الزراعة في العالم تحديات الأمن الغذائي

 

شبكة النبأ: بات ملف الأمن الغذائي يحتل حيّزاً مركزياً في أجندة التنمية للأسرة الدولية، بعد أزمة الأغذية والوقود نتيجة ارتفاع أسعارها بشدة.

وأعلن مدير فريق الزراعة في دائرة أفريقيا التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية الحكومية جيف هيل، أن الوضع الراهن يشير إلى أن عدم الاهتمام بالزراعة ينتج عواقب وتبعات على الاستقرار العالمي وعملية التنمية الاقتصادية. ولجأت بعض الدول الغنية الى شراء واستئجار اراضي زراعية من دول العالم الثالث لتأمين مستقبل الامن الغذائي لتلك الدول.

وأشار مختصين الى ضرورة الاهتمام بتطوير الموارد الزراعية والمساهمة في ازدهارها خلال السنوات المقبلة، لكنها تحتاج إلى مساعدات فنّية وعلمية في الأبحاث الزراعية وتوسيع نطاق البنية الأساسية والخدمات للمزارعين.

تنمية دولية

وناقش مدير فرع الزراعة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية موضوع الأمن الغذائي في  مركز ويلسون للباحثين الدوليين في واشنطن، وأشار إلى المبادرة التي وافقت عليها «قمّة الدول الثماني» في لاكويلا في إيطاليا في تموز (يوليو) الماضي، حيث تعهد قادة الدول الكبرى معالجة مشكلة الأمن الغذائي من خلال اهتمام أكبر بالقطاعات الزراعية عبر تقديم 20 بليون دولار على مدى 3 سنوات كاستثمارات طويلة الأجل في قطاعات الزراعة والمزارع، ودعم العمليات التي تقودها الدول بمفردها، وتنسيق المساعدات استراتيجياً ودعم دور ناشط للمؤسسات الدولية المتعددة الطرف.

وأوضح أن الولايات المتحدة تعتمد على المبادئ الخمسة التي اتفق عليها في قمة لاكويلا لرسم استراتيجيتها للأمن الغذائي ومعالجة القضية في شكل شامل. وحدَّد ثلاثة عناصر مهمة لاستراتيجية الأمن الغذائي الأميركية، هي الاهتمام أكثر بالزراعة المستدامة والنقل والتمويل وبسلسلة القيمة الزراعية، بدءاً بالإنتاج وانتهاء بالاستهلاك، والتركيز على أهمية التغذية ومكافحة سوء التغذية وإقرار الدور المهم الذي تلعبه المساعدات الإنسانية في مجهود تحقيق الأمن الغذائي والحاجة لزيادتها إلى أقصى حد ممكن. بحسب رويترز.

وأشاد هيل بـ «برنامج التنمية الزراعية الشاملة في أفريقيا» الذي يُجرى تصميمه وقيادته وتنسيقه من قبل زعماء أفارقة. وتابع أن الولايات المتحدة تريد دعم هذه «العملية الفريدة من نوعها» التي تطرح استراتيجية زراعية للقارة كلها، بدلاً من 53 استراتيجية منفردة لكل دولة أفريقية على حدة.

من جهتها ركَّزت الخبيرة الاقتصادية جولي هوارد التي تدير المؤسسة الأميركية «الشراكة للقضاء على الجوع والفقر في أفريقيا»، على الزراعة في أنغولا «التي كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في المجال الزراعي قبل أن تحصل على استقلالها عام 1975».

وأوضحت أنها تفضل المزارع الصغيرة في أنغولا، على رغم أنها تسلّم بأهمية الكبيرة أيضاً، لأن «تطوير تجمعات ريفية حيوية من خلال مزارع صغيرة، سيلعب دوراً أساسياً في الترويج لمصالحة سياسية في أنغولا التي اكتوت بحرب أهلية طويلة الأمد». وأكَّدت أن على أنغولا أن تطوّر قطاعها الزراعي، على رغم امتلاكها قطاعي نفط وغاز مزدهرين، لحماية اقتصادها من التذبذبات والاضطرابات في قطاعي النفط والغاز.

وشدَّدت على الحاجة إلى استثمارات استراتيجية في البنية التحتية الأساسية، كالطرقات والجسور، وتدريب جيل جديد من العلماء الزراعيين والمحللين التنمويين وتعليمهم.

وأوصت بأن يجري خبراء في الزراعة والاقتصاد، دراسات جدوى اقتصادية لكل محصول يمكن زراعته، كالقهوة والشاي، قبل المضي قدماً فيها، لتقويم مدى قابلية تلك المادة الخام للنجاح الاقتصادي على المدى الطويل.

وأشار وزير الزراعة الأنغولي بانزو دومينغوس الى ان أنغولا تملك ثروة حرجية تمتد على مساحة 53 مليون هكتار من الغابات التي تضمّ موارد طبيعية زاخرة قابلة للتطوير. وأضاف أن تطوير الموارد الزراعية يساهم في ازدهارها خلال السنوات المقبلة، لكنها تحتاج إلى مساعدات فنّية لا سيما في الأبحاث الزراعية وتوسيع نطاق البنية الأساسية والخدمات للمزارعين.

إطعام الملايين

وساهمت النجاحات الزراعية المتعاقبة في العقود الأخيرة في تخفيض نسبة الناس الذين يقاسون من الجوع من ثلث إلى سدس سكان العالم. إلا أن تلبية الاحتياجات الغذائية في المستقبل ستكون صعبة نظرا للتحديات القائمة كتغير المناخ وزيادة تقلبات الأسواق. وقالت بانديا – لورتش من المعهد الدولي للابحاث إن ديموغرافيا السكان مبعث للقلق أيضا. فالنمو السكاني بحد ذاته، يضاف إليه تسارع وتيرة نزوح سكان الأرياف من قراهم إلى المدن في عدد من البلدان النامية، سيشكل ضغوطا على أنظمة المساعدة الغذائية ويجهدها.

ويبرز تقرير "النجاح المؤكد في التنمية الزراعية" الذي أصدره المعهد الدولي لأبحاث السياسة الغذائية مؤخرا, وهو  تقرير يربط بين النجاح وزيادة الأمن الغذائي, 20 من النجاحات التي تحققت. وأكثر من نصف تلك النجاحات حدث في آسيا. وتحققت خمسة في أفريقيا، وهناك قصة نجاح واحدة في أميركا الجنوبية، ونجاحان على النطاق العالمي.

وأفادت بانديا_لورتش إن النجاحات التي تحققت كانت نتيجة الاستثمار على المدى الطويل في العلوم والتكنولوجيا بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة العامة في الطرق الريفية وبنية السوق الأساسية والتعليم إضافة إلى الحوافز التي تشجع أصحاب المشاريع المغامرين في العمل التجاري على الاستثمار في الزراعة.

وأشارت  لورتش إلى أن التدخلات المبكرة تركزت في زيادة إنتاج المواد الغذائية الأساسية. ومن الأمثلة على ذلك التعاون الدولي لاحتواء مرض صدأ القمح الذي ظهر في المكسيك في أواسط الخمسينيات، وضمان حصول نحو 120 مليون أسرة على المواد الغذائية الكافية.

وقد ساهم إيجاد أنواع من المنيهوت( نبات ذو جذور نشوية تستخرج منه مواد مغذية) المقاوم للفيروسات والحشرات في شرق أفريقيا في السبعينات والثمانينات في زيادة المحاصيل من المنيهوت( الكاسافا) وتحويل جذوره النشوية إلى سلعة مجزية ماليا.  

وأرسى القلق من العواقب التي تترتب على النمو الزراعي السريع حركة بدأت في السبعينيات لانتهاج الممارسات الزراعية المستدامة بيئيا. وتشمل الأمثلة عليها الابتكارات التي يقودها المزارعون في مجال التربة المستدامة والمياه والغابات. ففي الثمانينات، أدت إدارة المحاصيل التي تم تبنيها في بوركينا فاسو والنيجر إلى استصلاح ملايين الفدادين من الأراضي القاحلة وجعلها أراضي منتجة.

وأدى استخدام أساليب الفلاحة بدون حراثه وزراعة أنواع من فول الصويا المقاومة لمبيدات الأعشاب في الأرجنتين إلى تحسين خصوبة التربة وذلك من خلال عكس تيار استمر عقودا من تآكل التربة وتفتتها وأسهم في زيادة الإمدادات العالمية من فول الصويا.

وشهدت أواخر القرن العشرين تغيرا في كثير من البلدان التي تحولت واتجهت نحو التنمية المدفوعة بمتطلبات السوق.

ففي كينيا أسهمت الإصلاحات السياسية في أوائل التسعينات فى زيادة الاستثمارات الخاصة بالسماد والتسويق. وكانت النتيحة فائضا في إنتاج الذرة وانخفاضا في التكاليف التي تترتب على المزارعين.

ثمة نجاح آخر أشاد به التقرير وهو الانفتاح الاقتصادي في أسواق بنغلادش خلال الثمانينات مما خفف القيود على استيراد أجهزة الري. وهذا أدى بدوره إلى حفز نمو سريع في زراعة الأرز.

وأدى تركيز الاهتمام على الأسواق إلى توفير الفرص لتنويع المحاصيل وإضافة البقول والفواكه والخضار والسمك ومشتقات الألبان إلى المحاصيل الأساسية. وأدى تحسين أنواع فاصوليا مانغ (تعرف أيضا بالفاصوليا الخضراء أو المونغو، وموطنها شبه القارة الهندية) في آسيا إلى زيادة المحاصيل بنسة 35 بالمائة من العام 1985 حتى العام 2000. وفاصوليا مانغ غنية بالمادة البروتينية والحديد، وهي مفيدة في المحافظة على خصوبة التربة.

وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية في تغيير القطاع الزراعي وتحويله في بعض البلدان، مما زاد في الأمن الغذائي. ومن قبيل المثال على ذلك ما حدث في الصين التي أعادت بين العامين 1978 و1984 أكثر من 95 بالمائة من أراضي البلاد الزراعية إلى نحو 160 مليون أسرة ريفية مما أسهم في زيادة بلغت نسبتها 30 بالمائة في إنتاج الحبوب وزيادة حادة في المداخيل الريفية.

البلدان النامية

من جانب آخر أوضحت دراسة دولية مؤخرا إن الزراعة بحاجة إلى تغيير ثوري لمواجهة تهديدات مثل ارتفاع حرارة الأرض وإنهاء المجاعة في الدول النامية بدون إضافة أناس إلى صفوف البدانة.

وأفادت دراسة إن منطقة جنوب آسيا وإفريقيا ستكون"معارك من أجل الحد من الفقر" فيما يرتفع عدد سكان العالم إلى ذروة له في عام 2050. وأضافت أن إمكانات حدوث تطور سريع في مجال الحد من الجوع في الهند وبنجلادش أفضل منها في أفريقيا جنوب الصحراء.

وقال التقرير الذي جاء في الدراسة  و الممول من هيئات بما في ذلك البنك الدولي والمفوضية الأوروبية إن البحوث الزراعية تحتاج إلى إصلاحات "جذرية مثل تلك التي حدثت خلال الثورة الصناعية والزراعية في القرنين التاسع عشر والعشرين". بحسب رويترز.

وأشار التقرير إلى أن هناك تقديرات بالحاجة إلى صافي استثمارات قدرها 83 مليار دولار في السنة بأسعار 2009 للبلدان النامية لتلبية توقعات الأمم المتحدة الخاصة بالطلب على المواد الغذائية في عام 2050. وأضاف "هذا يمثل زيادة بنسبة 50 في المائة تقريبا عن المستويات الحالية".

ومن المتوقع أن يرتفع سكان العالم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 مقارنة مع 6.8 مليار الآن. ويعيش حاليا بين مليار ومليار ونصف في فقر.

وقال جوليس بريتي أستاذ البيئة والمجتمع في جامعة ايسيكس في انجلترا وهو ضمن معدي التقرير "هناك تقدم هائل في التنمية الزراعية في السنوات الخمسين الماضية مع زيادة ملحوظة في الانتاجية".

وقال عن هذه الدراسة التي ستقدم في 28-31 مارس آذار في اجتماع يضم ألف خبير في المزارع في مونبلييه بفرنسا "لكن مازال هناك مليار شخص يعانون الجوع وهناك الكثير من التقدم الذي تم إحرازه على حساب البيئة".

وقال "هناك عدد من التهديدات الخطيرة الوشيكة التي ربما تكون تلوح في الأفق بالفعل وهي تغير المناخ وأزمة الطاقة والتشكك الاقتصادي في النمط الحالي والتغير السريع في أنماط الاستهلاك".

وقال بريتي "احد المخاطر هو أن الدول الفقيرة قد تقلد الأذواق من البلدان الغنية حيث ترتفع معدلات البدانة. وفي دول نامية بما في ذلك بيرو وغانا وتونس "هناك الآن عدد من زائدي الوزن اكبر من عدد الجياع في العالم".

 من جهته قال شاه محمود قرشي وزير الخارجية الباكستاني ان باكستان ستمضي قدما في خططها لتأجير أو بيع أراضي زراعية لمستثمرين أجانب رغم قلق الامم المتحدة حول مثل هذه الصفقات بدلا من ترك الاراض دون زراعة.

وعرضت باكستان العام الماضي بيع أو تأجير مليون فدان( 404700 هكتار) من الأراضي الزراعية لمستثمرين أجانب يتطلعون لتأمين إمدادات غذائية لدولهم مما أثار احتجاجات شعبية ضد هؤلاء المستثمرين بدعوى أنهم يستولون على الأراضي الباكستانية.

وأعربت الامم المتحدة عن قلقها من أن حقوق المزارعين في الدول النامية قد تتعرض لتنازلات اذا اشترت الدول الغنية أراضيهم.

وقال قرشي في مقابلة صحفية مؤخرا خلال زيارته لدبي "يسئ كثير من الناس فهم هذه الصفقات ونحاول الآن أن نوضح لهم أن الأراضي التي نريد بيعها ليست مملوكة لأحد ولا يجري فيها أي نشاط زراعي حالي.

الأراضي التي نريد عرضها على المستثمرين لا يستخدمها أحد نظرا لنقص الاستثمارات لذا فإننا نلتزم بالمضي قدما في الصفقات."

وقال قرشي إن الأراضي المعروضة تقع في إقليم السند الغربي وإقليم البنجاب الشمالي الغربي. وأضاف أن ما يزيد عن 60 في المائة من سكان باكستان البالغ عددهم 170 مليون نسمة يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من الإيرادات الزراعية.

مزارعو أوربا

وفي ذات السياق قال مكتب الإحصاءات الأوروبي(يوروستات) مؤخرا إن إيرادات المزارعين في الاتحاد الأوروبي سجلت أكبر انخفاض في عشر سنوات هذا العام بسبب أثار الأزمة الاقتصادية على أسعار المحاصيل الزراعية والإنتاج.

وأضاف يوروستات أن الدخل الزراعي الحقيقي للعامل في الاتحاد الذي يضم 27 دولة تراجع 12.2 بالمائة مقارنة مع انخفاض بلغ 2.5 بالمائة في العام الماضي.

وقالت مفوضة الزراعة بالاتحاد الأوروبي ماريان فيشر بويل في بيان "من الواضح أن الأزمة الاقتصادية كان لها تأثير كبير جدا على مزارعينا مع انخفاض الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج نسبيا." ونظم مزارعون أوروبيون احتجاجات وإضرابات ومقاطعات للإمدادات في الأشهر الأخيرة بسبب انخفاض الأسعار وطالبوا الاتحاد الأوروبي بتنفيذ قواعد لتنظيم السوق للسيطرة على تقلبات الأسعار.

وقالت فيشر بويل إن الأرقام تبرز الحاجة إلى سياسة زراعية أكثر صرامة للاتحاد الأوروبي واستمرار الدعم المباشر للمزارعين.

وأظهرت التقديرات أن من المتوقع أن متوسط دخل العامل تراجع في 22 دولة وارتفع في خمس دول. وشهدت المجر أكبر انخفاض بنسبة 35.6 بالمائة بينما سجل المزارعون البريطانيون أكبر زيادة في الدخل وبلغت 14.3 بالمائة.

وتراجع دخل المزارعين في فرنسا -أكبر منتج للحبوب في الاتحاد الأوروبي واكبر مستفيد من الدعم الزراعي- بنسبة 19.8 بالمائة بينما انخفض في ألمانيا بنسبة 21.0 بالمئة.

وقالت جماعة كوبا-كوجيكا التي تمثل المزارعين الأوروبيين ان السبب الرئيسي وراء التراجع هو ضعف الأسعار التي يتلقاها المزارعون مقابل إنتاجهم.

وأضافت الجماعة في بيان أنه منذ 2003 واجه المزارعون اتجاها نزوليا متواصلا في الأسعار وارتفاعا في التكاليف مما دفع الدخل في بعض البلدان الى مستويات منخفضة لم تشهدها منذ 15 عاما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/أيار/2010 - 14/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م