دويلة شاليط

صفاء ابراهيم

الشعب هو اول المقومات التي يجب توفرها في اي دولة من الدول تليه الارض التي تبسط عليها سيادتها والمؤسسات الدستورية والقانونية التي تسير شؤونها الدول بشعوبها وشعب كل دولة هو مجموعة من الناس الذين يجمعهم ويوحدهم رابط معين وهذا الرابط هو مقياس تماسك أي شعب من الشعوب اذاكان قويا وهو في نفس الوقت مقياس تشرذم ذلك الشعب اذا كان واهيا ضعيفا.

هذا الرابط قد يكون قوميا اذا كان الشعب من قومية واحدة او من قومية غالبة مع وجود قوميات اخرى ضئيلة العدد مثال ذلك الشعب الالماني والشعب الفرنسي وسواهما من الشعوب.

وقد يكون الرابط دينيا اذا كان كل او اغلب الشعب من دين واحد مع نمو الروح الدينية وشيوعها فيه على الظاهر و بوجود حكومة تتبنى الدين منهجا وممارسات مثال ذلك شعوب الخلافة الاسلامية السابقة ومن بعدها الدولة العثمانية لغاية انهيارها.

وقد يكون الرابط فكريا سياسيا اذا ما تبنى الشعب وحكومته مذهبا سياسيا معينا حتى لو اختلفت اديانهم وقومياتهم مثال ذلك شعب الاتحاد السوفيتي السابق وشعب جمهورية الصين حاليا بتبنيهم الايدلوجية الشيوعية فكرا ومنهجا.

وقد يكون الرابط قانونيا مؤسساتيا حيث تتعدد القوميات والاديان ولا يوجد فكر او مذهب سياسي واحد يتبناه الشعب الا انه مع ذلك تجمعه مؤسسات دستورية وقانونية تنظم اموره بالشكل الذي يجعله متماسكا ومنسجما ومثال ذلك نراه في المملكة المتحدة والهند وبلجيكا وبعض الدول الاخرى.

هذه هي اهم الروابط التي تجمع شعوب الارض ولكن لنسأل انفسنا ما الذي يجمع هذا الشعب الساكن بين البحر والنهر؟ ما الذي يؤلف بين افراد هذا الشعب اللامتجانس الرابض بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط؟

البروفيسور ممدوح عبد العليم، استاذ القانون الدولي العام في جامعة بغداد والباحث المشهور ذو المؤلفات العديدة التي تدرسها ارقى الجامعات قال لنا ذات مرة : كلما اكتب بحثا او مقالة بخصوص المنظمات الدولية او المعاهدات والاتفاقيات واجد ان اسرائيل عضو في هذه المنظمة او موقعة على تلك الاتفاقية وان عدد الاعضاء او الموقعين خمسين دولة مثلا فأنا اذكر ان العدد هو تسعة واربعون فقط قلنا له : لماذا؟ قال : لاني لا استطيع في كل الاحوال ان اعتبر اسرائيل دولة بالمعنى القانوني.

اذن باي معنى نستطيع ان نعتبرها دولة؟ وبأي صورة نستطيع ان نعتبر سكانها شعبا مثل بقية شعوب المعمورة؟

بالتأكيد ليس العامل القومي هو ما يجمع سكان اسرئيل ويعطيهم صفة الشعب الواحد لانهم من قوميات لا تعد ولا تحصى، والا ما الذي يجمع اليهود الفرنسيين السفارديم باليهود البولنديين الاشكيناز باليهود الاثيوبيين الفلاشة؟ من المؤكد انهم من قوميات مختلفة متباعدة فيما بينها بعد المشرقين، فبالاضافة لاختلاف الالوان والاشكال واللغات هناك ايضا اختلاف الموروث الحضاري والاجتماعي لكل منهم.

وايضا لا يمكن ان نعد الدين هو ما يجمع هؤلاء لان الديانات الرئيسية الثلاث ينتشر اتباعها في تلك الارض، واكيد ان من يطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية اسرائيل يعلم ان ربع سكانها هم من غير اليهود.

وايضا لا يمكن ان نعد العامل الفكري والسياسي هو ما يمكن ان يوحدهم لان اسرائيل وسكانها لم يعتنقوا قط عقيده فكرية اوسياسية معلومة فضلا عن كونها عقيدة واحدة.

هل ان اسرائيل هي دولة مؤسسات دستورية كي نقول ان ما يجمعهم هو رابطة قانونية مؤسساتية؟ بالتاكيد لا نستطيع ان نصفها بذلك الوصف ما دامت تمارس التمييز العنصري بحق قسم كبير من مواطنيها, والامثلة على ذلك كثيرة من تهويد القدس والاستيلاء على ممتلكات العرب فيها وتجريف الاراضي الزراعية الخاصة بهم ومصادرتها مع انهم قانونا يعتبرون مواطنين اسرائيليين مثل باقي سكانها وبالتاكيد فان دولة المؤسسات يجب ان تحترم حقوق الانسان فأين اسرئيل من ذلك وقد قتل افراد الامن فيها ثلاثة عشر عربيا من سكان الجليل لمجرد تظاهرهم للتنديد بما يجري في غزة من مجازر وحصار وتجويع مع انهم ايضا وبحكم القانون مواطنون اسرئيليون يتمتعون بحق المواطنة.

وكذلك فان دولة المؤسسات يجب ان تحترم المواثيق والمعاهدات وتلتزم بالشرعية الدولية وقرارات المجتمع الدولي ونحن نعلم ان سجل اسرائيل في هذا المجال شديد السواد.

واذا كان اي من العوامل الاربعة سابقة الذكر لايمكن ان يكون سببا كافيا لتوحيد سكان اسرئيل واطلاق صفة الشعب عليهم فما الذي يوحدهم اذن؟

الجندي شاليط اسره الفلسطينيون في غزة وليس بباب بيته في اسرائيل، كان لابسا زيه العسكري ولم يكن بملابس النزهة او بثياب البحر,كان حاملا سلاحه ولم يكن متأبطا كتابه الاثير او آلته الموسيقية،كان يؤدي المهمة التي كلفوه بها، القتل وتهديم البيوت على رؤوس ساكنيها ولم يكن يبني ابراج الكهرباء او يوصل انابيب المياه لمساكن الصفيح التي تعج بفقراء غزة المنكوبين، او يقدم العلاج لجرحى غزة الذين اختنق بهم مستشفى الشفاء, كان قادما للقتل فقط، نعم القتل فقط، هل عرفتم الان ما الذي يوحد هؤلاء؟

ahleen65@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/أيار/2010 - 13/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م