اصل المسألة: السماح بحمل السلاح أو رخصة للقتل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احد افلام السلسلة الشهيرة للجاسوس البريطاني جيمس بوند حمل عنوان رخصة للقتل A View to a kill والذي صدر عام 1985 وقد اتى من قصة قصيرة..

وكثيرا مانسمع هذه العبارة تتردد في أفلامه وانه يحمل (رخصة للقتل) عندما تكتشف هوية جيمس بوند او عندما يدور الحديث عن بعض تجاوزاته للتعليمات العليا. انها امتياز يتمتع به الجاسوس بحيث لا يسأل عن سبب القتل ولا يطالب بتبرير هذا الفعل..

فهو يقتل ويمضي قدما ولا يلتفت وراءه وهذه الرخصة المفتوحة على جميع مديات القتل تعطيه ايضا امتياز حمل جميع انواع الاسلحة الخفيفة وبعضها المتطور جدا والمتخفي بسلع معينة (ساعة – قلم – كاميرة - الخ) واحيانا استخدام بعض الاسلحة الثقيلة التي يجدها امامه (مدفع –  دبابة – طائرة – قاذفة – الخ) وهو في جميع افلامه يرافقه المسدس بأحجام وانواع مختلفة تبعا لتطورات الفترة الزمنية التي يصور بها الفلم..

وقد شغلت قضية حيازة السلاح في أمريكا على سبيل المثال وهو البلد الذي لديه أكثر قوانين حمل السلاح ليبرالية في العالم حيزا كبيرا من الجدال على مدى قرون طويلة بعد -التعديل الثاني- في الدستور الامريكي الذي كان وثيقة الحقوق الاصلية الصادرة عام 1719 (أن الميليشيات المنظمة جيدا واللازمة لأمن أية دولة حرة وحق المواطنين في استحواذ وحمل السلاح يجب ألا يتم المساس بهما). ودار جدل طويل حول معنى مادة الميليشا وما إذا كان التعديل يكفل حق الافراد في حيازة السلاح أم يقصره على ميليشيا جماعية.

وبرغم قرار المحكمة العليا الأمريكية الصادر العام 2008 والذي أكد ولأول مرة على الاطلاق على الحق الدستوري لجميع الأمريكيين في حمل وحيازة أسلحتهم النارية الخاصة بهم الا ان الجدل لا زال مفتوحا حتى الان بين مؤيد ومعترض..

يكثر الحديث بين فترة واخرى في العراق عن اجازة حمل السلاح وخاصة بعد حدوث عمليات استهداف لبعض الشخصيات( اطباء – صحفيون - قضاة  - محامون - اساتذة جامعيون - الخ) من النخب الاجتماعية في العراق..

بعد مقتل احد الاساتذة في جامعة بغداد في مكتبه داخل الجامعة طالب احد الأساتذة في إدارة الجامعة بالسماح بحمل الأسلحة بالنسبة للأساتذة الجامعيين أسوة بالرخصة الممنوحة للأطباء..

ومبرر المطالبة بهذه الرخصة هو ان يكون للاستاذ الجامعي القدرة على الدفاع عن نفسه في مثل هذه المواقف..

في نقاشنا لهذا الطلب والمبررات نقول:

لو سمح للاساتذة الجامعيين بحمل السلاح سيطالب القضاة بذلك أيضا، يتبعهم المحامون والصحفيون ومدراء الدوائر، على اعتبار ان هؤلاء جميعهم مستهدفون ثم سيتبعهم مدربو كرة القدم ورؤساء النقابات والاتحادات الفنية والرياضية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ورؤساء المنظمات المدنية وتجار العراق ورجال الاعمال ثم يأتي دور مطالبة اعضاء هذه الاتحادات والمنظمات والدوائر بالسماح بحمل السلاح.. بعدها ماالذي سيحدث؟

ستتحول الجامعات الى ثكنة عسكرية تشاهد فيها جميع انواع المسدسات تحت الأحزمة وفي الحقائب وفوق المناضد وفي الأدراج وبين الكتب وكراسات المحاضرات وقل مثل ذلك عن بقية الحاملين للسلاح في اماكن عملهم.

سيستدعي حمل السلاح التدريب عليه واجادة استعماله وسيكون السلاح مدعاة للاستفزاز في اوضاع مستفزة اصلا وسيمنح السلاح لحامله القدرة على خرق القانون لما يتمتع به السلاح وحامله من قوة وسلطة تريد ان تتسيد المواقف والاشكالات.

سوف تمتد اليد لا شعوريا الى السلاح المخبأ في مكان ما عند اقل جدال بين الاستاذ وطالبه او بين المحامي وموكله وبين الرئيس ومرؤوسه وسيكون الانفعال المنفلت هو سيد الموقف في التعاملات بين الاخرين .. فالسلاح قوة تغيّب المنطق والعقل وتحول المجتمع الى غابة القوي يأكل الضعيف فيها..

ولنتخيل جامعة او مؤسسة او منظمة او محكمة واحدة فيها مائة من حاملي السلاح وكل واحد منهم يحمل مسدسا في حقيبته او جيبه او تحت حزامه، ونتخيل طبيعة ماسيدور في احاديثهم وحجم التباهي بما يحملون من اسلحة بموديلات حديثة واسعار متفاوتة مثلها مثل التباهي بالسيارات الحديثة كاملة المواصفات.. وهو – التباهي – موجود في داخل النفس الانسانية.. وهو لن يكون غريبا عن طبيعة المجتمع العراقي الذي يعلّي من قيم القوة والسلطة والتفاخر بحمل السلاح وإطلاق النار في جميع مناسباته فرحا كان او حزنا.. وهو مجتمع خضع للعسكرة المستديمة لأكثر من عقدين في فترة النظام السابق.. ولا زال مجتمعا ينزع الى التباهي بامتلاك الأسلحة واقتنائها.. حتى انها تحولت الى رشاوى انتخابية لاستمالة الولاءات وكسب الأصوات..

اصل المسالة: كفانا رخصة للقتل..

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/حزيران/2010 - 16/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م