديد من العادات والتقاليد التي هي غير مشروعة، نقوم بها لأنها متجذرة في مجتمعاتنا او مستوردة من الغرب، في حين ان ديننا الحنيف فيه دستور حياة وتربية متكاملة تبني الأفراد بناءا يعتمد على أسس إنسانية سامية مثل نكران الذات وقيم التسامح والسلم والعدالة.."

الباحث الاجتماعي محمد الأسدي يؤكد انه،" رغم التطورات الفكرية والثقافية والانفتاح على العالم هناك ثوابت تحتفظ بها المجتمعات الشرقية عموما والمسلمة بشكل خاص، كحائط صد للأفكار الدخيلة التي تدعو للتحلل الأخلاقي والاجتماعي، وهذا بطبيعة الحال يساعد إلى حد كبير في صمود الأجيال على ثوابت أسلافهم".

ويستدرك الاسدي بالقول،" لا ندعي ان الثوابت لدينا على درجة كبيرة من الحصانة لكن هذا هو الواقع في عصر العولمة المرتكزة على تصدير الأفكار والثقافات والمعلوماتية حتى جعلت من العالم بأسره قرية صغيرة".

وينصح الاسدي أرباب الأسر،" بضرورة تثبيت تعاليم ديننا الحنيف في ضمير الأبناء، على قاعدة التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر، وأن يكون ذلك عبر اتِّباع منهج الوسطية والاعتدال دون التطرف الذي خلق ولا زال يخلق الفتن والفرقة، فنضمن بذلك عدم انجرافهم في تيارات غريبة تكاثرت أنواعها واتجاهاتها المادية دون وعي وإدراك لأهمية الجوانب الإنسانية والروحية".

عبد الامير الزاملي، مدير مدرسة ابتدائية يقول،" اتذكّر حينما كنّا طلاباً كانت المناهج التعليمية صعبة والظروف التي نعيشها قاسية، لكن حرص المعلمين وشدتهم تجاه التلاميذ كانت كفيلة بأن تصنع جيلا واعياً وملتزماً، حيث أن المعلم كان يمارس دورا تربويا إضافة إلى دوره الأساسي المتمثل بوظيفة التعليم، ومن هنا فإن مسؤولية التربية تتوزع على أقسام، أولها البيت والعائلة ومن ثم المحيط أو البيئة بالإضافة إلى المدرسة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/حزيران/2010 - 17/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م