شبكة النبأ: في عالم اليوم أصبح رجل
الامن وطبيعة سلوكه وادائه لواجباته من المظاهر التي تعكس درجة التحضّر
في المجتمعات المختلفة، فيمكن لهذا السلوك أن يكون دليلا على الرقي من
عدمه، ولعل حجر الزاوية في هذا المجال يكمن بالمستوى الثقافي والعلمي
الذي تتشكل منه شخصية رجل الامن.
ويمكن للمراقب أن يرصد ذلك الاهتمام الكبير من قبل الشعوب المتطورة
بتدريب رجل الامن على اداء واجباته بطرق متحضرة تتسق مع كرامة الانسان،
ومع أننا نتفق على أن ثقافة وسلوك رجل الامن تنتمي الى ثقافة وسلوك
المجتمع نفسه، إلا أن التعليم والتوضيح والتدريب (التعليمي) له دوره
الكبير في صقل الشخصية وتشذيبها من الافعال التي قد تشكل خرقا لحقوق
الانسان.
كما أننا نفهم ونقر بأن رجل الامن يمكن أن يكون النموذج الامثل في
تطبيق القانون الامر الذي يجعل من الآخرين الأقل وعيا ومعرفة بتطبيق
القانون ينظرون الى شخصه بإعجاب كونه يمثل الجانب الرسمي من الدولة
ويتمتع بهيبة القانون التي تفرض هيبتها على الجميع من دون استثناء، ومن
الطبيعي أن يحاكي العامة رجل الامن في سلوكه وانضباطه من عدمه.
بمعنى كلما كان رجل الامن أكثر حرصا والتزاما في تطبيق القوانين
كلما كان مصدر فخر واعجاب الآخرين وبالعكس، فحين يكون أول المتجاوزين
على القانون عندها سيكون محط تندّر الجميع وامتعاضهم ايضا، بل سيكون
البوابة الواسعة التي يدخل منها (المتخلفون) الى ساحة التجاوز على
الحقوق العامة والخاصة في الوقت نفسه، حيث يصبح مثالا للتجاوز على
القانون بدلا من أن يكون الراعي الاول له والمنفذ الأول لبنوده أمام
الملأ.
ولعلنا نلاحظ بوضوح ذلك المدى الشاسع بين رجل الامن المتعلم والمثقف
وبين من لا يجيد سوى التجاوز على القانون نفسه !! وكثير منا يقص في
مجالسه الشخصية والعامة حكايات ومشاهدات تصب في هذا الاتجاه، فيكون
اعجابنا لافتا برجال الامن الذين ينتمون الى شعوب تنطوي على ثقافات
سلوكية متحضرة، فيما نصب جام غضبنا وامتعاضنا من اولئك الذين لا يفرقون
بين الانضباط والإلتزام بالقانون وبين مخالفته وضرب بنوده النظرية
والعملية عرض الحائط.
ومن المؤسف أننا قد نرى بأم أعيننا من الحوادث والاعمال التي ترصد
بعض رجال الأمن وهم متلبسين بالتجاوز على الناس وحقوقهم في الوقت الذي
يجب أن يحافظوا عليهم ويحموهم من تجاوزات العابثين واصحاب السلوك
المتردي، لاسيما في الاماكن العامة وطرق السير وما شابه، كما يحدث ذلك
في المناسبات التي تتكاثر فيها الازدحامات في الشوارع والساحات
والحدائق العامة وما شابه.
ومن المؤسف أيضا أن بعضهم يشعر وكأنه سيدا على الآخرين وآمرا لهم
ويرتفع عليهم بدرجات، لذا عليهم أن يغضوا الطرف عن أخطائه وينفذوا
أوامره، ناهيك عن التغاضي وعدم الاعتراض على تجاوزاته التي يستند فيها
الى قوة مركزه كرجل أمن يمثل السلطة الحاكمة، وهو أمر لايليق قط برجل
الامن بل من المعيب أن يظهر بهذه الصورة التي تلحق الأذى بالجهود
المخلصة التي تقوم بها الاجهزة الامنية من أجل حماية الناس من عبث
العابثين والخارجين على الاعراف والاخلاق والقانون الوضعي في الوقت
عينه.
لهذا نحن بحاجة الى رجل الامن المثقف المتعلم الذي يؤمن بالقانون
ويعرف حدوده تماما، فيضع حدا بين تطبيقه الصحيح وبين مآربه الشخصية
التي قد تدفعه إليها رغباته وأهوائه، فنحن نقر بأن رجل الامن إنسان قبل
أي شيء آخر وهو ينطوي في كنونته على رغبات واهواء وأمزجة واندفاعات قد
تضر به وبالآخرين اذا عجز او فشل في التحكم بها، فيتحول حينذاك من حام
ومطبق للنظام الى عابث متجاوز عليه، وهذا ما يسيء له شخصيا ولدور
الاجهزة الامنية على وجه العموم.
من هنا يتطلب الامر بعض الخطوات التي تصب في بلورة الجهود الهادفة
لتقويم رجل الأمن وتحصينه من الاخطاء التي قد تُرتكب عن قصد او دونه،
ونقترح هنا بعضا من هذه الخطوات:
- حرص الجهات المعنية على التثقيف والتعليم المستمر لرجال الأمن
وفقا للوائح حقوق الانسان المحلية والعالمية.
- عدم زج العناصر غير المناسبة في هذا المجال الأمني الحيوي.
- التأكيد على أهمية التحصيل الدراسي والخلفية الاجتماعية التي
يترعرع فيها رجل الامن.
- الحث من لدن المنظمات المعنية على اهمية تطبيق النظام على النفس
اولا وعلى الآخرين أيضا.
- أهمية الفصل بين سلطة الذات وسلطة الوظيفة الامنية ومعرفة حدود
الصلاحيات المتاحة له وفقا لما ينص عليه النظام والقانون المعني.
- إدخال العناصر الضعيفة في دورات عملية ونظرية لاداء الواجب على
الوجه الأمثل.
- أن يؤمن رجل الأمن بأنه النموذج الأفضل للآخرين في تطبيق النظام
والقانون معا.
- أن يفهم ويؤمن بأنه مسؤول مهنيا وأخلاقيا على حماية المواطنين من
جميع التجاوزات المتوقعة أيا كان مصدرها.
وبهذا يمكن أن نصل فعلا الى بناء رجل الأمن النموذج الذي يشكل بدوره
لبنة مهمة وأساسية من الهيكل العام لأجهزة الدولة الامنية التي لا يكون
همها سوى تطبيق النظام والقانون سواسية، من أجل حماية أفضل وخطورة أقل. |