مشكلة الفراغ.. آثار كارثية ومبادرات وقائية

عبد الكريم العامري/ باحث اجتماعي

 

شبكة النبأ: ان الإنسان السليم نفسيا وسلوكيا هو الذي يتم تفاعله في نطاق الجماعة وعلاقاته مع أفرادها بأسلوب صحي مستقيم يحترم حقوق الآخرين ومشاعرهم، يكون متكيفا مع معايير الخلق وآداب السلوك. بيد أن كل مجتمع لا يخلو من أفراد ينحرفون بسلوكهم عن السواء وينقصهم التكيف الصحي في محيط المنزل أو المدرسة او المجتمعات المحلية. هذه المشكلات ذات تكوين يختلف من واحد الى آخر، كما أنها ليست بدرجة واحدة من الخطورة.. لكنها تظل مصدر قلق في حياة الفرد نفسه وفي حياة مجتمعه. تهدف دراسة هذه المشكلات غالبا الى غرض وقائي في تلافي أسبابها مقدما والى غرض علاجي توجيهي.

ان المشكلات النفسية التي يعاني منها أفراد المجتمع كثيرة ومتداخلة لكن سنكتفي بتحليل موجز لمشكلة موجودة سوف تزداد في مجتمعنا العراقي في العطلة الصيفية خصوصا وتكون أكثر إلحاحا.

مشكلة أوقات الفراغ:

مشكلة أوقات الفراغ تكاد تكون عالمية، أصبحت موضع اهتمام غير قليل من الأمم. لما لها من آثار سيئة في شتى مجالات الحياة، كان لذلك منظمات دولية، مؤتمرات وندوات، قدمت فيها البحوث العلمية بالعشرات.

إذا علمنا أن أوقات الفراغ تستغرق في المتوسط لدى أعداد هائلة من الأفراد معدل 5 ساعات يوميا في النهار مثلا أدركنا أن حجم المشكلة يمتد على مسافة كبيرة من الحياة ترتفع في أوقات متعددة. ليست المشكلة في إهدار الوقت عبثا بل في إساءة استخدامه مكانا وزمانا، أسلوبا، أصدقاء، سلوكا.

أهمية دراسة مشكلة أوقات الفراغ تكون عموما لأهداف تنظيمية للحياة النفسية والاجتماعية لقطاع كبير من الأفراد، إذ تهدف عادة الى ما يلي:

1ـ معرفة مقدار أوقات الفراغ لدى فرد أو آخر زمانا ومكانا.

2ـ بيان طرائق قضاء أوقات الفراغ من مختلف النشاطات والرغبات.

3ـ بيان الآثار السلوكية السيئة الناجمة عن عدم استغلال أوقات الفراغ وما يظهر في ذلك من مشكلات نفسية واجتماعية.

4ـ تقديم توصيفات لعلاج تلك المشكلات، ذكر المجال لاستغلال أوقات الفراغ.

أوساط المشكلة:

يحدد علماء النفس الاجتماعيون ان مشكلة الفراغ تظهر عادة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 ـ 30 سنة لأن هذه المرحلة العمرية تظهر فيها مشكلة الفراغ الواسع بآثارها النفسية والاجتماعية، التي تختلف من مجتمع الى آخر، الذي يهمنا منها البيئة المجتمعية العراقية وأفرادها.. عامل، طالب، موظف، عسكري، عاطل، أعزب..الخ.

ان مظاهر سلوكهم الرئيسية في أوقات فراغهم بدون ترتيب أو تنظيم:

1ـ جلوس في المقاهي خاصة النارجيلة والمخدرات وما إليها وصالات الألعاب.

2ـ السباحة في الأنهار والجداول والترع.

3ـ تجوال عابث في الطرقات العامة والخرائب والقطع السكنية المهملة سواء على الأقدام أو الدراجات النارية.

4ـ رياضة في الشوارع العامة والأزقة.

5ـ رياضة في النوادي بدون تحديد نوع النشاط أو حضور المباريات، أو صالات الكمال الجسماني.

6ـ زيارات للأندية الأدبية والثقافية.

7ـ زيارات للمساجد والجوامع.

8ـ قراءات خاصة في المنزل.

9ـ ألعاب منزلية مع أفراد الأسرة.

10ـ سماع الإذاعة ومشاهدة برامج التلفزيون والانترنت.

11ـ رحلات جماعية لأطراف البلد أو البلاد الأخرى.

12ـ انطواء ذاتي بعيد عن الأهل والأصدقاء.

مشكلات أوقات الفراغ:

إن أهم المشكلات التي يمكن تشخيصها كما يلي:

1ـ عدم وجود وعي رياضي عام نافع لاستغلال أوقات الفراغ لتقوية الجسم والذهن والقدرات الأخرى.

2ـ عدم وجود أصدقاء صالحين للمرافقة.

3ـ وجود أصدقاء سوء يفسدون الذوق والسلوك.

4ـ عدم وجود أماكن مناسبة لقضاء أوقات الفراغ حيث توجد عبارات تحد من دخولهم بعض الأماكن.

5ـ عدم استغلال وقت الفراغ للتنمية العلمية أو العملية أو الأدبية ..الاقتصادية لتعلم مهارة أو حرفة أو صنعة.

6ـ عدم وجود أجواء منزلية تشجع بعض الأفراد على المكوث فيها بسبب صغر المنزل، مرض أحد الأبوين، عدم توفر أجهزة اللهو بسبب فقر الحال أو غلاء أثمانها.

7ـ ضعف ميول المطالعة الحرة في المكتبات أو المنازل، خاصة لكتب التوجيه السلوكي.

8ـ ظهور ميول انطوائية انعزالية زادت نسبتها في بعض البحوث واعتبرت نقطة مهمة يستوقف معها المختص بالدراسة والتحليل.

9ـ لتلبية النفقات يضطر البعض الى السرقة والنشل، النصب والاحتيال يطلق عليهم المجتمع رقم (56).

مواجهة المشكلة:

لا بد لمواجهة الآثار السلبية السيئة لمشكلة الفراغ في مجالها النفسي والاجتماعي من العمل فيما يلي:

1ـ إقامة نواد رياضية ثقافية اجتماعية على مستوى المدن وأحيائها الفرعية.

2ـ تنظيم رحلات داخلية وخارجية تحت إشراف موجهين نفسيين اجتماعيين خاصة للطلبة المتفوقين لإبعادهم عن الأوساط السيئة.

3ـ إيجاد متاحف حضارية وفلكلورية، حدائق عامة، متنزهات رحبة، مسابح نظامية.

4ـ توعية الأسرة لإقامة أجواء منزلية مشجعة مثل المكتبة المنزلية، الحديقة المنزلية،، إقامة حوض للسمك، ألعاب.

5ـ زيارات للعتبات المقدسة خاصة خارج المدن، مع اقامة علاقات أبوية ايجابية مع القيام بزيارات للأقرباء والمعارف.

6ـ العناية بجمعيات المخيمات الكشفية.

7ـ إقامة دراسات مسائية أو ليلة لإكمال الدراسة أو اكتساب مهارات فنية أو عملية تمتص وقت الفراغ فيما يجدي.

8ـ برامج ارشادية توجيهية لتوعية الافراد لأحسن الطرق لاستغلال أوقات الفراغ فيما ينفع.

خلاصة حكمية:

ليتذكر الفرد قول رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل:

عن عمره فيما أفناه؟

وعن علمه فيما فعل فيه؟

وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟

وعن جسمه فيما أبلاه؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/أيار/2010 - 14/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م